سبحان الله وبحمده 🌿 سبحان الله العظيم ✨ لا تجعلوا قراءة الروايات 📖💕 تلهيكم عن الصلاة 🕋 وعن ممارسة الشعائر الدينية 🤲🌸
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆⋆。゚☁︎。⋆。
ابتسمتُ ابتسامةً هادئة، ثابتة، بينما عيناي تلمعان بدهاءٍ بارد، كوميض خنجر يبرق في الظلام: “جيّد… يبدو أن دماغك بدأ يعمل قليلًا. أنا فقط أقول لك… ما رأيك بصفقةٍ معي؟”
ارتسم على وجهه التباسٌ غامض، ثم سأل بتردّد: “ما هي الصفقة التي تريدينها؟”
تقدّمت بخطواتٍ بطيئة، ثم جلستُ على ركبتيه لأكون في مستواه، محدّقةً مباشرةً في عينيه كأنني أنزع منه كل طرق الهروب. قلتُ بصوتٍ منخفض لكن مشبع بالتهديد: “مارلين… سأقول لك شيئًا. أنا أسميها صفقة، لكنني أعلم أنّه ليس لديك أي فرصة للرفض.”
ابتسمتُ ابتسامة صغيرة ساخرة، ثم فتحتُ راحتي الجريحة أمامه، والدماء اليابسة ترسم خطوطًا قاتمةً على بشرتي: “لأنّ الرفض يعني أنّني سأصرخ الآن، وأحضر الجميع، وأخبرهم بأنّك تهجّمتَ عليّ.”
ارتجف جسده قليلًا، كأن البرودة سرت في عروقه. فأكملتُ بهدوءٍ محسوب: “إذًا يا مارلين… الصفقة هي أنّك ستتعامل مع فيكتوريا بكل طبيعية، وكأنني لا أعرف شيئًا. وعندما تسألك عن أي أمرٍ يخصني، سيكون جوابك إمّا (لا أعلم)… أو ما أخبرك أنا به فقط. فهمت؟”
رأيتُ ملامح الانزعاج ترتسم على وجهه، بينما عيناه تضطربان كطائرٍ محاصر. أضفتُ بنبرةٍ أكثر صرامة: “واسمع جيّدًا… إن فعلتَ شيئًا غير ذلك، فلتعلم أنّ لديّ رسائل وأدلّة أخرى تدينك أنت وفيكتوريا، على تورطكما في علاقةٍ معًا. وعندها… ستخسرني، وتخسر فيكتوريا. لأنّه حين يعلم أبي بأمر علاقتكما، سيقطع كل الصلات بينه وبين والدك. وأنت لا تريد ذلك… صحيح؟”
ضغط على أسنانه بغيظٍ مكتوم، واللعنة ترتجف في صدره. أفكاره تتشابك كخيوطٍ خانقة: سحقًا… إنّها محقّة. أبي منزعجٌ منّي أصلًا بسبب المنجم، وإن انكشف أمري الآن فسأكون في مأزقٍ حقيقي. أجاب بصوتٍ متهدّج، تتخلّله نبرة انزعاج واضحة، وكأنّ كلماته تخرج مُثقلة بالغضب المكبوت: ـ حسناً، سأفعل ما تريدينه… ولكن إيّاكِ أن تقتربي من فيكتوريا أو تمسّيها بأذى، وإلّا فلن أترككِ وشأنكِ يا أوريانا.
تردّد صدى صوته في أذني لحظةً، فارتسمت في داخلي رغبة وحشية جامحة: ألن يكون قتله أكثر بساطة؟ لمَ أضيّع وقتي معه؟ لكن عقلي ضغط على جمرة الغضب المشتعلة داخلي: لا، يجب أن أتماسك. عليّ أن أستغله قليلاً…
تقدّمت خطوة إلى الأمام، نظرتُ في عينيه ببرودٍ جليدي، ثم التفتُّ إلى مارلين، ورسمتُ على وجهي ابتسامة غامضة بالكاد تُرى: ـ اسمع جيداً، هذه هي الصفقة: ستخبريني بأي تحرّك لفيكتوريا، وأي كلمة تبوح بها، وحتى أي سؤال قد تُوجَّه إليك وكما قلتُ، ستجيب بالضبط كما أمرتُك.
