سبحان الله وبحمده 🌿 سبحان الله العظيم ✨ لا تجعلوا قراءة الروايات 📖💕 تلهيكم عن الصلاة 🕋 وعن ممارسة الشعائر الدينية 🤲🌸 ⊱───────── {.⋅ ✯ ⋅.} ───────── ⊰
تنفستُ بحدة… صدرِي يرتفع وينخفض بسرعة غير معتادة، حاولتُ أن أثبّت صوتي:
“جيد… لقد رحل. علينا الآن—علينا معالجتك يا ليونارد. سأستدعي—”
لكن قبل أن تُكمل الكلمات طريقها…
ارتخت ذراعه التي كانت تحيط بي. اختفى ثقل جسده من خلفي. ثم—
سقط.
جسد طويل، ثقيل، ارتطم بالأرض بصوت مكتوم… صوت جعل الأرض تهتز تحت قدمي، وكأن شيئًا انكسر في الهواء.
حدقت فيه… عيناي اتسعتا ببطء، مثل باب لا يريد أن يُفتح لكنه يُجبر على ذلك.
هو… لا يتحرك.
لا كلمة. لا أنين. لا حتى شهقة ألم.
“ماذا…”
خرجت الكلمة مرتجفة رغم أني لم أرغب بذلك.
ركبتاي فقدتا كل قوتهما. اقتربت منه خطوة… بطيئة… ثم دفعة واحدة اندفعت نحوه وتحولت خطواتي المرتجفة إلى هرولة قصيرة يائسة.
سقطت بجانبه على ركبتيّ. يدي امتدت نحوه دون وعي… أصابعي ارتعشت لحظة قبل أن أتجرأ على لمس رقبته.
الدّم… غطّى يدي فورًا. كان دافئًا بشكل صادم… دافئًا جدًا.
وضعت أصابعي على مكان النبض.
انتظرت.
لحظة.
أخرى.
لا شيء.
برود وجهي الذي كنت أحافظ عليه طوال الوقت— ذلك الهدوء الذي كنت أعتبره أقوى ما لدي— انهار… اختفى كليًا.
فتحت فمي بلا صوت أولًا… ثم خرجت الشهقة التي كنت أحاول منعها.
“مستحيل…”
كلمة خرجت ضعيفة… والضعف كان أكثر شيء أخشاه.
يدي المرتعشة سحبت شعره عن جبينه قليلاً، رغم أني لم أكن أفهم لماذا أفعل ذلك… فقط أردت أن أراه بوضوح.
“مستحيل… هذا مستحيل…”
جسدي كله بدأ يرتجف… ليس ارتجاف خوف فقط، بل ارتجاف صدمة، كأن أعصابي لا تعرف كيف تتصرف.
تنفست بعنف. حاولت أجبر صوتي يعود لبرودتي… لكنه لم يطاوعني.
“يفترض… يفترض أن ليونارد لم يمت…”
الكلمات خرجت متكسّرة، بسرعة، بلا ترتيب. كأن عقلي يركض أسرع من لساني.
“في القصة… في الرواية… لم يمت. الي الفصل الذي وصلت اليه في الرواية الفصل الذي ماتت فيه أوريانا… لم يكن قد مات …. ومع ذلك… هو…”
نظرت لدمائه على يدي. يداي كانتا ترتجفان بشدة لدرجة أن الدماء تهتز معها.
“هل تغيّر…؟ هل بسبب وجودي…؟ لكني… لم ألمس أي شيء. لم أغيّر أي شيء في الرواية بعد…”
هواء الغرفة ثقيل… ثِقَلُه يجثم على صدري حتى شعرت بالألم.
كان عليّ أن أنهض. أن أصرخ. أن أستدعي أحدًا.
قلت لنفسي:
“انهضي… الآن… الطبيب سينقذه… سيفعل…”
حاولت دفع الأرض بيدي لأقف… لكن ركبتاي خانتاني. جسدي كله ترتجف منه طاقة غريبة—صدمة؟ خوف؟ لا أعرف.
سقطت مرة أخرى بجانبه. ذراعاي لم تتحملا وزني.
