“آيشا. لنلتقِ في وقت العشاء، الساعة السادسة والنصف. لا تنسي!”
غادر لوكاس غرفة الطبيب مبتسماً بعد أن أخذ إذني.
ثم عمّ صمت قصير.
“يبدو أنك أصبحتِ كالعائلة مع لوكاس بالفعل.”
قال العم مبتسماً، قاطعاً سكوناً ثقيلاً.
‘إنه غاضب!’
أدركت ذلك على الفور.
كان يتظاهر بعدم المبالاة، لكن حاجبيه كانا مرتفعين بمقدار عشر درجات أكثر من المعتاد.
‘حالة طوارئ! طوارئ!”
وبينما أحدّق في الفراغ بوجه متخشب محاولـةً فهم الوضع، خطرت لي فكرة رائعة فضربت كفي بقبضتي.
“هـ، هذه نتيجة التعليم التلقيني!”
“ماذا؟”
“لقد ظللت طوال اليوم أنادي لوكاس بـأخي الأكبر، فخرجت الكلمة من فمي من دون قصد!”
“هكذا إذن؟”
عندها أخرج العم قطعة شوكولاتة من جيبه، فتح غلافها ببطء وأدخلها في فمي وهو يتمتم:
“…إذن فهل يمكن لكلمة أبي أن تخرج أيضاً؟”
“هاه؟”
لكن للأسف، فاتني ما قاله لأنني كنت منشغلةً بالاستمتاع بحلاوة الشوكولاتة التي تذوقتها بعد غياب طويل.
“لا شيء.”
ضحك كاليبس بخفة، وهز رأسه كأنه لم يقل شيئاً، ثم مسح فمي بمنديل.
‘واو… غريب.’
رغم أن ملامحه بدت باردة، إلا أنّ نظرته إليّ كانت مفعمة بالمودة.
بدأت أمضغ الشوكولاتة، وأحسست بطعمها أحلى من المعتاد. ومن فرط السعادة أخذت أصابع قدمي تتحرك وحدها.
“آيشا.”
“نعم؟”
قال العم الذي كان يرمقني بهدوء بصوت حذر:
“هناك شيء لم تخبريني به، غير مسألة العنوان.”
“ماذا تقصد؟”
“أن لوكاس اختُطف على يد سيرك آهيلى. لماذا لم تخبريني؟”
توقفت أصابع قدمي الراقصة فجأة.
كانت جملة قصيرة بدون تفسير إضافى، لكنها وحدها أعادت إليّ كل ثقل القلق والوحدة التي شعرت بها حتى لحظة ذهابي إلى السيرك.
هل شعر بأن جسدي قد تجمّد؟
“أنا لا أوبّخك.”
انبعث صوته العميق الحازم. ثم انحنى قليلاً وأخذ يفتح غلاف قطعة شوكولاتة أخرى.
“إنني أقلق عليكِ، فقط. فهل تستطيعين أن تجيبي الآن؟”
مدّ العم قطعة الشوكولاتة مجدداً إلى فمي.
اضطررت إلى فتح فمي، لكنني لم أعرف ما الذي يجب أن أقوله.
‘ خائفة أن أفقد ثقتك؟’
لماذا تنظر إليّ بعيون مليئة بالعاطفة هكذا؟، كيف أجرؤ أن أجرحه بمثل هذا الكلام؟
‘أم أخشى إنك فقدت ثقتك بي مرة، فلن تصدقني ثانية؟’
لكن حينها سأضطر إلى إعادة الحديث عن عقدنا، وهو ما سيذكره بتلك الابنة الضائعة، ولم أرغب في ذلك.
همم…
طال صمتي، فتنهد هو من الجهة المقابلة.
“أيتها الصغيرة… أنتِ تفكرين كثيراً من جديد.”
ارتجفت.
وبينما كنت على وشك أن أفتح فمي أخيراً—
“يمكنني أنا أن أشرح ذلك.”
“؟”
“……….؟”
دوّى صوت مألوف من مكانٍ ما.
فارتبك كل من كاليبس وأنا، وأخذنا نتلفت حولنا.
بوف!
ارتفع أصيص الزرع الذي كان في زاوية غرفة المرضى نحو الأعلى.
