سبحان الله وبحمده 🌿 سبحان الله العظيم ✨ لا تجعلوا قراءة الروايات 📖💕 تلهيكم عن الصلاة 🕋 وعن ممارسة الشعائر الدينية 🤲🌸 ⊱───────── {.⋅ ✯ ⋅.} ───────── ⊰
كان يوم حفلة الأكاديمية أخيرًا قد حلّ. استيقظتُ في وقتٍ أبكر مما اعتدت عليه… ربما بسبب شعورٍ خفيف بالحماس، أو ربما بسبب الفضول لمعرفة ما إذا كان سيقوم بما وعدني به في المرة السابقة.
فتحت عينيّ ببطء. كانت إيفي نائمة بجانبي، جسدها الرمادي الصغير ملتفّ مثل كرة دافئة من الفرو، وصدرها يرتفع وينخفض بنعومة. وعلى الوسادة بجوار رأسي، كانت مارسلين نائمة أيضًا… جسدها الصغير منكمش والضوء الشاحب يتلألأ حول أجنحتها كأنها تزهر وهي نائمة.
نهضت من السرير بهدوء كي لا أوقظهما، ووقفت أمام الستائر. مددت يدي وسحبتها ببطء… فاندفع ضوء الصباح إلى الغرفة فجأة. أضاء الجدران، والمرايا، والسطح اللامع للأثاث، وكشف الغبار الذهبي الذي كان يطفو في الهواء.
ومع الضوء… استيقظ الاثنان معًا، كما لو أنّ الشمس أيقظ المخلوقين الأكثر قربًا لي.
“مياوو.” التفتُّ فورًا… كانت إيفي قد فتحت عينيها الذهبية، تحدق بي بنعاس لطيف.
اقتربت منها وجلست بجانبها على السرير، وبدأت أربّت على رأسها الناعم برفق: “إيفي… هل نمتِ جيدًا؟”
“مياوو.” وضعت خدها على كفّي، كأنها تحاول أن تعبر عن امتنانٍ لا يمكن ترجمته بالكلمات.
شعرت بدفء لطيف ينتشر في صدري. رؤية إيفي… رؤية أوريانا-شخصيتي المفضلة-بهذه الطريقة القريبة، كان شعورًا لا يُصدق. حتى لو لم نكن متشابهتين كما تخيلت… كان وجودها قرب قلبي شيئًا جميلًا حقًا.
سمعت صوتًا صغيرًا يتثاءب خلفي. فتحت مارسلين عينيها، ورفرفت أجنحتها الشفافة لتنفض عنها النوم: “أنستي… صباح الخير.”
أجبت دون أن ألتفت: “صباح الخير، مارسلين.”
لم يمر سوى لحظة واحدة بعد ذلك حتى-
طرق الباب بعنف، ثم انفتح قبل حتى أن أسمح لأي شخص بالدخول.
دخلت سوزي. كالعادة.
وقفت في منتصف الغرفة، بثقة لا أطيقها، وكأنها لم ترتكب خطأ.
تجمدتُ في مكاني. هذه الفتاة حقًا… لا تتعلم. تدخل غرفتي دون إذن، تفتح الباب وكأنها تقتحمه… لقد تجاهلت هذه العادة المزعجة بسبب انشغالي الأيام الماضية.
لكن الآن… اليوم يوم الحفلة. واليوم… لن أتجاهل شيئًا.
قبل أن أفتح فمي، نظرت سوزي مباشرة إلى إيفي. رفعت حاجبيها بإزعاج واضح وقالت بحدة: “ما هذا؟ قطة؟ لماذا توجد قطة هنا يا أنستي؟ هل جننتِ لتدخلي قطة إلى غرفتك؟”
أغمضت عيني للحظة… لأستوعب جرأتها. ثم قلت بهدوء يشبه حافة سكين: “اسمعي يا سوزي…”
اقتربتُ منها بخطوات بطيئة… ثابتة. كل خطوة كانت كصوت تحذير يضرب الأرض.
