وقع الرجل فورًا، وبحركة سلسلة، لكمت نينا وجه الرجل الآخر بشكل مباشر، فسقط كأنه بطل مأساوي.
“من أتى ليُثير الفوضى فلينقلع من هنا. ليس لدي نية في الرفق بأحد.”
بعد أن طرحت رجلين في لحظات، عمّ الصمت حولهم.
صرخت فيونا من داخل الخيمة، عيناها متسعتان.
“نانا!”
“لم أقتل أحدًا، لا تقلقي.”
ولأن اسم ‘نينا’ كان مشهورا، كانت تستعمل اسمًا مستعارًا. ‘نانا’.
لو كان جاك هنا لضحك وقال: “كنتِ تحبين الاسم فعلًا، صحيح؟” لكنه لم يكن موجودًا.
“حقًا…”
تنهدت فيونا.
كان هذا أيضًا جزءًا من التمثيل.
نيـنا جريئة لا تعرف التردّد، وفـيونا لا تستسيغ حدّتها، لكنها –بما أنّها رحيمة الطبع– تغض الطرف.
وكان لفِيونا سببٌ في أن تستقبل المصابين واحداً بعد آخر؛ فهي لا تكتفي بتمييز شدّة الجروح لوصف الدواء المناسب، بل كانت تنتقي أيضاً الجروح الملوّثة بفساد بيلاك.
فإذا وجدت مصاباً ملوّثاً، أخذته عمداً إلى خلف الخيمة لتعالجه بعيداً عن الأنظار. وكانت دائماً تختم الأمر بقولها.
“ما رأيتَه هنا… يبقى سرّاً.”
ولكن، ما مقدار السر الذي يمكن أن يصمد بعدما يخرج المصاب من الخيمة؟
انتشرت الهمسات أولاً ببطء، ثم انفجرت فجأةً وانتشرت كانتشار النار في الهشيم.
وفوق ذلك، فإن الذين تلقّوا العون، حين رأوا الاثنتين تعملان بلا توقّف، تضاعف فيهم الشعور بالامتنان، واقتربوا يفكّرون إن كان بوسعهم تقديم أي مساعدة.
لكن حماستهم لم تكن قوية… لأن—
“بأي إذن تفتحون دكاناً هنا، هااه؟!”
“من صاحب المكان؟! اخرجوا فوراً!”
لم يكن يصعب تمييزهم. طغاة يمسكون بالحيّ بقبضةٍ من حديد.
وما إن ارتفع صراخهم حتى تفرّق الواقفون في الصفّ كالفِراخ المذعورة، لكنهم لم يبتعدوا كثيراً؛ وقفوا من بعيد يترقبون ما سيجري.
خرجت فِيونا من غرفة العلاج الصغيرة داخل الخيمة.
“أنا المسؤولة هنا. من أنتم؟”
بدت ثقتها بنفسها، وذلك الثقل الغريب في حضورها، كافيين ليربكهم لحظة.
قال أحدهم وقد استعاد صوته.
“إن أردتم العمل هنا، يجب أن تحصلوا على إذن منا، هل فهمتِ؟!”
لكن فِيونا لم تتراجع.
“لسنا نبيع شيئاً. نحن نوزّع الدواء مجاناً على الجرحى.”
“مجّاناً أو بالمال، لا حق لكم باستعمال الأرض إلا بإذن منّا.”
“هذه أرض الإمبراطور. لماذا نأخذ إذناً منكم؟”
“لا يهمني من صاحب الأرض. هذا الحيّ… ملكٌ لنا. ألا تفهمين؟”
“وكيف نحصل على هذا الإذن؟”
“الآن بدأت الفهم.”
ابتسم بخبث وهو يمسحها بنظره من أعلى إلى أسفل.
“الإيجار هنا غالٍ. في الشهر عملة ذهبية واحدة. من مظهرك، يبدو أنكِ من بيت نبيل، يمكنك الدفع بالتأكيد.”
“لست ابنة بيتٍ نبيل. أنا من ميتم.”
ارتسمت على شفتيها ابتسامة باردة تحمل قدراً من الاحتقار، فارتجف الرجل دون أن يدري.
“وإن رفضتُ؟”
“تأخذين اغراضكِ وترحلين.”
“وإن رفضتُ ذلك أيضاً؟”
“نجبرِك. يا رجال!”
لوّح ثلاثة أو أربعة من الرجال الضخام بهراواتهم.
عندها صدح صوت من داخل الخيمة.
“تجبرونها…؟ جيد، اجبروني أنا أيضاً إذن.”
خرجت نينا وهي تنفض يديها، ودَفعت فِيونا خلفها برفق.
“طحنتُ الأعشاب كلها.”
“نانا…”
رفعت فِيونا رأسها تنظر إليها، لكن نينا دفعتها للدخول.
تراجعت فِيونا خطوات، ثم توقفت تنظر إلى نينا التي أدارت كتفيها نحو الرجال.
“سأثني مفاصلكم… بالعكس.”
ارتعش وجه الرجل في خوف حين ارتدت نينا واقيات قبضتها واحكمتها.
“علموها درسًا!”
“لن نرحمكِ لأنك امرأة!”
“طبعاً، متوقع من حثالة أمثالكم.”
تفادت نينا ضربة الهراوة التي اندفع بها أحدهم، ثم سددت لكمةً بكل قوّتها إلى وجهه—
طاخ!
ارتطم الرجل وطار بعيداً في الهواء. شهقت الأنفاس من حولهم.
أن تُضرب في وجهك فتسقط… أمر عادي.
التعليقات لهذا الفصل "171"