أدار رأسي تلك اللحظة تلقائيًا، نظرت إليه بنظرة تحمل كل السنين التي تم استغلالي فيها، كل الدماء التي نزفتها على الطرقات وحدي، كل لحظة بكيت فيها في الظلام دون أن يمدّ أحدهم يد العون.
ورفعت يدي الأخرى – اليد غير المصابة – بسرعة برق، وصفعته.
كلماتي خرجت بثقل… لكنها لم تكن تصرخ، بل كانت حازمة… تقطع الهواء كالسكاكين.
الصمت ملأ الغرفة. الكل تجمّد، لم يتوقع أحد أنني سأجرؤ… لكنني فعلت. اقترب والدي… أو بالأحرى، ذلك الرجل الذي كان يُسمى في حياتي بـ “أبي”، بخطى باردة، ثقيلة كأنها تمشي فوق صدري.
لم أتحرك.
كان داخلي يصرخ، لكنني كنت أكبت كل شيء… إلى أن مد يده نحوي فجأة.
أصابعه قبضت على ملابسي عند عنقي… وشدني بقوة، قسوة لم تراعِ ألمي، لم تراعِ المحاليل في يدي، ولا جسدي المكسور.
شعرت بالجلد يُسحب من أسفل عنقي، وشريط الإبرة الطبية ينزلق بعنف من ذراعي. آه، الألم… الألم الصامت، كان أشبه بتمزيق عروق داخلي.
المحلول تمزّق من جلدي، وبدأ الدم ينساب ببطء على السرير الأبيض، يلطّخه كأنه يشهد على الجريمة.
صوته كان قاسيًا، ينفجر من صدره كالرعد:
“سوه! كيف تجرؤين على مدّ يدك على أخيك؟!! عودي إلى رشدك الآن… قبل أن أفقد صوابي!!”
ثم دفعني بقسوة! جسدي المكسور ارتطم بالسرير من الخلف، شعرت بأن كل قطعة عظم داخلي تصرخ من وجعها، وكأن الهواء نفسه لفظني.
شهقتُ… شهقة قصيرة، خرجت من رئتين لا تملكان القوة حتى للرفض.
وفجأة… يد أخرى، مختلفة.
جاي.
كان قد اندفع نحونا، وجهه يشتعل بغضب لا يُحتمل.
قبض على معصم والدي، شدّه بعيدًا عني، صوته خرج من بين أسنانه:
“تتوقف عن ذلك… هل جننت؟ هل تضرب فتاة مريضة؟!”
لكن في تلك اللحظة، كانت تشاه قد وصلت هي الأخرى، تركض نحونا، وجهها مرعوب، عيناها تتفجران قلقًا:
“سوه!!!”
نادتني، وكأن الصوت وحده كان طوق نجاة.
لكن ما إن حاولت التقدم نحوي، حتى انقض يونجون من الجهة الأخرى. دفعها بكل برود، كما يُبعد قمامة عن الطريق.
“لا نحتاج متطفلين آخرين… يكفينا واحد.”
تشاه طارت بجسدها النحيل نحو الجدار، رأسها ارتطم به بقوة، ثم سقطت على الأرض.
كل شيء بدا كما لو كان بطيئًا…
أصبحت أنا… جسدًا بلا قوة، لكن عينيّ تراقبانهما.
جاي، العالق بيني وبين تشاه.
كان يقف، مضطربًا، بين خيارين كلاهما يخصّ قلبه: أن يركض إليّ؟ أم إلى تشاه؟
لكن لحظة…
أنا أحاول النهوض. يدي ترتجف، قدميّ بالكاد تستجيبان، لكني أريد أن أرى، أريد أن أعرف إن كانت بخير.
نظرت.
تشاه كانت تنزف. دمٌ يسيل من رأسها… قطرات حمراء على وجهها الأبيض، وأصابعها المرتجفة تمسحها دون وعي.
لم أعد أحتمل.
عضضت على شفتي بقوة، كأنها آخر جدار بيني وبين الانهيار.
“أنتم… ما الذي تريدونه مني؟!!”
صرخت.
صرخة خرجت من عمق سنين من الألم… صرخة من فتاة كتمت كل شيء… صرخة انكسرت فيها داخلي، وسقطت الأقنعة.
الدموع انهمرت فجأة، دون إذن.
لم أعد أقاوم.
لأول مرة… بكيت.
لأول مرة… بكيت.
بكيت بغزارة، بصوتٍ مبحوحٍ، بأنفاسٍ متقطعة، كأن كل شيء في صدري انفجر.
