لمّا انشقّ آخر خيط من الليل، كانت نينا قد صعدت العربة أخيراً. دفعت نافذتها إلى أقصاها، فداعب نسيم الفجر البارد وجنتيها المتوردتين بخفّة لطيفة.
“هل استمتعتِ؟”
“نعم. كان ممتعاً إلى حدّ أنني لعبت وكأنها مرتي الأخيرة، والآن أدرك أنني فقدت توازني تماماً.”
“ولِمَ تكون مرتكِ الأخيرة؟”
“لا أدري… فقط شعور.”
أسندت ذراعها إلى حافة النافذة، وأسكنت خدّها فوقها.
“أدريان.”
رفع بصره نحوها، فابتسمت بعيون ذهبية تلمع.
“شكراً على الفستان… والحُلِيّ… كل شيء. خالجمي فرح شديد بفضلك.”
“لا حاجة لذلك.”
تنفّست نينا زفرة ساخنة طويلة. ما زالت الموسيقى تعيد صداها في ذهنها، كأن الأوركسترا تعزف من داخل صدرها.
ورغم استمتاعها بالاختلاط، كان القسم الهادئ من روحها أحبّ إليها.
وصلت العربة إلى منزل المدينة أسرع مما كانت قد جاءت. ورغم الوقت المتأخر، اصطفّ الخدم جميعاً لاستقبالهم.
ولمّا أنزلها أدريان مرافقاً، سألته.
“سنغتسل ونغيّر ملابسنا… ثم نلتقي في العلّيّة، أليس كذلك؟”
توقف لحظة، ثم أومأ. لعل جزءاً منه كان يأمل أن تنسى، أو أن تؤجَّل الجلسة إلى الغد.
صعدت نينا إلى غرفتها، فيما تولّى كبير الخدم معطفه وسأله.
“أتفضّل الاستحمام؟ أم نُعِدّ شيئاً للطعام؟ الفراش جاهز.”
“الاستحمام.”
“حاضر.”
بعد قليل كان في الحمّام. غاص في الماء الحار فاستعاد صفاءه.
كلماته السابقة كانت اندفاعاً صرفاً.
“لدي أمر مهم يجب أن أحدثكِ به.”
كان ذلك صحيحاً… ولا مفرّ منه.
غسل وجهه مرّات، ثم نهض على عجل. ساوره خوف أن تكون نينا سبقتْه إلى العلّيّة.
عند بناء منزل العاصمة، كان أحد أكثر الأماكن التي اعتنى بها هو العلّيّة. غرفة صغيرة مخفية في موضع يُعطى عادةً للخدم، اختارها لأنها أفضل نقطة تطلّ على المدينة.
شُيّدت كبرج مراقبة مصغّر، لها ممرّ سرّي، وسقف منخفض يلزمه الانحناء، لكن كرسي النافذة المثلث كان واسعاً، ومنه يمكن رؤية الشوارع والسماء معاً.
اغتسل بسرعة غير معهودة، وارتدى ما وجد أمامه، ثم صعد. وبما أن المكان معزول ولا يدخله أحد، تكفّل بتنظيفه بنفسه، ولم يكن أمرا مرهقا يوماً بالنسبة له.
عندما لم يجدها هناك بعد، رتّب العلّيّة بعناية، ثم جلس على حافة النافذة. كان ضوء المدينة لا يزال متوهجاً رغم أن الفجر في بدايته، بفعل أثر الحفل الملكي.
وفجأة… دوى صوت الباب السري وهو يدور.
“أوه؟ أدريان؟ وصلت باكراً؟ ظننتك ستتأخر أكثر.”
كانت نينا تعرف بدقّة كم يطول وقت استحمامه، فتعجّبت لرؤيته مبكراً.
“أردت أن أصل قبلكِ.”
اقتربت منه ضاحكة. شعرها الطويل ما زال مبتلاً، وملابسها بسيطة: قميص وسروال.
