«الحلقة الثامنة»
“أتعلمين، دوروثي؟ تبيّن أنها كانت جاسوسة لدوقية فوز.”
“ماذا؟ دوروثي التي أعرفها؟ تلك التي لم تكن تُعير أحدًا الروايات الرومانسية وتقرأها وحدها فقط؟”
“نعم، هي نفسها. تبيّن أنها جاسوسة.”
“يا إلهي… لم أكن أتوقّع ذلك إطلاقًا.”
“أليس كذلك؟ الحرب بالكاد انتهت، وها نحن نكتشف وجود جاسوس…”
سارت الأمور تمامًا كما توقعت.
فما إن عُثر على زيّ الخادمة الخاص بدوروثي، وكان يحتوي على تقرير مكتوب على الزى، حتى عمّت الفوضى داخل دوقية كروست.
‘أيمكن لكاليبس الآن أن يصطحب فرقة من الفرسان عند زيارته لمملكة دوكتيا؟’
بالطبع يمكنه.
فاكتشاف جاسوس أمرٌ خطيرٌ كفيل بإشعال حرب جديدة، ولهذا، انقلبت الأدوار وأصبح دوق فوز هو من عليه الان أن يتودد ويتذلل.
‘حتى لو جاء كاليبس مع مئة فارس، فلن يجرؤ أحد على الاعتراض.’
هاه! يستحق ذلك.
بونغ!
وأنا مستلقية على السرير، رفعت ابهامى كعلامة على النصر.
كل شيء يسير على ما يرام. فلو أن كاليبس أحضر معه الآن فقط الأميرة، ربما نتمكن من الفرار من دوق فوز نهائيًا.
“إلى أن يحين ذلك الوقت… سآخذ قيلولة فقط…”
كواااانغ!
“آيشا، هذه أوامر سموّه بأن تتوجهي إلى مكتبه حالًا.”
“…هاه؟”
كنت على وشك الاستمتاع بقيلولة…
وفي تلك اللحظة، وأنا رافعة ساقًا واحدة في الهواء، تجمّدت في مكاني تمامًا.
—
“آااااه!”
صرخة مدوّية دوّت من مكانٍ غير بعيد، واخترقت أذني.
خرجت من الغرفة خلف الفارس—
وكانت دوروثي.
رغم أن فارسَين ضخمين كانا يجرّانها، فإنها كانت تقاومهما بشراسة، متشبثة بالممر وتُحدث فوضى عارمة.
“إن كنتم ستأخذونني، فخذوا تلك الطفلة آيشا أيضًا! إنها جاسوسة هي الأخرى!”
كانت تصرخ بأعلى صوتها.
“آيشا تلك الطفلة جاسوسة أيضًا، أنا لا أكذب! لماذا تأخذونني وحدي؟!”
كانت عيناها المدمّيتان تُظهران أنها لم تكن في حالة طبيعية.
من المفترض أنها الآن تتهيّأ لمغادرة قصر دوق كروست،لكن يبدو أنها لا تستطيع تصديق أنها تُساق فجأة إلى السجن على يد الفرسان.
“آه، آيشا؟”
في تلك اللحظة.
ما إن رأتني دوروثي حتى ارتسم على وجهها مسحة خفيفة من الأمل.
“ستأخذونها أيضًا، صحيح؟ أليس كذلك؟”
مستحيل هل انكشف أمري أنا أيضًا؟
رفعت رأسي بتوتر نحو الفرسان، لكنهم لم يُبدوا أي رد فعل، وكأنهم لم يسمعوا شيئًا.
“سيدي الفارس، أرجوكم خذوا تلك الفتاة بسرعة.”
على العكس، تمتمت إحدى الخادمات بنفور وهي تعقد حاجبيها.
“ليسا، صدقيني فقط جربي أن تضعي ملابس تلك الطفلة في ماء مثلّج، أرجوك؟ كنا صديقتين، أليس كذلك؟”
ربما كانت تعرفها من قبل، فقد بدا على وجه دوروثي حزنٌ عميق، وهي تتحدث بنبرة متوسّلة.
