<الفصل 13>
‘ما الذي رأيته للتو؟’
كان الناس حتى هذه اللحظة يلقون اللوم على آيشا.
فالطفلة كادت أن تضع سيدهم في خطر بكذبتها الصارخة.
ولذا، عندما انكشفت الكذبة، توقع الجميع أن تُطرَد آيشا.
بل إنهم صلّوا لأجل ذلك.
لم يكن كاليبس وحده من يحمي قصر كروست،
بل كان هذا الجناح من القصر مكانًا يحميه كل من يعمل في القلعة.
لكن، بدلًا من طردها، يتبناها كابنته المباشرة؟
بل ويغريها بشرائح اللحم رغم رفضها؟
“…جلالته معجَب بالطفلة…”
تمتم الطاهي وهو يشهد الحقيقة الصادمة.
“يبدو أنه يحبها كثيرًا.”
“أكثر مما ظننت بكثير.”
“مع أن الطفلة تبدو وكأنها تكره ذلك بشدة…”
وفيما كان الجميع يتمتم بدهشة، قال كبير الخدم براد بتردد:
“هذا يثير الشكوك أكثر فأكثر… كيف نجحت في ترويضه هكذا؟”
“نعم… ولكن….”
لم تستطع الخادمة الكبيرة ماي أن تُكمل حديثها.
لقد مر وقت طويل للغاية.
منذ أن رأته يخلع القناع، أو يبتسم بذلك الوجه المليء بالمشاكسة.
وفي النهاية، توصلت ماي إلى قرار بمرارة في قلبها:
“…بما أنه أمر أن تُعامَل كما تُعامَل الابنة النبيلة، فلا خيار لنا.”
وأومأ الجميع برؤوسهم موافقين على كلامها.
انتهت مذكّرات مراقبة الدوق وتلك الفتاة المتبنّاة بشكل باهت.
وبعد انصراف الجميع بلحظات ــ
“…إنه مريب فعلًا.”
تمتم رجل كان يراقب كل شيء في الخفاء من الخلف.
“سأواصل مراقبتهما.”
بريق!
رفع منظاره الأحادي الأبيض اللامع، واختفى كظل.
* * *
لابد أنني تعرّضت للخداع.
كيف يكون عمى البستاني هو دوق كاليبس؟
…أعني، لقد تَبَنّاني الدوق كاليبس بنفسه!
“كنت أحاول كسر أحداث الرواية الأصلية، لكنني اقتربتُ منها أكثر بدلًا من ذلك-!”
تشيك ―
بعد أن ظللت أتقلب على السرير لفترة طويلة، تنهدتُ أخيرًا وتمدّدت بكل طولي.
ما حدث لم يعد بيدي، لكن ما يشغل بالي الآن هو شيء آخر تمامًا.
الأمر مريب بكل تأكيد.
“تغير الأوضاع من حولي تبعًا لتصرفاتي… هذا مفهوم، لأنه حدث مع دوروثي أيضًا.”
لكن لماذا تختفي الآنسة النبيلة، التي من المفترض أن تكون بعيدة فجأة؟
“هممم.”
غير منطقي. لا يمكن فهمه إطلاقًا!
فتحتُ عينيّ الضيقتين على اتساعهما، وضغطتُ بإصبعي الصغيرين على صدغي.
حاولت أن أسترجع تفاصيل الرواية الأصلية بشأن الآنسة النبيلة، خشية أن أكون قد فهمت شيئًا خطأ،
لكن الغريب أن المعلومات عنها كانت ضئيلة للغاية مقارنة ببقية الشخصيات.
“نفس الشيء ينطبق على دوقة القصر.”
باستثناء أنها اختفت مع ابنتها، لا توجد أية معلومات أخرى.
“…هممم، هناك رائحة مريبة. مريبة جدًا.”
عمري خمس سنوات، وكنت جاسوسة سابقًا.
رغم أن خبرتي السابقة كانت تافهة، إلا أن حاسّتي السادسة كانت ترنّ بشدّة.
‘هناك أمر ما يخص الدوقة وابنتها النبيلة.’
ولم يكن هناك سوى طريقة واحدة لاكتشاف الحقيقة:
وهي استدراج عائلة فوز الدوقية.
فتحت خزانة الملابس الصغيرة في غرفة النوم وأخرجت منها ثياب النوم.
صحيح أنني تخلّيت عن مهمتي كجاسوسة، لكن عائلة فوز على الأرجح لم تكتشف خيانتي بعد.
فحلقة الاتصال الوحيدة بيننا، دوروثي، قد تم الإمساك بها.
كانت مهمتي في الأساس هي التظاهر بكوني الابنة النبيلة بدلًا من النبيلة الحقيقية.
لذا، حتى لو سألتهم عن معلومات بشأن الابنة، فلن يثير ذلك أي شك.
