<الفصل 18>
“إنّها الأميرة لدوقية كروست.”
قال نوكس مجدّدًا.
“الأميرة؟ أأنت تقول إنّك وجدت الآنسة النبيلة؟ لا، لم أسمع خبرًا كهذا”
عند سماعه كلمة الأميرة، ارتجف كتفا المركيز وبدت عليه علامات الارتباك، لكنّه ما لبث أن مسّد ذقنه الخشنة بضع مرّات، ثم قال:
“آها إذن أنتِ طفلة الدوق كاليبس.”
رفع طرف شفتيه بابتسامة مريبة وهو يحدّق بي. ويبدو أنّه قد سمع بخبر تبنّي الدوق كاليبس لطفل.
“حسنًا، حسنًا لقد مرّت خمس سنوات منذ أن فقد الدوق عائلته فلا بدّ أنّه يشعر بالوحدة.”
اقترب مني خطوة واحدة، ثم جثا على ركبتيه.
“يا صغيرة، ماهى قوّتك الخارقة؟”
كان وجه المركيز عن قرب أكثر تجعّدًا، حتى بدا أشبه بقرد جشع ومتغطرس.
أُفّ… مقزّز.
أرجعت رأسي إلى الوراء وقلت:
“ليس لدي.”
“أوه، إذن لا تملكين شيئًا لا قوّة خارقة ولا أيّ قدرة تُذكر هه هه هه!”
دوّى ضحك المركيز ليليث في الممرّ العالي السقف، فتغيّرت ملامح الجميع إلى الانقباض، لكنّ أحدًا لم يتفوّه بكلمة.
وكان ذلك طبيعيًّا؛ فأنا آنسة نبيلة غير معترف بها، وهو والد شخص يمتلك قوّة خارقة.
“أتريدين أن ترَي قوّتي؟”
في تلك اللحظة، تقدّم تيكس متباهيًا حين سمع كلمة القوّة الخارقة، وهو يرفع كتفيه.
كنت على وشك أن أهزّ رأسي رافضة، لكن…
كراااك!
“آآاه!”
“يا للصدمة!”
صرخت الخادمات وغطّين آذانهنّ بأيديهِنّ، فقد تشكّل في وسط الممرّ، مع دويّ تجمّد الماء، عمود جليدي ضخم.
“………..”
أسوأ من ذلك… أنّه لو لم أتشبّث بساق نوكس كما تتشبّث اليعسوبة، لكنت قد اصطدمت بذلك العمود الجليدي.
“هذه هي قوّتي الخارقة.”
قال تيكس وهو يبتسم ابتسامة ماكرة، كأنّه يتذوّق صرخات الخوف من حوله، ثم انحنى قليلًا ليتمكّن من النظر إليّ، لكوني قصيرة القامة.
“على أيّ حال، بما أنّك من عائلة كروست، فسأعتبرك أختًا لي عندما أصبح الوريث في المستقبل.”
لكنني قلت على الفور دون أدنى تردّد:
“لا. أنتَ خاسر في سباق الورثة.”
“…ماذا؟”
“أتدري ما السبب الذي جعل أسرة دوق كروست تحظى باعتراف الناس؟”
تجهّم تيكس من هذا السؤال المفاجئ، ثم أجاب بلامبالاة:
“بسبب امتلاكها لقوّة الجليد؟”
“لا. بل لأنهم استخدموا قوّة الجليد لحماية الناس، ولهذا تم تكريمهم.”
ثم أشرتُ إليه بإصبعي وقلت:
“لكنّك أنتَ هددت الناس بدلًا من حمايتهم، ولذلك فأنت لا تملك أهلية أن تكون وريثًا.”
“……….”
عمّ الصمت المكان في تلك اللحظة.
حتى المركيز ليليث الذي كان يبتسم باستهزاء، والخادمات المندهشات، ونوكس الذي كان يراقب من بعيد.
“…وماذا تعرفين أنتِ عن هذا؟!”
بدا على تيكس علامات الارتباك لبرهة وكأنّ كلامي أصابه في الصميم، ثم مدّ يده محاولًا أن يمسك بياقة ملابسي—
“إنّها الآنسة النبيلة المباشرة.”
كانت كفّ ضخمة قد فصلت بيني وبينه.
“إن استمرّ أي تصرّفٍ ينطوي على تهديد تجاه الآميرة المباشرة، فلن تتردّد جهتنا في اتخاذ الإجراءات، حتى ولو كانت أسرة المركيز ليليث.”
لم يكن على وجه نوكس أيّ تعبير، لكنه كان يحدّق بالماركيز ليليث بنظرة باردة.
