مضى أسبوع كامل منذ أن غادر أبي متجهًا إلى مملكة رافينيا… أسبوع ثقيل، كأنه مرَّ ببطء الزمن نفسه.
منذ ذلك اليوم، حبس أوسكار نفسه في غرفته. القلعة كلها تعرف؛ الخدم يتهامسون عند الأبواب، الفرسان يتجنبون المرور بجناحه. سمعت أنه يقضي أيامه ولياليه غارقًا في الشراب… كأسًا يتبع كأسًا، كأنه يحاول إذابة ذنوبه أو ربما إحراق قلبه من الداخل. لكن كل كأس لم يفعل سوى أن يزيده عصبية وبرودًا؛ عيناه أصبحتا مثل جمرتين مطفأتين، وكلماته… كالسيوف.
ورغم ذلك… سمعت أنه ظل يبحث بجنون عن أي شخص أو شيء يمكن أن يعالج أوريانا. وكأنها شعلة الأمل الوحيدة التي تبقت له وسط هذا الظلام.
أما أنا… فلا أعرف ما الذي يمكنني فعله أكثر.
وفي ليلة صامتة أخرى، انفتح باب الغرفة ببطء. كان ليونارد.
خطواته كانت بطيئة، ثقيلة، كأن قلبه يحمل كل هذا الثقل. اقترب من سرير أوريانا، جلس قربها، ولم يتكلم. عيناه علقتا على وجهها، كأن بقية العالم تلاشى.
مد يده، وبدأ يهمس بتعاويذ حماية وسلامة… صوته منخفض لكنه عميق، فيه رجفة خفية، رجفة من يحارب الخوف والضعف في كل كلمة.
كانت التعويذة مثل نورٍ دافئ يتسلل عبر صمته، ينساب فوقها برقة، وكأنه يحاول حمايتها من كل شرٍّ حتى في غياب وعيها.
ثم… أمسك يدها. لم يلمسها فقط – أمسكها بقوة، كما لو أن حياته نفسها متوقفة على هذه اليد.
حركت عينيّ ببطء لأتأكد… ورأيته – وجهه المرهق من السهر، ذقنه المستند على حافة السرير، يداه تمسكان بيدي بإحكام… إحكام يخبرني أن الخوف من فقداني أكل قلبه.
كان نائمًا. لكن النوم لم يكن راحة، بل سقوط قسري من فرط الإرهاق. الهالات السوداء أثقلت عينيه المغلقتين، حتى أن شعره الوردي المتوهج بدا شاحبًا وهو يتساقط حول وجهه.
شهقت – شهقة صغيرة، ضعيفة، لم أتحكم بها. لكن حتى هذه الشهقة… لم توقظه. كان مرهقًا جدًا لدرجة أن العالم كله لو انهار بجانبه، لظل ممسكًا بيدي… نائمًا.
نظرت إلى يده التي تعانق يدي. كم هي ثقيلة… ليست ثقلاً في الوزن، بل في المعنى. ثقل وعد غير منطوق: “لن أتركك.”
لكن… جسدي كان هشًا. هشًا إلى درجة أن مجرد محاولة تحريك أصابعي جعلتني أستسلم. شعرت أنني زجاج على وشك الانكسار.
لم أستطع النهوض. لم أستطع حتى أن أسحب يدي منه.
فجأة… شعرت بكل شيء يتسرب. القوة الضئيلة التي احتشدت في داخلي كي أفتح عيني تبددت، كأن أحدهم فتح سدًا وترك الماء يتدفق بعيدًا.
أغمضت جفوني من جديد، ليس فقط لأن التعب سحقني، بل لأن جسدي استسلم تمامًا… كأنني أُعيد قسرًا إلى النوم الذي هربت منه للحظة.
—
حلَّ صباح اليوم التالي…
شعرت أولًا بلمسة الشمس؛ خيوطها الناعمة تسللت إلى وجهي، ارتفعت درجة حرارتها قليلًا على جفوني المغلقة… حركت رموشي ببطء قبل أن أفتح عيني، لأجد سقف الغرفة المألوف يطفو في مجال بصري.
التفت برأسي بصعوبة… المكان كان مرتبًا أكثر مما تذكرت. ليونارد لم يكن عند حافة السرير كما كان بالأمس، لكنه كان واقفًا غير بعيد، يتحدث بصوت منخفض مع إحدى الخادمات.
كان صوته واضحًا رغم أنه يحاول أن يبقيه هادئًا: “تأكدي من تنظيف كل شيء بدقة… ولا تدعي شيئًا يمكن أن يزعجها. أريد كل شيء مرتبًا، وأريدكِ أن تهتمي بها كما لو كانت…” توقف قليلًا وكأنه يحاول حبس ارتعاشة في صوته، ثم تابع بصرامة ناعمة: “… كما لو كانت أثمن ما في هذا القصر.”
