<الحلقة 12>
“…ماذا؟”
شعرت وكأن الزمن قد توقّف للحظة.
حدّقت في الرجل بعينين واسعتين، ظننت أنني سمعت خطأ، لكنه أشار بذقنه إلى الورقة.
مستحيل… هل هذا حقيقي؟
مذعورة، قرأت الورقة بينما ما زلت بين ذراعيه.
“طلب انتساب مباشر….”
لم يكن تبنيًا بالضبط، بل كُتب عليه طلب انتساب مباشر.
هل يشبه هذا سجلّ العائلة في عالمنا؟
مددت يدي بتردد، وكأنني مسحورة، وبدأت أتحسّس الورقة.
وفجأة، دوّى فوق رأسي صوت ضحك دافئ وعذب.
“وقّعي. صحيح أنكِ لستِ طفلة عادية، لكنني أستطيع تحمّل الأمر، لذلك أفعله.”
شعرت وكأنني أطير من الفرح.
لابد أن الرجل قد هرب حقًا من أجلي.
لأجل إنقاذي.
“أيها العمـ!!”
قفزت نحوه واحتضنته بعنف كأنني أخنقه.
“…نعم.”
ورغم أن ردّة فعلي المفاجئة كانت كأنها حركة نينجا، إلا أنه حملني برفق.
“اكبرِي هكذا فقط. لا تختبئي مجددًا.”
ثم امتدت يد كبيرة تمسح على ظهري بحنان.
“هُهق… ن-نعم! سأكون بارّة بك بكل جهدي!”
“…وما معنى البرّ؟”
“يعني… أنني سأكون البذرة الذهبية للبستاني يا عمّي.”
في الحقيقة، لم يكن هذا القرار خيارًا حكيمًا تمامًا.
فبعد أن أخذني العم وهرب، أصبحنا ملاحَقَين فجأة من قِبل عائلتين.
لكن ما يهم الآن… أن العم تبنّاني.
‘عليّ أن أكبر بسرعة، لأمتلك القوة الكافية لحماية العم.’
“حسنًا، مادمتِ ستُصبحين شيئًا، فكوني شيئًا عظيمًا. المرتزقة من الدرجة S لا يرضون طموحي أصلًا.”
“هُهق… حاضر.”
وقّعت على عقد التبنّي وأنا لا أزال في حضنه.
“ها قد وقّعت. إذن، أنت الآن وليّ أمري القانوني، صحيح؟”
أطبقت على يدي الصغيرة بإحكام، وعقدت العزم في قلبي.
العم… لا، بل أبي.
لا أعلم أين هذا المكان الذي هرب إليه أبي، لكنني واثقة أننا سنعيش حياة جيدة.
بفضل خبرته كـبستاني في بيت دوق كروست
وبفضل مهاراتي التي صُقلت كجاسوسة
لا بد أننا سنجد وسيلة للعيش في أي مكان نذهب إليه.
“بما أنكِ وقّعتِ…”
في تلك اللحظة،
عيناه الحمراوان، اللتان كانتا تتكئان على ذقنه بكسل، حدّقتا بالورقة، ثم أخرج من مكانٍ ما جرسًا صغيرًا وحرّكه.
جرررَرن—
“حان الوقت لأقدّمك رسميًا.”
“…جرس؟”
هذا ما يستخدمه النبلاء عادةً لاستدعاء الخدم، أليس كذلك؟
شعرت فجأة بغرابة الأمر، وحاولت أن أعتدل في جلستي—
“هل ناديتنا، يا صاحب السمو؟”
انفتح باب ضخم خلفي فجأة دون أن ألاحظ حتى وجوده.
ومن خلفه، اندفعت مجموعة من الأشخاص يرتدون أزياء فاخرة ومبهرة بأشكال مختلفة، ووقفوا في صفّ أمامنا.
ثم، وبملامح صارمة، ركعوا جميعًا على ركبةٍ واحدة.
“…؟”
هل… هل أنا أحلم؟ هل هذا مجرد حلم مجنون؟
نظرت إليهم بوجه أحمق، أتفحّص ملامحهم واحدًا تلو الآخر.
رئيسة الخادمات. كبير الطهاة. قائدة الوصيفات. قائد الفرسان. وحتى نوكس…
إنهم جميعًا من قصر كروست!
“صاحب السمو…”
وفي تلك اللحظة.
عندما رفع أولئك الذين انحنوا رؤوسهم لتحية البستاني نظرهم إليه.
“…صاحب السمو، القناع!!”
بدأوا يتهامسون باضطراب، وقد بدا الذهول واضحًا في أعينهم المرتجفة.
“ل-لقد نزع قناعه…”
“هل حدث أمر خطير يا تُرى؟”
“نزعته. كان من الصعب التنفّس به.”
أجابهم ببرود، وكأن الأمر لا يستحق الاستغراب، رغم تساؤلاتهم المذعورة.