بينما كنتُ أتكلم، كان هو يحدّق بي بنظرات استحقار جارحة، نظرات تحمل خليطاً من الكراهية والتقزّز. تلك النظرات اخترقتني بحدّتها، وأشعلت بداخلي لهباً من الغيظ، جعلتني أكاد أنقضّ عليه في تلك اللحظة، أمزّقه كما تفعل الذئاب بفريستها. لكنّني شددت قبضتي إلى جانبي، حتى غاصت أظافري في كفّي، وأجبرت نفسي على كبح ذلك الغضب. وجهي ظلّ ساكناً، بارداً، كأنّه قطعة من الجليد لم تلمسها نار. لم أهتز، لم أرمش حتى.
رفعت حاجبي قليلاً، وصوتي ينساب ببطء، كأنني أشرح حقيقة بسيطة لا تقبل النقاش: ـ وبما أنّها صفقة… فالمعنى الحقيقي للصفقة أن يستفيد الطرفان. فلا تقلق، ستكون لك منفعة من هذه الصفقة أيضاً.
انقبضت ملامحه للحظة، ثم سأل بصوت متحفّظ، فيه لمحة فضول متردّد: ـ وما هي؟
ابتسمت ابتسامة باهتة لم تصل إلى عينيّ، وقلت: ـ أنت تحب فيكتوريا، أليس كذلك؟
أطرق برأسه قليلاً، ثم أجاب دون تردّد: ـ هذا صحيح.
انحنيت قليلاً للأمام، كمن يُلقي قنبلة كلامية، وقلت بهدوء لاذع: ـ لكن، هل تظن أنّك إن انفصلت عني، وذهبت لتطلب يد فيكتوريا، أنّ أبي سيوافق على هذا الأمر؟ أم أنّ لديك خطة أخرى؟
هنا، خفض رأسه فجأة، وعيناه تائهتان في الأرض، كتفاه انحنيا وكأنّ ثقل العجز وقع عليهما دفعة واحدة.وبدأت افكر تتجمع دخل رأسه سحقاً… لم تكن لدي أي خطة. ولكن، لماذا… لماذا حين أسمع كلمات تلك الفتاة المقرفة يتملكني الغضب؟ ولماذا أشعر بالخزي من نفسي؟
راقبته بتمعّن، كمن يستمتع برؤية فريسته تنهار من الداخل. ثم عدتُ أتكلم، بصوت ثابت بارد، يخفي وراءه خيوط دهاء محبوك: ـ لا تقلق، لدي خطة محكمة ستجعل فيكتوريا ملكاً لك. فأنا لا أحب أن أفرّق بين العشّاق… ولأنني لا أحبك من الأساس، فإن التزمتَ بالصفقة بعدل، فسوف أنفّذ هذه الخطة وأجعلكما لبعضكما.
توسّعت عيناه قليلاً، وتسلّلت إلى ملامحه شرارة أمل مفاجئ. سألني بسرعةٍ تكشف عن لهفته: ـ ما رأيكِ؟ هل تريدين أن تخبريني بها؟
أجبته بجفافٍ قاطع: ـ أجل… موافقة.
في تلك اللحظة، ارتفعت في داخلي ضحكة صامتة، داكنة، أشبه بوشوشة شيطانٍ يختبئ في أعماقي. ظللت أحدّق فيه طويلًا، والكره يتصاعد كاللهيب في داخلي، قبل أن أهمس إلى نفسي ببرودٍ قاتل: أحمق… يا له من أحمق! أقسم أنّني سأجعلك تتمنّى لو أنّك لم تولد في هذا العالم.
غادر في ذلك اليوم بعدما أخبرته بما عليه فعله، وبما تحمله الخطة من تفاصيل. تركني خلفه، وصدى خطواته يتلاشى شيئًا فشيئًا حتى ابتلعه الصمت تمامًا.