يبدو أنها قررت أن تتصرف بلطف بعدما لم تسر الأمور كما أرادت.
“أقسم لك أعلم أن الأمر محرج، لكن حتى الأمس فقط كنا نخطط معًا. نعم، مؤامرة تجسس. لذلك يجب التحقيق معها أيضًا، أليس كذلك؟”
لكن للأسف، الخادمة التي تُدعى ليسا لم تُعرها اهتمامًا يُذكر.
“أرجوكم خذوها بسرعة، مجرد معرفتي بها بات أمرًا يُشعرني بالخزي.”
“…”
“لا بأس سأخرج بنفسي.”
حتى إن ليسا غادرت الممر وكأنها لا تحتمل مجرد التواجد في نفس المكان مع دوروثي.
“واو هكذا تكون نهاية جاسوسة فاشلة، إذن.”
الجواسيس – سواء كانت نواياهم طيبة أم خبيثة – يبنون علاقات أثناء تنفيذ مهماتهم.
وحين يُكشف أمرهم،كل اللوم والاحتقار يقع على عاتقهم وحدهم.
“هل كانت مهنة الجاسوس دائمًا بهذه المهانة؟”
بدأ الخدم المتجمهرون من حول دوروثي يتهامسون، وقد أزعجهم ضجيجها.
“فعلاً تتشبث حتى بطفلة صغيرة، ما هذا الانحدار؟”
“تلك الطفلة هي من وجدت مكان وجود الآنسة النبيلة، كيف تكون جاسوسة؟”
“لكن كيف عرفت؟ أليس هذا مريبًا بعض الشيء؟”
كدت أرتجف من القلق عند سماع هذا، لكن ما تلا كلامهم منحني شعورًا بالراحة.
“ومع ذلك، لا يُعقل. هل يعقل أن دوقية فوز أرسلت جاسوسة عمرها خمس سنوات؟”
في الواقع، هذا ما حصل تمامًا.
شعرت بنظراتهم تكاد تخترقني، فسارعت للاختباء خلف ظهر الفارس.
لكن على الأقل، بات من المؤكد أن حدس دوق فوز كان في محله:
لا أحد سيصدق بسهولة أن طفلة في الخامسة من عمرها قد تكون جاسوسة.
“تجاهلي ثرثرة تلك المرأة. هيا بنا بسرعة.”
حتى الفارس نفسه تجاهل دوروثي تمامًا، ووجّه إليّ الحديث بنبرة لطيفة.
يبدو أن استدعاء الدوق لي لم يكن بسبب شبهته فى انى جاسوسة، بل فقط لأمرٍ عادي حقًا.
أخيرًا شعرت بالاطمئنان، وأجبت بحيوية:
“حاضر!”
وبينما كنت أمرّ بجوار دوروثي متبعةً خطوات الفارس،
انفجرت فجأة بصراخها مجددًا بعد أن كانت ساكنة وكأنها فقدت صوابها:
“أنتِ! تظنين أن بإمكانكِ إخفاء هويتكِ إلى الأبد؟!”
“حين تتقلبين بين الجانبين كالخفاش، لن يعترف بكِ أحد، وستتخلّى عنكِ جميع الأطراف! فاختاري جانبكِ جيدًا!”
(كالخفاش تشير إلى شخص منافق أو متلون، يتودد لهذا الجانب ثم ينتقل إلى الآخر بحسب ما يناسبه،
زى جمله بيلعب على الحبلين)
“…”
“ثم ألم يقولوا إنكِ من وجدتِ الورقة أثناء غسل ملابسي؟! فعلتِها عن قصد، أليس كذلك؟!”
“…أنا من وجدها؟”
وسط سيل الشتائم التي كنت أتجاهلها، تسللت جملة لم أستطع تجاهلها بسهولة.
توقفت لجزء من الثانية، بالكاد نصف ثانية، لكنني استأنفت المشي دون أن أُظهر شيئًا.
كان هناك شيء غريب…
صحيح أن انكشاف أمر دوروثي حصل بسببي،
لكنها لم يكن يُفترض أن تعرف أنني من اكتشف الورقة.