“أنتِ يا سوزي… لن تعرفي-“
اقتربت أكثر، حتى تراجعت خطوة بلا وعي. ثم أكملت: “-قدر نفسكِ. وتظنين نفسك شيئًا مهمًا.”
ارتجفت كتفاها. حاولت الوقوف باستقامة، لكن عينَيها فضحتا القلق الذي بدأ يزحف داخلها.
توقفت أمامها مباشرة… ثم تجاوزتها بهدوء شديد. اتجهتُ نحو الباب، وأغلقته بإحكام خلفي.
“ما رأيكِ… أن أريكِ قدر نفسك يا سوزي؟” التفتُّ نحوها ببرودٍ تام، بينما الهواء في الغرفة أصبح أثقل من قبل.
رفعت يدها بخوف وهي تقول: “أنستي… هل جننتِ؟ إن فعلتِ لي شيئًا… سأنادي على الدوق! أنتِ مجنونة!”
ابتسمتُ ابتسامة صغيرة… بطيئة. “تقولين لي مجنونة… وبعدها تهددين بأن تنادي على أبي؟” اقتربتُ خطوة أخرى. “حسنًا… إذا كنتِ ستنادين على أبي…”
التفتُّ نحو الطاولة حيث كان الفستان موضوعًا بعناية، والضوء يعكس خامته اللامعة.
مددت يدي إلى الدرج… فتحته ببطء شديد. وأخرجت منه مقصًا فضيًا، لمعته انعكست على جدران الغرفة.
رفعتُ المقص بين أصابعي، وتركته يصدر ذلك الصوت المعدني الخافت وهو ينفتح وينغلق.
“…اسمحي لي أن أساعدكِ في النداء عليه.”
نظرت سوزي إلى المقص، فاتسعت عيناها في رعب صامت…
أ… أنستي… أ.. أ… أنا… كان صوت سوزي يرتجف، الكلمات تخرج متكسّرة كأنها تسقط من فمها قبل أن تتشكل.
رفعتُ المقص قليلًا، ولم ألمح في عينيها سوى رعبٍ خام. قلت ببرودٍ ناعم، وكأنني أطمئن طفلةً صغيرة: “اهدئي يا سوزي… لستُ سيئة لدرجة أني قد أشوّهكِ بالمقص.”
ثم استدرتُ نحو فستان الحفلة. فستان أحمر… جميل للغاية، خيطٌ فوق خيط كُتبت عليه ساعات من العمل. أمسكتهُ من طرفه، ورفعت المقص.
صوت القَطع اخترق الغرفة. شقٌّ أول… حاد، واضح. ثم مزّقته بيدي، شددت القماش بقوة، حتى انشقّ إلى نصفين، وانسكبت الخيوط على الأرض مثل دماء حريرية.
رمقته للحظة، ثم أسقطته على الأرض ببرود.
وضعت يدي على فمي بتصنعٍ كامل، واتسعت عيناي المزيّفتان: “ما هذا يا سوزي؟ لماذا… لماذا قطعتِ فستان الحفلة الذي اخترتُه؟”
صرخت سوزي بصوت مبحوح: “ما الذي… ما الذي تقولينه؟! أنتِ التي- أنتِ التي قطعته الآن!”
هززتُ بإصبعي أمام وجهها ببطء، رافضةً ادعاءها: “تؤ… تؤ… يا عزيزتي… ومن سيصدقكِ الآن؟”
اتسعت عيناها، وكأنها أدركت اللحظة التي انغلقت فيها فُرص النجاة.
اقتربتُ خطوة… ثم خطوة. المقص في يدي، يلمع مع كل حركة. قلت ببرودٍ خالٍ من أي رعشة: “أعذريني الآن.”
رفعتُ يدي وصفعتها على وجهها. ضربة قصيرة… حادة… جعلتها ترتدّ إلى الخلف وتسقط على ركبتيها.
