أنجز أدريان الأعمال الورقية بسرعة تفوق المعتاد بكثير، وكأن أفكاره تدور بسلاسة خاطفة.
كان الغداء محددًا مع دوق برينان، أمّا المساء ففيه مأدبة داخل القصر الإمبراطوري. تبعته نينا من الخلف، تؤدي دور الحراسة كما لو كان أمرًا بديهيًا.
بدت على باراديف ملامح من يشاهد أمرًا غريبًا.
“يبدو أنّ عليّ تقديم التهنئة…….”
وانتقلت نظراته إلى نينا، المرتدية زيّ قائدة فرسان الظلام. وتابع.
“ظننتكما ستأتيان معًا كزوجين.”
“نحن معًا بالفعل.”
عند كلمات نينا، أطلق باراديف زفيرًا مكتومًا. على ما يبدو، لا ينبغي توقّع صورة النبلاء التقليدية من هذا الزوج.
‘بل نينا نفسها منذ البداية.’
بعد انتهاء المأدبة، أعلن باراديف رسميًا تهنئته بزواج نينا وأدريان أمام الحضور، فانتشر الخبر في أرجاء القاعة، وعرف الجميع بزواجهما.
ورغم دهشتهم لعدم تلقّيهم بطاقات إعلان، تسابقوا لتقديم التهاني. فهما في الوقت الراهن على رأس قائمة الشخصيات التي لا يرغب أحد في معارضتها سياسيًا.
حتى فيونا، التي حضرت المأدبة، اتّسعت عيناها دهشة. شبكت يديها بإحكام وتحدّثت.
“مبارك حقًا، نينا. ومبارك لك أيضًا، دوق أدريان.”
“شكرًا لكِ.”
أدلى أدريان بتحية بابتسامة، فيما ردّت نينا بابتسامة لطيفة.
ظلّت فيونا تحدّق في نينا بنظرات متسائلة، فحين انتهى الطعام وحان وقت الشراب، أخذتها نينا إلى الشرفة.
ابتسمت فيونا ببهجة وعانقت نينا.
“إذًا لم تخرجي للحراسة؟ السير جان عانى بدلًا منك. والسير شارلوت كانت تتناوب أيضًا.”
“لا بدّ من ذلك. أعتذر. وسأحرص على شكر شارلوت لاحقًا.”
حدّقت فيونا في نينا مليًا، ثم تمتمت.
“تبدين سعيدة.”
“همم، كنت سعيدة أصلًا.”
“نعم، لكن هناك شيء مختلف. مختلف تمامًا. كأن زهرة تفتّحت بالكامل. البرعم جميل، لكن حين تتفتح تمامًا تخطف الأنفاس. حتى سموّ الدوق تغيّر، بات أكثر هدوءًا وامتلاءً بالوقار.”
انفجرت نينا ضاحكة عند كلام فيونا.
“حقًا؟ إن كان هذا ما ترينه، فربما هو كذلك.”
تنهدت فيونا.
“ما إن ينتهي كل شيء، أودّ العودة سريعًا إلى إقطاعيتكِ. يبدو أنني سأظل عالقة هنا عامًا على الأقل.”
“نحن كذلك في الحقيقة. ومع ذلك، نرغب هذا الشتاء في النزول إلى قصر البحيرة الفضية.”
“خذيني معكِ حينها.”
“بالطبع. طلبتُ بالفعل أن يُبنَى لكِ منزل هناك.”
“حقًا؟”
“أجل.”
تلألأت عينا فيونا، ثم عانقت نينا مرة أخرى.
“هذا يبعث على الطمأنينة. لقاؤكِ هذه المرة… كان الأمر قاسيًا ومؤلمًا، لكن الحمد لله لم يكن حلمًا يتلاشى. يا صديقتي.”
“وأنا ممتنّة لأنكِ كنتِ إلى جانبي، فيونا.”
بحكم وجودها الدائم في صفوف الفرسان، كانت نينا تفتقر إلى صديقات من جنسها، لكن فيونا—بعيدًا عن مسألة الجنس—كانت صديقة يمكنها أن تفتح لها قلبها دون تحفظ.
طرق أدريان زجاج الشرفة طرقًا خفيفًا، فالتفتت الاثنتان. وتساءلت نينا.
“هل هناك أمر؟”
“لا، هل انتهى حديثكما؟ لنعد.”
“حسنًا.”
رفعت نينا حاجبيها وهي تجيب، بينما ضحكت فيونا بخفوت. فليس من المعقول أن ينتهي وقت الرجال بهذه السرعة؛ ولعلّ الدوق هو من نهض أولًا.
شدّت نينا وفيونا أيديهما مرة واحدة، ثم أفلتتاها.
في العربة العائدة إلى المنزل، احتضن أدريان نينا وتحدّث.
“أن يكون المرء وحده مع زوجته صعب الى هذا الحدّ.”
“لكننا كنا وحدنا حتى الصباح.”
عند كلمات نينا، أمال أدريان رأسه متسائلًا.
“ومع ذلك، لا يكفي.”
تأمّلته نينا بصمت، ثم هزّت رأسها.
