°°
اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
(الحلقة 6)
نظرت دوروثي إليّ بوجه شاحب عندما رأتني أبكي كالأطفال الصغار.
لم يكن ذلك لأنها شعرت بالارتباك، بل لأن الأمر كان يفوق خيالها، حتى إنها فقدت الكلمات.
“ما الذي فعلته جيدًا لتبكي هكذا؟”
“بالضبط، ما الذي فعلته جيدًا لأبكي؟ فقط أشعر بالأسف تجاهكِ، أونيي-اااه!”
انهارت دموعي بغزارة.
إتقان التمثيل إلى درجة إفقاد الآخرين تركيزهم كان إحدى مهاراتي الخاصة.
للمعلومية، سبق أن تلقيت مديحًا من أحد المدربين القاسيين في فن التمثيل.
ولماذا؟
ربما بسبب ذكرياتي من حياتي السابقة، فقد كنت أمتلك تعبيرات عاطفية أكثر من الأطفال في عمري.
“أونيي، متى سترحلين بالضبط؟!”
في فن التمثيل، التعبير بالجسد أبلغ من تعبيرات الوجه وحدها.
بانغ-
بمجرد أن ألقيت بنفسي على الأرض وبدأت في البكاء بصوت عالٍ، دارت عينا دوروثي وهي تضع يدها على جبهتها.
“آه، كفي عن هذه الضوضاء!”
“لكنني أشعر بالأسف حقًااا!”
بالنسبة لشخص مثل دوروثي، التي كانت أنانية بطبعها، فإن بكاء طفل لم يكن ليوقظ فيها أي تعاطف.
“إذا كنتِ آسفة، فلا تزعجيني فقط بل افعلي شيئًا مفيدًا! هل ترغبين في أن ينفجر صدري من الغضب؟!”
بل على العكس، كانت تلقي باللوم عليّ.
“لكنني لا أعرف ماذا يمكنني أن أفعل!”
“آه، كم أنتِ بطيئة الفهم! إذن، قومي ببعض الأعمال نيابة عني حتى أرحل!”
بمجرد أن سمعتُ ما أردت، توقفت عن البكاء على الفور.
ثم مسحت دموعي بظاهر يدي والتقطت قطعة قماش لأبدأ في التنظيف.
“بما أنني آسفة، سأقوم بتنظيف غرفتكِ، دوروثي-نيم.”
“افعلي ما تشائين، على الأقل لديكِ بعض الفطنة.”
وبعد أن انتهيت من تنظيف الغرفة…
“بما أنني آسفة، سأقوم أيضًا بترتيب متعلقاتكِ، دوروثي-نيم.”
جمعتُ يديّ معًا في وقار وانحنيت قليلًا.
ربما أعجبها هذا التصرف.
بدت دوروثي أقل غضبًا، حيث عقدت ذراعيها وأومأت بصمت.
“دررررك”
بينما كانت دوروثي تجلس على كرسيها لترتاح، فتحتُ درجها بهدوء.
الآن تبدأ المرحلة الأهم.
راقبتُ تحركاتها بعناية، وبمجرد أن أغلقت عينيها للحظات، أخذت بعض الأغراض التي تحمل اسمها وأخفيتها في جيبي.
ثم، وكأن شيئًا لم يكن، استدرت نحوها مرة أخرى.
“بما أنني آسفة، هل يمكنني غسل ملابسكِ أيضًا؟”
“افعليها بسرعة ثم اخرجي، أريد البقاء وحدي.”
لوّحت دوروثي بيدها بلا مبالاة وهي مغمضة العينين. من الواضح أنها لم تعد تهتم بي.
حملتُ حفنة من ملابس دوروثي وخرجت من الغرفة متمايلة بسبب ثقلها.
لقد نجحتُ.
“آه، إنها ساذجة جدًا. ربما لأنني مجرد طفلة، لذا لم تكن حذرة معي.”