نظرت مرة أخرى إلى يدي… إلى الدم الأحمر الدافئ الذي غمر أصابعي، معصمي… كأنه يأكل برودة جلدي.
هذه المرة الأولى التي أرى فيها دماء حقيقية. ليس دمًا في رواية… وليس وصفًا في نص. دم شخص… شخص حيّ.
شخص… أنقذني.
حواسي تلاشت للحظة. شيء ضاغط في صدري بدأ يكبر. لم أعرف هل هو خوف… أم ذنب… أم حقيقة لا أريد قبولها.
رفعت رأسي ببطء، وأنا أهمس:
“ليونارد… لا تمت…”
ولأول مرة… لم يكن صوت أوريانا باردًا. ولا هادئًا. ولا مسيطرًا.
بل صوت شخص… ضائع حقًا.
فجأة—
انفتح الباب بقوّة.
الصوت ارتطم بالجدران كصفعة.
“أوريانا!! ليونارد!!!”
كان صوت الدوق… حادًا، مرتجفًا، مشحونًا بقلق لم أره يومًا منه.
خطا إلى الداخل بسرعة، وملامحه تدهورت حرفيًا عندما رأى المشهد:
ابنه… ممدد على الأرض والدماء… والسيف… وأنا… جاثمة بجانبه بوجه فارغ، لا أتكلم، لا أتحرك.
اتسعت عيناه، وأخذ نفسًا منحوتًا من الصدمة.
“ليونارد…”
انحنى فجأة، أسرع إلى الأرض، ويده ارتجفت للحظة وهو يسحب جسده ودون أي تردد حمله بين ذراعيه.
“استدعوا الطبيب فورًا!!!”
صوته مزّق الصمت.
وأنا… بقيت جالسة كما أنا. مثل حجر. كأن روحي بقيت على الأرض بجانب بقعة الدم.
“أوسكار!!” صرخ الدوق دون أن يلتفت. “احمل أختك. أريدها في غرفة الطبيب الآن!”
لم أفهم.
لماذا…؟ لماذا أنا؟ هل يظن أني مصابة؟ لماذا لم يسألني حتى ما الذي حدث؟
نظرتُ نحو الباب… كان أوسكار يقف خلفه، ظله الطويل يملأ الإطار، ووجهه البارد المعتاد لا يزال كما هو—نظرة احتقار هادئة، مستقرة، وكأن وجودي يزعجه منذ ولادتي.
اقترب مني بلا كلمة. حدق في وجهي للحظة، نظرة سريعة، باردة… تفحصني كما لو كنت شيئًا مشوهًا.
ثم زفر بضيق واضح، كأنه مكره على لمس شيء يثير اشمئزازه.
مد ذراعه نحوي، وأمسكني من تحتي ورفعني بسهولة، كأن جسدي لا يزن شيئًا.
كنت خفيفة. خفيفة للغاية. كأن الخوف والصدمة فرّغا روحي من وزنها.
كانت يداي ترتجفان وأنا بين ذراعيه، لكنه لم يعلّق، لم يسأل، لم يُظهر أي اهتمام… فقط كان يحملني لأنه أمرٌ يجب تنفيذه.
عليّ… أن أهدأ. هذا كل ما فكرت به. عليّ أن أبدو طبيعية… مثل المعتاد. لو بقيت صامتة، هادئة… كل شيء سيكون بخير.
لأن ليونارد لن يموت. لا يمكن أن يموت. إنه شخصية رئيسية في الرواية… وحتى النقطة التي ماتت فيها أوريانا، لم يمت هو. لا يمكن.
لكن قدماي الباردتان تهتزّان. وأصابعي لم تتوقف عن الرجفان.
وصلنا إلى غرفة الطبيب. أوسكار أنزلني على السرير بقليل من العنف المتعمد، ليس مؤذيًا… لكن واضح أنه لا يريدني أقرب من ذلك.
الطبيب وصل بسرعة، وضع أدواته، اقترب مني وفحص يدي، وجسدي، وجبهتي.