جلست إلى جانبه، ونظرت إلى الخارج.
“كثير من الأضواء.”
“الحظر صار أخفّ.”
لم يكن النبلاء وحدهم المبتهجان؛ العامة أيضاً في نشوة.
اجتمع كل نبلاء العاصمة، فانتعشت الأسواق، وازدحمت الطرق، وصار فتح المتاجر حتى ساعة متأخرة أمراً مسموحاً، فخرج الناس ليلهو كلٌّ على طريقته.
كان الحفل الكبير عيداً للجميع.
“فيما بعد…”
قبل أن تطرح نينا اقتراحها، سبقها أدريان.
“نذهب إلى السوق الليلي؟”
“نعم.”
على أن طباعه الرزينة لا تشبه ضوضاء السوق، لكنه رأى في كل تجربة معرفة جديدة.
“والآن…”
التفتت إليه. ثنت ساقاً على الكنبة المثلثة، وأبقت الأخرى على الأرض، ثم أقبلت كلّها عليه، في هيئة تستعد لسماع شيء مهم.
ابتسم أدريان لذلك.
حدّق فيها لحظة طويلة.
كان عليه أن يعصر كل قواه ليخرج بجملة واحدة.
مع ذلك، لم تخرج الكلمات من فمه.
الرهان الذي عليه أن يخوضه كان كبيرًا جدًا.
إن لم تكن نينا تشعر بالشيء نفسه، إن لم تفكر بالأمر أصلًا.
هل ستناديه ‘أدريان’ وهي تبتسم وتضمه؟
لا، لن تفعل.
العلاقة الخاصة بينهما.
الصداقة الطويلة.
الوقت الطويل الذي قضياه معًا.
الوقت الذي سيستمرّ بينهما مستقبلًا.
كل ما كان يمكنه الحفاظ عليه إن لم يعترف… وضعه الآن على المحك.
“أحبكِ، نينا.”
تفاجأ من أن صوته لم يرتجف. كان قلبه يخفق بقوة.
كل أعصابه كانت مركّزة على نينا.
اتسعت عيناها بدهشة، ثم ارتسمت ابتسامة بطيئة قبل أن تنفجر بالضحك.
أُصيب أدريان بالذهول من الموقف غير المتوقع، لكنها ردّت بخفة.
“وأنا أيضا أحبك أدريان. ما هذا؟ اعتراف فجأة؟”
لم يكن هذا ردًا توقعه إطلاقًا، فانعقد لسانه للحظة.
“إذًا تقول هذا الكلام ثم ماذا؟ ما الأمر؟”
سألت وهي تميل برأسها قليلًا. رأت أن تعابير أدريان ليست طبيعية.
صدمة، ارتباك، وقليل من اليأس مختلط في وجهه. قلق شديد اجتاحها.
“أدريان؟ هل أنت بخير؟ ما بك؟ هل حصل شيء؟”
مدّت يدها نحوه، فابتعد بجسده بسرعة.
في لحظة أدرك خطأه. نينا أيضًا صُدمت، وتجمّدت في مكانها.
كانت هذه أول مرة يرفضها فيها أدريان.
نظر إلى نينا المذهولة، وشعر أنه يجب أن يفعل شيئًا… لكنه لم يستطع التفكير في أي شيء.
قواه كانت مستنزفة تمامًا. مرّر يديه على وجهه.
“نينا.”
“نعم….”
جاءه جواب متوتر. أخذ نفسًا عميقًا.
“طلبت من الأمير باراديف الحصول على تصريح عبور لمملكة تيلدن. هذا سيكون أول مكان نذهب إليه.”
تفاجأت نينا من التحول المفاجئ إلى الحديث العملي، لكنها أصغت.
“من الأفضل أن نبدأ الاستعداد.”
“آه، نعم…”
نهض أدريان من مكانه.
“هيا بنا إذن.”