سقطت سوزي على الأرض، ووضعت يديها على خدّها المحمّر. كان نفسها يتقطّع، وصوت شهقتها محبوسًا بين خوفٍ وذهول. بدت كطفلةٍ حُرمت فجأة من غطرستها.
خفضتُ نفسي وجلست على ركبتي أمامها، الحركة بطيئة ومتوازنة… كأنني لا أقترب من شخص، بل من شيء يجب تقييمه بلا عاطفة. مددت يدي إلى شعرها، لامست خصلاته بأصابعي، ثم قبضت عليها بقوة ثابتة. كان شعرها ينسدل بين أصابعي كخيطٍ باهت، لا روح فيه.
مررت أصابعي خلاله مرة أخرى… ببطء متعمّد، وكأنني أتحسّس قماشًا لا يناسب ذوقي.
قلت بصوت منخفض، بارد: “أشعر… أن شعركِ ليس جيدًا.”
سحبت خصلة أخرى، وأملت رأسها قليلًا إلى الجانب، وهي ترتجف بين يدي. “ستكونين جميلة بشعر قصير… لكن انتظري.”
رفعت يدها المرتجفة محاولة إبعاد يدي، كأنها تعيد لنفسها بعض الكرامة، لكن قبضتي أمسكت يدها بقوة، وثبّتتُها في مكانها. كان الشعور واضحًا: السيطرة في يدي… والخوف في يدها.
ثم – ببطء، وبأسلوب يشبه إلباس طفلة لا تفهم ما يجري – أمسكتُ معصمها الآخر، وأدخلت فيه سوارًا.
سوارٌ بجوهرة كبيرة ولامعة، بريقها القوي يناقض الخوف الذي يغرق في عيني سوزي. لم تكن الجوهرة هدية… كانت وسمًا.
أطبقتُ على السوار برفق، فصدر صوت الإغلاق المعدني الخافت. صوت صغير… لكنه حاد بما يكفي ليُسمع كأنه صفعة ثانية.
رفعتُ رأسي إليها. نظرت إليها مباشرة، بلا ذرة تعبير، بلا رحمة، بلا غضب… فقط ذلك الفراغ الهادئ الذي يخيف أكثر من الصراخ
“ما رأيكِ؟ أليس سوارًا جميلًا؟ ما رأيكِ به؟”
رفعت سوزي يدها المرتجفة، تحدّق في السوار بعينين مضطربتين، خليط بين الخوف والصدمة. “م… ما هذا؟ ولماذا تعطين… أيّ…؟”
أجبتها بابتسامة صغيرة، باهتة، محايدة تمامًا: “أحببتُ أن أكافئك فقط. هيا… جرّبي أن تخلعيه.”
بدأت سوزي تشد السوار بقوة، ثم تحاول بظفرها، ثم تلوي معصمها يمينًا ويسارًا. حاولت بكل الطرق، وصوت أنفاسها يتسارع… لكن السوار لم يتحرك مطلقًا.
كنت أراقبها وأنا أضع يدي خلف ظهري، وملامحي ثابتة ببرود كامل. هذا طبيعي لن تستطيع خلعه لأنني أنا من طلبتُ من مارسلين صنع سوار لا يُخلع… إلا إن أردتُ أنا ذلك ثم وضعتُ عليه جوهرة ثمينة من عندي.
رفعتُ إصبعي، أشرت إلى الفستان الممزق على الأرض. ثم قلت ببطء: “أنتِ قلتِ يا سوزي… أنكِ ستنادين أبي. أليس كذلك؟”
بلعت ريقها بصعوبة. لم تتكلم.
انخفضتُ نحوها قليلًا، ثم همست: “هيا… ناديه يا سوزي.”
أشرت إلى الفستان الممزق ثم إلى السوار: “عندما يأتي أبي ويرى الفستان بهذا الشكل… ويرى هذا السوار الثمين في يدك… أتساءل… ماذا سيفعل؟”
انهارت سوزي تمامًا. وضعت يدها من جديد على خدّها المحمّر من الصفعة، ثم على السوار، ثم بدأت الدموع تتساقط.