بعد دقائق قصيرة قال:
“إنها بخير، يا سيدي أوسكار. لم تُصب بأي أذى… يبدو أنها فقط أصيبت بصدمة مما جرى أمامها.”
أوسكار انحنى قليلاً، وضع يديه في جيبه، ورفع حاجبًا بسخرية خفيفة.
أنا لم أعد أستوعب ما حولي. كل أفكاري تركزت على شيء واحد فقط:
أين الدوق؟ لماذا لم يأتِ؟ أخبروني فقط… هل ليونارد بخير؟
نظري كان معلّقًا على الباب… أحاول أن أسمع خطوات… أي صوت… أي دلالة على أنه حي.
رجاءً… فقط قولوا لي إنه بخير.
غادر الطبيب.
مرّت دقائق… ثم دقائق أخرى.
الوقت كان يتمدد داخل الغرفة بطريقة غير طبيعية، كأن كل ثانية تُسحب ببطءٍ متعمد.
كان أوسكار قد جلس على كرسي بعيد، ذراعه مستندة إلى مسنده، وجسده مائل قليلًا إلى الأمام. عيناه لم تبتعدا عني لحظة—نظرة اشمئزاز مكبوت، حادة، وكأن بينه وبيني خطوة واحدة فقط تفصله عن الانقضاض. ومع ذلك… كان واضحًا أنه يكبح نفسه. فكه مشدود، أصابعه تضغط على الخشب تحته بحدة.
أما أنا… فكنت في عالم آخر.
ذهني لم يكن هنا أصلًا. كل ما أفكر فيه: ليونارد.
هل هو بخير؟ هل يتنفس؟ هل فتح عينيه؟
شدَدتُ على ملاءة السرير بين أصابعي دون أن أشعر، القماش تجعّد تحت قبضتي، ويدي كانت باردة… باردة جدًا.
ثم—
انفتح الباب.
رفعت رأسي بسرعة، أنفاسي علقت في صدري، وكل جسدي اندفع للأمام بلا وعي، مستعدة للسؤال، للكلام، لأي شيء.
لكن…
ما إن وقع بصري على وجه الدوق وهو يدخل… حتى توقفت الكلمات في حلقي.
لا.
لا، مستحيل.
هذا الوجه… ذلك التعب… تلك النظرة الثقيلة التي لا تريد أن تلتقي بعينيّ…
مستحيل.
لا يجب أن أفكر هكذا. ليونارد شخصية رئيسية. لا يمكن أن يموت. هذا ليس جزءًا من القصة. ليس الآن.
لا… سأله. سأسأله فقط.
فتحت فمي، وحاولت أن أُعيد البرود إلى ملامحي، أن أرتّب صوتي كما اعتدت دائمًا:
“كيف حال ليونارد؟ هل هو بخير الآن؟”
خرج صوتي ثابتًا… أكثر مما توقعت.
نظر الدوق إليّ. لثانية واحدة فقط—لكنها كانت ثقيلة. كان يبدو كمن يصارع شيئًا في داخله، كأن كل كلمة قادمة ستكلفه ما تبقى من تماسكه.
في تلك اللحظة، نهض أوسكار من مكانه بعنف. الكرسي احتك بالأرض بصوت حاد.
“أبي… ماذا حدث لليونارد؟”
ساد صمت خانق.
ثم قال الدوق، بصوت منخفض… مكسور… أقرب إلى الهمس:
“أنا آسف.”
—
وقعت الكلمة عليّ كالصاعقة.
آسف؟
آسف على ماذا؟
لا… لا، بالتأكيد لا يقصد ما أظنه.
الموقف واضح. الكلام أوضح من أن يُساء فهمه.
لكنني… اخترت أن أكون غبية في تلك اللحظة.
رفعت رأسي أكثر، وحدقت به، وكأنني لم أفهم شيئًا، وكأن عقلي يرفض الربط بين الكلمات.
“أبي… ماذا تقصد؟”
صوتي كان أضعف الآن.
فجأة—
صرخ أوسكار، صوته انفجر غضبًا، كأن كل ما كتمه منذ لحظات تحطم دفعة واحدة…
صرخ أوسكار، صوته انفجر غضبًا، كأن كل ما كتمه منذ لحظات تحطّم دفعة واحدة:
“هل تقول آسف على ماذا؟ هل هو… مات؟”
لم يُجب الدوق.
