“يا للعجب.”
باختصار، لم تكن الأجزاء المملة السابقة من العقد مشكلةً بحد ذاتها.
أما البنود المتعلقة بالأجر أو بشروط العمل، فبصراحة، لم تكن تهمني كثيرًا.
لكن… الجزء الأخير فقط كان المشكلة.
“عقدٌ أبدي؟”
أبدي؟
أليس هذا، بلغةٍ لطيفة، “وظيفة مدى الحياة”، وبكلماتٍ أقل لطفًا، “عقد عبودية”؟
حدقتُ في سايلك غير مصدقة.
“هل هذا معقول؟”
“ألستي أنتِ من قرأت العقد ووقّعت عليه؟”
“……كانت هناك ظروفٌ قاهرة.”
كالتدخل الجسدي مثلًا… تلك الأصابع الماكرة.
“هاه، حقًا. مهما فكرتُ، فهذا عقدٌ غير عادل. يجب أن أذهب لأحتجّ.”
مهما كان الإمبراطور، لا يمكنني السكوت على هذا الاحتيال.
“هاه! خـ… خمسة آلاف قطعة ذهبية؟!”
وقبل أن أندفع خارج الغرفة، كانت سيسيا التي اقتربت خلسة لتقرأ عقدي بدافع الفضول، قد شهقت وهي تغطي فمها بعينيْن متسعتين كعيني بومة.
“ما، ما بكِ؟”
“يا إلهي، مبلغُ العقدِ المبدئي… هل هذا حقيقي؟”
أملت رأسي حيرةً أمام ردّ فعلها.
كانت سيسيا تفرك عينيها غير مصدقة، ثم بدأت تضرب ذراعي بخفة.
“يا للعجب! هذا المبلغ لا يمكن كسبه حتى لو عملتِ طوال حياتك!”
“……؟ ولمَ؟ هل يكفي لشراء منزل مثلًا؟”
ضحك سايلك بخفة على سؤالي.
“ليس منزلًا، بل يكفي لشراء مقاطعةٍ صغيرة.”
“…….”
كلماته صدمتني حتى فقدتُ القدرة على الكلام.
……
قررتُ أن أغفر.
ليس بسبب المال.
بل، لا، بل هو بسبب المال فعلًا. هذا هو التعبير الأدق، تمامًا.
فكّرت في الأمر مليًّا. ما دام العقد أبديًا، فأنا في النهاية لستُ شخصًا يمكنه العودة إلى حيث أتى، أليس كذلك؟
ثم إن هذا القرار في الحقيقة أفضل ما يمكن أن يحدث لـ’هييلي’ أيضًا.
في مستقبلٍ هشّ كضوء الشمعة في الرياح، وضبابيٍّ كضباب الفجر فوق البحيرة، الثبات الوحيد هو…
“المال.”
أعترف بذلك بصراحة. ما زلت إنسانة مادية حتى النخاع.وأكرر القول: عليّ أن أستعدّ لاحتمال ألا أستطيع العودة إلى واقعي الأصلي.
بعد أن أنهيت يومي بسلام، جلست على ضوء الشموع أقرأ يوميات هييلي بصفاءٍ ذهني.
كنتُ أنوي أن أبدأ بدراسة هذا العالم بجدٍّ أكبر، خاصة بعد ما حدث مؤخرًا.
فقد أدركت بعمق أنه لو حاولتُ قضاء حياتي في القصر الإمبراطوري بلا مبالاة، معتقدةً أن الأمر لا يعنيني، فقد أجد نفسي في عداد الموتى.
‘تبدأ الكتابة من يوم دخولها القصر الإمبراطوري.’
كنتُ أرغب في معرفة المزيد عن شخصية هييلي، لكن للأسف، اليوميات التي وجدتها في غرفتها لم تتناول إلا فترة وجودها في القصر.
“هل كانت علاقتها بروبينشيا على ما يرام منذ البداية؟”
تفاجأتُ قليلًا من غياب أي شكوى من رؤسائها رغم شخصية روبينشيا، التي يصعب التعامل معها عادة.
هل كانت هييلي ذات طبعٍ ملائكي حقًا؟ أم أنها كانت من أولئك الأشخاص ذوي الأعصاب الفولاذية الذين لا يعيرون أمثال روبينشيا اهتمامًا؟
كانت معظم اليوميات تتحدث عن التجارب، وبين الحين والآخر يظهر فيها اسمٌ غامض.
[الساعة 11، لوزان.]
[الساعة 17، لوزان.]
[يوم الفراشة، لوزان.]
‘لوزان.’
حين قرأت اليوميات أول مرة، ظننتُ أنه زميل عملٍ أو معرفة، لكن كلما مضى الوقت دون أن ألتقي به، ازداد عجبي.
فهو يُذكر في اليوميات كثيرًا، ومع ذلك لم أصادفه قط.