الخادمة أومأت بخجل. لكن ما إن أدرت رأسي قليلًا لتتبع نظراتي نحوها، حتى التقت عيني بعينيها.
شهقت الخادمة — شهقة مرتجفة قصيرة — كأنها رأت شبحًا. الصينية التي كانت تحملها في يديها اهتزت ثم سقطت محتوياتها على الأرض.
اتسعت عيناها، وصوتها المرتجف انطلق أسرع من تفكيرها: “سيد ليونارد… يا سيدي… الآنسة… الآنسة!”
خرجت من الغرفة هرولة، كأن قلبها لم يتسع لهذا الخبر. كانت تصرخ في الممرات، والذهول في صوتها يفوق أي شيء آخر: “لقد استيقظت! الآنسة استيقظت!”
—
ولم تمضِ ثوانٍ معدودة على مغادرتها بتلك الطريقة، حتى سُمِع صوت قوي عند الباب… باب الغرفة دُفِع بعنف حتى ارتطم بالحائط.
ظهر ليونارد — وجهه مشدود، أنفاسه متسارعة، وكأن الدماء ركضت كلها في عروقه مرة واحدة.
وقف في عتبة الباب للحظة… ثم خطا بسرعة، وعيناه تبحثان عني بجنون، كأنهما تلتهمان الغرفة بحثًا عن وجهي.
“أوريانا!” كان صوته أول شيء يملأ الغرفة. “هل أنتِ بخير؟!”
اقترب مني بخطوات حادة، وكأن أي مسافة بيننا إهانة لقلبه في تلك اللحظة.
اقترب ليونارد بسرعة… خطواته كانت سريعة، متوترة، كأنها تدوس على قلبي قبل أن تدوس على الأرض. الباب لم يُفتح، بل اندفع كأنه لم يحتمل ثقل يديه عليه، والهواء البارد الذي دخل معه جرف شيئًا من سكون الغرفة، ليتركني في دوامة من الضوضاء.
“أوريانا! أوريانا، هل أنتِ بخير؟!”
صوته اخترقني. كان صوته قويًا لدرجة أنه ارتد داخل رأسي مثل صدى الرعد، جعل أذني تؤلمانني للحظة، وأفكاري تختلط ببعضها.
حتى لو كنت بخير قبل لحظة، الآن — بسببه هو — لم أعد بخير على الإطلاق.
لم أرغب حتى أن أنظر في عينيه. لم أرغب أن أجيبه.
ببطء، كأن كل حركة في جسدي تتطلب مجهودًا هائلًا، أدرت وجهي بعيدًا، ظهري لوجهه، تاركة شعري يتساقط مثل ستار بيننا.
شعرت بعينيّ تُثقلان من التعب، وقلبي يغلي، لكن… لم أتكلم. لم أملك طاقة للكلام. ولا حتى طاقة للتمثيل بأنني مهتمة بما يقول.
في النهاية… عدت. عدت إلى هذا المكان. لكن لماذا؟
هل هذه حياة حقيقية؟ أم أنني ما زلت غارقة في حلم؟ وأي حياة منهما هي الحقيقية أصلًا؟
هل عالمي الأصلي — حيث كنت بين سوه — هو الحقيقة؟ أم هذا المكان، حيث يُنادى اسمي القديم: أوريانا؟
تنفست ببطء. شهقت نفسًا قصيرًا ثم أطلقت زفيرًا ثقيلًا.
رفعت يدي المرتجفة قليلًا، أصابعها كانت ثقيلة كأنها تحمل جبالًا، ووضعت إصبعي على جسر أنفي، وضغطته قليلًا حتى يغطي زاوية عيني. حركة صغيرة جدًا… لكنها كانت محاولة يائسة لأوقف التفكير.
لكن التفكير لم يتوقف. بل أصبح أثقل… كأنه حجر وُضع على صدري.
أشعر أن عقلي يشتعل. أن جسدي فارغ كأنه قشرة ضعيفة. التعب يتسرب من كل خلية في جسدي.
لو أن الظلام ابتلعني مرة أخرى، لكان أفضل. أفضل من أن أعود هنا، وأرى وجوههم.
أفضل حتى من أن أبقى في عالمي الأصلي، عالقة بين صراعاته.
لكن… وسط كل هذا الغضب والإنهاك، كان هناك شيء صغير، مثل شرارة راحة باهتة.
