<الفصل17>
تطايرت الشرر نحو نوكس، الذي كان واقفا ساكنا،
لكنه جثا على ركبتيه طاعةً لأمر ربّ الأسرة.
“لقد جثوت، ولكن ما السبب؟”
” الطفل الذي كان يقفز كالقُرَيد، صار فجأةً كخنفساء الروث. كيف أقنعته بذلك؟”
“صحيح أنني أقنعته، لكن لم أضغط عليه إلى تلك الدرجة…”
يا إلهي!
“يا عمّي~”
وما إن أدركت الموقف، حتى بذلت كل قوتي لأتحول إلى ضفدع وأقفز إلى أحضانه.
ثم بادرت بتغيير الموضوع سريعًا قائلة:
“على كل حال، إلى أين أنتم ذاهبون؟ تبدو ثيابكم دافئة للغاية.”
فنظر إليّ مطوّلًا، وأطلق تنهيدة خفيفة، ثم قال:
“لأجل قتال الوحوش.”
كنت قد خمّنت ذلك مسبقًا من رؤية فراء الذئب والدرع الذي يرتديه، فهذه الأيام عادةً ما يخرج أسياد أسرة كروست في مهمة للقضاء على الوحوش.
كما بدا واضحًا أنه ليس متفرغًا بما يكفي ليخوض معي حديثًا طويلًا.
قال:
“سيستغرق الأمر نحو أسبوع. وبعد ذلك، في اختبار الوريث، سأقدّمك لهم، فاستعدي.”
قلت بدهشة وعيناي متسعتان:
“……تقدّمني لهم؟ ولكني لا أمتلك قدرة الجليد!”
رغم أنّ دوق فوز قال لي أن أركّز على اختبار الوريث، فقد كنت أرى الأمر مستحيلًا من البداية.
فأنا لا أملك القدرة اللازمة لخوض هذا الاختبار.
قال الدوق:
“قصدي أن أقدّمكِ بصفتك من السلالة المباشرة، لا أن أجعلكِ وريثة.”
“…آه، فهمت.”
لم أجد ما أعلّق به، فاكتفيت بهزّ رأسي.
لقد وقعتُ في مأزق…
كنتُ أنوي، بصفتي ابنة دوق، أن أستعدّ لأمور كثيرة… كامتلاك مهارة في المبارزة تليق بسلالة كروست، أو تعلم أسلوب التحية الذي يرضي الحاشية…
لكن أن يتم تقديمي في اختبار الوريث قريبًا، فهذا يعني أن الوقت أمامي قصير جدًا.
على اى حال، بدا العمّ منشغلًا بحق، فأخذنى وحملني.
“نوكس، تعال معي قليلًا. قبل الذهاب لمطاردة الوحوش، سنعقد اجتماعًا طارئًا بشأن قضية المركيز ليليث.”
تنهد نوكس وهو ينظر إليّ، ثم قال:
“هل ستأخذ معك تلك الصغيرة أيضًا؟”
“إنها هادئة، لن تسبّب إزعاجًا.”
آه! هذه فرصتي.
“صحيح، سأكون هادئة جدًّا!”
لم أكن أعرف الكثير عن الماركيز ليليث وابنه، لكنني كنت أعلم أنهم أب وابن مليئان بالمشاكل.
ولهذا، اعتقدت أنني قد أتمكن من تقديم المساعدة فقفزت فورًا للمشاركة في الحديث.
“من يدري؟ لعلها تسرق أسرارنا بوجهٍ مبتسم.”
ضيّق نوكس عينيه وهو يقول ذلك، فصاح كاليبس بنبرة غاضبة:
“…هل هذا كلام تقوله لطفلة؟”
نعم، وهل هذا كلام يُقال لطفلة فعلًا؟
يا له من أمر يثير السخرية!
صحيح أنني كنتُ جاسوسة في الماضي، وأن ثقته بي محدودة، لكنني مع ذلك أريتهم حتى الرسائل الخاصة بدوق فوز بالكامل!
لكن لا بأس، فبوجود العمّ أشعر بالأمان.
يجب أن أظلّ ملتصقة به طوال الوقت، هكذا لن يتمكن نوكس من التعرض لي.
شاق—
وضعت راحة يدي بثقة على صدره القوي وأنا في حضنه.
“………….”
ياالهى لقد التقت عينانا.
قال نوكس حين لاحظ نوكس نظرتي،”هممم.”
ثم رفع نظارته قليلًا
ثم فتح فمه ببطء قائلًا:
“…يجب أن تُصلح جلالتك هذه العادة أيضًا.”