كان هناك سبب وجيه لكل هذا العناء الذي تكبدته من أجل سرقة أغراض دوروثي.
دوروثي كانت نقطة ضعف دوقية بوز.
وفي هذه المرحلة، كان لا بد من كشف أنها جاسوسة، وإلا فسيكون موقف كاليبس ضعيفًا عندما يذهب إلى مملكة دوكتيا.
إذن، كيف سأثبت أنها جاسوسة؟
التقرير.
الجواسيس الذين يُرسلون في مهام يقدمون تقارير دورية إلى رؤسائهم عن تقدم مهامهم.
وإذا تمكنتُ من العثور على تقريرها، فستنتهي المسألة.
“أوه، هذا ثقيل جدًا.”
بعد أن دخلت غرفة الغسيل، سحبت حوضًا ممتلئًا بماء مثلج وأنا أتذمر. ثم وضعت الملابس فيه واحدة تلو الأخرى.
لماذا أقوم بغسل الملابس فجأة؟
“لأن الجواسيس لا يكتبون تقاريرهم على الورق.”
الكتابة على الورق مكشوفة جدًا، ومن السهل العثور عليها.
لذلك، في دوقية بوز، يقوم الجواسيس بكتابة تقاريرهم على ملابسهم الخاصة.
ثم يرشون عليها مادة كيميائية تحتوي على قدرة سحرية تجعل الكلمات غير مرئية.
ولكن هناك طريقة بسيطة لاستعادة الكتابة:
“فقط اتركها في الماء المثلج لأكثر من 30 دقيقة.”
بهذه الطريقة العبقرية والبسيطة، لم يسبق أن كُشف أي جاسوس في الدوقية بسبب تقريره.
ولماذا؟
“أي شخص ليس أحمق لن يضع الملابس في ماء مثلج فقط من أجل غسلها!”
“آه… يا لها من مشقة.”
الآن، لم يتبقَ سوى انتظار 30 دقيقة.
ربتُّ على صدري بقبضتي استعدادًا للحظة الحاسمة.
وبعد مرور 30 دقيقة…
“كوووو-“
بدأ وهج أزرق يتلألأ على سطح القماش المبتل، تمامًا كما تخترق أشعة الشمس الغيوم وتتوهج على الأرض.
انتشرت الأضواء الزرقاء بشكل منظم، وبدأت الحروف تظهر شيئًا فشيئًا على القماش.
لقد كان هذا تقرير دوروثي.
“رائع، كما توقعت، فستان الخادمة كان هو التقرير.”
طويتُ الملابس المبللة بعناية ووضعتها في السلة.
ثم رتّبت فوقها الأشياء التي سرقتها سرًا من دوروثي:
رواية للكبار كتب عليها “إذا لمستَ هذا، فستموت.”
منديل مطرّز باسمها.
ساعة جيب.
وأخيرًا، وضعت التقرير المخفي ضمن هذه الأغراض.
خلال بضع دقائق، ستجد الخادمات الملابس أثناء قيامهن بالغسيل.
وعند رؤية اسم “دوروثي” المكتوب عليها، سيتضح لهن مباشرةً لمن تعود.
“هاه… هل يمكنني البقاء على قيد الحياة بعد كل هذا؟”
“أنا فقط أريد مغادرة دوقية بوز والعيش حياة طبيعية…”
“لكن لماذا يبدو أن العيش بشكل طبيعي مهمة مستحيلة؟”
تنهدتُ بينما كنت أستدير لمغادرة المكان.
لكن فجأة…
“من أمركِ بغسل الملابس؟”
امتد طرف عباءة سوداء أمامي.
لقد كان بستاني القصر.
‘متى وقف هنا؟’
لم أشعر بوجوده على الإطلاق.
‘… مجرد بستاني عادي، صحيح؟’
لكن غريزتي كانت تخبرني بعكس ذلك.
ارتبكتُ للحظة، ثم تحركت غريزيًا لأخفي الملابس وراء ظهري.