لا، بل على وجه الدقة—
“أعتذر يا سيدتي.”
ظهر رجل يعتمر عصابة على شكل نبات من بين التراب.
“هل تمنحينني وقتاً للاعتذار؟”
لقد كان ذلك هو نوكس، مساعد الدوق كروست.
—
في تلك اللحظة، داخل مسكن رئيسة الخدم.
“آه، تقدمتُ في العمر، وحياكة الصوف باتت ترهق بصري.”
دلكت ماي عينيها المرهقتين بأصابعها، ثم نشرت الوشاح الذي انتهت من حياكته.
لم يكن مستواه يضاهي ما يُباع في صالونات المدينة، لكنه بفضل دقة الغرز، والذئب الصغير المطرّز في الوسط، اكتسب مظهراً فاخراً.
وضعت الوشاح في صندوق أزرق ليتناسب مع اللون، وكانت تتهيأ لإغلاقه حين—
طرق. طرق.
“سيدتي رئيسة الخدم، السيد نوكس يطلب حضورك.”
أومأت الخادمة برأسها، وكأنها كانت على استعداد مسبق.
‘أخيراً… حان الوقت.’
“حسناً، سأخرج الآن.”
سارت ماي في الممر وقلبها ينبض بقوة وهي تحمل الصندوق.
وجهتها كانت غرفة الطبيب حيث تقيم الآن الآنسة آيشا.
“………”
أمام الباب المغلق، أخذت نفساً عميقاً ببطء، ثم طرقت بخفة وقد اتخذت قرارها.
طرق. طرق.
“أنا ماي. سأدخل الآن.”
كان الداخل يعج بالناس الذين جاؤوا للترحيب بعودة السيدة الصغيرة إلى الحياة من جديد.
—
وهكذا، في اللحظة الراهنة—
كان نوكس وماي جاثيي الركب أمامي حيث أجلس على السرير.
‘يا إلهي، ما هذا الموقف المحرج!’
تاه بصري في كل اتجاه، عاجزة عن تثبيته في مكان واحد.
في البداية ارتبكت وبدأت ألوّح بيدي في محاولة لإيقافهما.
‘لماذا تركعان هكذا؟! انهضا فوراً، وخصوصاً أنتِ يا سيدة ماي، فمفاصلك لم تعد تحتمل هذا!’
لكن العم التقط يدي المرفرفة بقبضته، وكأنه يوقفني عمداً.
“اتركي الأمر. إنهم يريدون قول شيء إلى سيدتهم.”
“سيدتهم؟! كيف يقول ذلك؟!’
هذا صحيح من الناحية الرسمية، لكن العم لم يكن يوماً يتحدث مع نوكس وماي بهذه الصيغة المتعالية.
لذا قمت برفع عيني إلى الأعلى، محاوِلةً ألا أنظر مباشرة إلى الاثنين الراكعين أمامي.
“إذن…”
“……….”
كان أول من تكلم هو كاليبس، صوته العميق خرج مشوباً بحدة طفيفة.
ارتجفت كتفا ماي، بينما رفع نوكس ببطء نظره.
وعيناه ذات اللون الأزرق المائل إلى الأخضر لم تتوجه إلى العم، بل إلى وجهي مباشرة.
“حين لم نكن قادرين على العثور على السيدَة الصغيرة، كنا نظن أن الآنسة آيشا قد تعمدت التقرّب من قصر الدوق.”
كنت أعرف ذلك مسبقاً. فنوكس كان أوضح الناس في إظهار كراهيته لي.
“لكن من خلال هذه الحادثة الأخيرة الخاصة بسيدي الشاب، أدركت أنني كنتُ متهاوناً للغاية.”
“………..”
“لو كنتُ قد وثقتُ بسيدتي وصدّقتها، لكانت قد أخبرتني بشأن السيد لوكاس. فقد كان الدوق حينها غائباً في مهمة إبادة الوحوش.”
توقف نوكس لحظة، ثم سأل بحذر:
“سيدتي ذلك التقرير الغريب الذي كنتى تكتبينه في غرفة النوم هل كتبتيه عمداً لتجعليني أذهب إلى السيرك؟”
عند ذلك تحولت نظرات الدوق إليّ، فهو الآخر كان يتساءل عن الأمر نفسه.