لكنني، في الحقيقة،لم أُرِ أحدًا تقرير دوروثي بنفسي،ولا أفصحت بلساني عن حقيقتها لأي أحد.
“……”
وهذا لا يعني أن ثمة شخص يراقبني دون علمي،ويعرف تفاصيل أفعالي.
“سموّ الدوق، لقد أحضرتُ آيشا.”
بينما كنتُ غارقة في أفكاري، قابضة على يدي بشدة،صدح صوت الفارس خلف الباب وهو يقرع عليه بأدب.
ردّ صوتٌ عميقٌ وهادئ من الداخل:
“ادخلا.”
عندما فُتح الباب ودخلتُ، كان دوق كاليبس هناك، لم أره منذ مدة طويلة.
“دعِ الطفلة وحدها، وانتظر بالخارج.”
“حاضر. سأكون بانتظاركم.”
ألقى الفارس نظرة خفيفة تحية لي، ثم أغلق الباب بهدوء واختفى كظِل
حين استعدتُ وعيي ،أدركت أنني بقيت وحدي في غرفة المكتب أنا، ودوق كاليبس فقط.
حسنًا تماسكي يا آيشا.
لكن، الآن عند التفكير بالأمر…
لماذا استدعاني الدوق في هذا التوقيت بالذات؟
“تشرفت بلقائك يا سموّ الدوق.”
حاولت التصرّف وكأن شيئًا لا يُوترنى،
لكنني كنتُ شديدة التوتر، حتى كاد صوتي ينقسم إلى ثلاث نبرات مختلفة من شدة الارتباك.
كان الهواء الذي يحيط بي يثقل كاهلي كما لو كان من الرصاص.لا أعرف السبب، لكن في زاوية ما من قلبي، كانت تنطلق إشارات تنذر بأن هناك خطبًا ما.
كما اعتدت، كنت أحدّق في دوق كاليبس المقنّع.
أصابعه الطويلة المستقيمة كانت تطرق سطح مكتبه الفاخر المصنوع من خشب البلوط، مُصدرة صوتًا منتظمًا.
مقابلة انفرادية لا وجود لفرسان الحراسة، ولا حتى مساعده نوكس. نحن فقط، أنا وهو.
ارتفع توترى عندما أصبحت عينيه الوحيدة المرئية على وجهه تركز عليّ فقط.
وفي تلك اللحظة، حين رمشت بعينيّ في معركة التحديق الغريبة تلك وأغمضتهما للحظة…
“!”
ظهر القناع الأسود فجأة أمام ناظري.
“….”
فزعت للحظة، حتى أن جسدي ارتجف من الصدمة.
كل ما فعلته هو رمشة عين، لكنه كان قد اقترب مني بالفعل، جاثيًا على ركبتيه ليقابل نظري مباشرة.
‘متى؟ وكيف؟…’
لكن السؤال الذي كنت أود طرحه،
“كيف…”
بادَرَ به دوق كاليبس قبلي.
“كيف يمكنك أن تظلي هادئة هكذا؟”
وكان ذلك أيضًا مع سؤال لا معنى له.
“لو كانت فتاة عادية، لكان قد أُغمي عليها أو انفجرت باكية منذ زمن، بل حتى الراشدون لن يجرؤوا على النظر إلي بسهولة.”
قال ذلك، وكأنه أمر عادي تمامًا.
“…..”
ومن خلف القناع الأسود، كانت عيناه المتوهجتان بلون الدم تراقباني بدقة.
وبينما هو يحدق في داخلي وكأنه يقرأ أعماقي لفترة طويلة، نطق أخيرًا ليوضح ما عنى بكلامه:
“أقصد أنني أطلق الآن هالة قاتلة كافية لترويع طفلة مثلك.”
كان بيننا من القرب ما يجعل أنفاسه تصل إليّ.
ورغم أنه انخفض على ركبتيه ليلتقي بنظري، إلا أن هيئته بدت ضخمة كما لو كان سيبتلعني.
