سبحان الله وبحمده 🌿 سبحان الله العظيم ✨ لا تجعلوا قراءة الروايات 📖💕 تلهيكم عن الصلاة 🕋 وعن ممارسة الشعائر الدينية 🤲🌸 ⊱───────── {.⋅ ✯ ⋅.} ───────── ⊰
كان رولين يرتدي بدلة حمراء فاخرة مزينة بمجوهرات خضراء تتلألأ تحت أضواء القاعة، وكان يدخل بخطوات هادئة، شعره البرتقالي ينسدل برفق على كتفيه، وعيناه السوداوين تلمعان ببرود. بجانبه كان والده، ماركيز لورينس، يمشي بثقة ووقار، لكن نظري ظل مركزًا على رولين فقط.
حدقت فيه ببرود، رغم أن الموقف كان من المفترض أن يدعو للضحك، إلا أن ذاكرتي أخذتني بعيدًا، إلى اليوم الذي واجهته فيه وهددته بأن أخبر أبي عن حبه لفيكتوريا. شعرت بقليل من القوة في ذلك التذكير، وابتسمت ببرود داخلي، عندما كنت جالسة على السرير أمامه:
“اسمع رولين… إذا أردت حقًا الارتباط بفيكتوريا، فسيكون في صالحك أن تبدو وكأنك على علاقة بها، وأنا مخطوبة لك. إذا انكشف الأمر… سيضيع كل مجهودك، سدي.”
وقف رولين صامتًا، يبدو عليه التفكير العميق، عينيه تتأملاني بحذر، وكنت أرى التردد يلمع في وجهه. رغم أنني أكره هذه الفتاة، إلا أنني لاحظت أنه أعطى كلامي بعض الحق.
رفعت إصبعي ببرود، وقلت بصوت هادئ لكنه حاد: “ولكن… يا رولين… إذا اعترفتِ لفيكتوريا، وأخبرتهم أني لم أحبك، وأنني لم أعاملك بشكل جيد، وأنني متقبلة حبك لها… سيكون الحال مختلف.”
توقف لحظة، عيناه تتسعان من المفاجأة، صوته اهتز قليلًا وهو يسأل: “لكن… لماذا ستفعلين هذا يا أوريانا؟ لماذا؟” لم أتردد، أجبته بسرعة، صادقة ببرود، عيناي لا تفارقان وجهه: “لأني أكرهك… ولأني أريد الانفصال عنك بأسرع وقت.”
ابتسم رولين، تلك الابتسامة التي كانت دائمًا تثير اشمئزازي، لكن هذه المرة كانت فرحته واضحة، كأن كلامي أفرحه بطريقة غريبة. شعرت بغضب مختلط بصدمة؛ كيف يمكن أن يفرح برؤية نفسي أقطع عليه أملًا؟
نظرت إليه بعينين جليديتين، وحركت يدي قليلًا وكأني أتحكم في الهواء حوله، وأنا أقول بحدة: “هل حقًا لا تشعر بأي ذنب، يا رولين؟”
رفع كتفيه بلا اكتراث، ونظر إليّ نظرة باردة تقول: “ماذا ذنبي؟”
ارتجفت شفتاي وأنا أواصل كلامي بصوت يرتعش قليلاً من الغضب المكبوت: “حقًا… ألا تفهم؟ أنا خطيبتك… اكتشفت أنك تخونني، ومع ذلك لم يتأثر جفن واحد لديك. وعندما أخبرتك بأنني اكتشفت الأمر، قمت بتهديدي، وقلت إنه إذا فعلت شيئًا لفيكتوريا سأندم… ألا تشعر بأي ندم تجاه فعلتك؟”
رولين أمال رأسه قليلًا إلى الوراء، وابتعد خطوة صغيرة، كأنه يحاول استيعاب كلماتي بعقل بارد، وعيناه تتلألأ ببرود. قال بنبرة هادئة، وابتسامة صغيرة على شفتيه: “لماذا يجب أن أشعر؟ أنا لم أحبك من البداية… ارتبطت بك بسبب أبي، الذي يريد زيادة نفوذه عن طريق الارتباط بدوقية سيريوس.”