لكن ما كانا يفعلانه سويًّا لم يُذكر قط بالتفصيل؛بل كان يُكتفى بذكر الاسم والوقت فحسب، بشكلٍ مقتضبٍ وغامض.
“همم… هل كانت على علاقةٍ سرّية؟”
ذلك سيكون موقفًا مزعجًا حقًا.فإن كانت لها حبيب، فقد أضطر إلى أن أودّعه بدمعةٍ متألّمة كأنني بطلةٌ مأساوية فقدت ذاكرتها.
‘هل عليّ أن أتدرّب بجدّ على التمثيل استعدادًا لذلك اليوم؟’
صرّت الكرسيّ الخشبي حين اتكأتُ عليه بعمقٍ، محدثًا صوتَ أنينٍ خافت.
كنتُ أفكر بسخافةٍ أنه عندما أقبض العربون سأبدّل هذا الكرسي أولًا،لكن في تلك اللحظة—طَق.
صدر صوتٌ ما من عند الباب.
‘ما هذا؟’
أملتُ رأسي إلى الخلف ونظرت نحو الباب.
هناك ورقةٌ بيضاء على السقف… لا، ليس السقف.
رأسي كان مقلوبًا فبدت كذلك، لكنها في الحقيقة موضوعةٌ على الأرض.
مهما يكن، فقد ظهرت فجأةً ورقة تشبه ورق الرسائل.
“لم تكن هناك حين دخلت الغرفة.”
فجأةً تسلّل البرد إلى ظهري.
‘لا يكون…!’
رسالةُ حب؟
اعترفتُ أن سبب هذا الحدس السخيف هو أنني كنتُ منذ لحظاتٍ أغرق في خيالات علاقةٍ سرية.
“كنت أعلم أن يومًا كهذا سيأتي. فحتى أنا أقرّ أنني فاتنةٌ للغاية.”
ضغطت على كتفيّ المنتفخين من الغرور وسرتُ نحو الباب.
التقطت الورقة، وابتسمت شفقةً على تلك الروح الشابة التي وقعت أسيرةً لسحر جسدي، ثم فتحت الظرف.
“……!”
لكن ما إن قرأت ما بداخله، حتى اندفعتُ فورًا خارج الغرفة.
طَاق!
فتحت الباب بسرعة ونظرت يمينًا ويسارًا، لكن الممر كان غارقًا في ظلامٍ كثيفٍ بلا أي أثرٍ لبشر.
نظرت ثانيةً إلى الورقة التي بيدي.
[التجربة رقم 11 ناجحة.]
لم يكن في تلك الملاحظة القصيرة ما يثير الدهشة…
سوى أمرٍ واحدٍ فقط.
‘الخط… متطابق.’
كان مطابقًا تمامًا لذلك الخط الذي ظننتُ أنه خط روبينشيا.
ارتبكتُ بشدّة، ودخلت الغرفة مجددًا خشية أن يراني أحد.أسندت ظهري إلى الباب المغلق وأخذت أرتّب أفكاري.
‘فلنفكّر بعقلانية… لماذا؟’
روبينشيا صنع السمّ، وأُلقي القبض عليه.
لقد أُثبتت جريمته بوضوح من خلال مصل الاعتراف.
فلماذا إذًا تلقّت “هييلي” هذه الورقة؟
هل كان مجرد خطأٍ من جهة الإرسال؟ أم أن هناك أمرًا آخر…؟
“هل كنتِ متواطئةً معه أيضًا؟”
لكن حتى لو كان الأمر كذلك، فهناك ما لا يُفهم.
لو كنتُ شريكته فعلًا، ألم يكن عليه أن يُخبر الإمبراطور بذلك فور أن تناول مصل الاعتراف؟
“…….”
يبدو أن هذه الحادثة ليست بسيطة كما كنت أظن.
كنتُ أعتقد أنه بعد انكشاف جرائم روبينشيا ومعاقبته، فإن السمّ المسمّى “الضباب” الذي استُخدم في القصة الأصلية سيختفي تلقائيًا.
كنتُ واثقة أن تصرفاتي غيّرت مجرى القصة ولو قليلًا.
صحيحٌ أنني فكّرتُ في احتمال أن يظهر سمٌّ جديد، لكن…
إن كان روبينشيا في الأصل مجرد شخصيةٍ ثانوية وُجدت فقط لاختراع السم ثم الاختفاء؟
ماذا لو كان هناك مجرمٌ آخر، أو يدٌ خفية خلفه؟
أفلا يعني هذا أن ما يحدث الآن يجري كله ضمن إطار القصة الأصلية؟
“واو، يا للغرابة.”
هل يمكن أنني أقوم فعلًا بتثبيت أساسات القصة بنفسي؟
فجأةً ساء مزاجي. شعرت وكأن أحدًا يحرّكني بخيوطٍ خفية.
“ترى، هل يمكن أن تكون هناك شيفرةٌ مخفية؟”
مهما يكن، فقد قرأتُ الكثير من القصص. اقتربتُ من الطاولة، ممسكةً بالملاحظة، حتى صرت قريبةً من الشمعة.
