<الفصل19>
“تلك المؤخّرة… أهذا أنت السيد نوكس؟”
تناهى إلى سمعه من الأسفل همس الفرسان، لكنه لم يعرهم أيّ اهتمام.
أربعة وعشرون عاماً من السير في طريق واحد.
كان نوكس، بصفته مولعاً بالكائنات السحرية، وبصفته مساعداً للدوق كروست، لم يَحِد قط عن قناعاته بسبب نظرات الناس.
وأخيراً، تسلّق الجدار حتى وصل إلى نافذة غرفة آيشا، فأطلّ بحذر.
ثم، وليرى بوضوح أكثر، أخرج منظاراً أُحادياً آخر وارتداه على عينه الأخرى.
اتّسعت حدقتاه حين وقعت عيناه على ظهر طفل صغير داخل غرفة النوم.
“ماذا تفعلين الآن؟!”
“هـ… هيييييك!”
استطاع أخيرا ان يمسك بها.
—
“…بهذا سيلفت الأمر انتباه نوكس، أليس كذلك؟”
قبل ساعة واحدة.
حالما عدت إلى غرفة النوم، شرعت في تنفيذ خطتي الجادّة. بما أنّني قد تقمّصت شخصية آيشا، كان عليَّ تغيير مجرى الأحداث الأصلية حتى أتفادى موتي المستقبلي.
لكن في النهاية، صرت كما في الرواية الأصلية، ابنة كاليبس.
صحيح أنه قبلني رغم معرفته أنني جاسوسة، غير أنّ هذا لا يكفي للاطمئن.
كان عليّ كسب ثقته بأيّ ثمن.
‘ولتحقيق ذلك، أحتاج إلى مساعدة الآخرين.’
لكن المشكلة أنّه لا يوجد من يقدّم تلك المساعدة.
كاليبس لا يتوقع مني شيئاً، أمّا نوكس فيزداد حذراً مني.
“إذن لا خيار أمامي سوى هذا.”
اخترت من بين الفساتين عدّة قطع، وانتقيت أبسطها شكلاً، وبسطتها على الأرض.
ثم بدأت أرسم عليها شيئاً باستخدام أقلام التلوين الشمعية، كما لو أنّ جاسوساً محترفاً يدوّن تقريراً.
“عندما أتصرف على هذا النحو المريب، لن يستطيع كبح فضوله.”
قالت لي رئيسة الخدم ماي إنّ نوكس موجود في مكتبه الخاص.
“…ولكن هل أصدّق ذلك؟”
في غياب كاليبس، سيحرص أكثر على مراقبتي.
لذا فمن الطبيعي أن تكون عبارة إنه في مكتبه مجرد كذبة، والهدف أن يراني وأنا وحدي، ليتجسس على ما أفعل.
وحين أشرع في فعلٍ مشبوه كهذا، سيبادر فوراً للإمساك بي أمام عينيه.
“ماذا تفعلين الآن؟!”
كان ذلك في تلك اللحظة.
وكما توقّعت، ما إن بدأت الرسم حتى انطلق صوتٌ غاضب من ناحية النافذة.
الآن تبدأ المرحلة الحقيقية.
“هـ… هييييك!”
المركز الأول في اختبار التمثيل في قصر الدوق فوز.
فجأة—
رفعت رأسي بسرعة، بينما كنت أخفي الفستان بطريقة مريبة أمام أيّ ناظر—
“مرحباً بك، أيتها الأميرة الزائفة.”
كان نوكس يراقبني مبتسماً ابتسامةً مُخيفة، وهو يضع منظارين أُحادِيَّي العدسة على كلتا عينيه.
يا إلهي، يبدو مخيفاً بهذا الشكل.
على أي حال…
‘لقد ابتلعت الطُعم!’
—
“…لقد تسلّقت الجدار وصعدت إلى هنا؟”
سألت بخوفٍ متعمّد، وأنا أتظاهر بالحذر.
أعاد النظارة الأحادية إلى جيبه، ثم عبر النافذة بهدوء وكأن الأمر عادي تماماً.
“كنت أراقبك… لأعرف كيف استطاعت آنسة زائفة عادية المظهر أن تحوز رضا سيّدي.”
“إذن دخلت غرفتي من دون إذن؟! وفوق ذلك تسلّقت النافذة؟!”
“نعم.”
لمعَت عدسة منظاره الأحادي ببرود، وهو يضيف:
“ما دام سيّدي غائباً، فعليّ القيام بدور والد الآنسة الزائفة.”