ارتفعت عيناي، وصرخت داخليًا، بينما جلست على أطراف أصابعي وكأنني أحاول ضبط نبضات قلبي الغاضبة. شعرت بالاحمرار يغمر وجهي، وعيناي لم تفارقان وجهه، أراقبه كما أراقب فريسة.
فكرت ببرود: حقًا… هذا الشخص يستحق ما سأفعله به.
أخذت نفسًا عميقًا، ورفعت يدي قليلًا، مشيرة إليه بعينين لا تفارقان هدفهما، قبل أن أكمل بصوت هادئ، مدروس، كمن يضع تعليمات دقيقة: “اسمع الخطة جيدًا، يا رولين، لكي ننفصل بهدوء. أنت تعرف القوانين… إذا أحب الرجل امرأة، ويريد التلميح لها بحبه، يجب أن يرتدي ملابس بلون شعرها وعيونها، أليس كذلك؟”
صمتت لحظة لأرى رد فعله، وعيناي ثابتتان على وجهه. ثم أكملت: “في أي حفلة قادمة، سأحضر أنا وفيكتوريا، وسأرسل لك رسالة بحضوري. حينها عليك ارتداء ملابس بلون شعر فيكتوريا وعيونها. وعند حضورك للحفلة، عليك التقدم نحوها. حينها سأعلن أنا أني لا أحبك وأريد الانفصال عنك. وبهذا تضمن ارتباطك بدوقية سيريوس، وبحبيبتك فيكتوريا.”
أجابني وهو يبتسم ابتسامة تغطيه: “رغم أنني لا أحبك، إلا أنك تمتلكين عقلًا ذكيًا للغاية…”
حافظت على هدئي وبرودي، ولم أبدي أي رد فعل لما قاله، وقلت بصوت هادئ: “لكن رولين، كما اتفقنا، أنت ستخبرني بكل شيء عن فيكتوريا، ولن تخبرها بهذه الخطة، لأنه إذا أخبرتها، ستكون ردة فعلها غير طبيعية، وسيكتشف الناس الأمر.”
قلبت عينيّ، ورفعت حاجبيّ ببرود، وأنا أتابعه دون أن أنبس بكلمة، وفكرت بصمت كم هو منافق… وغبي… زيادة على ذلك، لا أصدق أنه صدق هذه الخطة الغبية!
رجعت إلى الواقع، فتحت عينيّ ببطء، ورجعت أنفاسي إلى طبيعتها قليلًا، ونظرت حولي. كانت الحفلة مليئة بالحركة والألوان، ولكن كل شيء بدا ضبابيًا أمام تركيزي على رولين.
كان واقفًا هناك، مستعدًا للتحرك نحو فيكتوريا، يقف بثقة مزيجها من التوتر والحماس، كأنه على وشك بدء مسرحية مُعدة مسبقًا. في البداية شعرت ببعض الذنب، دفقة صغيرة من الأسى؛ ما سيحدث الآن سيدمره فعليًا… ولكن سرعان ما تذكرت الحقيقة، الحقيقة المؤلمة: أوريانا كانت تحبه في أول حياتها بصدق، ولكنه رغم ذلك كسر قلبها بأسوأ الطرق الممكنة.
ابتلعت ريقي، وابتسمت ببرود داخلي: أنا لا أشعر بأي ذرة ندم لما سأفعله بك… حقًا.
رولين نظر إليّ، عينيه تحملان نفس الشعور، كأنها رسالة صامتة تقول: “لنبدأ المسرحية.”
في تلك اللحظة، التفتت إلى ليونارد، الذي كان ينظر نحوي بعينين مليئتين بالارتباك والهدوء المتوتر. ربما لأنّه رأى لباس رولين وفهم ما سيحدث قبل أي شخص آخر. قال بصوت منخفض، متوتّر: “أوريانا…”
ولكن قبل أن يكمل جملته، ذهب رولين بثبات نحو فيكتوريا، حيث كانت تتحدث مع صديقتها. كل خطوة منه كانت محسوبة، كل حركة من جسده تشي بالإصرار، وكأن الزمن توقف حوله للحظة.
ركع على إحدى ركبتيه أمامها، عيناه لا تفارقان وجهها، صوته هادئ لكنه مليء بالعاطفة: “فيكتوريا… أريد الاعتراف لك بشيء. أنا أحبك منذ زمن بعيد… مثلما كنت تحبيني.”