أمسكتُ خدها ببرود، كما لو كنت أمسك بقطعة زجاج: “لا تبكي يا سوزي… قلت لكِ نادي أبي. لم أطلب شيئًا صعبًا. هيا.”
“أ… أنا… آسفة…” قالت بصوت متحطم.
رفعت حاجبي قليلًا. “سوزي… أنا لم أطلب اعتذارك. طلبتُ فقط أن تنادي أبي.”
سقطت على ركبتيها، وانحنت حتى لامس جبينها الأرض. “سي… سيدتي… أرجوكِ… أنا آسفة… أرجوكِ سامحيني… لن أكرر خطئي…”
وضعتُ يدي على خصرها ودفعته قليلًا لأجعلها ترفع رأسها. نظرت إليها بعينين خاليتين من أي تعبير.
“لا أفهم يا سوزي… لماذا عندما أهنتِني، لم تفكري بالاعتذار؟ وعندما تعرفين قدرك الآن… تطلبين مني المغفرة؟ ولماذا يجب أن أسامحك؟ ماذا ستقدمين لي؟”
صرخت فجأة، بصوتٍ مختلط بين خوف وهستيريا: “أعدك! أعدك يا أنستي! سأكون خادمتك للأبد! سأكون وفية! أرجوكِ! أرجوكِ!”
وقفتُ ببطء، واستقمتُ بينما هي ما تزال على الأرض. “أنتِ يا سوزي… قريبة من فيكتوريا، وتعرفين كل شيء عنها. أليس كذلك؟”
“أ… أجل يا أنستي… أنا قريبة منها.”
اقتربت حتى كدت أشعر بحرارة دموعها تصعد نحو يدي. “إذن… هل تعدين أن تكوني وفية لي؟ وتكوني… جاسوسة لي؟”
“أجل! أعدك! أقسم بحياتي يا أنستي!”
انحنيت نحوها وربتُّ على شعرها كأنها خادمة مطيعة: “لكن اسمعي يا سوزي… أنا لا أقبل الخيانة… أبدًا. وهذا السوار… إبقيه في يدك. لأنه عندما تخونينني… ستعرفين أن العواقب مؤلمة جدًا.”
ثم تابعت ببرود: “غطّي السوار بملابسك. لا يجب أن يراه أحد.”
وضعت أصابعي في شعرها وأمسكت به بقوة. سحبتُ رأسها قليلًا، حتى ارتفع وجهها إليّ رغمًا عنها.
همست ببطء، ونبرة خطيرة هادئة: “لكن يا سوزي… لا تظني أني سأسامحك بسهولة.”
سحبت خصلة طويلة من شعرها بين أصابعي، وابتسمت ابتسامة باردة: “قلتُ لكِ… سيكون شكلك أجمل بشعر قصير.”
شدَدتُ شعرها بقوةٍ حتى انحنى رأسها رغماً عنها. صرخت بخفوتٍ مكبوت، نغمة الألم تختنق في حلقها.
رفعتُ المقص ببطء، أطرافه البراقة تلتقط الضوء الضعيف المتسلل من النافذة. صوت المعدن حين لامس خصلاتها كان حادًّا، كأنه يقطع الهواء نفسه. ثم-ببطءٍ متعمَّد-بدأتُ أقصّ.
سقَطت الخصلات الطويلة على الأرض واحدة تلو الأخرى، كقطع من كرامتها تتناثر عند قدميّ. أنزلتُ المقص، وقلتُ بنبرة هادئة خالية من أيّ دفء: “أنتِ أجمل هكذا.”
لم تنطق. كانت تبكي بصمت، دموعها تختلط بخصلات شعرها المبتورة، وكتفاها يهتزان بارتجافٍ متقطع. لم تجرؤ على النظر إليّ.
أدرت ظهري نحوها، وكأن المشهد انتهى بالنسبة لي. قلت دون أن ألتفت: “حسنًا، سوزي. أخرجي فستانًا آخر. سأتجه للاستحمام.”