لم يتحرك. لم ينطق.
ذلك الصمت وحده كان كافيًا.
شدّ أوسكار على شفتيه بعنف، فكّه ارتجف، وعيناه اسودّتا أكثر وهو يلتفت نحوي فجأة:
“ولماذا عليك أن تعتذر؟ أليس من المفترض أن تُلقي بهذه الفتاة في السجن؟”
وأشار بإصبعه نحوي.
إصبعه كان ثابتًا… أما أنا، فلم أكن كذلك.
لم أستطع الرد. لم أستطع حتى التفكير في الرد. كنتُ فارغة… كأن شيئًا ما انسحب مني بالكامل، وترك جسدًا بلا وزن.
“أبي، يجب أن تذهب هذه الفتاة إلى السجن. هي من قت—”
صــــــــــــــــفــــــــــعــــة.
الصوت دوّى في الغرفة، حادًا، قاسيًا، كأنه شقّ الهواء نصفين.
رأس أوسكار انحرف جانبًا من شدة الضربة. تراجع خطوة غير متوازنة، قبل أن تمسك يد الدوق بياقته بعنف وتسحبه نحوه.
عينا الدوق كانتا مظلمتين… غضب خام، بلا سيطرة.
“إلى متى سأظل أخبرك أن تراقب كلماتك مع أختك؟!”
أوسكار رفع رأسه، يديه مشدودتان على معصم الدوق، وصوته خرج مشحونًا بالاحتقار:
“أي أخت؟ هذه الفتاة ليست أختي، وهي ليست ابنتك!”
شدّ على أسنانه وأضاف بغضب أعمى:
“لماذا لا تفهم، أبي؟ بسببها عائلتنا تنهار!”
صرخ الدوق:
“توقّف!”
ثم— ترك ياقته فجأة، وكأن كل قوته تسربت دفعة واحدة.
تراجع خطوة… ثم أخرى. كتفاه هبطا، ونبرته انكسرت، لم تعد حادة، لم تعد مخيفة:
“قلت توقّف… أرجوك.”
رفع يده إلى جبهته، تنفّس بصعوبة، وصوته صار منخفضًا، متعبًا، حقيقيًا أكثر مما رأيته يومًا:
“لقد فقدتُ أمك… وإيثان لا أستطيع حتى رؤيته بسبب قوته…”
صوته اهتز.
“والآن ليونارد…”
توقّف، كأنه لا يستطيع إكمال الاسم.
“أرجوكما… لا أريد أن أفقد أحدكما مرة أخرى.”
ساد صمت ثقيل.
في تلك اللحظة… رأيت الدوق كما لم أره من قبل.
الجليد الذي كان يغطي ملامحه… البرود الذي كان يحميه… تحطّم تمامًا.
لم يبقَ سوى رجل مُنهك… خائف… وحيد.
نظر أوسكار إليّ.
نظرة قصيرة، مشحونة، ثم قال ببرود قاتل:
“تسك.”
زمجر بغضب، عدّل ملابسه بحركة حادة، ثم استدار وغادر الغرفة بخطوات سريعة، الباب أُغلق خلفه بقوة.
وبقيتُ أنا… والدوق… والفراغ الذي تركه اسم ليونارد في الهواء.
الدوق، الذي كان ظهره لي، التفت ببطء.
كنت أظن—ولو لوهلة—أنني سأرى الشك في عينيه… أن ينظر إليّ كما نظر الآخرون، كمن يبحث عن ذنب، عن خطأ، عن قاتل.
لكن ذلك لم يحدث.
نظرته كانت مكسورة… منهكة… وفيها ذلك الحنان الهادئ الذي لم يتغيّر يومًا، حنان حاول أن يبقى ثابتًا رغم كل ما انكسر داخله.