فيكتوريا توترت بشدة، يديها ترتجفان قليلًا، وعينيها اتسعتا من الصدمة. كل من حولهم توقف عن الحركة للحظة، صمت رهيب اجتاح المكان. جميعهم نظروا إليه، ثم إليّ، وارتسم على وجوههم مزيج من الدهشة والذهول.
أنا، وقفت هناك ببرود، لكن بداخلي رغبة خفية بالضحك، شعور غريب يجتاحني: لا أصدق أنه قال “مثلما كنت تحبيني منذ زمن بعيد”… لقد تورطت فيكتوريا بشكل عميق جدًا…
رولين، رغم كل النظرات التي تنظر له من الحاضرين، وقف بثبات أمام فيكتوريا، عينيه السوداوان تتلألأان ببرود، لكنه بدا عليه توتر خفي يلوح في قبضته على السلسلة. قال لها بصوت هادئ لكنه مليء بالعزم: “أريد التقدم لك والزوج منك.”
كما أنه أخرج السلسلة، ووضعها أمامها، مكتوب عليها اسم فيكتوريا ورولين. ثم نظر إلى فيكتوريا بنظرة مليئة بالسعادة والحنين، وقال: “هذه السلسلة التي أعطيتها لي يا فيكتوريا… لا زلت أحتفظ بها.”
فيكتوريا بقيت عاجزة عن الكلام، عينيها اتسعتا من الدهشة، ويديها متوترة على جانبيها، كأنها غير قادرة على تحريك أي شيء. نظري أنا كان مركزًا عليه، أراقب كل تعبير على وجهه، كل ارتعاشة صغيرة في قبضته على السلسلة، كل حركة من جسده التي تكشف عن التوتر المكنون بداخله.
رولين التفت إليّ للحظة، كأنه يطلب مني أن أقول مثلما اتفقنا، لكن لم يكن هذا ما خططت له. عيناه تحدقان في وجهي، تبحثان عن أي مؤشر على استسلامي، لكن برودتي كانت ثابتة، أعيناي لا تفارقان وجهه، أراقب كل خطوة وكل تعبير.
لكي تنجح خطتي على التمثيل، حاولت أن أبدو حزينة، لكن الحقيقة أنني لم أستطع تمثيل الحزن. لم أستطع البكاء، مهما حاولت. شعرت بأن فمي يجف، وقلبي ينبض بسرعة تحت طبقة البرود التي فرضتها على وجهي، محاولًة التحكم في أي مظهر خارجي لمشاعري الحقيقية.
اقتربت منه وقلت بنظرة باردة، محاولًة جعلها تبدو حزينة قدر الإمكان: “رولين… ما الذي تقوله الآن…”
اقتربت أكثر، وجسدي يتحرك بخطوات محسوبة، حتى أصبح وجهه قريبًا جدًا مني. ثم قلت بمحاولة لإظهار حزن أعمق: “كيف يمكنك فعل هذا بي…”
أجبت، ووضعت كفي على وجهي، أغطيه جزئيًا ثم تمامًا، كأن الغطاء يحجب كل الألم والخوف، لكن عيناي لم تفارقا وجهه، تراقب كل تعبير على وجهه، كل نبضة من التوتر، وكل محاولة منه لفهم ما يحدث.
“لا أصدق… ماذا فعلت لك… لكل هذا… أنت… وأختي…” همست، صوتي منخفض لكنه مثقل بالغضب المكبوت والألم، كل كلمة ثقيلة تهبط على قلبه وعلى قلبي في نفس الوقت.
كانت إيفي تمشي بجانبي، ملتفة بخفة على قدميّ، وكأنها تشعر بكل شيء من دون أن يظهر أي شخص آخر، ومارسلين كانت ثابتة على كتفي.
كنت أغطي وجهي بيدي، أحاول أن أبدو حزينة، لكن تحت كفي، الحقيقة كانت واضحة: لم أبدِ أي رد فعل، وكنت باردة تمامًا، لا شعور يظهر على وجهي، مجرد برود كامل.
ثم دوي صوت أبي من خلفي، وكان قريبًا مني على نحو مفاجئ، وضع يديه على كتفي، احتضنني برفق، ووضع وجهي في حضنه. قال لي بصوت حنون: “اهدئي أوريانا… لا تبكي.”