صوتها خرج مبحوحًا، متقطعًا بين شهقاتها: “حـ… حسنًا يا أنستي.”
خطواتي على الأرضية اللامعة كانت هادئة لكنها ثقيلة، تخلف صدى متناوبًا في الغرفة. أغلقت باب الحمام ورائي، وتركت خلفي ارتعاشاتها الصغيرة تختفي في الصمت.
بين انسياب الماء فوق جسدي والضباب الذي غطّى المرآة، شعرتُ بأنني… بلغتُ حدًّا ما. لكن هل فعلًا بالغت؟ أم أن تلك الفتاة كانت لتتمادى أكثر لو لم تتعلم مكانها؟ لم أجد إجابة. كل ما تبقّى هو هدوء الماء، وصوت أفكاري وهي تتلاشى تحته.
خرجت بعد وقتٍ لا أعلمه بالضبط. كانت سوزي ما تزال هناك، عيناها متورمتان، لكن حركاتها مضبوطة بدقة خائفة. على السرير وُضع فستان جديد، مصمَّم في الأيام الماضية.
كان طويلًا، بلون الفيروز الداكن، يضيق عند الخصر وينساب بنعومة حتى الأرض. من أحد الجانبين، شقٌّ أسود مزخرف بخيوطٍ ذهبية دقيقة، يلمع كلما لامسته أشعة الشمس الخافتة. الجزء العلوي مكشوف الكتفين، على شكل قلب، تحيط به دانتيلٌ أحمر يلتف حول العنق كطوقٍ من الجمر. أما الشال الأبيض الشفاف، فكان ينسدل بخفةٍ من كتفيّ إلى الأرض، كأنّه ضباب يلاحقني.
ارتديت الفستان ببطء، أراقب انعكاسي في المرآة، وأشعر بكل قطعة قماش وهي تنسدل على جلدي كهمسة باردة. جلست على الكرسي أمام المرآة، وسوزي تقف خلفي، تمسك المشط بيدٍ مرتعشة.
كانت تحاول التماسك. تحرّك المشط في شعري بهدوءٍ مفرط، كأنها تخشى أن تجرّ خصلةً خطأً فتعاقَب على ذلك. في كل مرة تلامس فيها أصابعها كتفي، أرى في عينيها رجفةً صغيرة، امتزاج بين الخوف والذنب والانكسار.
أنهت سوزي تمشيط شعري بعناية، تمرر أصابعها المرتجفة بين خصلاته البنفسجية برفقٍ بالغ، وكأنها تخشى أن تثير غضبي مجددًا. ثم بدأت تضع المجوهرات واحدة تلو الأخرى، أصواتها المعدنية تتناغم مع أنفاسي الهادئة في الغرفة الواسعة. حين انتهت، نظرتُ إلى انعكاسي في المرآة للحظةٍ صامتة، ثم قلتُ دون أن ألتفت: “سوزي… اخرجي الآن.”
التفتُّ إلى مارسلين، التي كانت تجلس على السرير وهي تتثاءب نصف نائمة، شعرها الأزرق السماوي الطويل يتناثر على الوسادة مثل ضوء القمر. “مارسلين… هل ستأتين معي؟”
اقتربت منها بخطوةٍ بطيئة، وضعت يدي على خاصرتي وقلت بنبرة هادئة: “لكن… هل يمكنكِ فعل شيءٍ لإيفي؟ أريد أن آخذها معي، لكن لا يمكنني اصطحابها هكذا أمام الجميع.”
أومأت مارسلين بخفة، ومدّت يدها إلى الهواء كأنها تمزّق طبقة غير مرئية. “يمكنني وضع تعويذة إخفاء عليها، بحيث لا يراها سواكِ.”
ابتسمتُ قليلاً وقلت: “إذن… افعلي ذلك.”