> [تم التبني رسميًا في عائلة دوق كروست. ما مستجدات وضع دوروثي؟ وأين هي الابنة الحقيقية؟]
بعدها، نثرتُ قطرات من الحبر المسحور فوق الرسالة، وسرعان ما اختفت الكلمات المكتوبة بخط مائل.
وفي تلك اللحظة تمامًا…
دق… دق…
بمجرد أن سمعت طرق الباب المفاجئ، انزلقت فورًا تحت الغطاء، متظاهرة بالنوم كليًا.
ثم سمعت صوت الخادمة الكبيرة ماي، بنبرة رسمية:
“استيقظي يا آنسة آيشا. لقد حلّ الصباح بالفعل.”
“هممم… نعم، حـاضر…”
فرك فرك.
اكتمل فرك العينين بأسلوب الأطفال المعتاد.
اكتمل التثاؤب الطفولي المميز.
“…..”
لقد بذلت جهدًا في أداء مشهد الاستيقاظ الصباحي بإتقان شديد.
لكن ماي، التي لم تُعر تصرفاتي أدنى اهتمام، كانت مشغولة فقط بتحضير الطعام على العربة التي أحضرتها.
“حضّرتُ وجبة الإفطار بشكل بسيط، وهي سلطة اليوزو مع حساء الفطر.”
“شكرًا جزيلاً! لكن الكمية تبدو كبيرة هل تودين أن تتناولي معي…؟”
“نعم، إذًا.”
مددت شوكتي باتجاه ماي، وفيها قطعة دجاج من السلطة لأشاركها.
تَكّ!
لكن ماي كانت قد اختفت بالفعل، وأغلقت الباب خلفها.
“……”
وبقيت قطعة الدجاج مُعلقة في الهواء،غير قادرة على العثور على طريق العودة إلى منزلها..
“…حسنًا، سأأكلها أنا.”
همهم… همهم…
رغم أن الموقف كان محرجًا قليلًا، إلا أنني لم أُفاجأ.
فهذا ما كنت أتوقعه تمامًا، لأنني، بصراحة، لا بد أن أبدو كطفلة مريبة جدًا.
‘ادعيت أنني أعرف مكان الابنة النبيلة الحقيقية وتم تبنِّيّ بناءً على هذه الكذبة… لا بد أنني أبدو كطفلة نصّابة تمامًا.’
نعم، أفهمكم تمامًا، يا رفاق.
حتى في نظري، أبدو وكأنني محتالـة صغيرة.
في الواقع، الغريب في الأمر هو أن الدوق كاليبس هو من قَبِل بي!
لكن نظرات الناس هذه؟
مقارنة بتدريباتي السابقة كجاسوسة، فهي لا تُعتبر شيئًا على الإطلاق.
أكلت السلطة حتى آخر لقمة، وحرصت على أن أترك الطبق نظيفًا وأنيقًا.
“الطفل الذي يأكل جيدًا، يُحَبّ أكثر!”
ثم شددت الحبل المخصص للنداء، وما إن دخلت الخادمات—
حتى رفعت رأسي قائلة بابتسامة بريئة وخدّين منتفخين:
“أكلتُ كل شيء بدون أن أترك شيئًا!”
لكن الخادمات لم يُجِبنني بشيء، بل أخذن الطبق والعربة بهدوء وخرجن من غرفة النوم.
“همم، يبدو أن الأخوات الخادمات خجولات جدًا.”
لا بأس، فأنا المخطئة هنا!
كنت أفكر بذلك بينما كنت أتجه نحو السرير مجددًا، وفجأة—
“من هناك؟!”
بمجرد أن شعرت بنظرة حادّة تخترق ظهري، قفزت من السرير واتخذت وضعية القتال هجوميا فورًا.
كانت تُعرف أيضا أسلوب السنجاب.
أسلوب هجوم بالأيدي المجردة، مستغلّة جسمي الصغير مقارنةً بأقراني في نفس العمر.
لكن—
“…هل كنتُ أتوهّم؟”
من النافذة المفتوحة، كانت أشعة الشمس تتسلل بسلام، دون أثر لأي أحد.
“كنت متأكدة أنني شعرت بوجود أحد عند النافذة…”
ركضت بخطوات خفيفة نحو النافذة، وتفقدت ما وراءها، ولم أتنفس الصعداء إلا بعد أن تأكدت.
صحيح، من الذي قد يتسلّق حتى نافذة في الطابق الثاني؟
لحسن الحظ، لم يكن هناك أحد خارج النافذة.
لا، بل ظننت أنه لا يوجد أحد.
وحين مددت رأسي قليلًا أكثر خارج الإطار—
رأيت ظلّ شخص ينعطف بسرعة عند زاوية القصر ويختفي.
لم يدم المشهد إلا لثوانٍ، لكنني رأيت بوضوح.
“شخص بالغ ذو شعرٍ مربوط.”
وبهذا، فالاحتمال الأقرب أنها إحدى الخادمات.
“…أن يشكّوا بي، أفهم الأمر… لكن أن يراقبوني؟ هذا غير مقبول.”
