ارتداء فستان جميل ـ ولم تستطع أمام ذلك الفستان إلا أن تقول إنه جميل، فعجزها عن وصفه بما يليق جعَلها تزفر ضيقًا ـ والوقوف في قاعة الحفل أمرٌ يبعث في صدرها شيئًا من الترقّب.
“صحيح… قلتِ إنك ستشاركين في الحفل الكبير.”
تمتم راندل وهو يلتفت نحو أدريان.
“هل بقيت غرفة للضيوف؟”
“اختر ما يناسبك منها.”
حدّق رانديل فيه لحظة ثم نهض.
“إذن أستأذن بالانصراف.”
اقترب من نينا وهمس لها “أراك لاحقًا.” ثم غادر الغرفة.
وما إن أُغلق الباب حتى تمتم جان بضيق.
“يا له من شخص مزعج.”
“ربما….”
لم تستطع نينا إنكار ذلك، قال جان موجّهًا الكلام إليها.
“لا تتقربي منه كثيرًا.”
تساءلت نينا في نفسها هل وصلت من العمر إلى حد تلقّي نصائح في اختيار الأصدقاء، لكنها أجابت بتواضع.
“سأنتبه.”
فمهما يكن، كانت نينا تعترف لجان ولويس بقدر من الحكمة.
نقر جان بلسانه.
“عمومًا… هل قالت إن اسمها فيونا؟ لقد مرّت بالكثير. ماذا عن مسكنها الآن؟ هل ستبقى في مقاطعتنا؟”
“نعرض عليها الخيار، والباقي يترك لها. كما يجب أن أزور نائب الكاهن آشتون أولًا.”
أجاب أدريان وهو يسترخي في كرسيه ويمرّر يده في خصلات شعره الأسود الناعم الذي عاد إلى مكانه في انسياب جميل.
ابتسمت نينا كذلك.
“لنفكر في كل ذلك بعد انتهاء الحفل الكبير.”
قال لويس مبتسمًا:
“سيكون ساحة صراع شيّقة.”
أما جان فقد بدا متحفّزًا وقلِقًا في الآن ذاته.
“إنه أكبر حفل رقص في الإمبراطورية، أليس كذلك؟ آه… بالكاد احتملت الحفل السابق، فكيف بهذا…”
“حتى نبلاء الطبقة الدنيا الذين لا يُسمح لهم بحضور سائر الحفلات والمناسبات الاجتماعية يُسمح لهم فقط بالمشاركة في الحفل الكبير. سيكون ضخمًا بحق.”
أطلق جان تنهيدة مستسلمة على كلام لويس.
“هل سيحضر الإمبراطور فعلًا؟”
بدا في صوته شيء من الترقّب وهو يسأل، فأجاب لويس.
“لقد حضر كل عام، وما لم يحدث طارئ، فسيحضر هذا العام أيضًا.”
ثم التفت نحو أدريان.
“وبما أنّ دوقية لوفرين قد أعلنت مشاركتها هذا العام، فسيكون العدد أكبر. احرص على البقاء متيقظًا.”
“أعلم.”
أومأت نينا كذلك.
“سنكون حذرين.”
أضاف لويس وهو يعلن فضّ الاجتماع لليوم استعدادًا للغد.
ضحكت نينا وهي تتذكر الحماسة المتدفقة من الخادمات حين يتعلق الأمر بتزيينها.
“حسنا.”
دخلت الخادمات بخطوات هادئة حين استُدعِين.
قالت لهن نينا إنها ستحضر الحفل الكبير في الغد، وإنها ترغب في الحصول على عناية تقليدية شغوفة كما يفعلن عادة.
أجبن بانضباط مؤدب، وكأن رئيس الخدم وبّخهن مسبقًا، فلم يبدُ عليهن أي انفعال زائد.
ثم، لا يعرف أحد من أين وصل الخبر، إذ جاء صندوق من نقابة رومي التجارية محمّل بأنواع شتّى من المستحضرات.
عندما فُتح الصندوق، لمع بريق زينة بصدفٍ بديع على حافته، وبدت القوارير الزجاجية الدقيقة في الداخل مليئة بسوائل ومراهم مختلفة.
فتحت الخادمات أعينهن دهشةً وهن يتأملن القوارير.
“يا إلهي… هل هذه المنتجات الجديدة من شركة رومي؟ الزجاجة جميلة جدًا!”
“سمعتُ أن هذا المرهم رائج للغاية. يقولون إنه يجعل البشرة ناعمة كالمخمل.”
وبين ثرثرتهن لاحظت نينا ما بدا لها أنه الحقيقة.
يبدو أن كيريل قد خفّفت جرعة من أدوية العلاج خاصته لتحوّلها إلى مستحضرات تجميل.
ولم لا؟ تأثيرها مذهل بحق.
فهي قادرة على رأب الجروح خلال لحظات، فكيف لا تكون كريمًا مجددًا للبشرة إذا خُفّفت؟
ثم إن أول من خضع للتجربة كان لوروكومو، أليس كذلك؟
لقد اختبر التأثير بجسده، فلا عجب أن لا يتردّد لحظة في بيعها.
لأنها أصلحت حتى العظام المكسورة.