حتى في الماضي… عندما كانت خيانتهم تُقتلني كل يوم، لم أبكِ.
لكن الآن… أن يُضرب جاي أمامي… أن تُدمى تشاه لأجلي… أن يُمزق جسدي المكسور من رجلٍ يدّعي أنه والدي…
كل ذلك…
كان أكثر من أن يُحتمل.
شعرت أنني وصلتُ إلى حافة الهاوية… أنّ كل شيء داخلي قد انكسر، وأنّ أي لمسة أخرى، أي كلمة، أي نظرة… كفيلة بأن تسحقني تمامًا.
ثم… صرخت.
صوتي خرج كالسيف، مجروحًا، مرتعشًا، لكنه مسموم بالألم:
“أنتم!! ما الذي تحاولون فعله بحق الجحيم؟!! لماذا… لماذا تحاولون أخذ كل شيء أحبّه؟ لماذا تؤذون كل شيء يخصّني؟ ما هو هدفكم؟!!”
الكلمات كانت كالرصاص… لا تصيبهم وحدهم، بل تمزقني أنا من الداخل.
كنت أرتجف. أحاول جاهدًة أن أرفع يدي، أن أمسح دموعي… لا أريدهم أن يروني هكذا. لا أريدهم أن يروني ضعيفة، منهارة… كما كانوا يريدونني دومًا.
لكن… لم أستطع.
كانت الدموع تنهمر بغزارة، تحرق وجنتي، تختلط بالدم على يدي، وكأن جسدي كله يتحدث عن ألمه، عن قهره.
فجأة…
دخل الأطباء. خطواتهم السريعة، أصواتهم المرتفعة، أبواب تُفتح بعنف.
“ما الذي يحدث هنا؟!” قالها أحدهم بحدة، وهو يتقدم نحونا، يحدق في الوضع بعينين مرتابتين.
جاي لم ينتظر ثانية. تقدم خطوة، وأشار بيده المرتجفة نحو والدي – أو من يُفترض به أن يكون كذلك:
“أيها الطبيب، هذا الشخص حاول إيذاء المريضة! انظر إلى المحاليل… إلى يدها… إلى النزيف! إلى كل شيء! إنه عنيف! ليس هذا طبيعيًا!!”
اقترب الطبيب بخطوات حذرة، ملامحه تزداد حدة، ثم نظر إلى سلك المحلول الممزق، وإلى الدم على كُم قميصي، ثم نظر إليّ…
عينيّ كانتا شبه مغلقتين. أنفاسي متقطعة، أسمع أصواتهم كما لو كانوا يتحدثون من تحت الماء.
“ما الذي تحاولون فعله؟!” صرخ الطبيب من جديد، وهو يوجه سؤاله إلى والدي: “هذا ليس منزلكم! هذه مشفى! وهذه فتاة مصابة! من سمح لكم؟!”
لكن الرجل… اكتفى بنظرة ازدراء، ونفث كلماته كما لو كان يبصقها:
“وما شأنك أنت؟ أنا… أربي ابنتي. أفعل ما أراه مناسبًا. هذه شؤوني العائلية، وأنت لا تتدخل!”
ظلت الأصوات تتصاعد… لكنها أصبحت بعيدة عني.
كأنني انسحبت من المشهد… كأنني خرجت من جسدي…
رأسي يدور. عينيّ ترى كل شيء ضبابيًا، كأن الضباب ليس في عيوني بل في العالم كله. الأصوات تختلط… الطبيب، جاي، تشاه، صراخ، خطوات… كلها تصير كتلة من الضوضاء.
لم أعد أسمع بوضوح. لم أعد أميّز من يتكلم.
كل شيء كان ضبابيًا، أصواتٌ تتلاشى، وصرخاتٌ تبتلعها الجدران.
كل ما كنتُ أشعر به… هو الفراغ.
فراغٌ صامت، خانق، لا يحمل لا دفئًا ولا برودة… كأنني كنت عالقة بين اليقظة والعدم، بين الحياة واللا شيء.
وفجأة، وسط العتمة الخافتة داخل رأسي، شقّ صوتٌ ما الصمت:
“يا آنسة… آنسة سوه؟”
ترددت الكلمات في رأسي أولاً دون أن أفهم معناها… لكن شيئًا ما – ربما بقايا وعي أو صدى مكسور لنبض الحياة – جعلني أفتح عيني ببطء.