أغمضت مارسلين عينيها، وهمست بكلماتٍ غريبة، لتتوهّج دوائر سحرية صغيرة تحت قدمي إيفي. لحظةً واحدة فقط، وبدأ جسدها يبهت شيئًا فشيئًا حتى صارت ظلًا خفيفًا لا يُرى إلا بعينيّ.
“تمّ الأمر.” قالتها مارسلين بصوتٍ واهن، ثم قفزت بخفة وجلست على كتفي، وكأنها لم تفعل لتوها شيئًا خارقًا للطبيعة.
التفتُّ نحو الباب، تنفست بعمق. “فلننطلق إذًا.”
تحركت إيفي بجانبي بخطواتٍ خفيفة، تكاد لا تُسمع، بينما كان حذائي يصدر صوتًا ثابتًا على أرضية الرخام. فتح الخدم الباب بخضوع، وانسابت أنوار الصباح إلى القاعة بوهجٍ ذهبي لطيف.
في الأسفل، كان أبي واقفًا، طويل القامة بوقارٍ معتاد، وإلى جانبه ليونارد وأوسكار وفيكتوريا. كانوا جميعًا ينتظرونني.
حين رآني أبي، ارتسمت على وجهه ابتسامة هادئة، مدّ يده نحوي قائلاً بصوته الدافئ: “أنتِ جميلة يا أوريانا… كالعادة. هيا بنا.”
وضعت يدي في يده بثقة، ونظرت إليه بعينين ثابتتين: “شكرًا لك، أبي.”
تقدّمت معه نحو العربة الفخمة التي تنتظرنا في الساحة، أقمشتها المطرزة تعكس ضوء الشمس، والعجلات تلمع كما لو كانت مرصّعة بالفضة. جلست بجانبه بهدوء، بينما جلست فيكتوريا مقابلي، تنظر نحوي بنظرةٍ صامتة يصعب تفسيرها.
تحرّكت العربة ببطء، والعالم من حولي بدأ يتلاشى شيئًا فشيئًا خلف زجاج
في ذلك الوقت، بينما كانت العربة الملكية تشق طريقها نحو الأكاديمية وسط أزقة العاصمة الهادئة، كانت الأجواء داخل الأكاديمية تغلي كقدرٍ على نارٍ هادئة.
ساحة الاستقبال امتلأت عن آخرها بالطلاب والنبلاء وأعضاء هيئة السحر. ضحكاتٌ متقطعة، همساتٌ متناثرة، وعيونٌ تترقب شيئًا ما… أو بالأحرى شخصًا ما.
قالت فتاة بشعرٍ كستنائي وهي تمسك بكتابٍ صغير كأنها تخفي به فضولها: “هل سمعتن؟… بنت الدوق إدوارد، أوريانا، ستكون هنا اليوم.”
التفتت إليها أخرى بخفةٍ مستهزئة، تمسح على خصلات شعرها الذهبي اللامع: “أجل، سمعتُ أنها الفتاة ذات الشعر البنفسجي التي كانت تضع قناعًا أثناء الامتحان.”
ضحكت ثالثة بحدةٍ طفولية وقالت بنبرةٍ مملوءة بالتشفي: “يبدو أنها قبيحة لدرجةٍ لا تحتمل. لا أستطيع تخيّل شكلها حتى… لابد أن السبب وراء القناع بشع جدًا.”
تدخّلت أخرى وهي ترفع أنفها بتعالٍ: “سمعتُ أنها كانت الأولى في الامتحانات الكتابية، لكنّها فشلت تمامًا في اختبار السحر.”
أجابت واحدةٌ من الخلف بصوتٍ متهامس، تتصنّع الجدية وكأنها تنقل خبرًا مهمًا: “نعم… والدها، دوق سيريوس، هو من تدخّل بنفسه لتغيير قرار الأكاديمية بقبول من لا يملكون قوة سحرية… يبدو أن نفوذه لا حدود له.”