فكرت في أنني سلّمت الشركة لجاي. على الأقل… لن تجرؤ تلك الكائنات القذرة على لمسها.
ومع ذلك… في داخلي، كانت هناك رغبة حادة. كنت أريد أن أرى أشكالهم عندما عرفوا الخبر.
كنت أريد أن أرى الارتباك يتلوى على وجوههم. أن أرى الغضب وهو يأكل ملامحهم. أن أرى كيف ستنهار أقنعتهم، لتظهر وجوههم الحقيقية.
لكن ليونارد لم يصمت. لم يرَ — أو لم يفهم — أن كل كلمة منه كانت تثقلني أكثر.
اقترب أكثر، حتى شعرت بظله يغطي وجهي.
“أوريانا، لماذا لا تجيبين علي؟” صوته كان أقرب هذه المرة، لكنه ما زال يحمل ذاك القلق الحاد… القلق الذي يُخرج صوتًا أقوى من اللازم.
“حقًا… أحتاج إلى الصمت. لا أحتاج إلى المزيد من الصوت.”
كان كل شيء فيّ متعبًا… حتى أفكاري، حتى قلبي، حتى أنفاسي.
وكل حركة منه — صوته، خطواته، اقترابه — كانت كالعاصفة داخل رأسي.
يومها، حين انفتح الباب ودخلت تلك الكائنات التي تُسمّى — مجازًا — “عائلتي”، غمر الغرفة شعور خانق… شعور الغريب الذي يقتحم حياتك وهو يتظاهر أنه أقرب الناس إليك.
والآن، وأنا في هذا القصر، المشهد يتكرر. حتى لو اختلفت الأسماء، حتى لو تغيرت الملامح… الشعور ذاته يعود، يلتصق بي، يخنقني.
بجدية… كأن الحياة — أو القدر — لا يعرف سوى إعادة نفس الدروس، نفس المآسي، نفس الطعنات.
كان واضحًا بالنسبة لي أن الموقف هنا سيتكرر. أن الوجوه ستقترب، الكلمات ستتساقط مثل شفرات باردة، وستكون هناك أيادٍ تُمدّ، ليس لتساعدني على النهوض… بل لتدفعني أعمق في السقوط.
لا أرغب في نيل الحب. ولا أبحث عن المحبة.
بل حتى فكرة “التقبّل” أصبحت ثقيلة، كأنها شيء غريب عليّ لا أعرف كيف يُحمل.
لذا… لا يهم.
لا يهم إن داسوا عليّ هنا أيضًا. لا يهم إن طعنوني أو سحقوني أو جرّدوني من أنفاسي.
تمامًا كما فعلت تلك “العائلة” هناك — تلك التي يُفترض أن أسميها عائلتي، والتي تربطني بها خيوط الدم فقط.
خيوط دم… أصبحت الآن مجرد حبال تخنق، لا روابط تجمع.
في ذلك الوقت… في غرفة أوسكار.
الغرفة لم تكن غرفة… بل كانت فوضى متجسدة. الأوراق مبعثرة في كل زاوية — جداول، مخطوطات، تقارير طبية، أبحاث كتب عليها بخط متعجل… كأن العقل الذي كتبها كان يحترق من الداخل. الكتب مفتوحة على صفحات عدة، بعضها ملقى على الأرض، بعضها على الطاولة التي بالكاد ترى سطحها من تحت هذا الركام.
وفي وسط هذه الفوضى… كان أوسكار.
يجلس متكئًا على الأريكة كأنها تحمله بالكاد، كأنها تخشى أن ينهار معها. في يده كأس نصف ممتلئ — أو نصف فارغ، من يدري — وكان يرفعه إلى شفتيه مرارًا بلا توقف. الشراب يلامس حلقه لكنه لا يروي شيئًا.
عيناه… يا إلهي، عيناه. الدوائر السوداء تحتها لم تكن مجرد أثر لسهر، بل حفرة من الألم، كأن كل دقيقة مرت منذ ذلك اليوم حفرت خطًا أعمق.
تمتم بصوتٍ مخنوق، بالكاد يسمعه الهواء في الغرفة:
“بجدية… ما الذي يجري؟”
رفع كأسه قليلًا، نظر إلى السائل الداكن داخله، ثم ضحك ضحكة صغيرة، قصيرة، ضحكة لا فرح فيها… بل مرارة.
“لماذا… أنا أقوم بهذا في كل مرة؟”
ابتلع جرعة أخرى، وأغمض عينيه للحظة.
كل ما كان يشعر به فراغ. فراغ يأكل داخله ببطء، ينهش عقله حتى يكاد ينفجر.
“عقلي… سينفجر.” همسها بين أسنانه، كأنه يعترف للهواء بخطيئة يعرف أنه سيكررها.