ولكن عندما رأيت نظرته الحادة وهي تتجه نحو الملابس خلفي، ابتلعتُ ريقي بصمت.
“هذا غريب…”
لقد تلقيت تدريبًا يُمَكنني من استشعار وجود الآخرين بسهولة، ومع ذلك، لم أشعر أبدًا بقدوم هذا الرجل.
“تعالي، لنتناول شطيرة.”
لحسن الحظ، لم يبدو أنه لاحظ الحروف التي بدأت تظهر على الملابس.
أومأت برأسي وأطلقت تنهيدة صامتة من الارتياح.
لم يكن هناك لحظة واحدة يمكنني أن أخفض فيها حذري.
“قولي لي الحقيقة.”
“هاه؟”
لكن بمجرد أن أخذني إلى الحديقة، رمقني بنظرة حادة مباشرةً.
‘هل تم اكتشافي بهذه السهولة؟ من يكون هذا الرجل؟’
“… هل طلبت منك الخادمات غسل الملابس؟”
“آه… أوه…”
“لماذا تتنهدين؟”
لحسن الحظ، لم يكن يبدو أنه لاحظ أي شيء مريب.
“لا شيء… الحياة صعبة فقط…”
هززت رأسي وكأنني مستسلمة، ثم عدت إلى الموضوع الأساسي.
“على أي حال، لم تطلب مني الخادمات غسل الملابس.”
“إذن، لماذا فعلتِ ذلك؟”
“أوه، إنها مجرد محاولة…”
“محاولة ماذا؟”
“محاولة ترك انطباع جيد، كما تعلم؟”
غمزتُ بابتسامة مشرقة، في محاولة لصرف الانتباه.
لكن البستاني لم يُظهر أي رد فعل، بل وضع يده على خصره وأطلق تنهيدة طويلة.
عبس الرجل وقال بجدية:
“على أي حال، لا تقومي بالغسيل بعد الآن.”
“هاه؟”
قطّب حاجبيه وضاق ذرعًا.
“كيف تظنين أن عائلة دوق كروست تُدار؟ هل تعتقدين أنهم سيجعلون طفلة في الخامسة من عمرها تعمل بدون أجر؟”
كانت نبرته باردة، لكني شعرت بأن القلق كان يتخللها.
هل سمع عن الشائعات التي تدور حولي؟
ربما ظن أنني أتعرض للتنمر أو أنني خائفة جدًا لدرجة أنني بدأت أقوم بالأعمال الشاقة بنفسي.
على الأقل، لم يلاحظ شيئًا بخصوص قضية دوروثي. وهذا أمر مريح.
لكن لحظة…
هذا الرجل… أليس طيبًا جدًا؟
إذن، السبب الذي دفعه لإحضاري إلى هنا هو خوفه من أن أتعرض للإهانة من قبل الخادمات؟
هذا… في الواقع أمر رائع!
“عمي!”
فركت يدي مثل ذبابة سعيدة ورفعت كتفي.
“إذا كنت قد شعرتَ ببعض التعاطف تجاهي، فلماذا لا تصبح منقذ الطفلة المسكينة أمامك؟”
“اصمتي.”
آه، لم يكن الأمر بهذه السهولة.
“إذا تفوهتِ بكلمة أخرى عن تبنيك أو ما شابه، فسأطردك.”
“…”
“اصمتي، اصمتي فقط.”
ثم، وبينما كان يقترب مني وكأنه على وشك ضربي على رأسي، رفعني بدلًا من ذلك وأجلسني برفق على المقعد.
بعد ذلك، التقط شطيرة وعصير برتقال من على الطاولة الخارجية ووضعهما في يدي.
“اغلقي فمك وكلي قبل أن أغضب.”
“شكرًا لك!”
واو، شطيرة وعصير برتقال!
قد لا أصبح ابنته اليوم أيضًا، لكنني على الأقل حصلت على وجبة جيدة.