انقضى ذلك اليوم بهدوءٍ ثقيل، ليأتي بعده اليوم المنتظر… يوم الاختبار.
استيقظت بصعوبة، جسدي يئن من الوهن، مثقلٌ بتعبٍ خلّفه سهر طويل امتد لليالٍ وأيام. كانت عيناي غائرتين من الإرهاق، وأطرافي كأنها قيود من حديد بارد تجرّني إلى الأرض. ومع ذلك، كنت على يقين أنّ هذا كله سينتهي ما إن أجتاز الاختبار، وأحرز درجة جيدة، ثم أعثر على الكتاب الذي يتحدث عن زهرة ميرفيا.
وبعد إنقاذ الدوق… سأموت. هكذا ببساطة، نهاية مرسومة سلفًا، لا أكثر.
لكن الأسئلة لم تكفّ عن تمزيق عقلي: هل جاي بخير الآن؟ وبالحق الجحيم… ما الذي رأيته؟ هل كان ذلك حقًا جاي؟ وهل حياتي السابقة التي عشتها كانت واقعًا ملموسًا، أم لم تكن سوى حلم طويل منذ أن عدت إلى حياتي كأوريانا؟
الشك يطوّقني من كل جانب، يضيّق الخناق عليّ أكثر فأكثر. لم أعد أعلم ما الذي عليّ أن أصدّق… ولا ما الذي يجب أن أنكره.
رغم التعب الذي ظلّ يطاردني منذ أيام، أجبرت نفسي على النهوض. كانت الخادمة التي جاءت بالأمس تقف خلفي، يداها تتحركان برفق وهي تمشط شعري. ومن خلال المرآة أمامي التقطت تلك النظرة العابرة… لكنها لم تكن عابرة على الإطلاق. كانت عيناها تحملان ازدراءً بارداً، يختبئ خلف ملامح الخضوع.
تجاهلت ما رأيته، وأطلقت كلماتي بهدوء مدروس: “عذرًا، لكنني نسيت أن أسألك عن اسمك.”
ترددت لبرهة، قبل أن تجيب بصوت خافت، يخلو من أي عاطفة: “اسمي كاليشا، آنستي.”
ارتسمت على وجهي ابتسامة باردة، أشبه بابتسامة زائفة نُقشت على حجر: “إذن… كاليشا. سأحرص على تذكّر اسمك عندما أعود من الامتحان. أتمنى أن نلتقي بعدها، فلدينا موضوع مهم لنناقشه… عن ما جرى البارحة.”
رأيت انعكاس جسدها في المرآة وهو يرتعش للحظة، كأن كلماتي اخترقت شيئًا تخفيه. لكنها سرعان ما تماسكت، وقالت بنبرة خضوع مصطنع: “حاضر، آنستي.”
لم أجب، فقد كان صمتها أبلغ من أي رد.
أكملت استعداداتي. ارتديت فستانًا أسود بسيطًا للغاية، خالياً من الزينة، وكأنه صورة صادقة لبرودي الداخلي. ثم أسدلت فوقه عباءة سوداء عريضة، أثقلتها على كتفي لتخفي كل أثر يمكن أن يشي بهويتي. وأخيرًا، وضعت قناعًا غطّى وجهي تمامًا، حتى شعرت وكأنني دفنت نفسي خلف طبقات من السواد، بلا ملامح، بلا اسم.
خرجت إلى الحديقة. الهواء البارد صفَع وجهي المخفي خلف القناع، وصدى خطواتي كان الصوت الوحيد الذي يملأ الصمت من حولي. الأرض الرطبة تحت قدمي بدت وكأنها تهمس بتثاقل مع كل خطوة أخطوها.
ومن بعيد، بدت العربة واقفة عند نهاية الممر، صامتة كأنها تنتظر قدري المرسوم. لكن ما شدّ بصري لم يكن العربة… بل الرجل الذي يقف بجوارها.