“…………..”
“بالطبع إنه أمر مزعج.”
ألقى عليّ نظرة ملل.
“وبما أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، أود أن أعرف السبب الذي جعل سيّدي يتبنّاكِ.”
“………..”
كان قد ضُبِط وهو يتجسّس عليّ، لكنه تصرّف وكأن الأمر لا يعنيه إطلاقاً، بل بدا واثقاً.
“لكن أن تقومي بعمل لطيف كهذا ماذا كنتِ تكتبين على الفستان؟”
ماذا عساه أن يكون؟ معلومة مريبة عليك أن تتحقق منها أنت بنفسك.
“الفستان…؟”
تظاهرت بالجهل، ورفعت كتفيّ بلا مبالاة، بينما أزحت الفستان المخفي خلفي بخفّة مستخدمةً مؤخرتي. لكن عدسة منظاره الحادّة لم تفُتْها تلك الحركة.
“ماذا كنتِ ترسمين؟!”
“لا شيء.”
“لا شيء، ومع ذلك تخفين الفستان بهذا الشكل المريب؟”
“حتى مَن في الخامسة من عمره له خصوصيته.”
“لكن إن كان في الخامسة وكان جاسوساً سابقاً، فالأمر مختلف. اكشفي عن سر هذا الفستان!”
“إيييك!”
انحنى فجأة، ومد ذراعه خلفي. حاولت منعه، لكن ذراعه كانت أطول بكثير من جسدي الصغير.
“هوهو… ماذا تعلمتِ بالضبط في تدريبكِ كجاسوسة؟”
لم يراعِ حتى كوني طفلة في الخامسة، وفي النهاية ظفر بالفستان، وهو ينظر إليّ بانتصار.
وماذا تعلمتُ؟ تعلمتُ أن أتقن دور من يتظاهر بالخسارة.
فتح نوكس ظهر الفستان على اتساعه، فإذا به يقرأ:
“…سيرك أهيللي. الساعة الثانية عشرة. مخزن الموظفين.”
ارتفع صوته وهو يقرأ التقرير المزوّر بنبرة باردة مخيفة، إذ بدا بوضوح رسالة تواصل سرّية بين جواسيس.
“…وماذا تنوين أن تفعلي هناك؟”
تثاقل الجو من حولنا حتى صار كأنه حجر ثقيل يضغط على الصدر.
“هل تريدين أن تتفاخري بأنك خدعتِ دوق كروست وأصبحتِ ابنته؟”
يا إلهي، إنه أكثر رعباً مما توقعت!
“أنا فضولي لأعرف ما الذي تخطّطين له يا آنسة زائفة… فلنذهب معاً إذاً.”
“هـ… ماذا؟!”
تجمّدت مكاني، بينما أطلق ضحكة ساخرة، وألقى الفستان على السرير، ثم أمسك بمؤخرة عنقي كما تُمسك قطة صغيرة، ورفعني عن الأرض.
قبل أن أستوعب الموقف، كنت قد جلست في العربة مرغمة.
“انزلي.”
قالها، لكنه في الوقت نفسه قبض على عنقي الصغير بثبات.
منذ أن قرأ نوكس التقرير المزوّر، لم يعاملني أبداً كـابنة دوق كما أمر كاليبس.
وهذا كان بالضبط ما أردته.
لحسن الحظ، بدا نوكس مقتنعاً تماماً بأنني أتواطأ مع دوقية فوز.
‘صحيح أن الأمر مخيف بعض الشيء لكن على الأقل وصلنا إلى هذه المرحلة بسلام.’
تحت مراقبته الشديدة، دخلنا إلى داخل السيرك،ضريتنا برودة حادّة أشبه بما يشعر به المرء حين يدخل غرفة تجميد.
في تلك اللحظة، سلطت الأضواء الكاشفة القوية على المذيع الذي صعد إلى المنصة.
“أهلاً بكم في أعظم عرض لمخلوقات الوحوش على وجه العالم—سيرك أهيللي والذي كنتم جميعًا تنتظرونه!”
“وااااه!”
“واااه!”
ترددت كلمات المذيع بصوت جهوري في أرجاء القاعة، فيما نهض الجمهور من مقاعدهم بحماسة عارمة.
“…وحوش؟ اجتمعوا هنا لمشاهدتها…؟”
توقّف نوكس فجأة وقد بدت الدهشة في صوته عند التحول غير المتوقع للأحداث.