“افعل ما تشاء، أدريان.”
رفع أدريان رأسه بدهشة. وتابعت نينا.
“إذا ملأتَ ما يكفي، فسترضى. وعندها سيهدأ الأمر، أليس كذلك؟”
سأهبك ما تشاء، فتمتّع حتى الشبع.
همس أدريان عند كلماتها.
“وماذا إن لم أرضَ أبدًا؟”
“سنظل معًا، فما المشكلة؟”
كانت كلمات نينا هادئة، ومعها كان أدريان يشعر دائمًا بالطمأنينة. احتضنها واستمتع بدفئها.
فركت نينا خدّها بخدّه بخفة، وانفجرت ضاحكة بمرح.
كان الماضي مختلفًا عن الحاضر. امتزاج الجسدين بدا وكأنه امتزاج ألوان، حرفيًا. لم يكن فعلًا جسديًا فحسب.
كان هناك شيء ما يربط الأرواح أيضًا.
بعد ذلك تغيّر كل شيء. نظرة كلٍّ منهما للآخر، طريقة اللمس، الإحساس بالرضا—كلّه أصبح مختلفًا تمامًا.
الآن فقط فهمت نينا لماذا انتظر أدريان حتى وقّع وثيقة الزواج.
حتى الإمساك بالأيدي فوق سرير واحد جعل الإحساس بوجود الآخر مختلفًا كليًا. معرفة أعمق، ورضا مختلف يمنحه الدفء.
“أحبك، أدريان.”
ابتسم أدريان عند كلماتها.
“وأنا أحبك، نينا.”
***
كانت اليد التي تضغط على عنقه ساخنة. ومع تلاوتها للتعويذة، شعر أدريان وكأنه سيفقد صوابه.
الروح العظمى لا يجوز استدعاؤها. ذلك كيان لا يمكن للإنسان تحمّله.
مجرد إنزاله كفيل بأن يعجز الجسد عن الصمود. وقد بدا له أن الجسد الذي يحتضنه سيتحطم إربًا، فاستدعى أدريان ظلامه.
‘سأقدّم روحي ثمنًا، سأبيع كل شيء للظلام، فقط احمِ نينا.’
غمر النور العالم، وفي اللحظة نفسها اندفع الظلام.
كان أدريان واقفًا داخل العتمة.
ومن الجهة الأخرى، لاح نور.
“إن كان لأجل مقابلتك مرة أخرى، فلا بأس.”
وصل صوت مبلل بالدموع. ارتاع، وتقدّم نحو مصدره.
إنه صوت نينا.
لكن في لحظة ما، صار النور ساطعًا إلى حدّ لم يعد قادرًا على الاقتراب.
“لقد فشلتُ، لكن….”
-أنا معك.
عند الصوت الرنّان، شعر أدريان بالفراغ.
‘الروح العظمى.’
لقد استدعتها حقًا.
‘ومن غير نينا يمكنه استدعاء الروح العظمى؟’
دار حوار بين نينا والروح العظمى. ولم يظهر أي أثر لنية انتزاع شيء منها.
اطمأن أدريان.
لم يكن بحاجة إلى الخروج نحو النور. يكفيه أن يبقى هنا، في هذا الظلام، يراقب نينا.
‘إرجاع الزمن؟’
تمتم، فنهض الظلام. نظر أدريان إليه. كان وجه الظلام مغطّى بقماش أسود، مرتديًا بدلة أنيقة.
-أنت بالكاد متشبّث بالحياة.
تأمّل أدريان الظلام. وتابع بصوت ساخط.
-لأنك تحمّلتَ وحدك الصدمة كاملة لحظة عقد العقد مع الروح العظمى.
لولا ذلك، لانقطع نفس نينا في تلك اللحظة، وحينها لكان العقد ملغًا.
بما أنّ أدريان تحمّل الصدمة كاملة، استطاعت نينا أن تعقد العقد بسلام.
عندها شعر أدريان بالارتياح.
“هذا مطمئن.”
إذًا، هل مات هو؟
وكأن الظلام أدرك فكرته، أجاب.
-لا. لك موضع في عقد الروح العظمى أيضًا. وإن لم تشارك فيه مباشرة.
استدعت نينا الروح العظمى، وتحمّل أدريان ألم تلك اللحظة.
ولهذا، لم يكن بمقدوره فعل شيء هنا.
العقد كان بين نينا والروح العظمى.
لم يكن ذلك مهمًا بالنسبة له. ما تريده نينا هو ما يريده هو.
قال الظلام بامتعاض.
-إرجاع الزمن يتطلّب ثمنًا مماثلًا.
“سأدفع أي شيء.”
أجاب أدريان دون تردد.
-وإن طلبتُ كل ذكرياتك؟
“موافق.”
-ستظنّ نينا أنك وقعتَ في حب امرأة أخرى.
“ما….”
تمتم، ثم عضّ شفته وأجاب.
“لا بأس.”
هنا، لم يكن أمامه خيار سوى الدفع. بدا وكأن الظلام يضحك.
نظر أدريان إليه بوجه جامد. السخرية والاستخفاف أمور اعتادها.