ثم رفعتها على مسافةٍ مناسبة بحيث لا تلتقط النار، وأخذت أراقب الورقة وهي تلمع تحت الضوء.
“همم.”
لقد أخطأتُ الهدف تمامًا. يبدو أنني تظاهرتُ بدور المحقّق العظيم بلا جدوى.
برزت شفتاي إلى الأمام بخيبة أمل، وما إن هممتُ بوضع الورقة على المكتب، حتى التقطت عيناي شيئًا آخر.
“…….”
‘توقفي، هذا يكفي. بدأ الأمر يُخيفني فعلًا.’
“ما هذا الآن؟”
على الجزء الداخلي من ذراعي، انعكست تحت ضوء الشمعة حروفٌ بيضاء غريبة.
لم أرَ في حياتي شيئًا كهذا، لا في النهار ولا في الليل.
“حتى إنني لا أستطيع قراءة ما كُتب.”
كانت رموزًا غامضة تتلألأ ثم تختفي مع كل حركةٍ للضوء، كأنها نقشٌ حيٌّ يختبئ ويظهر.
“هاه… يبدو أنني وطئتُ حظًّا سيئًا بحق.”
‘من تكون هذه المرأة المسماة هييلي بحق السماء؟’
—
خرجتُ إلى حديقة القصر الإمبراطوري بقلبٍ مضطرب. في مثل هذه الحالة، كنت أريد ألا ألتقي بأحد.
“…….”
لكنني التقيت.
“ما الذي أتى بسيدنا هنا؟”
وللأسف، كان هو آخر من أودّ مصادفته.
“سيدنا؟”
أوه لا… لقد انطلقت من فمي كلمة “سيدي” دون قصد.
يبدو أنني ما زلت في وضع “التابعة” بعد أن بعت نفسي بخمسة آلاف قطعة ذهبية.
منحني مالًا يكفي لشراء مقاطعة، فغرس في قلبي لقب السيادة بلا وعي.
“زلّ لساني. أعني… جلالتك.”
قال بابتسامةٍ هادئة:
“خرجت لأستنشق بعض الهواء المنعش. لم أظن أنني سأصادفك هنا.”
كان يرتدي ثيابًا مريحة على غير عادته.
رغم أن رداءه المخملي الأسود كان فاخرًا ولامعًا، إلا أنه لم يُشبه ملابس الخروج الرسمية أبدًا.
شَعره الأسود، وعيناه السوداوان، ورداؤه الداكن الذي ينسدل عليه بانسيابٍ ناعمٍ جعل هيئته تشبه نمرًا أسودَ في سكون الليل.
‘يا له من مظهرٍ مهيبٍ ومفترس في آنٍ واحد.’
جلس الإمبراطور على حافة نافورة الحديقة، والماء المتناثر خلفه يتلألأ بضوء القمر.
ربما كان الجوّ حارًا فعلًا، إذ رغم أن الربيع لم يكتمل دفؤه بعد، جلس على الحجر البارد ليُطفئ حرارته.
“يبدو أنك تشعر بحرٍّ شديد، جلالتك.”
ابتسم الإمبراطور بخفةٍ على سؤالي.
‘لماذا يبتسم كلّما فتحتُ فمي؟ هل هو سريع الضحك بطبعه أم ماذا؟’
“وماذا عنكِ، أيتها الصيدلانية؟ ما الذي أخرجك في هذا الليل؟”
“لم أستطع النوم فحسب…….”
“لو كنتُ مكانك، لاستعنتُ ببعض الدواء. لكن يبدو أنك تفضّلين تحريك الجسد بدلًا من ذلك.”
“…….”
‘فكرةٌ ممتازة. كيف لم تخطر لي؟ كالعادة، صاحب الجلالة أذكى من الجميع.’
“اقتراحٌ جيد. سأعمل بنصيحتك إذًا. أستأذنك.”
‘شكرًا على النصيحة، والآن لنتفرّق بسلام.’
انحنيت سريعًا لأودّعه.
لكن صوته جاء منخفضًا وفيه نغمة حادّة خفيفة:
“التقينا على غير موعد، فهل ستغادرين بهذه السرعة؟”
‘همم؟ هل بدا عليّ التجرؤ أكثر من اللازم؟’
أسرعتُ في تغيير نبرتي.
“ظننت أنني رأيت ورقة برسيمٍ رباعية الأور
اق على الأرض. يبدو أنني كنتُ مخطئة.”
تظاهرت بالبحث بين العشب، ثم مسحت يدي ونهضت.عندها أشار الإمبراطور برأسه نحو النافورة إلى جواره.
أرادني أن أجلس.
‘هاه… التحدث مع الإمبراطور يجعلني متوترة حقًا.لكن ماذا بوسعي أن أفعل؟’
خشيتُ أن أثير استياءه، فسرتُ بخطًى مترددة وجلست بجانبه فورًا.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"