‘لماذا أشعر بالتوتر من شيء كهذا؟’
حرّكتُ أصابعي المستديرة في ارتباك، ثم أومأت برأسي.
“أجل”
“كما توقعت إذن.” ـ قال نوكس وهو يومئ برأسه.
“هآه…” ـ تنهد كاليبس وقد تجعّد ما بين حاجبيه بانزعاج.
“……..”
أما ماي فانحنت برأسها وكأنها ارتكبت ذنباً عظيماً.
قال نوكس بصوت هادئ لكن مفعم بالصدق:
“بسبب حكمي الخاطئ، أصيبت سيدتي بجراح بالغة. أياً كان العقاب الذي تُنزلينه بي فسأتقبله بكل رضى.”
ثم أضاف بعد لحظة:
“على كل حال، سيدتي…”
“نعم؟”
“إن كنتى قد وجدت السيد لوكاس، فهل تعرفين أيضاً مكان وجود السيد الأكبر؟”
من طريقة سؤاله بدا أنه أصبح يصدقني فعلاً، وإلا لما سأل سؤالاً كهذا.
توجهت كل الأنظار إليّ بانتظار جوابي.
“أمـم… في الواقع…”
بدأت ألوّي أصابعي.
“لن تستطيعوا العثور على الابن الأكبر.”
“ولماذا ذلك؟”
“…أنا نفسي لا أعرف جيداً. هيهي.”
هكذا تفاديت الأمر بابتسامة مترددة لكن الحقيقة أنني كنت أعرف تماماً أين هو الابن الأكبر.
لكن—
“سيدتي.”
في تلك اللحظة، فتحت ماي فمها أخيراً، وعلامات التردد بادية عليها.
“أنا أيضاً أستحق العقاب.”
“أنتِ؟ ولماذا يا ماي؟” قال كاليبس بدهشة.
لكن ماي مضت في كلامها بثبات:
“لقد سألتني آنذاك، سيدتي، إن كان الدوق قد لا يثق بكلامها…”
“ماذا؟! ومن الذي لا يثق بمَن…”
“عمي.”
اتسعت عينا كاليبس فى دهشة، لكنني قطعت كلامه وأنا أشد طرف كمّه.
“أتذكر إجابتي على سؤال سيدتي الصغيرة.”
“…….”
“لقد قلتُ: صحيح أن الدوق أشفق لحالك فتبنّاكِ، لكنه لا يثق بكِ. فأنتِ من بدأ بالكذب أولاً.”
“ماذا؟! ماي، ما الذي تفوهتِ به لتلك الطفلة الصغيرة…”
“عمي.”
شدت يدي كمّه مرة أخرى.
“…هاه، يا للعجب.”
أطلق كاليبس ضحكة قصيرة، ثم مرّر كفّه ببطء على وجهه وهو ينظر إليّ وإلى ماي بالتناوب.
بينما راحت يدا ماي، المتشابكتان فوق ركبتيها، تزدادان بياضاً من شدّهما.
“كانت كلمةً تفجرت من فمي في لحظة غضب… لكنني ظللت أندم عليها منذ ذلك الحين. خصوصاً عندما سمعت أنّ سيدتي الصغيرة توفيت أثناء محاولتها إنقاذ السيد لوكاس…”
توقفت ماي عن الكلام لحظة، ثم ابتلعت ريقها بصعوبة.
“لقد وقع قلبي حينها.”
بهذا الاعتراف، خيّم جو ثقيل على غرفة الطبيب.
ولا يزال الاثنان جاثيين على ركبتيهما، ينتظران ردّي.
أو بالأحرى، ينتظران أن أنطق بالعقاب الذي سأقرره لهما.
وفجأة—
“سآخذ الصغيرة معي قليلاً.”
قال العم وهو يخفي ملامح ارتباكه، ثم حملني بين ذراعيه.
‘هاه؟! بينما نوكس وماي لا يزالان راكعين؟ وتريد أن نغادر الآن؟’
“ولماذا؟”
“فقط… لنخرج قليلاً ونتحدث أنا وأنت.”
همست في أذنه بعينين متسعتين، فجاءني جوابه قاطعاً وحازماً.
—
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 26"