انطلقت ضحكاتٌ مكتومة، واختلطت الأصوات ببعضها حتى غدت كأنها موجة خفيفة من السخرية تعبر القاعة. لكن وسط كل ذلك، خيّم فجأة صمتٌ غامض عندما صدح صوتٌ رسمي من المدخل الرئيسي:
تجمّدت الهمسات في الهواء، وبدأت الرؤوس تلتف ببطء نحو الباب الكبير المغلق. الأبواب المزخرفة بدأت تُفتح ببطءٍ مهيب، يتسلل من خلفها ضوءٌ ذهبي يعلن وصول العائلة التي كانت محور كل تلك الأحاديث.
وفي تلك اللحظة فقط، أدرك الجميع أن الفتاة التي ظنّوها مجرد شائعة… أصبحت واقعًا يقف أمامهم.
دخلتُ القاعة وذراعي متشابكة بذراع أبي. الأضواء الكريستالية انعكست على شعره الأزرق، وعلى فستاني البنفسجي الذي تناثرت عليه خيوط الذهب الرفيعة كوميضٍ من غروبٍ بعيد. كل خطوةٍ كنا نخطوها كانت كافية لتصمت همسات وتشتعل أخرى من جديد.
“هل هي هذه؟” “مستحيل…!” “لقد قالوا إنها قبيحة! لا تبدو كذلك أبدًا!”
كانت الكلمات تتساقط خلفي كقطع زجاجٍ صغيرة – لا تؤلمني، لكنها تُحدث ضجيجًا مزعجًا لا ينتهي. ابتسمتُ بخفةٍ باردة، وقلت في نفسي بسخريةٍ هادئة:
“ها نحن مجددًا… كلام البشر لا ينتهي أبدًا.”
انحنى أبي قليلًا لتحيتي بعد أن وصلنا منتصف القاعة، ثم توجّه بخطواتٍ هادئة نحو مجموعةٍ من النبلاء لتحيتهم. أما فيكتوريا فقد أسرعت نحو صديقاتها وهي تبتسم تلك الابتسامة المصطنعة التي تُتقنها جيدًا، وأوسكار وليونارد بدآ حديثًا جانبيًا مع بعض الشباب النبلاء.
أما أنا… فقد أخذت كأس عصيرٍ من المائدة، وسرت ببطءٍ نحو الركن البعيد من القاعة. لم أكن أريد أن أشارك في أي أحاديث أو مجاملات، فقط أردت مكانًا بعيدًا عن العيون. كنت أراقب الأضواء المتراقصة على الجدران وأفكر أن الحفلات ليست سوى مسرحٍ كبير للتمثيل… وأنا لا أجيد دور الدمية التي تُبتسم حسب الطلب.
وضعت الكأس على شفتي، وكنت على وشك أن أتنفس الصمت قليلًا، لكن صوتًا مألوفًا-مزعجًا جدًا-اخترق سكوني:
“مرحبًا، آنسة أوريانا.”
تجمدت يدي في منتصف الحركة، وانخفض الكأس ببطء. أعرف هذا الصوت… أعرفه جيدًا.
أدرت رأسي قليلًا، بنظرةٍ باردة لا تخلو من الضيق. وهناك، كان لوسيان واقفًا خلفي، كما لو أن الأرض نفسها استدعته فقط لتفسد مزاجي.
كان يقف بثقةٍ تامة، شعره الأسود ينسدل بنعومةٍ فوق كتفيه، وعيناه الخضراوان تحملان تلك النظرة الثابتة الغامضة التي لا تستطيع معرفة إن كانت سخرية أم اهتمامًا. كان يرتدي بدلةً سوداء فاخرة تتدلّى منها سلاسل ذهبية رفيعة، ومعطفًا طويلًا مطرّزًا بخيوطٍ لامعة تعكس هيبته الملكية. مجرد حضوره جعل عدّة فتيات في الجهة الأخرى يلتفتن نحوه دون وعي.
لكن بالنسبة لي… لم يكن سوى مصدر إزعاجٍ قديم.