لكن سرعان ما تغيّر صوته، أصبح مظلمًا ومخيفًا، كأنه شخص آخر، كأنه الغضب الذي لم أعرفه من قبل، وسمعت تهديده واضحًا في نبراته حتى من دون أن أرى وجهه: “هل يمكنك الآن شرح لي ما يحدث؟”
ثم التفت وقال مخاطبًا ماركيز مارلو، الذي وقف بجانبه، ولم يعرف ماذا يقول، بدا متجمدًا بلا قدرة على الكلام: “ماركيز مارلو… ماذا يفعل ابنك الآن؟”
ماركيز لورينس، والد رولين، الذي لم يصدق ما يحدث، نظر حوله كأنه يحاول أن يستوعب الموقف. أبي، بصوت بارد للغاية، قال مجددًا، وكلماته تخترق المكان: “ماركيز لورينس… سألتك سؤالًا الآن: ماذا يفعل ابنك؟ هل ياتي بملابس بلون شعر فيكتوريا ولون عيونها، وحتى أنه ذهب ليتقدم لها أمام ابنتي ويعترف لها؟”
ماركيز لورينس ارتجف، صوته متوترًا، وكأنه يحاول الدفاع عن نفسه وهو في حالة صدمة: “سيدي الدوق… صدقني… أنا لم أكن أعرف شكل ابنتك… فيكتوريا… لم أعلم… صدقني… ما الأمر؟”
الجو حولنا أصبح متوترًا بشكل لا يصدق، كل الحاضرين شعروا بالبرودة التي تبعثها كلمات أبي، وبالضغط الهائل الذي وقع على دوق لورينس، بينما أنا كنت أقف هناك، أحتضن نفسي تحت برودتي الظاهرة، أشعر بكل نظرة، كل كلمة، كل حركة تخلق دوامة من التوتر لا يمكن تجاهلها.
أبي كان ينظر ببرود، ذلك البرود الذي يسبق العاصفة، وقال بصوت بارد ومشحون لدرجة شعرتُ معها وكأن الهواء يضغط على صدورنا جميعًا، حتى أن أنفاسي صارت أثقل:
“حقًا؟ لم تكن تعرف ذلك؟ ولم تكن تعرف كيف تعلّم ابنك كيف يراعي مشاعر خطيبته؟ أنتم… هل تجرؤون على إحزان ابنتي؟ وتظنون أن الأمر سيمر مرور الكرام؟”
كانت يده تضغط على رأسي بقوة، يثبتني في حضنه، وكأنه يحاول حمايتي وفي نفس الوقت يكتم غضبه. كنت مدفونة في صدره، أسمع نبضات قلبه المتوترة، وأشعر بتوتر عضلات ذراعه التي تحيط بي. كان غاضبًا… غاضبًا جدًا.
بدأت فيكتوريا بالبكاء فجأة، صوتها خرج مرتجفًا، كتفاها يهتزّان وهي تنظر حولها بعيون دامعة:
“أنا… لا أدري لماذا يقول رولين عني أني أحبه… أنا لم أفعل شيئًا كهذا يا أختي…”
لكنني لم أرد. لم أرفع رأسي حتى. بقيت داخل حضن أبي، يدي متشابكة أمام صدري، جسدي ثابت، برودي واضح رغم الفوضى حولي.
ثم سمعت صوت أوسكار من بعيد، نبرة غضبه اخترقت الصمت:
“أنت… حقًا! لماذا تدخل فيكتوريا فيما تريد فعله؟!”
رفعت بصري قليلًا وأنا لا أزال في حضن أبي، ورأيت أوسكار يقترب من فيكتوريا بسرعة، وجهه مليء بالغضب، قبضته مشدودة، ثم مدّ ذراعيه وحضنها وهي تبكي في صدره. كان مشهدًا مُثيرًا للاشمئزاز… خصوصًا وهو ينظر إليّ بنظرة اتهام واضحة، وكأنه يحمّلني كل شيء.
أكمل كلامه، صوته يهتز من الانفعال:
“أنا أراهن… أن التي قالت لك أن تفعل ذلك…”
لكن أبي قطع كلامه فجأة، بصوتٍ دوّى كالصفعة، غضبه خرج كاملًا:
“كنت أتكلّم… فأخرس! وإلّا سأقطع لسانك يا أوسكار.”