تجمّدت للحظة. لم أحتج سوى لنظرة واحدة كي أتعرف على قامته، قبل أن يخبرني عقلي بالحقيقة. بدأت أخطو نحوه بخطوات متعجلة، تكاد تتحول إلى ركض. وكلما اقتربت، ازدادت الحقيقة وضوحًا، حتى صارت كالسيف المسلول أمامي.
وحين وقفت أمامه، لم يعد هناك مجال للشك. الملامح، النظرات، الصمت… كان هو.
خرج صوتي مرتجفًا، مزيجًا من الصدمة والارتباك: “أبي… ماذا تفعل هنا؟”
أها… أوريانا، ها أنت ذا! لكن… ما هذا الذي ترتدينه؟ لماذا تخفين ملامحك هكذا؟
تلعثمت قليلاً، كأن الكلمات تعلق في حلقي، وتنهدت قبل أن أجيب: “أ… أنا ف… فقط…”
سحقًا… ماذا سأخبره؟ ما الحجة التي قد أتي بها الآن؟ شعرت بالارتباك يتسرب إلى كل جزء مني، وقلبي ينبض بسرعة، بينما أحاول أن أجد سببًا مقنعًا. أخيراً أجبت بتردد: “أنا فقط أشعر بالراحة هكذا… أكبر.”
ابتسم أبي بهدوء، وعيناه تحملان الدفء والحنان، وقال: “أجل… أعتقد أنه من الأفضل إخفاء ملامحك الجميلة، وهكذا سيقع في حبك جميع من في الأكاديمية.”
ضحكت بخفة، وابتسامة ارتسمت على وجهي، لكن داخلي كان يختلط فيه الخجل مع التفكير هاهاها… ما الذي يقصده الآن؟ سبب وضعي وإخفاء هوايتي…
تذكرت نفسي، وأدركت سبب اختياري هذا الطريق… أوريانا في الأساس لم تكن شخصية اجتماعية، ولا تحب الخروج أو الظهور أمام الآخرين. أي خروج لي سيجلب لي فوضى وإزعاجًا لنفسي، وهذا لا داعي له. كما أن سمعتي ليست جيدة، لذلك أردت تجنب المتاعب حتى أنهي اختبار القبول فقط.
قلت له بهدوء، وأنا أحاول السيطرة على خجلي: “أجل… أنت محق يا أبي.”
ثم تساءلت بخفوت، وأنا أراقب حركاته وتعبيرات وجهه: “ولكن… ما الذي جاء بك هنا؟ ألست مشغولًا؟”
ابتسمت، وقلبي امتلأ بالدفء، لكنه أضاف بحزم وحنان: “حتى لو كنت مشغولًا، مهما كان انشغالي، أليس عليّ أن أفرغ وقتي لأشجع ابنتي عندما تذهب للاختبار؟ ألم أفعل ذلك؟ كيف يمكنني حينها أن أسمي نفسي أبًا؟”
ثم تنهد، وترك أثر صوته في المكان وكأنه يملأ الغرفة بأمان: “المهم، أوريانا… أردت إخبارك بشيء. أينما تكون نتيجتك، مهما حدث اليوم… لا تحزني ولا تيأسي. أنتِ بذلتِ قصارى جهدك في الدراسة هذا الأسبوع، لذا أنا متأكد أنك ستبلين حسنًا.”
مهلًا… لا تقول إنه خرج من أجلي فقط… هل ظن أني متوترة؟ هل يحاول أن يخفف عني؟
ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهي، لم أستطع منعها. حقًا… في كل مرة أكون بجواره أشعر بسعادة كبيرة. إلى أي درجة يمكن أن يحمل هذا الرجل كل هذا الحنان واللطف في قلبه؟ دائمًا، وأنا بجانبه، أستطيع أن أبتسم كما لم أبتسم من قبل. لكن… لماذا؟ لماذا أبي الحقيقي، الذي كنت من لحمه ودمه، كان وغدًا بحق؟
رفعت عيني إليه، وابتسمت مجددًا ثم أجبت: “أجل… شكرًا لك يا أبي.”
صعدت إلى العربة، قلبي لا يزال ينبض بخفة، ولوحت له مودعة قبل أن تتحرك بي بعيدًا.
…
في الأكاديمية، وتحديدًا في قاعة الاختبار…
كان الهمس يتناثر في المكان بين الطلاب، أصواتهم تختلط بترقب متوتر: “هل سمعتم ما جرى؟ يقال إن الآنسة الشابة لدوقية سيريوس قادمة لإجراء الاختبار.”
ردت أخرى بدهشة: “هاه؟! أتقصدين تلك الفتاة المسماة أوريانا؟ لم أرها يومًا قط. لماذا ستنضم إلى الأكاديمية؟ … لكن، هل وصلت؟”
أجاب صوت ثالث بخفة: “لا، لم تصل بعد. لو جاءت لكنت عرفت فورًا… لا بد أنها ترتدي ملابس فاخرة بما أنها من تلك الدوقية.”
ضحكت فتاة من الخلف وهمست: “لكن سمعت أنها قبيحة جدًا… أتساءل كيف يكون شكلها؟”
كنت أجلس في الصف الاخير، ليس ببعيد عن حديثهم، ورغم أن كلماتهم وصلت إليّ بوضوح… لم أكترث. لم ألتفت، ولم أهتم بأمرهم.
في النهاية… كان قراري بإخفاء ملامحي قرارًا حكيمًا.
ظللت جالسة في مكاني، والاختبار قد بدأ بالفعل. مرت حوالي تسع ساعات متواصلة… كنا ننتهي من مادة، ثم نحصل على استراحة نصف ساعة، لنعود بعدها لامتحان مادة أخرى. في النهاية، أنهينا ثلاث مواد كاملة.
الجيد في الأمر أن الامتحانات لم تكن صعبة كما توقعت… بل كانت سهلة للغاية مقارنة بالمجهود الكبير الذي بذلته. حتى أن نصف ذلك المجهود كان كافيًا ليجعلني أجيب بسهولة.
…
بعد انتهاء الاختبارات، جلست أتنفس بعمق وأنا أستعيد أنفاسي. بالنسبة للأكاديمية، فهي تعتمد في البداية على ثلاثة اختبارات ورقية فقط. لكني سمعت أنه عند دخولها بشكل رسمي، تتضاعف المواد أضعافًا مضاعفة.
اليوم سنبيت داخل الأكاديمية، وغدًا سيتم اختبار قوتنا السحرية وقياسها بدقة، ليُعلن بعدها من اجتاز المرحلة الأولى. وبعدها… سنعود إلى البيت.
بدأ جسدي يئن من التعب، شعرت بظهري يثقل، وكتفيّ يصرخان من طول الجلوس. تمددت قليلًا على المقعد، ووضعت يدي على رأسي، فأنا حقًا كنت أشعر بالهلاك من طول الساعات.
وفجأة… أصدر بطني أصواتًا طفيفة، تذكيرًا صريحًا بأنني لم أتناول أي شيء منذ الصباح. نظرت أمامي نحو المكتب، فرأيت صندوقًا خشبيًا صغيرًا موضوعًا بعناية.
اقتربت منه، وتذكرت ابتسامة أبي حين سلّمني إياه قبل أن أغادر. “هذا الصندوق… أعطاني إياه أبي قبل أن آتي. قال لي حينها: من الضروري أن تأكلي جيدًا… لقد أمرتُ الشيف بأن يعدّ لك طعامًا مناسبًا.”
ابتسمت بخفة، وقلبي امتلأ دفئًا من تلك الذكرى. فتحت الصندوق ببطء، لأتسع عيناي بدهشة: “هاه؟ ما هذا…؟ أهذه… وجبة؟!”
نظرت إلى محتواه، فإذا بي أرى كمية طعام هائلة، تكفي لإطعام عشرات الأشخاص. كانت وجبة ضخمة، مليئة بالأطباق المختلفة، ومعها أنواع متعددة من الحلويات والعصائر المرتبة بعناية، وكأنها وليمة صغيرة.
تنهدت وأنا أحدّق فيها: “بجدية… منذ أن عدت من الغيبوبة، والدوق يظهر دفئًا جميلًا لم أتلقَّه من قبل في حياتي… سوى من أمي.”
صحيح أنه في الماضي كان يهتم بأمر الجميع من حوله، لكنه لم يُظهر مشاعره نحوي بهذا الشكل أبدًا. لكن… ما إن عدت من الغيبوبة حتى أصبح لا يتردد في أن يبرهن لي حنانه، وكأن الأمر كله نابع من ندم عميق يثقل قلبه.
…
“ألستِ فتاة من العامة… أليس كذلك؟”
تجمدت للحظة، قبل أن ألتفت إلى مصدر الصوت. هناك… كانت تقف فتاة بشعرٍ أشقر ينساب كخيوط الذهب، وعينين حمراوين تلمعان بمكر.
رفعت حاجبي قليلًا وسألتها بنبرة باردة: “عذرًا… ولكن من أنتِ؟ وماذا تريدين؟”
ابتسمت الفتاة ابتسامة متعالية، وانحنت قليلًا قائلة بصوت متصنع: “آه، عزيزتي… ألا تفهمين؟ يبدو أنها المرة الأولى لكِ هنا. دعيني إذًا أشرح لكِ الأمر.”
تقدمت خطوة، ونبرة صوتها ازدادت وضوحًا: “صحيح أن الأكاديمية تقبل أي شخص، سواء من العامة أو النبلاء. ولكن… إن لم تستطيعي أن تكوني صديقة لأحد النبلاء هنا، فمصيرك سيكون واضحًا… أن تفعلي ما يُؤمر منكِ، وتلبي طلباتهم، وتحضري كل ما يحتاجونه.”
نظرت إليها ببرود، وعقلي يلتقط الفكرة بسرعة، ثم تمتمت: “أنتِ تعنين… خادمة بالمعنى الأدق، أليس كذلك؟”
اتسعت ابتسامتها وكأنها راضية عن إجابتي: “هاه، يبدو أن لديكِ عقلًا جيدًا… وتفكرين بشكل سليم.”
كنت أراقبها منذ بداية حديثها، لكن ملامحي بقيت متحجرة لا يظهر عليها سوى البرود.
ابتسمت بسخرية صغيرة، وقلت بوضوح: “أرجوكِ اعذريني، ولكن الخطأ خطؤكِ أنتِ. عامة الناس حين يحاولون دخول الأكاديمية، على الأقل يبذلون جهدهم في ارتداء الملابس الفاخرة… يشترون ما هو أترف، فقط ليظهروا بمظهر النبلاء. لذا… فالخطأ خطؤكِ، لأنك لم تفعلي ذلك.”
“لو أنك فعلتِ ذلك، فما كنتُ لأضايقك أو حتى أنظر إليك.” توقفت قليلًا، ثم مالت برأسها وهي تحدق بي بنظرة متعالية: “ثم… لماذا ترتدين شيئًا يخفي وجهك؟ هل تخافين أن نحسدك على جمالك؟”
رفعت يديها إلى فمها وهي تطلق ضحكة قصيرة مليئة بالسخرية. “أو ربما… شكلك قبيح لدرجة أنك تخفينه خوفًا من التعرض للتنمر؟”
نظرت بعينيها إلى الصندوق أمامي، وأشارت إليه بازدراء: “ثم ما هذا الطعام الذي أمامك؟ من أين سرقته… هاه؟”
شعرت بالبرود يتسرب إلى صوتي، وأنا أرفع رأسي ببطء نحوها: “أنا لا أفهم… حتى لو كنتُ من عامة الناس، لماذا تصرين على مضايقتي؟ لا أظن أني ضايقت الآنسة من قبل… أو حتى رأيتك أصلًا.”
ضحكت الفتاة بخفة، وعيناها تلمعان بدهاء: “أنتِ محقة… صحيح أننا لم نتقابل من قبل. لكني فقط أحب أن أعرف الأشخاص الذين مثلك… على مكانتهم الحقيقية. فقط… تفهمينني، صحيح؟”
ثم أخرجت من جيبها ثلاث قطع ذهبية لامعة، ومدت يدها بها نحوي. “اسمعي… خذي.”