كان الماركيز يراقب الموقف من خلف كتف تيكس، وقد أطبق شفتيه بصمت.
ومهما كنتُ طفلة متبنّاة، فأنا على أيّ حال الآميرة الرسمية التي اعترف بها الدوق كاليبس.
“تيكس، هيا بنا.”
“لكن، أبي!”
“قلت هيا!”
كان واضحًا أنّ المركيز يدرك أنّ إثارة مزيد من الفوضى هنا لن تجلب إلا سمعة سيئة له.
أمسك الماركيز بيد تيكس بعنف، ثم رمق نوكس بنظرة حادة.
“…نوكس.”
“نعم.”
“يبدو أنك قمتَ بتلقين هذه اليتيمة التي تم تبنّيها مؤخرًا تعليمًا ممنهجًا على طريقتك.”
وغرز إصبعه الحاد في صدر نوكس.
“إن أصبح تيكس وريثًا للعائلة، فسأحرص على تعليمك مبادئي في التربية كما ينبغي.”
كان من الطبيعي أن يشعر المرء بالرهبة وهو يقف أمام هذا الرجل الذي يشبه قردًا جشعا ومتغطرسا، لكن نوكس لم يطرف له جفن.
“حسنًا، أراك حينها.”
“تسك! يا لسوء الحظ…”
وبعد ذلك لم يكن بيد المركيز ليليث ما يفعله.
نظر إلى نوكس بحدة، ثم إلى الخادمات من حوله، وأخيرًا رمقني أنا أيضًا بنظرة حانقة، قبل أن يسحب تيكس ويغادر قصر الدوق.
وحين اختفى الماركيز ليليث وتيكس—
“لماذا جاء الماركيز هذه المرة أيضًا؟”
“لا أدري، لكنه يتردّد ألى هنا وكأنه بيته.”
“آه، كلما جاء أشعر بالضغط العصبي.”
“لكن، هل هذا يعني أن السيد تيكس سيخلفه في منصب الوريث؟”
“الدوق سيقيم اختبارًا للوريث بعد أن يعود من حملة إبادة الوحوش… أظنّه سيعلن النتيجة حينها، أيًّا كانت.”
“ألم يقم الدوق بتبنّي الآنسة آيشا؟”
“…لكن هل تملك الآنسة آيشا قوّة الجليد؟”
تردّدت أصوات الأحاديث هنا وهناك، مصحوبة بالآهات.
آه، فهمت الآن.
السبب الذي جعل نوكس لا يعترف بي
‘سواء كنتُ الآميرة أو أيّ شيء آخر، ما دمت لا أملك قوّة الجليد، فتيكس سيظلّ الوريث على أي حال.’
فكّرت بذلك وأنا ألمس ذقني.
في الحقيقة، حين تعذّر العثور على الآميرة، كنت قد فكرت في البحث عن الامير بدلًا منها.
‘لكن ماذا لو أن الامير أيضًا اختفى مثل الاميرة، بخلاف ما حدث في القصة الأصلية؟’
إن كان الأمر كذلك، فإن العم، الذي ظل يثق بي دائمًا،سوف يصاب بخيبة أمل حتما.
‘يجب أن أبحث عن الامير من دون أن يعرف أحد…’
كنت أفكّر في ذلك بقلق، إذ لم أجد وسيلة مناسبة، فأدرت رأسي—
فرأيت ظهر نوكس وهو يمشي بصمت، يطلق زفرة طويلة.
كنت أحدّق إليه بنظرة حزينة.
“همم؟”
لمع شيء ما على الأرض.
اقتربت لأنظر، فإذا به قلم حبر فاخر مصنوع من الذهب.
“هل هو للمركيز ليليث؟”
يبدو أنّه سقط حين جذب تيكس بعنف قبل قليل.
“…روس؟”
لكن، الاسم المنقوش على القلم لم يكن ليليث، بل روس.
“روس؟ أهو لقب للماركيز ليليث؟”
قد يحدث ذلك، فكثير من النبلاء ينقشون أسماءهم المستعارة على ممتلكاتهم.
لكن…
“آه.”
حين التقطت القلم، خطرت لي فكرة جيدة.
إن لم أتمكّن من التكلّم أولًا…
فيمكنني أن أجعل الطرف الآخر يثيره الفضول تجاهي، تمامًا مثل هذا القلم، أليس كذلك؟
—
بعد بضعة أيام.
“هل ستذهب إلى الآنسة آيشا؟ أأُحضّر بعض المرطبات مسبقًا؟”
كان قصر الدوق قد بدأ يستعيد أجواءه المعتادة متجاهلًا المرارة التي خلّفها قدوم الماركيز قبل أيام.