“أوريانا…” قالها بصوت منخفض. “هل يمكنك الآن شرح ما الذي حدث بالضبط؟”
رفعت رأسي ببطء. شدَدتُ على أصابعي قليلًا، أحاول أن أجمع شتات نفسي، ثم نظرت إليه ببرود متماسك، كدرع أخير.
وبدأت أروي.
حكيت له عن الصوت… عن الزمجرة الغريبة التي لم يسمعها أحد غيري. عن الغرفة… عن اللحظة التي سُحبتُ فيها إلى الداخل. عن الوحش… شكله، حركته، عينيه. عن السيف في يد ليونارد. عن الذيل… والدم… وعن سقوطه.
لم أترك تفصيلة واحدة.
كنت أتحدث بهدوء، كأنني أصف مشهدًا لا يخصني، لكن يداي كانتا باردتين، وصدري يضيق مع كل كلمة.
حين انتهيت، ساد صمت قصير.
الدوق أغمض عينيه للحظة، أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال بصوت متماسك رغم اهتزازه:
“إذًا… هذا ما حدث.”
فتح عينيه من جديد، وفيهما حزن ثقيل، حزن كاد يفيض… لكنه لم يسمح له بالانكسار.
“سأقوم ببحث شامل.”
لم أستطع منع نفسي من الدهشة.
كنت أتوقع اعتراضًا… تحقيقًا… أسئلة مشككة…
لكن لا شيء من ذلك.
صدقني… ببساطة.
ثم التفت إليّ مجددًا وقال بنبرة أخف، أقرب للرجاء:
“أوريانا… أنا آسف.”
توقف لحظة، وكأن الكلمات تثقل عليه.
“هل يمكنك البقاء في غرفتك هذه الأيام؟ سأسيطر على الوضع في الخارج، وسأتولى أمر الجنازة.”
هززت رأسي ببطء، لكن قبل أن أنطق، أضاف وكأنه تذكّر شيئًا:
“وصحيح… سأرسل لكِ خادمة أخرى.”
تجمدت للحظة.
“ماذا؟ ولماذا؟”
نظر إليّ وقال بصوت هادئ، لكنه حاسم:
“لأن تلك الخادمة زُجّ بها في السجن.”
اتسعت عيناي قليلًا.
“لقد ظلت تقول إنكِ كنتِ تتحدثين عن صوت في الغرفة… ثم دخلتِ غرفة ليونارد وأغلقتِ الباب.”
تنفّس بعمق.
“وقد أمرتُها بعدم الدخول… لكنها استعانت بالجنود عندما سمعت صوت ليونارد وهو يتألم.”
تجمّدتُ في مكاني.
هذه الفتاة… متى حدث كل ذلك؟ كل ما قالته… كذب. بل ليس مجرد كذب—كان اتهامًا صريحًا، مباشرًا… كأنها تحاول أن تضع الدم في يدي.
متى أصدر ليونارد صوت ألم؟ لم يحدث. بعد أن اخترق الذيل جسده… سقط مباشرة. بسرعة… بصمت.
لم أعلّق. لم أجادل.
الدوق تنفّس بعمق، وكأنه لم يعد يحتمل المزيد، ثم قال بصوت متعب:
“الآن سأغادر، أوريانا. ارتاحي… لقد تعرضتِ لصدمة كبيرة.”
استدار ليغادر.
رفعت رأسي ببطء، وكأن الكلمات خرجت مني قبل أن أفكر:
“أبي… انتظر.”
توقف.
“هل لي أن أسأل… أين ليونارد الآن؟ وهل يمكنني رؤيته قبل دفنه؟”
التفت إليّ. نظرته كانت حزينة… لكنها صادقة.
“إنه في الغرفة التي في نهاية الطريق.” توقف لحظة، ثم أضاف: “إذا أردتِ… يمكنك الذهاب متى شئتِ. لن يكون هناك أحد.”
أومأت برأسي ببطء.
“شكرًا.”
غادر.
وبقيتُ وحدي.
جلست على السرير، ظهري مستند إلى الوسادة، عيناي مفتوحتان… لكن ذهني لم يكن هنا. كنت أشعر بفراغ غريب، فراغ ثقيل يضغط على صدري.
أريد البكاء… لكن لا شيء يخرج.