صمت المكان بالكامل. شعرتُ بارتجاف خفيف في ذراع أبي فوق كتفي—غضبه أصبح ملموسًا.
ثم نادى بصوت حاسم، لم يحتمل أي نقاش:
“ليونارد!”
قفز ليونارد تقريبًا من مكانه، جسده مشدودًا، واقترب سريعًا إلى جانب أبي.
أبي قال بصوت بارد كالثلج:
“خذ أوريانا إلى المنزل… الآن. لا يجب أن ترى تلك الوجوه القذرة. أنا سأتصرّف مع الأمر هنا.”
اتسعت عيناي قليلًا… لم أره هكذا من قبل. كنت دائمًا أعرفه كالدوق الهادئ، المحترم، المسيطر على مشاعره. لكن هذه… هذه أول مرة أرى الشخصية الحقيقية التي يخشاها الجميع:
الدوق سيريوس عندما يغضب.
أمسكني ليونارد من ذراعي بلطف شديد، كأن أصابعه تتحرك فوق زجاج رقيق قد يتحطم من أقل لمسة. قال بصوت هادئ، لكنه محكم، والقلق واضح في عينيه:
“أوريانا… هيا بنا.”
أومأت له بهدوء، خطوة قصيرة للأمام، ثم تبعته. بينما كنا نغادر القاعة، شعرت بأنظار الجميع تخترقني من الخلف؛ نظرات طويلة، ثقيلة، وكأن القاعة كلها فقدت صوتها إلا وقع خطواتنا على الأرضية.
خرجنا من القاعة ودخلتُ إلى العربة. تبعتني إيفي وقفزت بخفة بجانب المقعد بجواري، ذيلها يهتز من الحماس، فيما بقيت مارسلين على كتفي، قدماها الصغيرة تتشبثان بثوبي براحةٍ وكأنها جزء ثابت مني لا يمكن فصله.
لم أكن قد أغلقت الباب بعد حين سمعت صوت مارسلين يتردد في رأسي، دافئًا وواثقًا:
“أنتِ حقًا لديكِ قدرة كبيرة على إضعاف قلب الدوق.”
طرف جفنيّ نصف رمشة. “تقصدين أبي؟”
“أجل… دوق سيريوس. طاقته السحرية كانت في ذروتها غضبًا.”
نظرت إلى إيفي. كانت تفرك جسدها الرمادي الصغير بالمقعد، ذيلها القصير يتحرك بانبساط، وعيناها الذهبية تلمعان بسعادة واضحة بما حدث… لكن وجهي ظل بلا أي تعبير. فلا أحد غيري يرى ما يجري.
دخل ليونارد العربة بعدها ولغة جسده مشدودة قليلًا. أغلق الباب بقوة محسوبة، ثم جلس مقابلي مباشرة. انطلقت العربة، واهتزازها المنتظم حرّك كتفيّ حركة خفيفة، لكن ملامحي ظلت كما هي—ساكنة.
طوال الطريق، أبقيت نظري ثابتًا على النافذة. المباني كانت تمر بجانبنا كظلال طويلة، والانعكاس الباهت لوجهي على الزجاج بدا أكثر هدوءًا مما شعرت به.
فجأة قطع ليونارد الصمت، وصوته كان حادًا، متوترًا، وكأنه يحاول ضبط غضبه بصعوبة:
“لا تكترثي له.”
ثم شدّ قبضته فوق ركبته، وعضلات ذراعه تحركت لحظة قبل أن يضيف بصوت أشد:
“أبي سيجعله يندم… ربما يمحيه من الوجود. لذلك توقفي عن التفكير فيه.”
التفتُّ نحوه ببطء. نظرت إليه لثانية واحدة بعينين فارغتين من أي انفعال… ثم عدت إلى النافذة، متجاهلة كل كلمة قالها؛ كأن صوته مجرد نسمة عابرة لم تلامسني من الأساس.