أنا تحت المراقبة؟! أنا؟! أنا التي كنت جاسوسة في السابق؟!
هذا يجرح كبريائي! بل ويشعرني بالظلم!
‘يجب أن أزيل هذا الالتباس بسرعة…’
لا أعرف من تكون، لكن سأكون في وضعية التأهب على مدار الأربع والعشرين ساعة.
* * *
لكن، وعلى عكس عزيمتي تلك مضت أيامي بسلامٍ تام.
بل في الحقيقة، لم يكن مجرد سلام، من المثير للدهشة أن لا أحد يهتم بي.
“آنسة آيشا، سأُلبسك الآن.”
“شكرًااا! أختي، بالمناسبة، ما اللون اللي تحبينه في الملابس؟”
“…لا أعلم.”
“أنا أحب اللون الأزرق! يمكن لأنه يشبه لون عيوني؟”
“…..”
“أختي، برأيك هل يليق بي؟”
“نعم.”
“ما رأيك هل يناسبنى ؟”
“كثيرًا.”
“كم كثيرا؟”
“…….”
ساد صمت.
إذًا، حان وقت استخدام مهارتي القاتلة: فتح العينين على وسعهما.
بريق بريق—
هيا، أختي، انظري إليّ جيدًا. ألا تشعرين بأنك بدأتِ تُعجبين بي؟
ما من أحد نظر إلى عيوني الزرقاء النقية كالبُحيرات ونجا دون أن يقع في حبي!
“كثيراً.”
تنهدت الخادمة تنهيدة طويلة، ثم أجابت بإهمال:
“لقد انتهيت من التجهيز. إذن، سأذهب الآن.”
وغادرت على الفور دون أن ترفع رأسها أو تلتقي بعيني، وكأنها تتجنبني عمدًا.
…يبدو أن هناك من يتجاهلني حقًا.
ومع ذلك، أستاذ التمثيل قال إن هذه التعابير تستحق العلامة الكاملة.
“أعتقد أن عليّ أخذ دروس تمثيل مرة أخرى”
هززت ساقي الممتلئتين بخفة، والشعور بالمرارة يسكن صدري.
كان هذا هو الحال دائمًا، سواء حين أتحدث إليهن أو أطلب شيئًا.
تبّ تبّ—
عدتُ إلى غرفتي متثاقلة الخطى، ثم دفنت وجهي في الوسادة بقوة.
مع أنني لم أفعل شيئًا، إلا أن جسدي كان يشعر وكأنه مثقل بالأطنان.
“أشعر وكأنني أتحدث إلى الجدران.”
يا أخواتي، إن كنتم ستتجاهلونني بهذا الشكل، فلماذا كنتم تراقبونني من نافذة الغرفة في ذلك اليوم؟
“…على الأقل احذروني! ارهبوني! قاتلوني على الأقل…!”
بَف، بَف—
سقطت ساقاي الضعيفتان على الفراش بلا طاقة.
يقولون إن الكراهية أفضل من التجاهل وكنت أشعر بذلك حقًا.
وفي تلك اللحظة—
دَق… دَق.
كالعادة، دوّى صوت الطرق على الباب.
لكن مزاجي الآن لم يكن يسمح لي بمقابلة إحدى الأخوات الخادمات ووجوههن الخالية من التعبير كأنني شيء غير مرحّب به.
“آيشا نائمة الآن، لذا عودوا غدًا من فضلكن.”
غمغمت بهذا بصوتٍ ناعس، مغمضة عينيّ بتصنّع، وأنا أُصدر صوت نوم خفيف.
لكن―
“أين هي تلك المشاغبة التي تأكل كعكة الفراولة قبل النوم؟”
“…هاه؟”
صوتٌ منخفض عميق، مختلف تمامًا عن أصوات الخادمات.
أدرت رأسي ببطء، وإذا بي أراه يقف هناك، وقد دخل الغرفة دون أن أشعر.
كان الدوق، عمّى البستاني، يقف مبتسمًا بخفّة وهو يرتدي نظّارته، ما جعله يبدو أكثر جدية وذكاء من المعتاد.
“أوه؟ قبل أن أتبنّاكِ، كنتِ تركضين طوال اليوم في كل مكان،والآن بعد التبنّي صرتِ كسولة؟”
“ليس هذا ما أعنيهيي…!”
كنت على وشك الرد، لكنه باغتني بقرصة خفيفة على خدّي المنتفخ.
ثم مال برأسه قليلًا، وكأن هناك شيئًا أثار استغرابه.
“همم، ما هذا؟ وجه الصغيرة يبدو حزينًا.”
وكأنك لا تدرك أن سحبك لوجهي هو السبب في ذلك!
“هل حصل شيء؟”
“أوفوووو…”
“…ما هذا؟ حزينة لدرجة أنكِ لا تستطيعين الكلام؟”
وكأنك لا تدرك أنني لا أستطيع الكلام لأنك تشد خدّي الآن!
–••
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 13"