أشحت بنظري عنه ببرود، وقلت بصوتٍ متزنٍ خالٍ من أي تودد:
“أهلًا، سيدي الشاب.”
انحنى لوسيان أمامي بخفّة، واضعًا يده على صدره، وعيناه الخضراوان تلمعان بابتسامةٍ واثقة. قال بصوته العميق الهادئ الذي يقطر لطف:
“هل يمكنني أن أنال شرف أوّل رقصة، يا آنستي؟”
تجمّدتُ للحظة. أجل، هذا ما كان ينقص هذه الليلة. كنت قد اخترت الركن الأبعد لأحصل على بضع دقائق من الهدوء… والآن هذا المزعج يطلب الرقص؟
ارتشفتُ من الكأس بهدوء، وكأنني لم أسمع. لكنّ همساتٍ خفيفة بدأت تتعالى من حولنا – نظرات الفتيات المتطلّعات نحوه، وأعين النبلاء الفضوليّة التي التفتت نحونا ببطء. تنفّستُ بعمق. إن رفضت أمامهم جميعًا… سيُقال إن ابنة الدوق سيريوس لا تعرف آداب الحفلات. مشكلة جديدة تضاف إلى قائمتي الطويلة.
كانت إيفي تسير بجانبي بخفةٍ كعادتها، تُحدّق بفضولٍ في كلّ زاويةٍ من القاعة، بينما جلست مارسلين على كتفي، تتثاءب بنعاسٍ واضح وكأنها لا تبالي بالعالم. كنت على وشك أن أردّ على لوسيان، لكن صوت خطواتٍ واثقةٍ قاطع الموقف.
شعرت بلمسةٍ على كتفي، فالتفتُّ – وكان هناك ليونارد، بشعره الورديّ الذي انعكس عليه الضوء كضوء الفجر، وعيناه البنفسجيتان تلمعان بتلك اللامبالاة المعتادة التي تثير أعصابي. ابتسم ابتسامته العابثة وقال بصوتٍ هادئ ولكن يحمل نغمة استفزازٍ خفيّة:
“أعتذر يا لوسيان، لكنني سبقتك. لقد وعدتُ أوريانا بأول رقصة.”
نظرت إليه ببرودٍ شديد، بينما داخلي يغلي غيظًا.
متى بالضبط فعلتَ ذلك يا كاذب؟ لكن لم أُعلّق.
شدّ لوسيان كتفيه قليلاً، ولكن قال بهدوء لم :
“لكن يا سيد ليونارد، أنا من طلب منها أولاً، أمام الجميع.”
انخفض صوت القاعة تدريجيًا، كأن الأنفاس احتُجزت بانتظار ما سأقول. في تلك اللحظة، كنت أشعر أني على وشك أن أفقد أعصابي فعلاً. رفعت الكأس ببطء، وضعتُه على المائدة، ثم التفتُّ نحوهما بوجهٍ خالٍ من أيّ تعبير.
قلتُ ببرودٍ قاتل:
“هل يمكن لأحدٍ أن يشرح لي شيئًا؟ من قال إنني سأوافق أصلًا على أحدٍ منكما؟”
ساد الصمت للحظة، فقط صوت الموسيقى البعيدة ظلّ يدور بخفوتٍ في الأجواء. كنت على وشك أن أكمل، لولا أن صوت المنادي دوّى عبر القاعة فجأة:
تحوّلت الأنظار إلى المدخل الرئيسيّ حيث انفتح الباب الكبير، وانسلت ابتسامة صغيرة، شبه خفيّة، على طرف شفتيّ – كأنها ظلّ ابتسامةٍ حاولت قمعها.
أخيرًا… سيبدأ المسرح التالي.
نظرت إلى إيفي بجانبي، كانت تحدّق في المدخل بعينيها المتألقتين، بينما على وجهي بقيت تلك النظرة الهادئة الباردة التي تُخفي تحتها سيلًا من السخرية المكتومة.
التعليقات لهذا الفصل " 43"
البطله ناويه علي ايه يا ايوش