وبينما كنت أتناول الشطيرة دون تفكير…
يا إلهي، إنها لذيذة.
“تأكلين بشراهة، هل كنتِ جائعة جدًا؟”
ليس تمامًا.
لقد مررت بأيام جوع قاسية أثناء تدريبي كجاسوسة، لكن منذ قدومي إلى هنا، كنت أتناول ثلاث وجبات في اليوم بانتظام.
لكن هذه الشطيرة…
“هممم… لذيذة… لذيذة جدًا!”
وبينما كنت ألتهم الطعام بشراهة، سحب الرجل من عباءته منديلًا ومسح برفق فتات الخبز عن زاوية فمي.
لم أهتم، بل واصلت الأكل بينما أقول:
“الوجبات المتوازنة غذائيًا دائمًا مرحب بها!”
“وجبات متوازنة؟”
“الكربوهيدرات، البروتين، والدهون!”
“لماذا تقصرين الكلمات هكذا؟”
“ولماذا أنت تتكلم بطريقة طويلة بينما يمكنك اختصارها؟ الاختصار أسرع وأسهل!”
“بهذه الطريقة، لن أستطيع حتى فهمك بعد الآن.”
“هيهي!”
ضحكتُ بسعادة بينما كنت أرى كيف يهز رأسه، وواصلت تأرجح ساقيّ الصغيرتين في الهواء.
على الرغم من ذكريات الماضية التي أحملها، إلا أنني قضيت العامين الماضيين في جسد طفل، لذلك كنت أشعر بالسعادة بطريقة طبيعية عندما أكون في راحة.
لكن فقط عندما أكون مع شخص أشعر بالارتياح تجاهه.
“بالمناسبة، هل يُسمح لي حقًا بالتواجد هنا؟”
بينما كنت أتناول الشطيرة، بدأتُ أنظر حولي بتفحص.
في البداية، لم أكن أعرف، لكن لاحقًا، اكتشفت أن هذه الحديقة خاصة ولا يُسمح لأحد بدخولها سوى أفراد العائلة المباشرين والبستاني المسؤول عنها.
ثم تذكرت شيئًا آخر…
“بالمناسبة، عمي…”
“متى يأتي الدوق إلى هذه الحديقة؟”
لقد طرحت السؤال بشكل عفوي، دون أي تفكير عميق.
لكن فجأة، وكأن حجرًا كبيرًا سقط في مجرى المحادثة، حلّ الصمت بيننا.
“عمي؟”
حتى بعد أن ناديته مرة أخرى، لم يُجب.
لم أستطع رؤية تعابير وجهه بسبب القلنسوة التي تغطي رأسه، لكن بدا أن خط فكه المشدود يدل على توتر بسيط.
“لا أدري.”
قال ذلك أخيرًا، بينما كان يحدق في الحديقة بدلاً من النظر إليّ.
“سيأتي متى شاء. هذه حديقته الخاصة، وهي مغلقة أمام الغرباء.”
“أوه… فهمت…”
‘غريب… لماذا بدا جديًا جدًا وهو يجيب على هذا السؤال؟’
شعرت أن المحادثة انحرفت في اتجاه غير متوقع.
“إذن، هل تلتقي بالدوق أحيانًا وتتحدثان معًا؟”
“ولماذا تسألين؟”
“أنت تعرف طبعه، أليس كذلك؟”
“…وماذا به طبعه؟”
أجبتُ بمكر وأنا أرفع حاجبيّ.
“سرّ. أنا لا أُثرثر عن الآخرين.”
للحظة، بدا وكأنه أصيب بالذهول، ثم انفرجت شفتاه ببطء كما لو أنه استوعب للتو ما قلته.
وبعد لحظة من الصمت، استدار نحوي بسرعة ورد بنبرة شبه غاضبة:
“الدوق لديه كاريزما، يتحلى بالصمت، يحتفظ بأسراره، ويمتلك صفات القائد. ما الذي تريدينه أكثر من ذلك؟!”
—-
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 6"