تجمدت لوهلة، وأنا أحدق في العملات بين أصابعها: “ما هذا؟”
ابتسمت ابتسامة واسعة، وقالت بنغمة متصنعة: “إنها عملات ثلاث. ستحصلين على مثلها كل يوم إن أصبحتِ صديقتي. ألا ترين أني أقدم لكِ خدمة عظيمة؟ ستصبحين صديقة فتاة جميلة وأنيقة مثلي… وستكسبين المال أيضًا.”
أخذت تقترب أكثر، ثم أكملت ببطء: “كما أني… سأصبح صديقة شخص قبيح و—”
لكن قبل أن تُكمل كلمتها، أمسكت بزجاجة العصير الموضوعة بجانبي، فتحتها بهدوء، ثم قلبتها فوق رأسها.
تجمدت عيناها، وانسدل السائل البارد يغمر شعرها الأشقر ووجهها، بينما شهقات الدهشة بدأت تتعالى من حولنا.
مسحت يدي بهدوء بعد أن سكبت العصير على رأسها، ثم نظرت إليها ببرود قائلاً: “اسمعي… قلتِ قبل قليل إنك فتاة أنيقة وجميلة… لكن أين هي؟ أنا لا أراها.”
اتسعت عيناها بصدمة، وارتجف صوتها وهي تصرخ بغضبٍ مرتفع: “أ.. أنتِ! كيف تجرؤين!”
بدأت الهمسات تعلو بين الطلاب من حولنا، بعضهم شهق بدهشة، وآخرون غطّوا أفواههم ليكتموا ضحكاتهم. الجو صار أثقل، كأن الساحة كلّها تحولت لمسرح عيونهم مركّزة علينا.
ابتسمت ببرودٍ أكبر وأجبتها: “اسمعي أيتها الآنسة… أنا لا أهتم لأمر المال. لستُ إنسانة بلا كرامة أبيع وأشتري كما تفعلين. البشر في العادة يظنون أن كل الصفات التي فيهم موجودة في الآخرين أيضًا… لذا إن كنتِ تظنين أنني أُباع وأُشترى بالمال مثلك، فأنتِ مخطئة تمامًا.”
مالت بعض الرؤوس بفضول، وصوت الهمس ارتفع أكثر. هي كانت ترتجف من شدة الغضب، بينما أنا حافظت على هدوئي وجلست على مقعدي من جديد وكأن شيئًا لم يحدث، وأضفت ببرودٍ قاتل: “واحمدي ربك أني هذه المرة سكبت العصير فقط… في المرة القادمة سيحدث ما لا يُعجبك.”
ارتعشت شفتاها، وصاحت: “أ… أنتِ!”
رفعت يدها عالياً لتصفعني أمام الجميع. حدقت بها بعينين ثابتتين، ابتسمت بسخرية داخلية وأنا أفكر: جيد… لو فعلت ذلك فسأقدم شكوى رسمية. وسأجعلها تندم على اللحظة التي حاولت فيها مدّ يدها نحوي.
لكن قبل أن تهوي يدها لتصفعني، أُمسكت من قبل يدٍ قوية أوقفتها في مكانها. ارتجفت أصابعها في الهواء، وصوتٌ عميق حاد دوّى: “آنسة ماريفا… ما الذي تفعلينه؟ هذا الأمر لا يجوز أن يحدث داخل الأكاديمية.”
ساد الصمت فجأة. الهمسات التي ملأت القاعة اختفت، والعيون كلها اتجهت نحو مصدر الصوت.
التفتُ بدهشة، وعيناي اتسعتا حين رأيت ذلك الشخص… ما الذي يفعله هنا؟ وكيف ظهر في هذه اللحظة بالذات؟
شعرت للحظة أن أنفاسي توقفت، وكأن المشهد صار أبطأ مما هو عليه. قبضته ما زالت تمسك بمعصمها المرفوع، ونبرته التي خرجت صارمة حطمت غرورها أمام الجميع.
★彡 يـــــتـــــــــبــع 彡★
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 39"
مين ده وليه اطخضت