“أي عادة؟”
“أخذ طفل إلى مكان العمل. هذا ليس جيدًا نفسيًّا للطفل… على الأقل هذا ما سمعتُه من شخصٍ ما في أحد النُزل.”
“……….! ”
بينما كان يحملني، ارتجف ذراعه فجأة.
“…عمي؟”
أنت بالتأكيد لا تصدق تلك الشائعة التي سمعها في ذلك النزل؟
نظرت إليه بعينين متلألئتين برجاء، متوسلة أن لا يصدق ذلك الكلام.
“…آيشا، أكملي طعامك.”
لقد استسلم للشائعة في النهاية، وأنزلني بهدوء على الكرسي من جديد.
“…عمي؟”
ثم قال:
“…أعتذر.”
وأغلق عينيه بإحكام قبل أن يخرج مسرعًا من القاعة.
“عمى_!”
في حين ارتسم على وجه نوكس ابتسامة انتصار، ملأ صدى صيحتي اليائسة أرجاء قصر الدوق.
لكن في اليوم التالي—
“آه، إذن أنتِ تلك الطفلة التي يتبنّاها الدوق؟”
“ها…؟”
وبمجرد أن رأيت ذلك النبيل العجوز يبتسم نحوي بابتسامة غامضة مخيفة، أدركت السبب الحقيقي لعدم اعتراف نوكس بي.
* * *
في ذلك اليوم أيضًا، وكعادته، كان نوكس يراقبني عن كثب.
في ممر ذي سقف مرتفع، تردّد صدى خطوات طفلة صغيرة تمشي بخفة.
دودود_
كنت أنا، التي ملأت حاجتي اليومية من البروتينات والكربوهيدرات والدهون، أتنقّل بنشاط نحو الحديقة.
قال نوكس متسائلًا:
“هل جميع الأطفال في مثل سنّها يمشون بخطى صغيرة كفراخ البط، أم أن تلك الصغيرة تحديدًا هي من تفعل ذلك؟”
أجابته رئيسة الخدم مايا ببرود:
“في هذا العمر، كلهم هكذا، تقريبًا.”
قال نوكس:
“أليس كذلك؟ لكن لهذا الأمر سبب وجيه.”
“ماذا؟”
رفع نوكس نظارته قليلًا وقال:
“لقد أثبتت الدراسات أن السبب في كون الكائنات الحية تبدو لطيفة وهي صغيرة السن، هو رغبتها في حماية نفسها.فهي، ما دامت غير قادرة على الصيد أو تدبير طعامها، تحاول كسب ودّ الآخرين بلطافتها لتنال الرعاية.”
“…آها؟”
“إذن، تلك الصغيرة ليست لطيفة… لا، لم أقل إنها لطيفة أصلًا. على أية حال، ما أعنيه هو أن عليكم الحذر.”
“أ- أفهم…”
ها هو ذا، من جديد…
دفتر ملاحظات نوكس المجنون عن آيشا.
بعد مغادرة كاليبس في مهمة إبادة الوحوش، صار نوكس يراقبني حرفيًّا على مدار أربعٍ وعشرين ساعة.
عند استيقاظي، وعند تناول الطعام، وحتى حين أحدّق في الفراغ بانتظار عمي، أو عند تنزّهي في الحديقة.
وكأنه صار كاميرا مراقبة مخصّصة لي، لم يتركني إلا حين أكون داخل غرفة نومي، أما باقي اليوم فكان ملتصقًا بي.
‘لا يمكنني العيش هكذا’
حتى الآن، كان نوكس يهمس بشيء ما إلى ماي وهو يرمقني بنظرة حادّة، ولم أجد ما أفعله سوى إطلاق تنهيدة طويلة.
عليّ أن أنال اعتراف نوكس في أسرع وقت ممكن.
بل لا حاجة للاعتراف أصلًا، يكفيني أن أجعله يشعر بعدم وجود أي داعٍ لمراقبتي.
‘…لكن كيف؟’
عندها،
“سيد نوكس!”
أقبل أحد الخدم راكضًا نحوه وهو يلهث.
“ما الأمر؟”
“إنه… الأمر أنّ… المركيز ليليث قد جاء فجأة لزيارتنا…”
المركيز ليليث؟
في اللحظة نفسها التي انتصبت فيها أذناي انتباهًا، تجعّد جبين نوكس بضيق.
“لكن الاجتماع الدوري ما زال بعد أسبوع، ما الذي جاء به إلى هنا؟ أخبروه أن يعود لاحقًا.”
“لا، ليس الأمر كذلك، بل…”
“لقد دخلت بالفعل، وكل ما أريده هو أن تقدّموا لى كوب شاي فحسب.”
ومن خلف الخادم الذي بدا في حرج، ظهر رجل نحيل القامة في منتصف العمر، يبتسم بسخرية.
ذلك الرجل هو على الأرجح…
‘المركيز ليليث.’
أخذت أراقبه في صمت.
‘رؤيته على أرض الواقع توضح أنه جشع بالفعل.’
كان يرتدي ثيابًا مزركشة براقة، كالتي تُرى في الحفلات الاجتماعية، وتزين أصابع يديه خواتم مرصّعة بالأحجار الكريمة.
وعلى عكس كاليبس الذي بدا أقرب إلى فارس منه إلى نبيل، كان هذا الرجل أشبه بمن خرج لتوّه من قلب المجتمع المخملي.
تعود أسرة ماركيز ليليث إلى فرع متشعّب من دوقية كروست.
ولا شيء مميز في هذا الفرع، لكن قدرته على زيارة قصر الدوقية من دون إذن تعود لسبب واحد…
‘بسبب حامل قدرة الجليد.’
حولت بصري نحو الفتى الذي كان يقف إلى جانب الماركيز، متكئًا على ساقه بكسل.
‘ذلك هو حامل القدرة، تِكس.’
فحتى الفروع الجانبىة، إذا عدتَ بجذورها إلى الوراء، فستنتهي في النهاية إلى دوقية كروست.
ومنذ أن وُلد حامل القدرة الجليدية — التي كانت تبدو حكرًا على السلالة المباشرة فقط في أسرة ماركيز ليليث، والمركيز يتصرف كما لو كان هو نفسه دوقًا.
ثم سعى جاهدًا لفرض ابنه بوصفه أنه الوريث التالي لدوقية كروست.
قال الماركيز:
“لقد جئت لألقي التحية على جلالته أثناء مروري، ولكن، أين هو الآن؟”
ساد صمت قصير على المكان، ثم أجاب نوكس بعد أن أطلق تنهيدة مستسلمة:
“…سعادته ذهب في مهمة لإبادة الوحوش.”
“آه، هكذا إذن… لم أكن أعلم أبدًا.”
“لم تكن تعلم؟”
“بالطبع لا أعلم، فلستُ متعقبًا حتى أعرف جدول سعادته. على أي حال، بما أنني هنا، أود شرب كوب شاي قبل أن أرحل.”
كلما واصل حديثه زاد استغرابي من جرأته، حتى انفلتت مني كلمات دون أن أشعر:
“…حتى أنا أعرف موعد حملة إبادة الوحوش في الشمال.”
وحين أخرجت رأسي من خلف ساقي نوكس، تحولت أنظار الجميع نحوي.
“إذا كان الأب لا يعرف، فمن الطبيعي أن الابن لن يعرف أيضًا. يبدو أنك ستحتاج إلى الكثير من الدراسة عندما تخوض اختبار الوريث.”
“…ماذا قلتِ؟”
“موسم إبادة الوحوش غالبًا يكون في منتصف كل شهر، وحتى القصر الملكي لا يرسل أي مراسلات إلى دوق كروست في هذه الفترة.”
لم أكن أرغب في التدخل، لكن…
‘الماركيز قد بالغ في الأمر، كيف يدّعي أنه لا يعرف موعد الحملة، كيفَ له أن يكذبَ كذبةً سخيفةً كهذه؟’
حين رأيت ذلك الوجه الوقح، وكأنه قد فُرِشَ فوقه صف من قضبان السكك الحديدية من فرط سُمكه وجرأته، لم أعد أحتمل ذلك.
اختبأت خلف ساقَي نوكس كدرع، وأخرجت رأسي فقط لأتمتم:
“بينما دوقنا في مهمة لإبادة الوحوش، يجلس المركيز في قصره يحتسي الشاي… لو سمع الدوق بذلك، سيكون مسرورًا جدًا.”
“………”
احمرّ وجه المركيز غضبًا، وفي المقابل كانت الخادمات القريبات يشيحن بوجوههن وتهتز أكتافهن، وكأنهن يكبتن ضحكًا.
“ماذا… ما هذا الكلام…؟”
أخذ المركيز يلتفت حوله وقد عجز عن الرد.
من الواضح أنه كان يظن أن أحدًا هنا سيبادر إلى توبيخي.
لكن عندما لم ينبس أحد بكلمة ضدي، فقد انفجر صائحًا:
“مَن… مَن هذه الصغيرة؟! كيف تجرؤ على افترائي هكذا؟ ولماذا لا يوبّخها أحد؟!”
حينها تقدّم نوكس خطوة إلى الأمام، حتى حجبني تمامًا خلفه، وانحنى قليلًا قائلًا:
“هذه السيدة هي من العائلة المباشر.”
“…ابـ… ماذا؟”
—-
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 17"