وهو يتكئ بمرفقيه على ركبتيه، بدا كمفترس ينقض على فريسته.
“لا يبدو عليك الخوف مطلقًا.”
كان في نبرة صوته العميقة مسحة خفيفة من السخرية.
عندها فقط، استطعت أن أجيب بصوت مبحوح متقطع:
“أنا خائفة.”
“إذن، تتظاهرين بعدم الخوف رغم أنك خائفة؟”
“نعم.”
“كما توقعت. هكذا تعلمتِ، في دوقية فوز، أليس كذلك؟”
“!”
لكن مع كلماته التي استمر في قولها بهدوء، بدأت عيناي ترتجفان بشدة.
‘هل كان يعرف كل شيء منذ البداية؟’
لم أستطع تصديق ذلك. كنت أظن أن لا أحد يمكنه اكتشاف الأمر.
لم يكن من الممكن أن يكون دوق كاليبس قد عثر على دليلٍ يُثبت أنني جاسوسة.
ربما لاحظ أنني أذكى قليلًا من طفلة في الخامسة من العمر، لكن بخلاف ذلك، ماذا أظهرت له؟
“كـ… كيف عرفت ذلك…؟”
ارتجف صوتي.
وتحت نظرته الحادة، انكشفت مشاعري التي كنت أخفيها خلف القناع.
“…الآن فقط، بدأتِ تتصرفين كطفلة عادية في الخامسة من عمرها.”
تمتم كاليبس بصوت خافت وهو يراقبني مذعورة.
لماذا؟
لا أعلم السبب، لكن بدا وكأنه شعر ببعض الارتياح لرؤيتي أتصرف كطفلة عادية.
أما أنا، فقد كنت غارقة في فوضى عارمة بعد انكشاف هويتي.
“هل… هل ستقتلني؟”
وبمجرد أن خرج السؤال من فمي، ارتجفت أصابعي وتباعدت كما لو كانت خيوط عنكبوت ترتجف في مهب الريح.
“…..؟”
كانت هذه اللحظة التي بدأ فيها التعبير المتجمد في عينيه يتشوه.
“من الذي علم طفلة صغيرة أن تقول شيئًا كهذا؟”
“أه… من دوقية فوز.”
“تلك العائلة الحقـ… لا، دعينا من الحديث عن تلك العائلة. من الآن فصاعدًا، أجيبي فقط على ما أسألك.”
“حاضر!”
وقفت بانتباه، مركزة كل قواي.
لكن ركبتَي المرتجفتين بالكاد سمحتا لي بالبقاء واقفة.
“كم عدد الجواسيس الصغار في العائلة؟ مثلك؟”
“أنا أول من كُلِّف بمهمة تجسُّس في سن الخامسة…”
لكن فجأة، قبل أن أكمل حديثي:
“هاه…”
تنهد الدوق بعمق.
‘ماذا؟ ما الخطأ الآن؟ ركزي، يا آيشا!’
“!؟”
عندما شددت ساقي المرتجفتين لأبدو ثابتة، مدّ الدوق يده فجأة وأمسكني من تحت إبطيّ وكأن هناك شئ لم يعجبه .
أغمضت عيني بشدة من شدة التوتر، لكن شعرت كأن جسدي يُنقل إلى مكانٍ آخر.ثم شعرت بجلوسي على شيء ناعم يلمس مؤخرتي.
‘هذه اللمسة. لقد شعرت بها في مكان ما من قبل.’
«الطفل الذي لا يعرف الامتنان لا يُسمح له بدخول الحديقة. هيا، اخرجى فورًا!»
“…عمي البستاني؟”
“ماذا؟”
اتسعت أعين كلٍّ من الدوق وعيني في اللحظة ذاتها.
“آه…!”
الكلمة خرجت من فمي دون وعي، فأسرعت أضع يدي على فمي، لكن كان الأوان قد فات — فقد أنسكب الماء بالفعل.
(الماء قد انسكب تعنى ما حدث قد حدث ولا يمكن التراجع عنه أو تغييره.)
—-
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 8"