بعد أن أنهين جولتهن برضا ووضعن الخطة، أوصت الخادمات بطرق التجميل التقليدية ― تقشير بعد الحمام، ثم كريم التجديد وما إلى ذلك ― واستمتعت نينا بكل ذلك عن طيب خاطر.
نامت مبكرًا واستيقظت مع الفجر، وتدرّبت كعادتها تدريب الصباح ثم بدأت نينا في التزيّن.
عندما انتهت من تهذيب أظافرها حتى أطرافها لتصبح لامعة، وصلت ميمينا وهي تحمل الفستان، ومعها صندوق الحُليّ التي تناسبه.
سُرّح شعرها وضُفر بشكل معقد، ورُشّ عليه اللؤلؤ وغبار الفضة، ثم ثُبّتت الحُلي.
وارتدت قفازات دانتيل دقيقة كخيوط العنكبوت مزينة بالجواهر، ويستغرق صنع الزوج الواحد منها نصف عام. كانت تكشف الأصابع وتغطي ظهر اليد فقط.
‘هذا سيصبح رائجًا.’
ومع حرية الأصابع لن تنزلق يدها عند الإمساك بالسيف.
عندما نهضت نينا بعد أن أنهت كل زينتها، أدّت ميمينا تحية رسمية.
“إنه لشرف أن أكون في هذا المكان، سيدة نينا.”
“تتحدثين وكأننا في حفل تتويج.”
على مزاح نينا، هزّت الخادمات رؤوسهن بحماس، وضحكت ميمينا.
“لو أردتِ ستصبحين ملكة المجتمع، فبإمكانك تسميته تتويجًا. رغم أنكِ لا تهتمين بذلك.”
“مهارتكِ في الكلام مذهلة. لكن شكرًا. ودور الملكة لليلة واحدة سيكون ممتعًا.”
سارت نينا بضع خطوات. كان طول الفستان محسوبًا فلا يعيق مشيتها، وصوت احتكاك القماش كان لطيفًا.
وعندما ثبّتت الخنجر في حزام جوارب الحرير، شعرت بالكمال.
استحضرت صورة فيفيان وخطت خطوة خفيفة. تعلم أي شيء مسبقًا لا يضرّ أبدًا.
خرجت نينا من الغرفة، ففتح أدريان، الذي كان ينتظر ليرافقها، عينيه بصدمة واضحة.
وبما أن دهشته كانت صادقة، انتظرت نينا كلامه بسعادة.
وضع يده على صدره وتنهد.
“يبدو أن احتمالي أضعف مما ظننت. أو ربما خيالي محدود.”
“آه، أدريان.”
كانت تبتسم بإشراق.
“ألستُ دائمًا من يحطم توقعاتك؟”
لم تفشل يوما في مفاجأته، بادلها أدريان الابتسام.
“صحيح، دائمًا.”
نظر إليها.
كانت أشبه بنيزك يشق السماء… بل بزخة شهب كاملة، لا يمكن إلا أن يحدّق الناس فيها بإعجاب. هكذا سيراها الجميع الليلة.
“فارستي.”
ثم قبّل ظاهر يدها.
كان الإعجاب الصادق في عينيه يبهجها.
“أنت وسيم اليوم يا أدريان. بالطبع، أنت وسيم دائمًا.”
اتسعت عينا أدريان.
“تعلمين أنها أول مرة تمدحينني هكذا؟”
“حقًا؟ أنت وسيم. وأنا أعجب بك دائمًا.”
ارتبك، وهو أمر نادر، فتساءلت نينا إن كانت فعلًا لم تقلها من قبل.
“أنت تعرف ذلك طبعًا.”
فلا يمكن ألا يعرف الوسيم وسامته.
قال وهو يحاول تهدئة احمرار خديه.
“لأنها منكِ يا نينا… فهذا وحده يكفي.”
كان هذا مضحكًا له، فهو الذي سئم الكلمات البليدة من كثرة المديح سابقًا، والآن يرتجف من عبارة بسيطة قالتها له.
فكرت نينا.
‘هو محق.’
ليس لأن الجميع يمدحه، يجب أن تتوقف هي.
وجدت نفسها بخيلة قليلًا، فاعتدلت فصفت حلقها لتتحدث.
“أحب شعر أدريان. لونه أسود لدرجة يميل معها إلى الزرقة، ولمسته ناعمة وباردة. وأحب رموشك الطويلة المتناسقة، وأحيانًا أكبت رغبتي في لمسها. وبشرتك ناعمة لكنك صلب، وكتفاك الواسعان يعجبانني، فعناقك مريح تمامًا. وعيناك بلون الزمرد الوردي، وعندما أنظر إليهما تبدوان هادئتين كالبحر—”
قُطعت جملتها لأن أدريان وضع يده على فمها.
لم يعد يحتمل.
كان قلبه يخفق بشدة، ووجهه احمرّ كالمراهق، وغطى وجهه محاولًا تهدئة نفسه. وكان الخجل يزيده خجلًا.
ضحكت نينا وهي ترى ردته فعله، وكادت تمازحه أكثر لكنها أمسكت نفسها مراعاةً له.
التعليقات لهذا الفصل "145"