في تلك الأثناء، كان ليونارد يجلس أمامي في العربة، لكن الغضب كان يتصاعد داخله كبركان مكبوت. شعرتُ بكتفيه المتوترين، ويده التي قبَضت على طرف المقعد حتى ابيضّت مفاصله. لم يقل شيئًا بصوت مسموع، لكن أفكاره كانت واضحة عليه كما لو كانت مكتوبة على جبينه.
كان ينظر إلى الأرض، وفي رأسه صدى كلمات لا يسمعها غيره
ذلك الوغد… لو لم يأمرني أبي بإعادة أوريانا للمنزل، كنتُ سأحطم عنقه هناك فورًا. أريد فقط أن أوصلها، ثم… أقسم أني سأجعله يندم على ولادته.
لم أعلق على غضبه الذي ظهر. اكتفيتُ بمراقبة الشوارع من خلال النافذة، وكأن غضبه لا يخصني.
وصلنا إلى المنزل أخيرًا. بمجرد أن توقفت العربة، فتحت الباب ونزلت دون أن ألتفت خلفي. خطواتي كانت هادئة، خالية من أي تردد، وصعدت إلى غرفتي مباشرة دون النظر لأي أحد، دون كلمة، دون حتى تغيير في تنفّسي.
عند أول لحظة استلقيت فيها فوق السرير، سمعت صوت مارسلين يتردد في رأسي، هادئًا لكنه غريب:
“نسيت أن أخبركِ شيئًا… تلك الفتاة، فيكتوريا. لا أعلم لماذا… لكن شعرتُ أنني أعرفها.”
لم أفتح عينيّ، فقط تمتمتُ ببرود: “تعرفينها؟ كيف؟”
“لا أعلم… فقط إحساس. وكأنني رأيتها من قبل، لكنني لا أتذكر أين.”
لم أعلّق. تركتُ صوتها يتلاشى ببطء، ثم غمرتني رغبتي في النوم، فاستسلمت لها دون مقاومة.
مرّ اليوم. وفي اليوم التالي، انتشرت الأخبار بسرعة—شائعة في البداية، ثم تأكدت من أكثر من خادم:
رولين ممنوع تمامًا من حضور أي حفلة أتواجد فيها. ممنوع من دخول أي مكان أكون فيه. ممنوع حتى من الاقتراب مني قيد أنملة.
لاحقًا، استدعاني أبي لمكتبه. كان الهدوء الذي يحيط به أخطر من غضبه في القاعة.
جلس خلف مكتبه، يداه متشابكتان، وصوته منخفض لكنه يحمل توترًا واضحًا:
“أعتذر منكِ، أوريانا. كدتُ… أن أمحيه من الوجود. بالفعل أعلنتُ الحرب على ماركيز مارلو، لكن الإمبراطور تدخّل. أوقفني… وأجبرني على قبول هذا الحكم.”
تجمّدت عيناه لوهلة، وظهر ذلك الشر الكامن في دوق سيريوس الذي لم أره من قبل:
“إن لم يعجبكِ الحكم… سأعلن الحرب مجددًا. حتى لو عصيتُ الإمبراطور نفسه.”
نظرتُ إليه بلا انفعال، ثم قلت ببساطة، ببرود يقطع الهواء:
“لا… هذا يكفيني. كل ما أردته هو فسخ الخطوبة.”
سادت لحظة صمت طويلة… وكأن الغرفة نفسها توقفت عن التنفّس لثوانٍ.
مرّت الأيام التالية ببطء. كانت الأكاديمية ستبدأ مع بداية الأسبوع، لذلك قضيتُ بقية الأيام في التدريب مع مارسلين. كنتُ أحاول زيادة قوتي السحرية—لكن الزيادة كانت ضئيلة بشكل محبط. لم أصل حتى إلى واحد بالمئة.
كانت مارسلين تشاهدني في صمت، ثم في منتصف الأسبوع قالت:
“سآخذ إيفي معي. هناك أمر يجب أن أبحث عنه… شيء يحافظ على روح أوريانا الحقيقية داخل جسد إيفي، ويزيد طاقتي. سنعود بسرعة.”
وتركتني. فجأة أصبحتُ وحدي تمامًا. كان يوم الجمعة… وكانت الأكاديمية ستبدأ بعد غد. كنتُ أتدرّب في الحديقة، ثم عدتُ إلى الداخل. وبينما كنت أمشي في الممرات الهادئة بعد غروب الشمس—والليل قد حلّ بظلامه الهادئ—كانت سوزي، خادمتي، تسير بجانبي بخطوات متوترة بعض الشيء.