رأيت وجهًا مألوفًا يقترب مني… الطبيب. كانت ملامحه مشدودة، مزيجًا من القلق والصرامة، وعيناه تبحثان عن تركيز في نظرتي الضائعة.
“آنسة سوه، سأقوم بإخراج الجميع من هذه الغرفة. لن أسمح لهم بإزعاجك أكثر، ولا أن يسببوا أضرارًا أخرى داخل المشفى.”
توقفت أنفاسي للحظة. هل انتهى الكابوس… أم أننا لا نزال في منتصفه؟
ثم أشار إلى فتاة كانت تقف خلفه… ملامحها لم تكن واضحة أولًا، لكنني ما إن حدقت أكثر حتى رأيتها.
هيونا.
“لكن هذه الفتاة،” قال الطبيب وهو ينظر ناحيتها، “قالت إنها تريد أن تتحدث معك… تسأل فقط، هل تسمحين لها؟”
نظرت إليها.
كانت نظرتي فارغة تمامًا. لا غضب، لا شفقة، لا حزن… لا شيء.
كأن كل المشاعر التي فيَّ قد نزفت مع الدم الذي سال من يدي. كأنني لم أعد بشرًا… بل شيء محطم، بلا هوية ولا رغبة.
أما هيونا، فكانت تبكي.
وجهها مُنهار، وعيناها تلمعان بندمٍ لا أعلم إن كان حقيقيًا… أم جزءًا من مسرحية.
“أعلم…” قالت بصوت متهدج، “أعلم أن أبي وإخوتي… أخطأوا. لكن… أنا فقط أريد أن أتحدث مع أختي. أريد أن أعتذر… هل هذا كثير؟ هل هذا سَيء؟”
كلماتها سقطت في الفراغ من حولي. لم تصل إلى قلبي، لم تحركني. شعرت وكأنني أسمعها من خلف زجاج سميك.
ثم ابتسمت بسخرية داخليًا.
هل تحاول الآن أن تظهرني وكأنني الأخت القاسية؟ كأنني أنا من ترفض لمّ الشمل؟ كأنني أنا الجانية وهم الضحايا؟
قبض جاي على يده بقوة. أنامله انكمشت وكأنها تمنعه من التصرّف. ثم أطلق تنهيدة طويلة، تلك التي تحمل من الغضب أكثر مما تحمله الكلمات.
“تسك…” نطقها وهو ينظر بعيدًا، ثم عاد ونظر إليّ.
نظرةٌ سريعة، لكنها مليئة بالصدق.
ثم… أومأ برأسه رافضًا. إيماءة صامتة، لكنها كانت تحمل ثقلًا… كأنها تقول: “لا تثقي، لا تنخدعي، لا تسمحي لهم بأن يخترقوا ما تبقى منك.”
لكنني نظرت إلى هيونا مباشرة، وبصوت هادئ، جاف… لكنه واضح، قلت:
“بالطبع يمكنك البقاء.”
ثم، وكأنني أُفرغ شيئًا داخل صدري، أكملت بسخرية ناعمة:
“هل تريدين أيضًا أن أُخرج صديقي من الغرفة لتتكلمي بحرية؟”
تغيرت ملامحها للحظة… بدت وكأنها لم تتوقع تلك الكلمات، ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة مهذبة، مكسورة بعض الشيء:
“أجل… من فضلك.”
يا للوقاحة الهادئة… هل عليّ أن أُهيّئ لكِ الجو المثالي لتعتذري لي؟ لتحصلي على راحتك النفسية بينما أنا غارقة في ندوب لا تُحصى؟
لكنني لم أقل شيئًا. فقط التفتُّ قليلًا إلى جاي، الذي تنهد، ثم همّ بالخروج.
في تلك اللحظة، دخل أخواي، يونجون وهاجون، كأنهما يستشعران أن شيئًا لا يسير كما ينبغي.
قال يونجون، بصوته القلق الذي لم أعتده منه إلا عندما يُخفي نفاقًا:
“هيونا… هل ستكونين بخير؟ قد تؤذيكِ…”
تبعه هاجون، بصوت يشبه الهمس:
“نعم… لا نعلم ما إن كانت قد تستشيط غضبًا مرة أخرى.”
أوه، حقًا؟! هل أنا من يُشك في تصرفاتي الآن؟ أنا التي أُضرب، أُدفع، أُسحب من عنقي، ويُقطع محلولي فأنزف؟ أنا التي على السرير، بالكاد أتنفس… ومع ذلك، أنتم قلقون عليها؟! عليها هي… التي لم تُمس، التي تقف بكامل قواها أمامي، تذرف دموعًا مرتبة وتطلب العفو كأنها تشتري به البراءة؟!
قالت هيونا، بلطف هادئ وابتسامة مطمئنة:
“لا تقلقا، سأكون بخير.”
بالتأكيد ستكونين بخير، يا هيونا. لأنكِ لستِ في مكاني.
ثم قلت في داخلي:
“بجدية؟ هل هما قلقان من أن أوذيها؟ أنا… الشخص الذي على السرير، الذي يعاني، الذي تكسّر من الداخل والخارج.”
أنا… التي هي أختهما من الأب والأم. أما هي… فهي فقط ابنة زوجة أبي.
لكنني سرعان ما أغلقت تلك الدوامة داخلي.
لا يهم. لا شيء يهم بعد الآن. لا دموعهم، لا أعذارهم، لا تلك العلاقات المتعفنة التي يسمونها دمًا. أنا… لا أهتم لشيء.
خرج الجميع من الغرفة، أُغلِق الباب خلفهم بصوت خافت، لكنه بدا في أذني كضربة مطرقة على نعش. ظللنا وحدنا… أنا وهي. هيونا.
كانت الغرفة هادئة… هدوءًا خانقًا. الأجهزة ما زالت تصدر طنينها الرتيب، والضوء الخافت جعل ملامحنا تسبح في ظلال ثقيلة.
نظرت إليّ… تغيرت نظرتها فجأة. كأن قناعًا سقط. كأنها لم تكن تبكي منذ لحظات… بل كانت تتسلى فقط.
شفتاها ارتفعتا بابتسامة صغيرة، تلك الابتسامة نفسها التي رأيتها في لمح البصر… تمامًا قبل أن تدفعني نحو الشاحنة.
“آه، سوه… أتدرين كم كنت قلقة عليكِ؟” قالتها بنعومة متقنة… نغمة مصطنعة كأنها تخرج من ممثلة سيئة.
نظرت إليها ببطء، سخريتي تقطر من عينيّ:
“صحيح… هل القاتل يقلق على قتيله؟ هذا شيء لم أكن أعلمه من قبل، غريب حقًا.”
ضحكت هيونا بخفة… وكأنها تسمع نكتة من طفل.
“هاه، إذًا أنتِ تتذكرين ما حدث قبل الحادثة؟ تصفينني بالقاتلة؟ هذا كثير حقًا. كل ما فعلته هو دفعي لك، أهذا يُعد قتلًا؟”
البرود في صوتها… لم يكن برودًا فقط، بل تواطؤًا مع الشر. كأنها لا ترى فيما فعلته شيئًا سوى لعبة خاسرة انتهت بسوء حظي.
شعرت بعضٍّ داخلي يمزقني، عضضت على شفتي حتى كدت أُدميها، وقلت بصوت مخنوق، مليء بالذعر والغضب:
“هل… تمزحين الآن؟ يا هذه… هل تمزحين؟!”
ثم اقتربت خطوة… كأنها تثبّت الخنجر أكثر في الجرح.
قالت، ببرود كأنها تحكي لي عن نزهة صباحية:
“أتعلمين…؟ كنتُ أضربك في كل زيارة. كنتُ أحرص على أن يخرج الجميع، ثم أوجه الضربات نحو رأسك – بالضبط – لأتأكد أنكِ لن تتذكري شيئًا. لكن يبدو… أنكِ لم تنسي.”
ارتجفت أنفاسي.
لم أستطع التحدث. شيء ما في صدري كاد ينهار.
هي لم تأتِ لتعتذر… لم تأتِ لتبكي أو تتوسل. جاءت فقط… لتتأكد. هل نجحَت؟ هل نسيتُ؟ هل ما زلتُ تلك الساذجة التي تبتلع ابتسامتها المزيفة؟
ثم انحنت قليلاً، ونظرت إلى عينيّ مباشرة، وقالت ببرود:
“ما رأيكِ أن تنسي كل ما قلته الآن؟ لو لم أفتح فمي… كنتِ ستظلين ساذجة، تحاولين عبثًا أن تحصلي على حب العائلة.”
في لحظة… شعرت أن كل شيء بداخلي يتمزق، لكنني كنت ثابتة.
ثابتة… لأنني لم أعد أريد شيئًا منها. ولا منهم.
“ما رأيكِ بهديةٍ بمناسبة استيقاظك؟ سأقول لك عن حقائق لم تعرفيها بشأن عائلتك.”
قالتها هيونا بصوت هادئ، رقيق أكثر من اللازم، كأنها تختار كلماتها كما يختار القاتل سلاحه… نبرة مغلفة بالود لكنها مشبعة بالسم.
اقتربت خطوة للأمام. وجهها لم يكن يحمل أي توتر… فقط تلك الابتسامة الباردة الهادئة التي تُنذر بالخطر.
“ألم تلاحظي الشبه بيني وبين أبوكِ؟”
رفعتُ حاجبي ببطء، ونظرت إليها بسخرية لاذعة… عينيّ نصف مغمضتين، شفتي مائلة إلى الأعلى في تهكمٍ واضح، ورددت بصوت ميت المشاعر لكنه حاد:
“إن كنتِ تقصدين الشبه في القذارة، فقد لاحظتُ.”
ضحكت هيونا، ضحكة صغيرة، ناعمة، لكنها ليست بريئة. كانت أقرب إلى همسة ثعبان.
“تؤتؤتؤتؤ، ليس هذا ما أقصده.” مالت برأسها قليلًا إلى الجانب، ورفعت يدها تشير إلى شعرها وعينيها. “أقصد شبه الشكل. انظري، ما لون شعري وعينيّ؟ إنهما مختلفان عن والدتي، أليس كذلك؟”
نظرتُ إليها مجددًا… ببطء، بعين باردة، لكنها مدققة. شعرها أسود … عيناها سوداتان، على عكس أمها ذات الشعر الأشقر والعين العسلية.
كأن ذهني يحاول ربط النقاط… رغم أني أقاوم.
“حسنًا، سأقول لك.” نطقتها وقد لمعت عيناها، وكأنها انتظرت هذه اللحظة طوال حياتها.
“أبي وأمي كانا يُحبان بعضهما قبل أن يتزوج أبوك أمك. كانا معًا، يعيشان، لكن لم يتزوجا… بسبب فقر والدي، الذي لم يستطع الزواج من أمي لأن عائلتها سترفضه.”
كلماتها كانت كحجر يُلقى في بركة راكدة… بركة كنت أظن أنها مليئة بالطين فقط، لكنها في الحقيقة كانت أعماق سامة.
“لكن أبي فكّر بشيء… وبدأ بالتقرّب من أمك، واستعطافها. لا أعرف كيف بالتفصيل، لكن في النهاية… تزوّج والدتك، وأنجبكِ أنتِ وأخواكِ.”
كنت أستمع، بلا رمشة عين. يداي ترتجفان تحت الغطاء، أنفاسي بطيئة، لكنها ثقيلة وكأن صدري صار حجرًا.
“وأنا… وُلدتُ من والدتي بعدكما، وكنتُ الطفلة من حبه الأول.”
قالتها بابتسامة غريبة… فيها فخر، فيها نصر، وكأنها تقول لي: “أنا الحقيقة، وأنتِ مجرد عرض جانبي.”
“فهذا يجب أن يجيب على سؤالك إن كنتِ سألته قبل اليوم… لماذا يحبني أبي أكثر منكِ؟” هنا، مالت بجسدها إلى الأمام قليلًا، نظراتها تُغرز في عينيّ كإبر.
“والسؤال الثاني… لماذا يحبّاني أخواكِ أكثر منكِ؟”
سكتت لحظة، ثم ابتسمت مجددًا… تلك الابتسامة المرة، التي لا تعرف البراءة.
“ببساطة… لأنهم مثل والدي، شهوانيون، ولا يفكرون إلا في مصلحتهم.”
في هذه اللحظة، ضاق صدري كأن الغرفة تنكمش. تخيلت الهواء حولي يتحول إلى زجاج، يكسرني كلما حاولت التحرك.
“لأنهم يظنون أنني ابنة زوجة أبيهم، أي لستُ أختهم… وأنا استخدمتُ هذا…”
قالتها وهي ترفع يدها، تلمس صدرها كما لو أنها تعلن انتصارها.
“لإغوائهم… والسيطرة عليهم… وجعلهم يقعان في حبي. أفهمتِ؟”
في هذه اللحظة،
ساد الصمت.
وجهي تحوّل إلى جليد.
عيني أصبحت زجاجية… لكنها تتلألأ بوميض جنوني.
حلقي جاف، أنفاسي مسنونة، وجسدي ساكن… لكنه يغلي من الداخل.
كانت الحقيقة أكبر من أن تُبلع. أكبر من أن تُهضم… كانت عفنة، صادمة، مخزية.
لكنها قالتها… بكل فخر.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 31"