وتعلّم جيدًا ألا يردّ عليها.
وكأن الظلام أدرك ذلك، فتوقّف عن الضحك. ثم سأل.
-إن عاد الزمن، ماذا تريد أن تفعل؟
لم يُجب أدريان. لم يرغب في كشف أعزّ ما في قلبه للظلام. فعاد الظلام يتحدّث.
-ومن يدري؟ ربما أستطيع تحقيقه لأجلك.
كان ذلك إغراءً لا يُحتمل، فاضطر أدريان إلى الكلام.
“أن أكون أنا من يقول لها ‘أحبكِ’ أولاً، وأن أحبّها بلا قيود.”
-إذًا.
ثم سأل بنبرة مستمتعة.
-وهل تحقق ذلك؟
“!!”
فتح أدريان عينيه على مصراعيهما. دخلت غرفة مظلمة إلى مجال رؤيته.
“همم…؟”
كانت نينا متكئة عليه، على وشك الاستيقاظ، فهَمَس بسرعة.
“نامي. لا بأس.”
لكنها فتحت عينيها النعستين بصعوبة ونظرت إليه، فارتسمت ابتسامة على وجهه.
“حقًا لا بأس. نامي.”
عند همسه الخافت، أغمضت عينيها من جديد.
تأمّل وجهها النائم، ثم زفر ومسح وجهه.
كان يستعيد الحلم.
‘إذًا هكذا كان.’
شعر أدريان بالفرح. إن كان قد ساهم بشيء في كل هذا، فله نصيب في السعادة التي ينعم بها الآن.
ثم—
نظر إلى نينا.
رغم اعتقادها بأنه مرتبط بفيونا، جاءت من أجله.
وهي أيضًا، لم تكن تملك سوى ذكريات زائفة من كتاب.
شعر أدريان بحضور صديقه القديم، الظلام.
“لقد تحقق.”
عند همسه، تردّد صدى ضحكة قصيرة، ثم تلاشى.
الآن يعلم أن تلك الضحكة لم تكن سخرية.
آنذاك، كان مثقلًا بالجراح إلى حدّ لم يسمح له بفهم ردود الآخرين كما هي.
داعب خدّ نينا المستدير.
حتى بعد إرجاع الحياة مرة، ثم عيشها ثانية، بقي الندم موجودًا.
وكان واثقًا أن الأمر سيبقى كذلك حتى لو أُعيد الزمن ثالثة أو رابعة.
فالإنسان ليس كائنًا قادرًا على عيش حياة كاملة بلا ندم.
إذًا—
حتى إن عاشت الحياة مرة واحدة فقط، فلا ينبغي نسيان ما يجب فعله وما يجب قوله.
ألا يؤجَّل قول اليوم إلى الغد، ولا يُرجأ ما يُراد قوله الآن إلى لاحقًا.
قد لا توجد حياة بلا ندم، لكن ليكن على الأقل أمر واحد يمكن القول إنه كان صائبًا.
ألا يندم على قلة كلمات الحب وأفعاله، وألا تُسكب كلمات موجعة أمام قبر.
تعهد أدريان أن يحبها طوال حياته، حبًا فاض عن الحد.
ويوم يقف أمام بحر الزجاج، أمام الموت، قد لا يستطيع أن يقول.
‘كانت حياة بلا ندم.’
لكن لعلّه يستطيع أن يقول.
‘كانت حياة أحببتُ فيها من أحببتُها بما يكفي.’
بهذا الدعاء، أغمض أدريان عينيه.
<النهاية>
❖───────────❖
وبكذا انتهت أطول وأول رواية مسكتها
القصة كان رهيبة والشخصيات كلهم يدخلون القلب ، كفاح نينا لتغيير الماضي وحبها لذاتها ومنحها القوة لكل من حولها مافي كلمة توصفه غير انه الأفضل، لأنها نينا الألطف في العالم~♡
وما ننسى ادريان الي كان سندها ودرعها الحارس، احترم قراراتها ووثق وآمن فيها، رغم انه كان مجنون فالحياة الاولى بس حبهم كان اعظم من أن اخطاء الماضي تخليهم يكرهون بعض🥹🫂
تمنيت نشوف شارلوت تتزوج كيل😭 وجان والله يقهر لو يظل سينغل فعلا، باراديف خايفة ما يتخطى حبه لنينا بس احسه لو يتزوج راح يحترم زوجته للأبد، وناف اكثر واحد مسحوب عليه بس احبه، وراندل وفيونا كانون ابغا ازوجهم😭 بس عامة طالما النهاية سعيدة وكلهم صارو سعداء يبقا انا بشبكهم فراسي.
الرواية كانت ترجمتها صعبة وهي حرفيا اكثر رواية طولت فيها بس استمتعت بكل فصولها والحين من اشوفها مكتملة احس كل تعبي معها كله راح😭
المهم باقي ١٠ فصول جانبي نزلو مع المانهوا بترجمهم قريبا~♡
شكرا لكل من احب نينا وذي الرواية واتمنى ترجمتي المتواضعة كانت عند حسن ظنكم 🫂🫂
التعليقات لهذا الفصل "257"