كنت عائدة بهدوء… وفجأة، قطع ذلك الهدوء صوتٌ غريب.
هـــخ… هـــخ… خخخخـررر…
توقّفتُ فورًا، رفعت رأسي قليلًا، عيني تتحركان ببطء في الممر.
هل هذه… هدير؟
نظرتُ إلى سوزي بجانبي. كانت قليلًا حتى قبل أن أتكلم.
“هل سمعتي ذلك؟”
رمشت وقالت:
“سمعت ماذا؟”
لكن الصوت دوّى مجددًا… أعلى هذه المرة، أوضح… أقرب.
هـــخ… هـــخ… خخخـررر…
اتسعت عيناي قليلًا—صوت ثقيل، حاد، مخنوق… لا يشبه أي شيء بشري.
“هذا… هذا يا سوزي.”
قالت بصوت منخفض، يدها تمسك طرف فستانها:
“أنا لا أسمع شيء، آنستي…”
بدأت أبحث عن مصدر الصوت، أتحرك بهدوء، قدماي تلامسان الأرض بخفة، أذناي تلتقطان كل ذبذبة. تبعتُ الهدير خطوة بعد خطوة… حتى وصلتُ إلى باب إحدى الغرف.
الصوت كان يدوي بوضوح الآن من الداخل… أقوى… وكأن شيئًا يتحرك هناك.
سوزي شهقت بصوت خافت، وضمت يديها إلى صدرها:
“ه… هذه غرفة السيد ليونارد…”
رفعت رأسي نحو الباب. نظرتُ إليه ببرود… بينما سوزي تراجعت خطوة كاملة إلى الخلف،…
ظرتُ إلى الباب ببرود، لكن عيني تحرّكت بخفوت مع كل دويّ يصطدم بالخشب من الداخل؛ الصوت لم يكن عاليًا فحسب… كان قريبًا، قريبًا بشكل مزعج يجعل أطراف أصابعي تتوتر دون إرادتي.
التفتُّ إلى سوزي. حاجباي ارتفعا قليلًا، بينما رأسي مال ببطء باتجاهها.
“أحقًا لا تسمعين هذه الأصوات؟” سؤالي خرج هادئًا، لكن نظرتي كانت ضيقة—تبحث عن أي رد فعل صغير في وجهها.
سوزي رمشت مرتين قبل أن تهز رأسها. عيناها اتسعتا قليلًا، وكتفاها ارتفعا بانزعاج خفيف وهي تقول: “لا… لا أسمع شيئًا. هل أنتِ بخير يا آنِسة؟”
لم أجبها. فقط أعدت نظري إلى الباب، وجفني ارتجف ارتجافة صغيرة؛ شيء لا ينبَتَح بسهولة. تنفّست ببطء… ببرود… لكن صدري كان مشدودًا أكثر مما يجب.
الصوت خلف الباب ازداد. تقلّصت يدي على ثوبي دون أن ألاحظ.
التفتُّ إليها مرة أخرى: “ادخلي… وشاهدي ما يفعله ليونارد.”
سوزي توقفت لحظة، كما لو كانت تزن كلامي، ثم حرّكت رأسها ببطء. خطواتها نحو الباب كانت متوترة—أطراف أصابعها كانت ترتجف وهي ترفع يدها للمقبض. حاولت فتحه، شدّت المقبض بكلتا يديها، ثم التفتت إليّ بنظرة قلقة:
يدي لمست المقبض، وبمجرد أن فعلت… بردٌ حاد صعد من أصابعي إلى ذراعي. شعرت بالباب وكأنه يلتقطني من معصمي، يسحبني بقوة لا تراها العين.
اتسعت عيناي للحظة—لحظة واحدة فقط—قبل أن ينفتح الباب بعنف، ويجذب جسدي للداخل.
قدماي انزلقتا نصف خطوة على الأرض، يدي امتدت تلقائيًا تلتقط الهواء قبل أن تستقر على الحائط لتعيد توازني.
رفعت رأسي ببطء.