“انتهى الأمر؟”
عندما قالت نينا ذلك بدهشة، نظر إليها من أعلى.
“نعم، نينا. لقد قلت كل شيء.”
قال هذا بهدوء ثم غادر أولًا.
عادةً كانا يتمازحان ويدفعان بعضهما في الممر الضيق، لكنه لم يشعر بالرغبة في ذلك.
وقفت نينا مذهولة في مكانها قبل أن تنهض.
‘ما هذا؟’
هل انزعج؟
لا، ليس انزعاجًا…
“أحبكِ، نينا.”
‘…ها؟’
رددت الكلمة في ذهنها.
‘…إيه؟’
فكّرت، فأدركت أن أدريان لم يقل لها “أحبك” ولو مرة واحدة من قبل.
وهي أيضًا كذلك.
“أعجبك.”
كانت هذه أقوى صيغة حب بينهما عادة.
‘حقًا؟’
ارتفع داخلها شعور بالارتباك. لم تعرف ماذا عليها أن تفعل.
لا يمكنها الآن أن تقول: “هل كان هذا اعترافًا حقيقيًا؟ هل تحبني كمرأة؟”
جلست على حافة النافذة تحدّق في طلوع الفجر، ثم غرقت في النوم.
***
‘آه، حلم آخر.’
في الحلم، اتخذت هي قرارًا كبيرًا.
شاركت شخصًا ما شرابًا حصلت عليه بصعوبة، وبعد أن أصبحت الأجواء مناسبة، اعترفت.
“لأني أحبك، يا صاحب السمو.”
‘ها؟ هاه؟’
جرفتها موجة من الارتباك.
مشاعر “نينا في الحلم” اجتاحتها.
الدوق مرر كلامها على أنه مزاح.
وجه مصدوم.
وجه يكسوه الخوف.
أرادت احتضانه وإخباره أن كل شيء سيكون بخير.
هو محبوب.
وكان ذلك الشعور يندفع بقوة. والمفاجئ أنه كان شعورًا مألوفًا.
لكن ما عاد إليها هو صراخ أدريان.
كانت تعرف جيدًا أنه خائف.
كانت تعرف أنه يحبّها.
كيف لا تعرف؟
وهي تعرف كيف ينظر إليها.
مع ذلك، تألمت.
“انصرفي!”
صرخ ودفعها، فلم تستطع إلا أن تتراجع.
وعندما عادت إلى خيمتها، تمددت على السرير المؤقت وهي تعضّ على أسنانها.
كانت دموعها تنهمر باستمرار.
‘يا حقير، هل كلمة أحبك صعبة لهذه الدرجة؟ لهذه الدرجة مخيفة؟ لهذه؟ لهذه؟’
وأنا؟ ألست خائفة؟ ألست مرعوبة؟ ألست أتألم أيضًا؟
‘انتظر فقط.’
سأجعلُك تقولها يومًا.
سأجعلُك تعترف.
سأجعلُك تندم.
استيقظت نينا ووجهها مبلل بالدموع.
“…آه… آه…؟”
لم تستطع التوقف عن البكاء، فغطّت وجهها بكلتي يديها.
وخرجت منها شهقة مكتومة.
كان حلماً… لكنه كان مؤلمًا جدًا.
❖───────────❖
مجرد شرح بسيط، أحبك فالكورية لها عدة الفاظ، في الي تكون ببن العيلة الاصدقاء وتكون تعبر عن حب عادي، وهي الي كانو يستعملوها بين بعض فالفصول السابقة
وأحبك الي استعملها ادريان فذا الفصل صريحة تنقال لما الرجل يبي يعترف للمرأة، مو معناه متنقال بين العائلة مثلا تقدر تقولها لأمك او لشخص عزيز جدا، بس بين رجل ومرأة تكون للاعتراف
المهم يخوان انا مجلوطة منهم النفسية تعبانة ليه يسوو فيني كذا
التعليقات لهذا الفصل "152"