أما أنا، فكنت لا أزال أنظر إليه في حيرة.
“قناع؟ ما معنى هذا؟ هل تجد صعوبة في التنفس يا عم؟”
لكنه تجاهل سؤالي ببساطة، ثم حملني بين ذراعيه مجددًا.
“هذه الفتاة ستترعرع من الآن فصاعدًا تحت جناحي. عاملُوها بما يليق بذلك.”
“!”
“!”
“!”
وبعد هذا الإعلان المفاجئ، تحوّلت كل الأنظار التي كانت موجّهة إليه، إليّ فجأة.
“مفهوم، سيدي.”
“نرجو أن نكون في حسن ظنّكِ… الآنسة آيشا.”
“تشرفنا بخدمتك.”
“…هـاه؟”
أمرٌ ما ليس على ما يُرام.
من المفترض أن هذا العم قد هرب من دوقية كروست.
بالتالي، المساعد نوكس، وقائد الفرسان، وكل أولئك الأشخاص ما كان ينبغي أن يظهروا أمامنا الآن.
لكن، بعد إعلانه، انحنوا جميعًا برؤوسهم، كما لو أنهم يطيعون أمرًا من رئيس العائلة.
“…….. “
…لحظة واحدة.
حينها فقط، بدأ الشعور الغريب الذي رافقني منذ قليل يطفو على السطح كموجة من القلق.
لماذا يبدو العم البستاني وسيمًا إلى هذا الحد، رغم أنه مجرد شخصية ثانوية؟
لماذا غرفته أشبه بغرفة أحد النبلاء، فاخرة بهذا الشكل؟
…ولماذا لم أمت؟
“عمي…”
“ماذا هناك؟”
فواق—
حتى الفواق غلبني من التوتر وأنا أحدّق به.
هذا الرجل…
الآن فقط أدركت كم يبدو غريبًا عليّ.
“…من تكون حقًا، أيها العم؟”
* * *
سادت الفوضى في قصر دوقية كروست، الذي كان هادئًا دومًا.
فدوق كاليبس، الذي ظلّ يرتدي القناع طيلة خمس سنوات، ظهر أخيرًا أمام الجميع بوجهه العاري.
“لم أرَ وجهه منذ زمن بعيد جدًا، كأنها حياة مضت.”
“بالفعل…”
فيما كانت الخادمات المخضرمات يتهامسن بدهشة، قالت الخادمة الشابة ريسا بوجه ما زال يطفو عليه ذهول يشبه الحلم:
“أنا… هذه أول مرة أرى وجه الدوق. إنه وسيم جدًا، فلماذا أخفى وجهه طوال خمس سنوات؟”
وكان ذلك صحيحًا بالفعل.
فحين نزع قناعه، بدا دوق كاليبس وكأنه يُجسّد الشمال الذي يحكمه.
بشرة بيضاء كثلوجٍ لم تطأها قدم.
وشعر أسود قاتم، يضادّ عينيه الحمراوين اللتين ظلّتا محجوبتين خلف القناع، ليمنحهما مزيجًا من الجاذبية الباردة المظلمة.
نظراته وحدها تكفي لتجمدك في مكانك.
لكن حتى هذا البرود، زاد من جمال ملامحه لدرجة يمكن وصفها بالتحفة الفنية.
“لقد اختفت الدوقة وأبناء الدوق جميعهم. ربما كان يخفي حزنه خلف القناع.”
آه، هكذا إذًا…
على أي حال، من الجيد أن نرى وجهًا بهذه الوسامة!
وسط الهمسات المحرجة والخدود المحمرّة بين الخادمات، بدت نظرات رئيسة الخدم مختلفة، ممتقعة(شاحبة)، يكسوها الظلّ والقلق.
“…ما الذي حدث بالضبط ليجعل الدوق يتغيّر بهذا الشكل؟”
لكن لم يكن هذا السؤال يدور في ذهنها وحدها.
كان كل من في قصر الدوقية يتملّكهم الفضول.
خصوصًا: كبير الطهاة، قائد الفرسان، رئيسة الخدم، والخبير في شؤون القصر .
فهؤلاء الذين أفنوا حياتهم في خدمة دوقية كروست، لم يستطيعوا الجلوس مكتوفي الأيدي وهم يرون ما يحدث.
لذا اتخذوا قرارًا حاسمًا.
“لكن أليس ما نفعله الآن وقاحة؟ التجسس هكذا؟”
“الدوقية بأكملها على وشك أن تقع في يد طفلة من عامة الشعب، وأنت ستكتفى بالمشاهدة؟!”
“…معك حق.”
هكذا، قرروا مراقبة الفتاة الصغيرة آيشا، الطفلة التي غيّرت الدوق.
ولكن من خلف النافذة، وبالسر!
اصطفّوا جميعًا قرب النافذة المفتوحة قليلًا، يتلصّصون بنظرات جادة.