الغرفة مظلمة… الهواء ثقيل. ليونارد كان واقفًا في المنتصف، كتفاه متشنجتان، ذراعه المشدودة تمسك بالسيف بقوة تكفي لاهتزاز عضلات يده. عيناه كانتا مثبتتين أمامه—حدقتان ضيقتان، تركيز كامل، أنفاس سريعة لكنها مكبوتة.
وأمامه… وحش ضخم، جلده الممزق ينبض كأنه كتلة من الظلال واللحم.
حافظت على برودي… أو حاولت. لمعت عيناي للحظة، وانقبض صدري بخفة، لكن ملامحي بقيت ثابتة—هادئة… ظاهريًا فقط.
ما إن دخلت الغرفة حتى التقت عينا ليونارد بعينيّ. تجمّد لحظة… كأن دماغه توقف عن العمل.
اتسعت حدقتاه بسرعة، ثم شدّ فكه بقوة، وصاح بصوت حاد خَلَط بين الخوف والغضب:
“أوريانا؟! ماذا تفعلين هنا؟! اخرجي حالًا!”
الصوت كان حادًا لدرجة إن كتفي شدّوا تلقائيًا. لكن قبل حتى ما أرد، الوحش التفت ناحيتي.
عيونه… كانت مثل بقع سوداء متموجة، تتحرك داخل نفسها. مجرد نظرته جعلت برودة صغيرة تصعد من أسفل ظهري. شعرتُ بعروقي تتشنّج… حرفيًا، جسدي تجمّد كأنه رفض يتحرك.
قبل أن أستوعب، ذراع الوحش الضخمة ضربت ليونارد بقوة. صوت الاصطدام لما خبط في الحائط كان عاليًا، لدرجة الهواء حولي اهتز.
اقترب الوحش مني بسرعة… خطواته ثقيلة، وكل خطوة قربته كانت تجعل صدري يضيق أكثر وأكثر.
حاولت أرفع يدي. شظايا الجليد تشكّلت بصعوبة… الدوائر السحرية طلعت باهتة، لكن انطلقت. اصطدمت بالوحش، ودفعت جسمه الضخم خطوة للخلف.
استدرت بسرعة لأهرب— لكن من الجهة اليمنى اندفع الذيل… حاد، طويل، مثل إبرة سوداء تريد اختراق صدري.
“مستحيل…” فكرت بصوت داخلي ثابت رغم الخوف. هكذا؟ الآن؟ سأموت… وأعود لعالمي؟
لكن قبل أن يلمس الذيل جلدي— جاء شيء بسرعة لا يمكنني حتى وصفها.
ذراع قوية سحبتني للخلف، وظهر شخص التصق بي بالكامل.
ليونارد.
كان يحضنني بقوة… قوة تكفي لتثبيت جسدي بالكامل خلفه. وفي اللحظة التالية—
اخترق الذيل جسده بدلًا مني.
شعرت بالضربة… ليس في جسدي، بل في ارتجاف ذراعيه حولي. سقطت قطرات دافئة على ملابسي… دماءه.
“ل… ليونارد؟”
أنفاسه كانت متقطعة، كل شهيق يقطع صدره. رفع يده بصعوبة، وبدأ ينسخ تعويذة حماية… أصابعه كانت ترتجف لكنه واصل.
“اهدئي… قفي ورائي…” قالها بصوت ضعيف لكنه حاسم.
نظرت للخلف بقلق، صوتي خرج أضعف مما أردت: “الن… لن تستدعي سوزي أحدًا؟ أي أحد؟”
لكن قبل أن أرد، الوحش توقّف. جسده ارتجف… ثم تفتت كليًا إلى ضباب أسود. صمت تام.
اختفى.
تنفست بحدة، وحاولت أتماسك. “جيد… لقد رحل. علينا الآن—علينا معالجتك يا ليونارد. سأستدعي…”
لم أكمل الجملة.
الجسد الذي كان يسندني بقوة… انهار فجأة.
سقط ليونارد أمامي على الأرض.
بدون كلمة. بدون حركة.
اتسعت عيناي… نبض صدري توقّف لثانية كاملة. ولوهلة، شعرت كأن العالم سَحب الهواء مني.
التعليقات لهذا الفصل " 44"
ده كله حصل جوه الغرفه ولا اتنقلت مكان تاني الفصل جميل اوي