خلال ذلك الوقت، كان وعيي بطيئاً، لكنه كان يشقّ طريقه بثبات عبر التيار، مغادراً بحر اللاوعي.
كادك-
تحركت الأصابع البيضاء المتراصة فوق السرير.
ومع عودة الإحساس إلى أصابعي، بدأت أسمع الأصوات من حولي.
“…الآن ببطء…”
“…حتى لو كان سحراً ملكياً…”
أي حديث هذا الذي طال إلى هذا الحد؟
كنت ما أزال أرغب في النوم.
‘فقط قليلاً بعد.’
تظاهرت أنني لم أسمع شيئاً، وحاولت العودة إلى النوم.
لكن في تلك اللحظة—
“لن أتركها!”
“آه!”
انفتحت عيناي فجأة من الصوت العالي الذي كاد يمزق أذني.
“هـ… هـنا…”
‘أين أنا؟ من أكون؟’
التفّتُّ بعينيّ الواسعتين مثل حيوان الميركات، إلى كل جانب.
“…آيشا؟”
“آه! يا سيدي!… لماذا تبكي؟”
جلس لوكاس مذهولاً، عيناه محمرّتان كأنه بكى حتى أرهق نفسه.
“…آيشا.”
“العم؟”
وبالقرب منه، كان الدوق متعباً، كأنّه لم ينم لحظة واحدة، والهالات تحت عينيه واضحة.
توك-
“يا إلهي… الآنسة حتماً…”
وأسقط العجوز المجهول الذي كان يحمل أعشاباً ما بيده.
“لماذا… لماذا تنظرون إلي هكذا؟”
ما الذي حدث بحقّ السماء؟
لم أستوعب الوضع، فأملتُ رأسي بحيرة.
“آيشا!”
فجأة انفجر السيد الشاب باكياً، وارتمى ليعانقني.
“لا، لا يجوز. إنها ما تزال مريضة، يا لوكاس!”
“دعوني أولاً أفحص نبض الآنسة! هذه معجزة!”
“آه!”
قفز لوكاس أولاً إلى السرير، ولحق به الدوق والعجوز، فصرخت من الخوف.
‘ما الذي يحدث هنا بحق الجحيم؟!’
—–
“الكدمات ما تزال موجودة، لكن صحتها جيدة… هذه… هذه حقاً معجزة!”
“آيشا!”
هزّ دلتا، الذي عرّف نفسه كطبيب، رأسه مبهوراً وهو يتمتم.
ألقى لوكاس بنفسه نحوي من جديد، وهذه المرة لم يوقفه الدوق.
بل اكتفى بالنظر إليّ، ثم غطى وجهه بيده، لكن بدا وكأن الدموع تلمع عند عينيه.
ومنذ ذلك اليوم مرّت عدّة أيام.
وخلالها اضطررت إلى ملازمة عيادة الطبيب للتعافي.
عندها فقط عرفت ما الذي حدث قبل أن أفقد وعيي، وكيف أنني عدت من الموت.
في الحقيقة، بما أنني نجوت دون أي ضرر يُذكر، فقد تساءلت إن كان يلزمني الراحة أصلاً.
“تـ… تحتاجينها. حتى لو كان جسدك سليماً، عليك أن ترتاحي أسبوعاً كاملاً.”
قالها الجدّ دلتا وهو يمسح عرقه بارتباك، مُلتفتاً بين الحين والآخر ناحية كاليبس ولوكاس اللذين كانا يرمقانه بعيون حادّة.
“إذن سأمكث هنا أسبوعاً للتعافي!”
“آه، يا آنسة، شكراً… أ، أعني، بالطبع يجب أن تفعلي ذلك!”
أجبتُ بجدّية، فيما كان الجدّ دلتا يعبّر عن امتنانه الخالص، فطمأنته بلطف وأعدته إلى هدوئه.
بهذا الحد، أليس من الأجدر القول إنني لم أتجسد في جسد جاسوسة، بل في جسد بطلة خارقة؟
لقد أنقذتُ عدة أرواح خلال أيام قليلة.
على أي حال، قالوا إن حالتي الصحية لا يمكن تفسيرها إلا على أنها معجزة.
سبب موتي كان الضربة التي تلقيتها بدلاً عن لوكاس، ولذلك بقيت ندبة بسيطة في رأسي.
‘لكن لا أشعر بأي ألم على الإطلاق.’
العودة من الموت، كيف يمكن تفسيره؟
هل هو ربما قدرة خاصة للمُتجسّد؟
“هممم…”
التفتُّ بجسدي في كل اتجاه، لكن لم أجد شيئاً غير طبيعي.
إنه كامل تماماً!
“لا أعلم. أبدو جيدة على ما أعتقد.”
الأرجح أن السبب كوني مُتجسّدة في هذا العالم، وكان هذا هو الاحتمال الأكثر منطقية.
فلماذا لا؟ أليست هذه الحبكات منتشرة بكثرة في الروايات الرومانسية التاريخية؟
هل يمكن أن يكون هذا ثمرة السنوات الخمس التي قضيتها أتدحرج وأتعذب في قصر الدوق فوز؟
‘عليّ أن أتحقق من ذلك لاحقاً.’
لكن الآن، كان هناك أمر آخر يشغلني أكثر.
أول مرة…
حين فقدت وعيي على يد موظفي سيرك أهيلي، رأيت كابوساً.
‘ذهبتَ إلى قصر الدوق وعدتَ بشيء ممتع جداً.’
في المشهد لم يكن هناك خلفية ولا وجه للمتحدث.
لم يبقَ في ذاكرتي سوى صورة الظلال التي أحاطت بي، وتلك الأسنان المخيفة التي ابتسمت نحوي في الظلام.
“…ما هذه الذاكرة بالضبط؟”
منذ أن وُجد وعيي داخل جسد آيشا، لم يحدث شيء كهذا في الماضي.
كان المشهد قصيراً لكنه واضح كأنه صورة ملتقطة.
مجرد تذكّره جعل القشعريرة تسري في جسدي كله لشدة بشاعته ورعبه.
وبينما كنت غارقة في هذه الأفكار—
بغتة!
” الهندباء!”
فُتح الباب من دون طرق.
اندفع لوكاس بعينين واسعتين كعيني الأرنب، يلهث وهو يدخل مسرعاً.
كان في عجلة من أمره لدرجة أنّ بتلات الأزهار الصغيرة التي كان يمسكها بيده تساقطت على الأرض.
“سيدي الشاب؟”
عند ندائي، شهق لوكاس بدهشة.
“سيدي الشاب؟! لقد قال أبي إنه تبناك في عائلتنا؟!”
آه… إذن لهذا السبب جاء مسرعاً بهذا الشكل.
‘حقاً، لو كنت مكانه وعدتُ إلى البيت بعد خمس سنوات، وفجأة أُخبرت أن لديّ أختاً صغيرة جديدة، لَصُدمتُ كثيراً.’
كان يجدر بي أن أخبره بذلك مسبقاً في السيرك.
شعرت بالذنب قليلاً، ففتحت فمي بتردد.
“نعم… هكذا صار الأمر. تفاجأتَ، أليس كذلك؟ أعتذر لأنني لم أخبرك مسبقاً…”
“إذن ابتداءً من الآن أنا أخوك الأكبر، صحيح؟!”
قاطعني لوكاس صارخاً.
رأيت وجهه المتوهج حماسة، فأومأت برأسي سريعاً.
“إذن، لا يُسمح لكِ بعد الآن أن تناديني بالسيد الشاب!”
“ماذا؟”
سألته بدهشة من كلماته الغريبة، لكنه نظر إليّ بعينين لامعتين، كأنه يتوقع شيئاً ما.
‘ما الأمر؟ ما الذي ينتظره؟’
ضيّقت عيني قليلاً وأنا ألمس ذقني، ثم فجأة—
‘آه!’
نظرتُ إلى يده الممدودة.
كان يحمل زهرة لم يتبقَّ على أغصانها سوى بضع أوراق.
“واو، أأحضرتَ لي زهرة؟ شكرًا لك، إنّها جميلة جدًّا!”
“… ليس هذا المقصود.”
اعترض لوكاس على الفور.
“هاه؟”
“ذاك…”
تمتم بشيء ما، واحمرّت أذناه.
“… ناديني بذلك.”
“أناديك بماذا؟”
“من الآن فصاعدًا، ناديـني بأخي الأكبر!”
صرخ لوكاس بصوت كاد يُسقط طبلة أذنى، وقد احمرّ وجهه كلون الدم. وهو يحشر الزهرة بعشوائية في المزهرية.
وأضاف شروحًا غير ضرورية:
“من الآن فصاعدًا، لن أسامح أي شخص يجرؤ على مضايقتك! لذا إن حدث لك شيء، نادي عليّ فورًا هذا ما أردت قوله!”
آه، يا لهذا الصغير، هل أنت تسونديرى؟
“فهمت، يا أخى لوكاس. شكرًا لك.”
شعرت بالرضا من نفسي فأعطيته الجواب الذي كان يريده، وعندها أذنيه أصبحت حمراء وهو يملأ المزهرية بالماء.
“همم. إذن… أنا أخوك الأكبر.”
“أها.”
“وأنت أختي الصغرى. نحن أشقّاء. عائلة. آهم !”
وبينما كان يردّد هذه الكلمات لنفسه، أخذت زوايا فمه ترتعش—
“كح!”
لكنه سرعان ما استعاد وقاره بسعالٍ مصطنع وجلس على الكرسي الصغير إلى جواري.
ثم فتح دَفتر رسم صغير وأراني إياه.
“ما هذا؟”
“إنّه جدول حياتي. فمنذ عودتي إلى قصر الدوق صار لديّ كثير من الأمور التي ينبغي عليّ القيام بها. ورغم أن عمري ثمانية أعوام فقط، فأنا وريث عائلة كروست.”
“أها!”
يبدو أنّه جاء ليُخبرني بفخر عمّا كان يفعله خلال فترة انقطاعنا عن اللقاء. تصرّف يليق فعلًا بأطفال في مثل سنّه، وكان ذلك لطيفًا للغاية.
كان في دفتر الرسم مخطّط دائري مرسوم بأقلام شمعية زرقاء.
“أخبِرني بجدول يومك يا أخي!”
“بالطبع.”
وربما أعجبه بريق عينيّ وأنا أستمع، فرفع حاجبيه الكثيفين بثقة.
وأشار بإصبعه القوي إلى الجدول.
“موعد الغداء هو الثانية عشرة والنصف. بعد أن أُنفِق طاقتي في الصباح، عليّ أن أعوّضها لأستعد لما بعد الظهيرة. عادةً يعطونني خبزًا ولحمًا بكثرة. ومن الآن فصاعدًا، سأتى في هذا الموعد إلى غرفتك، فكوني مستعدة.”
اتّسعت عيناي دهشة من كلامه غير المتوقّع.
“سنتناول الطعام معًا؟”
“طبعًا. فنحن أشقّاء.”
“أها…”
“ثم يأتي وقت العشاء. العشاء في السادسة والنصف. يختلف من يومٍ لآخر، لكن غالبًا يكون لحمًا وخضارًا بسيطًا.”
فجأة خفَض صوته إلى نبرة سرّية، فشدَدت شفتيّ على هيئة مثلث من شدّة الترقّب.
ما الأمر؟ أهو تدريب مروّع؟ أم طقس للاعتراف به كوريث شرعي؟’
انتظرت كلماته القادمة وأنا في توتّر، فإذا به يلتفت حوله همسًا:
“بين الغداء والعشاء…”
“نعم؟”
“… هناك ما يُسمّى وقت الحلوى.”
“وقت… الحلوى؟”
عذرًا؟!
“الحلوى؟”
ظننت أنني سمعت خطأ، فأعدت السؤال، لكن حاجبيه المرفوعين بإصرار أكّدا لي أنّه يعني ما يقول.
“نعم، لا يجوز تفويت ذلك أبدًا. فكيكة الفراولة لذيذة حقًّا.”
“.. اه”
لوكس… يبدو أنه أحمق قليلًا.
كنت أفكر هكذا حين حدث الأمر—
“إن كنتما انتهيت من العرض، فاخرج قليلًا.”
انفتح الباب ببطء، ودخل رجل ضخم. بدا أنه عائد من الخارج، إذ هبّت معه رائحة الريح الباردة حتى من مسافة بعيدة.
كان الدوق.
“عمي!”
“أيتها الصغيرة.”
ابتسم بخفوت، وإذا بوجه لوكاس الذي كان يبدوا سعيدا قبل لحظة ينقلب إلى عبوس.
“لم أنتهِ بعد من العرض.”
“لا. لقد اتفقنا على ثلاثين دقيقة، وقد مضت ساعة كاملة. لقد تساهلت معك كثيرًا.”
“إذن تساهل أكثر.”
حدّق كاليبس مليًّا بلوكاس الذي يشبهه حد التطابق، ثم ضحك بخفة.
“يقول الطاهي إنه صنع كيكة الفراولة من أجلك.”
“…ماذا؟”
“ألستَ راغبًا في أكلها؟”
دووم—!
كأن صوت رعدٍ قد دوّى من مكانٍ ما.
اقتراح والده بدا وكأنه أكبر أزمة واجهها لوكاس منذ دخوله قصر الدوق.
هل يختار أخته الصغرى أم كيكة الفراولة؟
‘في مثل هذه الأوقات، لا بدّ من أختى صغيرة متسامحة!’
لكن في الحقيقة لوكس مزعج قليلًا~!
لوّحت بيدي بخفة وقلت له:
“اذهب يا أخي.”
“…أخي؟”
لكن فجأة ارتجف العم وأضيقَت عيناه.
“ذاك أخوك الحقيقي… أما أنا، فلستُ أبًا، بل مجرد عمّ؟”
“…هاه؟”
يا إلهي. لقد ارتدّت الشرارة ناحيتي الآن.
—
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 25"