لكن نوكس هزّ رأسه بوجه جامد.
“لا، اليوم أودّ أن أرتاح بمفردي.”
في الحقيقة، كان مزاج نوكس في أسوأ حالاته منذ ذلك الحين.
‘أن يتردّد أحد فروع العائلة الجانبية على قصر الدوق وكأنه منزله…’
كان يعلم أنّ الماركيز ليليث يطمع في منصب وريث أسرة الدوق، لكنّه لم يتوقّع أن يدخل القصر من دون إذن.
لو كان الدوق كاليبس حاضرًا، لما كان هذا ليحدث أبدًا.
‘بل حتى لو لم يكن الدوق موجودًا، يكفي أن يكون الامير حاضرًا…’
لكن نوكس هزّ رأسه ليقطع سلسلة أفكاره، فمثل هذه الافتراضات لم يكن لها أي معنى.
“إذن، أبلِغي الآنسة آيشا أيضًا. سأكون بمفردي حتى موعد العشاء، فلتبقَ هادئة في غرفتها.”
“حسنًا، سأخبرها.”
وبعد أن افترق عن ماي متجهًا نحو مكتبه الخاص، ما إن اختفت عن ناظريه حتى غيّر مساره.
“…………”
‘لا يمكنني قضاء الوقت بالأكتئاب بلا فائدة… يجب أن أفعل شيئًا.’
أمّا أمر الماركيز ليليث، فللأسف لم يكن من الأمور التي يستطيع التدخّل فيها.
لكن آيشا…
‘الكشف عن حقيقة تلك الصغيرة الجاسوسة، هذا أمر أستطيع فعله الآن.’
اتّجه سيرًا إلى خارج أسوار القصر، وتحديدًا إلى الجهة التي يطل منها على نافذة غرفة آيشا.
“لكنّك أنتَ هددت الناس بدلًا من حمايتهم، ولذلك فأنت لا تملك أهلية أن تكون وريثًا.”
تذكّر كلماتها فجأة، فتوقّف للحظة.
بصراحة، في تلك اللحظة شعر أنّ آيشا بدت حقًا كآنسة نبيلة. بل فكّر أنّه لو كانت الوريثة لكانت أفضل من شخص مثل تيكس.
“…لا، ليس هكذا.”
لكنّه هزّ رأسه مجددًا.
“قد يكون مجرد تمثيل.”
تلألأ منظاره الأحادي ببرودة وهو يحدّق في النافذة.
ما السبب الذي يجعل شخصًا دنيئًا يخدع الآخرين ويسرق المعلومات يُمنح لقب جاسوس؟
لأنّه تلقّى تدريبًا احترافيًا على ذلك.
وبطبيعة الحال، لم يكن نوكس يثق بتلك الصغيرة القادمة من دوقية فوز كجاسوسة سابقة.
وجهها جميل؟ هذا طبيعي، فالجواسيس غالبًا ما يكونون حسني المظهر.
ثرثرتها المرحة يوميًا عن أخبار أسرة فوز؟ غرضها تليين قلوب الآخرين.
انتفاخ وجنتيها اللطيف عند الأكل؟ الجواسيس بارعون أصلًا في تغيير ملامحهم.
‘كنت أظن أنّ ملازمتي لها ستجعلني ألتقط أي خيط ولو صغيرًا’
في البداية راقبها طوال الوقت على أمل الإمساك بدليل، لكن ظهرت مشكلة…
ملازمته لها جعلتها عاجزة عن أداء عملها الأساسي.
‘إن منحتها وقتًا بمفردها، فقد تُظهر حقيقتها.’
وبما أنّه أوصل الرسالة عبر ماي، فلا بدّ أن آيشا الآن وحدها.
من يدري ما الذي تفعله في تلك الغرفة.
ربما تكتب تقريرًا سترسله إلى دوقية فوز، وحينها سيكون لديه مبرّر مؤكد لطردها.
“هاه… ومن سوء حظي أنّ عليّ تسلّق جدار القصر كما يفعل اللصوص.”
العائق الوحيد كان كبرياءه بصفته مساعد الدوق كروست.
تذكّر تاريخه المهني.
أصغر مساعد في تاريخ أسرة دوق كروست.
أول خبير في تربية الوحوش السحرية.
رئيس جمعية م.س.م (محبّو الوحوش السحرية لدرجة تمزيقها).
‘لكن يجب على أن أفعل ذلك.’
رفع منظاره الأحادي بعزم، وشدّ قبضته على حجر من أحجار الجدار.
—-
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 18"