رفع يده إلى رأسه، ضغط بأصابعه على صدغيه حتى شحب جلده تحت الضغط. “لا أعرف من أنا… أو أين أنا.”
شعور غريب بالتيه، كأن روحه تتآكل. ليس موتًا فجائيًا، بل تحلل بطيء، مؤلم، يتركه حيًّا ليتذوق كل ثانية منه.
لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا. شيء واحد يعرفه رغم هذا الفوضى، رغم فقدانه لإحساسه بذاته.
ذلك المشهد. عندما رأى ذلك الشخص ذو الشعر البنفسجي يبصق الدم.
اللحظة التي انشق فيها العالم داخله.
شعر بانكسار. صدع عميق في صدره، كأن قلبه كُسر مرتين في الوقت نفسه. شعر أنه يفقد شيئًا عزيزًا عليه — شيء أثمن من أن يوصف، شيء لم يعرف حتى أنه يملكه… حتى بدأ يفقده.
الصداع الآن يفتك به. يضغط على جمجمته كما لو أن أحدهم يطحنها من الداخل.
غرس أوسكار أظافره في الورق أمامه، حتى ترك أثرًا عليه، وكأنه يتمسك بالعالم لئلا ينفصل عنه تمامًا.
“أريد أن أراها.” صوتٌ أقرب للأنين من أي شيء آخر.
“أريد… رؤية ملامحها.”
لكن الجملة التالية خرجت كطعنة:
“ولا أستطيع.”
رفع رأسه قليلًا، نظر إلى الفوضى حوله، ثم إلى الفراغ أمامه. كان هناك سؤال وحيد يتردد داخله — سؤال كان يخشاه لأنه لا يعرف إن كان يريد الإجابة.
ChatGPT said: في تلك اللحظة… دوى صوت طرقٍ حاد على الباب.
“خبط، خبط…”
وصوت الخادم ارتجف قليلًا خلفه، لكن كلماته خرجت ثابتة: “سيد أوسكار… سيدي، سـأدخل. أخبرني السيد ليونارد أن أُبلغك… أن الآنسة أوريانا قد استيقظت. ويقول لك أيضًا أنني أُخبرك فقط لتعلم. إن أردت المجئ… فأهلاً وسهلاً. وإن لم ترد… فسيكون ذلك أفضل من أن تُسبب لها إزعاجًا.”
كلمات الخادم بقيت معلقة في هواء الغرفة… مثل صفعة.
“ما هذا الكلام…؟” مرّ الصوت في رأس أوسكار ببطء، كأنه لا يصدق.
أهكذا يتحدث الأخوة لبعضهم؟ سؤال مرّ مثل سكين صغيرة، لكنه لم يجرح فقط… بل كشف الجرح القديم تحته.
أوسكار ظل صامتًا للحظة. جسده ثقيل من التعب، من الشراب، من الصداع الذي يأكل رأسه، لكن هناك شيء في داخله تحرك — شيء يشبه شرارة صغيرة.
“لكن… أين يمكن أن أذهب؟” فكّر، وهو ينظر إلى الفوضى من حوله.
“لأني… أعلم أن تلك الفتاة… عزيزة علي.”
الكلمة خرجت من عقله ثقيلة، لكنها صادقة.
“هذا ما أشعر به…”
ثم أكمل بصوت خافت لم يسمعه إلا هو:
“إنها… غالية علي. جدًا. جدًا أيضًا.”
شعر بارتباك داخلي من هذا الاعتراف، لكنه لم يُحاول الهرب منه.
“سأذهب إليها… وسأحافظ على هدوئي… حتى أكتشف من أنا… أو ما الذي يجري بداخلي.”
وقف ببطء. الكرسي أطلق صريرًا خفيفًا. التقط سترته — السترة التي ألقاها على الكرسي منذ أيام — وبدأ يرتديها بحركات بطيئة لكنها حازمة.
كانت يده تشد الأزرار وكأنها تُحاول أن تُثبت شيئًا أكبر من القماش… شيء في داخله.
لكنه لم يُكمل.
“خبط.” الباب انفتح قبل أن يصل إليه.
وصوت أنثوي ناعم، لكنه بارد بطريقة ما، دخل الغرفة قبل صاحبه:
“أخي أوسكار، سأدخل.”
ظهرت فيكتوريا.
شعرها الأحمر اشتعل تحت ضوء الغرفة، وعيناها الخضراوان تحدقان فيه وكأنهما تعرفان أكثر مما تقول.
ابتسمت ابتسامة صغيرة، وقالت: “أخي… هل سمعت؟ لقد استيقظت أوريانا.”