ومن خلالها، كان يمكنهم رؤية الدوق كليبس يسير على الثلج برفقة تلك الطفلة ذات الشعر الأشقر.
“…صاحب السمو في حالة عاطفية غير متزنة الآن.”
“هذا صحيح. ولهذا علينا التدخل.”
“وضع القناع جانبًا لحظة، لكن هذه الطفلة— أليست محض مخادعة؟ لماذا تبنّاها كإبنة شرعية؟!”
“هل أصابه مسّ في عقله؟”
“ربما مجرد شعور بالوحدة.”
“لكن أبناءه جميعًا مفقودون. والآن؟ يتبنّى فتاة لمجرد أنه يشعر بالوحدة؟”
لا، أبدًا. هذا غير مقبول.
هزّ الجميع رؤوسهم بحزم، ملامحهم مشدودة بجدّية.
من يكون كاليبس، في نهاية المطاف؟
إنه بطل أنقذ البشرية من الوحوش.
حاكم الشمال، والسيد المطلق لدوقية كروست، القائد الذي لطالما ارتدى القناع الأسود وقاد قصره بيدٍ من حديد!
“من الواضح أن الطفلة تعمّدت الاقتراب من الدوق. كان يجب أن نشكّ منذ أن ادّعت أنها تعرف مكان ابنة الدوق المختفية…!”
وفجأة—
“أيتها المشاغبة.”
صوت الدوق المنخفض دوّى، فانحنى المتجسسون جميعًا بوجوههم نحو الأسفل، آذانهم منصتة بدقة.
وتركوا فقط أعينهم تراقب ما وراء النافذة بصمت.
“كم يومًا ستظلين غاضبة؟”
سأل كاليبس بينما كان يتبع آيشا فوق الثلوج البيضاء الممتدة.
توقفت الفتاة الصغيرة التي كانت تقفز بخطى قصيرة وسط الثلج.
ثم فجأة صرخت وهي تستدير نحوه:
“هذا التبنّي مجرد خدعة! لم أكن أعلم أنك الدوق أصلًا!”
صُعق المتلصصون.
“كيف تتجرّأ… على رفع صوتها على الدوق؟!”
“هل… هل وصفت الدوق بأنه مخادع؟!”
ومع هذا، وبينما العيون تتسع والأنفاس تحبس بسبب جرأتها—
ردّ عليها بهدوء:
“ألم يكن عليك قراءة العقد جيدًا قبل أن توقّعيه؟”
صُدم الجميع من نبرة كالِبس الشريرة.
‘أقرئي العقد جيدًا قبل توقيعه؟!’
هل يقول هذا حقًا لطفلة في الخامسة؟!
‘من هذا الذي أنظر إليه؟!’
كان سيدهم معروفًا بلطفه مع الأطفال الصغار، لذا فإن هذه الكلمات بدت بعيدة تمامًا عن شخصيته.
واتسعت عينا الطفل الزرقاوان وكأنهما تعبّران عن دهشة الجميع من حولها.
“…هل هذا كلام يُقال لطفلة في الخامسة؟!”
“ومن الذي أصرّ منذ البداية على بنود العقد؟ من الذي قال إنه لن يوقّع دون ختم سيد الدوقية؟”
“سييييدى!!”
“أيتها المشاغبة، انظري هنا.”
وفي اللحظة التي علا فيها صوت الطفلة أكثر، انحنى كاليبس على ركبتيه ليصبح في مستوى نظرها، ومدّ أمامها طبقًا من شرائح اللحم الفاخرة.
شمّ شمّ…
“…!”
اهتزّت أنف الصغيرة فجأة، تفاعلت تلقائيًا مع الرائحة الشهية.
“سمعت أنك امتنعتِ عن الأكل لبضعة أيام احتجاجًا، أليس كذلك؟”
ثم، بصوتٍ جاد ، قال:
“حسب العقد إن عشتِ معي، ستحصلين على شرائح لحم ثلاث مرات في اليوم.”
“……”
“وعصير البرتقال الذي تحبّينه؟ يمكنني حتى أن أشتري لك مزرعة برتقال كاملة. لكن إن لم تقبل بالأمر…”
“تشييينغ.”
قال ذلك بصوت جاد يحمل نبرة تهديد.
نظرت الطفلة إليه بعينين ممتلئتين بالغضب، لكن قدميها القصيرتين بدأت تتحركان ببطء نحو الداخل.
“هكذا أحسنتِ.”
“تشييك، تشييك.”
“هكذا، ادخلى إلى القصر.”
“امممم”
حتى مع هدير الطفل الهمجي، بقي كاليبس، بصفته حاكم الشمال، هادئًا ثابتًا.
وهكذا، اختفى الدوق والطفلة داخل القصر.
“…….”
أما الناس الذين كانوا متجمعين عند النافذة، فلم يستطيعوا أن ينطقوا بكلمة واحدة.
—-
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 12"