أجل.
كان هذا السيرك يقدّم عروضاً للوحوش أُدخلت إلى البلاد بطرق غير قانونية.
لكن من يزور هذا المكان لأول مرة، مثل نوكس، لا بد أن يتساءل: كيف يعرضون مخلوقات كهذه، وهي لا تفهم لغة البشر، وعدوانيتها تجعل حتى صيدها أمراً بالغ الصعوبة؟
نوكس، الذي يعرف خصائص الوحوش جيدًا، سيجد هذا الأمر أكثر غرابة.
إذن، كيف يقومون بإحضار الوحوش وإدارتها في هذا السيرك؟
أما الجواب، فهو أنهم يستخدمون هنا قدرة نادرة—قدرة الجليد.
الابن الثاني لدوق كروست، لوكاس، هو من يمتلك تلك القدرة، وهو الآن مسجون في هذا المكان، حيث يُجبر على استخدامها.
وكان دوري أن أنقذه مستقبلاً.
—
في تلك الأثناء في أقاصي العالم.
“لقد قضينا على قطيع ذئاب الشتاء الذي كان يقترب من جدار الجليد.”
“والأورك؟”
تطاير شعر كاليبس الأسود وسط عاصفة ثلجية عاتية، وتنافر بياض العالم من حوله مع اللون القرمزي لقطرات الدم التي لطخت المشهد.
انساب الدم من كفّه، لكنه مسحه ببرود، ولف الجرح بضماد خشن بلا مبالاة.
نزف الدم أثناء قتال الوحوش كان أمراً معتاداً.
“رصدنا حوالي عشرة من الأورك عند الحدود.”
“والقوة القتالية؟”
“ثلاثة غير قادرين على القتال، والبقية بخير.”
“إذن فجر اليوم سن…”
توقّف كاليبس عن الكلام، إذ قفز إلى ذهنه فجأة وجه طفلة صغيرة ككرة من القطن—آيشا.
الطفلة التي تنتظره في قصره.
كان واثقاً أنها ستتصرف بشجاعة حتى في غيابه، لكنه رغم ذلك شعر بشيء من القلق لتركها تحت رعاية نوكس.
ترى، هل يوبّخها الآن على أمر تافه؟
بعد لحظة تفكير، قال بصوت حازم:
“فلننهي الأمر بأسرع وقت، استعدوا فوراً.”
“أمرك جلالتك.”
أحكم لف الضماد، وارتشف جرعة من الخمر القوي؛ ففي طقس تنخفض حرارته عن ثلاثين درجة تحت الصفر، كان الكحول الحاد ضرورياً للبقاء.
كانت عيناه الحمراوان الساخنتان كتيار الحمم تتجهان شمالاً، حيث وُجدت الأورك.
إن أنهيت المهمة بسرعة، قد أعود الليلة.
كان هناك من ينتظر عودته.
وعندما يعود إلى المنزل، سيكون هناك من يعانقه.
“……….”
ومع إحساسه الدافئ النادر، ارتسمت على شفتيه المتيبستين ابتسامة بالكاد تُرى—لكنها لم تدم.
“سيدي، رسالة عاجلة من السيد نوكس.”
اختفى وجه الطفلة الأبيض من ذهنه، حين تناول الرسالة من يد الفارس.
“برقية عاجلة؟”
مستحيل.
فالخطر الوحيد الذي يهدّد دوقية كروست هى الوحوش السحرية، لكن بما أنّه هو نفسه من يتولّى إبادتها الآن، فلا ينبغي أن يكون هناك أي أمر خطر.
“………..”
لكن—
[لقد اكتشفتُ الآنسة آيشا وهي تكتب تقريرًا سرّيًا. وهي الآن في طريقها إلى موقع اللقاء المذكور في التقرير.ملاحظة: ألم أقل لك من قبل؟]
“سيدي؟ لقد انتهت تجهيزات حملة الإبادة.”
“سنعود.”
“عفوًا؟”
“افتح البوابة. هناك مكان يجب أن أذهب إليه فورًا.”
شعر كاليبس وكأنّ الدم يتجمّد في عروقه، وهو يطوي الرسالة بقبضة متشنّجة.
—-
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 19"
عندي فضول إبغى اعرف إيش حيصير بالبطلة بعد مايلقط الدوق أبنائه🫠 متأكدة بانه حيعتبرها كبنتو بس حاسة انو البطلة ماحتقبل تقعد وياهم 😅