في تلك اللحظة…
شعر أوسكار بشيء غريب.
وخز خفيف في جسده — لكن لم يكن مجرد وخز. كان رفضًا. نفورًا حادًا، كأن جسده كله صرخ فجأة: “ابتعد.”
“ما الذي يجري…؟” سأل نفسه بصوت داخلي ثقيل.
“لماذا أشعر هكذا؟”
شعر أن كل خلية في جسده تنفر من تلك الفتاة الواقفة أمامه.
نظر إلى شعرها الأحمر، عينيها الخضراوين، ابتسامتها، وكل شيء فيها كان يثير شعورًا مبهمًا… شعورًا لم يعرف إن كان كراهية، أو خوف، أو الاثنين معًا.
“ولكن… من هي؟”
لم يعرف. لم يتذكر.
كل ما عرفه هو هذا الإحساس الغريب، هذا النفور الذي جعل أصابعه تتصلب على طرف سترته.
“أفضل… أن أبتعد عنها.”
هذا ما استقر في رأسه في النهاية.
“بما أني لا أذكر شيئًا… وبما أني لا أدري من هي… فلا جدوى من الاقتراب. ولدي شعور سيء… سيء جدًا نحوها.”
كانت الفكرة الأخيرة التي دارت في ذهن أوسكار قبل أن يزفر ببطء، زفرة ثقيلة جعلت صدره يهبط ببطء، كما لو كان يحمل جبلًا داخله. مد يده وسحب سترته من ظهر الكرسي… القماش احتكّ بأصابعه المرتعشة قليلًا، كأنه يذكره بأن عليه أن يثبت أمام الجميع حتى لو كان عقله ينهار.
“عن إذنكِ… سأذهب الآن. أريد رؤيتها.”
قالها بصوت منخفض لكنه حاد، كأنه يشقّ الهواء. خطواته على أرض الغرفة أحدثت صدى مكتومًا؛ كل خطوة بدت أبطأ مما ينبغي، لكنها ثابتة، ثقيلة كأن الأرض تجذبه لأسفل.
مرّ بجانب فيكتوريا… كان بإمكانه أن يشعر بثقل نظرتها على كتفه، كأن عينيها كانت تخترقان جلده. شيء في حضورها أشعره بوخز بارد على طول عموده الفقري.
اقترب من الباب، أصابعه التقطت مقبضه البارد، وبمجرد أن همّ بالدوران—
“مذهل.”
توقّف. الكلمة شقت الصمت مثل سكين، أوقفت حركته تمامًا.
أدار رأسه ببطء. كانت فيكتوريا تقف هناك، نفس الملامح الهادئة… لكن هناك شيء مختلف.
“حقًا مذهل.”
ابتسامة صغيرة بدأت تتشكل على شفتيها، ليست ابتسامة دفء… بل ابتسامة تلتهم.
“لم أرَ شخصًا استطاع استعادة تركيزه… أو حتى جزءًا من وعيه… بعد أن سُلِبَت روحه.”
كلماتها ضربته في صدره مثل موجة باردة.
“أنتِ…”
خرج صوته كهمس ثقيل، أشبه بأنين حجر يُسحق. عيناه ضاقتا، حواجبه انكمشت، وكل جزء من ملامحه بدأ يتصلّب.
“كيف… عرفتي؟”
الابتسامة على وجهها اتسعت. وما كان سابقًا قناعًا من براءة مصطنعة… تحطم.
ضَحِكَت — ليست ضحكة عالية، بل ضحكة صغيرة، مُجرَّدة من الفرح. ضحكة كأنها تقول: الآن لم أعد مضطرة للتمثيل.
“لأني… أنا من فعلت ذلك، عزيزي أوسكار.”
الغرفة تغيّرت. الهواء أصبح أثقل. كأن شيئًا غير مرئي ضغط على صدره.
“روحك… لم تعد كاملة إليك. ولهذا… لا تتذكر.”
“أنتِ…”
هذه المرة قالها أوسكار بصوت أعمق… غضب مكبوت يتسرب مع كل حرف. عيناه احمرّت أطرافهما، وعضلات فكه تصلّبت.
اقترب خطوة منها… لكنها خطوة محسوبة — فيها تهديد، لكنها محمّلة بتردد.
“ماذا فعلتِ بي؟!”
“ما رأيك أن أخبرك كل شيء؟”
خطت خطوة نحوه هي الأخرى. كعب حذائها أحدث نقرة خفيفة على الأرض، صوتها تردّد في الغرفة رغم خفّته… وكل خطوة منها بدت كأنها تسحب الأوكسجين من المكان.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات