قال: “إذًا، ما الذي يحدث بالضبط هنا؟”
كواك-!
دون سابق إنذار، أضاء البرق السماء، فصار الزجاج الأبيض للنافذة لوهلة ساطعًا.
وفي الوقت نفسه، اهتزّت ربطة الرأس المزخرفة على شكل نبات فوق رأسه، مضفية جوًّا مشؤومًا.
سأله كاليبس: “وما هذه الربطة على رأسك؟”
أجاب: “تنكّر. كنت فضوليًّا بشأن هوية هذه الصغيرة، فاختبأت منذ ليلة البارحة داخل أصيص النبات في مكتب العمل.”
واو مذهل!
أبديت إعجابي بصدق، ورفعت إبهامي نحو الأعلى.
قلت: “مهارتك رائعة! سيد نوكس، يجب أن تعمل جاسوسًا!”
“بمثل هذا الكلام المعسول هل تتوقعين أن أفرح؟”
ثم توقّف عن الكلام، وبدأ يرتّب ربطة الرأس، وقد احمرّ وجهه الخالي من التعابير قليلًا.
قال: “للمعلومية، أنا من صنعها بنفسي. على أي حال—” طَرق.
“…أمر مدهش بما فيه الكفاية أنك تبنيت طفلة مخادعة، لكن أن تكون هذه الطفلة جاسوسة لدوقية فوز؟”
وضع ربطة الرأس التي خلعها على الطاولة، ونظر إليّ مباشرة.
بعد أن تخلّى عن ذلك التنكّر الغريب، بدا نوكس بكل وضوح بوصفه المستشار المخلص لدوقية كروست.
“……….”
كانت عيناه الزرقاوان، الخاليتان من أي انفعال، تلتصقان بي بإصرار، وكأنهما تريدان أن تنبشا أعماق عقلي.
وحينها فقط أدركت.
كنت أستغرب منذ أيام من غياب شخص واحد على وجه الخصوص.
‘اتضح أن ذلك الشخص كان نوكس!’
وفجأة تذكرت أن صاحب الشعر الطويل الذي رأيته عند النافذة كان هو نوكس أيضًا.
‘والآن بعد أن أفكر بالأمر، فإن قاعدة العمل في القصر تفرض على الخادمات أن يرفعن شعرهن على شكل كعكة. الشخص الوحيد الذي يربط شعره على شكل ذيل حصان داخل القصر هو نوكس!’
سواء أدركت ذلك أم لا، واصل نوكس كلامه بلا مبالاة:
“على أية حال، إن علم الناس بهذه الحقيقة فستعمّ الفوضى.”
فأجاب كاليبس: “علينا فقط إخفاء ذلك.”
نوكس: “وهل تظن أنها ستُخفى هكذا؟”
كاليبس: “إن أطبقتَ فمك فستُخفى.”
نوكس: “تريدني أن أطبِق فمي إذًا.”
كنت أتابع ورأسي يتحرك ذهابًا وإيابًا مع مجرى الحوار بينهما، ثم عضضت على أسناني.
لم يكن من الضروري أن يعرف جميع سكان القصر بحقيقتي، لكن نوكس كان أقرب شخص موثوق به إلى كاليبس.
وفوق ذلك، هو المستشار الذكي والماهر الذي شكّ بي منذ البداية.
لذلك، كنت أظن أنه قد أخبره عني منذ وقت طويل.
‘يبدو أن هذا يتطلب حوارًا جادًا.’
لمست بخفة صدر كاليبس بأصابعي، دون أن أصدر أى صوت.
حينها، خفَّ بريق الغضب في عينيه الحادتين، وانحنى نحوي قليلًا.
“ما الأمر؟” سأل بصوت منخفض.
اقتربت من أذنه وهمست:
“عمي هل يُعقل أنني أنا الوحيدة التى تعلم بأني جاسوسة، إلى جانبك أنت؟”
قال: “لم أتوقع أن يُكتشف الأمر.”
“…ماذا؟”
لم أتوقع أن يُكتشف الأمر؟!
هذا ما يقوله رجل سيطر على الشمال بأكمله؟!
“ألستَ قد تبنَّيتني بعد أن أعددت كل شيء مسبقًا؟”
أجاب: “لقد قلت لك منذ البداية أنا أساسًا لم تكن لدي أي نيَّة في تبنِّيك—”
وفجأة، توقَّف عن الكلام ووضع يده على فمه، وكأنه كاد أن يبوح بما في قلبه دون أن يقصد.
“هاه؟” تساءلتُ في نفسي، ماذا كان ينوي أن يقول للتو؟
“…عمي؟” ناديتُ عليه وأنا أميل برأسي باستفهام.
فقال: “لا تقلقي. نوكس، رغم مظهره هذا، هو تابعى المخلص. سيفعل ما أقوله.”
كفٌّ كبيرة بعثرت شعري بخشونة، وعندما فتحتُ عينيّ من جديد، كان كاليبس قد عاد إلى صورته التي أعرفها.
“أوه. يا له من أبٍّ حقيقي.”
وفي تلك اللحظة—
تصفيق… تصفيق… تصفيق
وكأن لم تكن هناك حاجة لسماع المزيد، نهض نوكس من مقعده مع تصفيق جاف وكأنه يقطع حديثنا.
“يبدو أن آنستنا المزيفة قد ألقت على سيادتك تعويذة تنويم مغناطيسي أو شيئًا من هذا القبيل، فدورها كجاسوسة رائع حقًا… وأنت لا تدرى حتى كم أنا قلق بشأن هذا.”
ثم رمق كاليبس بنظرة استياء طفيفة، قبل أن يصرخ فجأة وهو يفتح الباب:
“أيها الحرس! هنا جاسوسة أرسلها الدوق فوز!”
لكن صيحته توقفت فجأة.
“تشي تشي؟”
في نفس اللحظة، قفز الفأر —الذى كان جالسا بسلام— في الهواء.
والسبب؟ أنني أنا التي كنت أحمله، قد قفزت قفزة واسعة مرسومة على شكل نصف دائرة، كأني أطير.
إنه يعرف أيضا باسم فنون القتال السنجابية— أقفز كضفدع، ثم أنقضّ في الهواء كسنجاب طائر.
“مهلًا لحظة!”
وما إن هبطتُ مباشرةً فوق كتف نوكس في وضعٍ مثالي، حتى صاح:
“ما هذا! انزلي فورًا!”
مدَّ ذراعه محاولًا الإمساك بمؤخرة عنقي في فزع، لكن لو كان من السهل أن يُمسكني، لما قفزت من الأساس.
سَسَسَس…
وبينما أنا جالسة على كتفه، انزلقت إلى أسفل ظهره مثل سحلية تتسلّق الأشجار.
“ما هذا! لا تلمسي مؤخرتي!”
“أنا اسفة، لم أجد ما أتشبّث به سوى مؤخرتك.”
“أيتها الصغيرة…!”
وحين انحنى نوكس مرتبكًا،
هوي!
قفزتُ هذه المرة إلى كتفه الآخر كقرد صغير.
“هـاه… هاه…!”
اتّسعت عيناه الزرقاوان فى دهشةً، ومن ملامحه عرفتُ أن المعركة حُسمت لصالحِي.
أهكذا انتهى الأمر فعلًا؟
وبينما أحدّق في وجه هذا المستشار الذي بدا وكأن روحه قد فارقته، شعرتُ ببعض الحرج.
هذا الرجل نوكس يبدو أن لا علاقة له بالرشاقة أو اللياقة البدنية، وكأنه وصل لمنصب المستشار بالدراسة وحدها.
“هل أنت بخير؟”
شعرتُ بوخز فى ضميرٍى، فحككتُ مؤخرة عنقي.
قال نوكس بغضب حاد:
“أرأيتَ؟ من الواضح لأي شخص أنّها جاسوسة مُدرَّبة! قدراتها الحركية ليست بمستوى طفلة في الخامسة!”
تسبّبت كلماته في جعل شعري يقف، لكني حاولت أن أهدئ من دقات قلبي المتسارعة.
‘اهدئي يا آيشا’
لم يكن ممكنًا أن يمر الأمر وكأنه لم يحدث، فقد كُشفت هويتي بالفعل.
وإن أردتُ أن أحصل على اعتراف نوكس بقدراتي، كان عليّ أن أُثبت له قيمتي بطريقة او بأخرى.
“…لأنني جاسوسة في الخامسة من عمري، أستطيع أن أقول هذا الكلام.”
“ماذا قلتِ؟” سألت نوكس وقد بدا أنه لم يسمعني جيدًا.
عندها أمسكتُ بطرف قميصه وصرختُ بأعلى صوتي:
“أنا طفلة مُدرَّبة في الخامسة! ولهذا سأُثبت لك، سيد نوكس، قيمة استخدامي!”
“……….”
ثم خيّم الصمت.
أخذتُ نفسًا عميقًا وأنا أُلقي نظرات سريعة حولي.
كان نوكس متجمدا مثل الحجر، ممسكًا بمقبض الباب وكأنه فوجئ بكلماتى.
وكان الأمر نفسه مع كاليبس.
لم يكن واقفًا ولا جالسًا على الأريكة، بل في وضعٍ متردد بين الاثنين.
وبدت عيناه الحمراوان متسعتين على غير عادته، وكأنه صُعق حقًا.
جيّد، لقد جذبتُ الأنظار على الأقل.
لم يكن الجو كما توقعت، لكني واصلتُ عرض حججي بجدية:
“سأقوم بدور جاسوسة مزدوجة. حينها ستستمر الرسائل في القدوم من دوقية فوز، وستحتوي تلك الرسائل بالتأكيد على معلومات سرية…”
حينها…
“من الذي قال هذا لطفلة في الخامسة من عمرها…”
لا أعلم أي الرجلين بدأ الكلام أولًا.
“…لإثبات قيمتها.”
“…وهل تريدين أن تُثبت قيمتك، تقولين؟”
لكن قبل أن أستوعب الموقف، وجدت نفسي قد أُمسكت من يديّ الاثنتين، معلّقة بين كاليبس ونوكس.
عينان زرقاوان، وعينان حمراوان.
وكأنهما توأم، أجاب الاثنان في اللحظة نفسها، ينظران إليّ بتعبيرات غير راضية:
“طفلة في الخامسة…”
و ثمَّ—
“…لطفلة مِثلُك، من الذي يقول مثل هذا الكلام؟”
“…لا يجب أن تقولى مثل هذا الكلام.”
ومجدداً، تداخل الصوتان معاً.
“…هاه؟”
ما هذا الآن؟
رمشت ببطء لأنني لم أستطع استيعاب الموقف-
“في مثل هذه اللحظات، يبدو أننا متفاهمان.”
“كما يكون السيد، يكون تابعه.”
“كفى، سأضع بعض الفراولة في فم هذه الصغيرة فحسب.”
“الآن عدتَ تماماً كما أعرفك يا دوق كاليبس.”
وفجأة، بدا وكأن هذين الاثنين صديقان قديمان منذ عشر سنوات، وانسجما تماماً، ثم سلّماني إلى كبيرة الخدم ماي.
أما العقوبة التي تلقيتها فكانت أكل كعكة الفراولة.
“…يا عمّ؟”
كانت عقوبة صادمة، مضمونها أن أصمت وأكتفي بأكل الكعكة.
—
بعد قليل.
‘كفى، سأضع بعض الفراولة في فم هذه الصغيرة فحسب.’
‘سأضع الفراولة في فم هذه الصغيرة…’
‘في فم هذه الصغيرة…’
عضَضتُ—
تركت أسناني أثرًا واضحًا على الشوكة التي كانت في فمي.
نظرت إليّ ماي بعينين متسعتين من الدهشة أمام مظهري الموحش، لكنني لم أكن في مزاج يسمح لي بالاهتمام بنظرات الآخرين.
لا يزال كلام الدوق المهين يتردّد في رأسي بصوت عالٍ!
هل يظن أنني عديمة الكفاءة لهذه الدرجة؟! أستطيع القيام بكل شيء بنفسي!’
وفوق ذلك، مسألة مكان وجود الآنسة، ثم اختبار الوراثة!
رأسي يكاد ينفجر من كثرة المشكلات التي لم تُحلّ بعد.
وبينما أحدّق بعينين نصف مغمضتين وأنا أمضغ الكعكة، شعرت بنظرات ماي من الجهة المقابلة.
وخز—
التقت نظراتنا في الهواء.
“………….”
لكن وجه ماي، الذي كان قبل لحظات يبدو وكأنها تصلى لمرور الوقت بسرعة، امتلأ فجأة بالخوف.
كانت تراقبني بطرف عينها، ثم انحنت قليلًا وتراجعت خطوة للوراء.
“حسنًا اقد قدّمت لك الكعكة، لذا سأذهب الآن…”
“كَبيرة الخدم ماي.”
ناديتُها بصوت متوسّل، فتوقّفت خطواتها الثقيلة على الفور.
“نعم، آنسة آيشا.”
سألت وعيناي مفتوحتان على مصراعيها.
“هل يراني الدوق عاجزة إلى هذا الحد؟!”
“………..”
آه زلّة لسان.
ارتفعت يدي الصغيرة على عجل لتغطي فمي، لكن ما قيل لا يمكن استعادته.
لقد قلته بدافع الغضب من شعور خانق كان يثقل صدري.
صحيح أن نوكس اكتشف أنني جاسوسة، لكن هذا الأمر سرّ عن الآخرين. كان يجب ألا أتصرف بهذا الشكل المتهور!
“ماي، أنا آسفة! ما قلته للتو…”
“لأنك خالفتِ العقد.”
لكن حينها، قالت كبيرة الخدم بوجه جامد ونبرة باردة:
“صحيح أن الدوق أشفق عليكِ وتبنّاكِ، لكنه لا يثق بكِ. فأنتِ من بدأ بالكذب أولاً، يا آنسة.”
—
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 15"