لم أبكِ. لم أستطع.
مهما حدث… لم أكن أبكي.
لكن صورة الدم لم تفارقني— الدم على يديّ… دفؤه… ملمسه.
مرّت ساعات. لم أعد أعدّ الوقت.
ثم نهضت.
ببطء… كأن جسدي يتحرك وحده. فتحت الباب، وخرجت إلى الممرات.
القصر كان غارقًا في الصمت. لا خطوات… لا أصوات. الجميع نائم.
كنت أمشي دون تردد، دون تفكير، حتى وصلت إلى الغرفة التي أخبرني أبي عنها.
توقفت أمام الباب.
رفعت يدي… ترددت للحظة.
ثم فتحته ببطء.
الضوء الخافت كشف السرير في منتصف الغرفة. كان هناك جسد ممدد عليه… مغطى بالكامل بالغطاء الأبيض.
ابتلعت ريقي.
تقدمت خطوة… ثم أخرى.
كانت يداي ترتجفان الآن، ولم أعد أستطيع السيطرة عليهما.
وقفت بجانب السرير. مددت يدي ببطء شديد… وأمسكت بطرف الغطاء.
رفعت الغطاء. اقتربتُ خطوة أخرى… ثم رأيته.
في تلك اللحظة— انهار كل شيء.
لم أستطع الحفاظ على برودي أكثر.
انهمرت دموعي دفعة واحدة، ساخنة، متلاحقة، دون أي قدرة على السيطرة عليها. ركبتاي خانتاني، فسقطت بجانب السرير، ويدي تشبثت بحافة الغطاء وكأنها آخر ما يبقيني واقفة.
“لماذا…؟” خرج صوتي مبحوحًا، متكسرًا. “لماذا؟ أخبرني لماذا؟”
كنت أتكلم معه… كما لو كان سيفتح عينيه ويرد. كما لو أن الموت مجرد سوء تفاهم.
“لماذا حياتي—في أي مكان، في أي زمان—تتحول دائمًا إلى جحيم؟”
انحنيت أكثر، جبيني لامس طرف السرير، وكتفاي يهتزان بعنف.
“لماذا… لماذا لا توجد مرة واحدة فقط تمشي فيها حياتي كما أريد؟”
صوتي ارتفع، اختلط بالبكاء.
“في حياتي السابقة…” تنفست بصعوبة. “عندما حاولت بكل جهدي أن أحظى بحب عائلتي… عندما لم أنفق على نفسي، عندما حرمت نفسي من كل شيء فقط لأعطيهم ما يريدون…”
ضحكة قصيرة خرجت من بين دموعي، ضحكة موجوعة.
“في النهاية… كانوا هم من أرادوا موتي أكثر من أي شخص آخر.”
رفعت رأسي ونظرت إليه، عينيّ محمرتان، مشوشتان.
“أنا… أنا حتى هنا.” صوتي ارتجف. “عندما تصرفت ببرود، عندما حاولت إبعادكم عني… لماذا كنت تقترب؟ لماذا كنت تزعجني؟”
قبضت يدي بقوة.
“لماذا… لماذا ضحيت بحياتك لأجلي؟”
ارتجف جسدي كله.
“كان يكفيني أنني مثقلة بحياة أمي… وحتى الآن أقول إنني سبب موتها.” شهقة حادة مزقت صدري. “لم يكن ينقصني ثقل آخر… لم يكن ينقصني هذا الألم.”
انحنيت أكثر، وكأن ظهري انكسر.
“أنا فقط طلبت القليل… فقط أن أعيش بهدوء.” صرخت بصوت مبحوح: “هل هذا كثير؟!”
انهرت.
“إن كان هذا كثيرًا…” همست من بين البكاء. “فكنتُ أفضّل الموت… على أن أتجسد في هذه الرواية.”
التعليقات لهذا الفصل " 45"
دموعي شلال شكرا عالترجمه
يعني حضرتك دي النتيجة النهائية عاوزاني ابكي 😭💔 مبكفيش النتائج ااثناوية شنقتني والان الرواية بكتني🥲😭😭