رجلٌ في منتصف العمر، يرتدي بدلةً رسميّةً أنيقة، أخذ يتفحّص أختي بعينيه.
يبدو أنّه مسؤول عن نقل المواد.
“عليكم أن تتصرّفِ بوقاحةٍ أقلّ يا سيّدة سابينا، هل تعتقدون أنّني لا أعرف كم تكلّف الأعشاب والكواشف التي تطلبونها؟”
رسم الرّجل ابتسامةً ساخرةً وهو يواصل توبيخ أختي.
“لو كنتم تحقّقون نتائجَ ملموسةً لكان الأمر مختلفًا، لكنّكم لم تقدّموا أيّ حلٍّ فعّالٍ لمشكلة المخلوقات السّحريّة حتّى الآن، أليس كذلك؟”
“هذا…!”
“ومع ذلك، تستمرّين في طلب أغراضٍ باهظة الثّمن، أليس هذا قلّة حياءٍ مفرطة؟”
عبستُ بشدّةٍ حتّى تكوّنت تجاعيد بين حاجبيّ.
‘هذا ظلمٌ فادحٌ جدًّا!’
لم يمضِ نصف عامٍ على وصولي أنا وأختي إلى العاصمة.
في الوقت الحالي، لم يتمكّن لا المعبد الكبير ولا القصر الإمبراطوري من إيجاد حلٍّ لتزايد أعداد المخلوقات السّحريّة.
في ظلّ نقص الموارد والوقت، كيف يجرؤ على إلقاء اللّوم بهذا الشّكل؟
هل يمكن أن يكون هناك نقصٌ في الضّمير إلى هذا الحدّ؟!
حتّى قبل عشر سنوات، عندما عُدتُ بالزّمن إلى الوراء، لم يكن هناك حلٌّ لهذه المشكلة!
“على الرّغم من استهلاك أعشابٍ وكواشف باهظة الثّمن، لا توجد نتائج تُذكر… طبيبنا الخاصّ قلقٌ جدًّا بشأن هذا الأمر.”
“ولماذا يقلق الطّبيب الخاصّ؟”
“لأنّ طبيبنا الخاصّ يتفحّص جميع المواد التي تصل إلى هنا، فهو يمتلك معرفةً واسعةً جدًّا بهذا المجال.”
تحدّث المسؤول عن العربات وكأنّ المواد ملكه الخاصّ، منتفخًا بغرورٍ وهو يرفع رأسه بصلابة.
“عندما تُهدر ثروة عائلة الدّوق بهذا الشّكل، من الطّبيعي أن يقلق، أليس كذلك؟”
نظرتُ إلى أختي بنظرةٍ مليئةٍ بالأسى.
‘من المؤكّد أنّها كانت تخفي هذا الأمر عن أخي أدريان.’
حسب طباع أختي، من المرجّح أن تفضّل تحمّل الإهانة بمفردها بدلاً من أن يعرف أحدٌ بما تتعرّض له.
وحتّى أخي، ربّما لن يعرف أبدًا بالإهانات التي تتلقّاها أختي طوال حياته.
حتّى أنا، التي أعيش معها، لم ألاحظ شيئًا، فكيف الحال بغيري؟
لو أنّها فقط تكلّمت بصراحةٍ عن الصّعوبات التي تواجهها…
في تلك اللّحظة، أطلق المسؤول ضحكةً غريبةً وهو يتفحّص أختي من الأعلى إلى الأسفل.
“حسنًا، إذا طلبتِ السيّدة سابينا ذلك بلطفٍ وعذوبة، قد أتمكّن من جلب المزيد من المواد…”
ماذا؟
بينما كنتُ أنظرُ إلى هذا المشهد المروّع بفمٍ مفتوحٍ من الصّدمة،
أمسكت أختي بحافة تنّورتها بقوّة.
كانت مشاعرها مضطربةً لدرجة أنّ عظام يدها بدت بارزةً بيضاءَ تحت الجلد.
في الوقت نفسه، بدأت الطّاقة السّحريّة تهتزّ بعنفٍ متأثّرةً بانفعالاتها.
“إذًا، هل تقترح أن أكون أكثر… ماذا؟”
دَلْقٌ، دَلْقٌ!
بدأت الطّاقة السّحريّة التي تحمل إرادةً قويّةً في ضغط الهواء.
اهتزّت العربة المحملة بالأغراض الثّقيلة كما لو أنّها في قلب عاصفةٍ هوجاء.
“ما… ما هذا؟!”
حاول المسؤول إيقاف العربة بذعرٍ، لكنّه سرعان ما وجّه إصبعه نحو أختي بخوفٍ شديد.
“توقّفي فورًا، أيتها السّاحرة المرعبة!”
“…”
“سأستدعي الفرسان فورًا…!”
وقع المسؤول في حالة هلعٍ ورفع صوته عاليًا.
عندها، فتحت أختي فمها بهدوءٍ بارد.
“أنتَ مجرّد حمال، أليس كذلك؟ فلمَ لا تنزل الحمولة بدلاً من هذا الكلام؟”
رفعت أختي طرف شفتيها بابتسامةٍ ساخرةٍ شرسة.
“قبل أن تتدخّل في شؤون الآخرين وتثرثر دون جدوى.”
بعد أن رمقته بنظرةٍ حادّة، استدارت أختي بحركةٍ سريعةٍ تصدر عنها صوتٌ خفيف.
كانت خطواتها نحو القصر هادئةً وثابتةً كعادتها.
وكذلك كان تعبير وجهها، مرتبًا ومنضبطًا تمامًا.
…ربّما من أجلي.
لكي تبتسم لي وكأنّ شيئًا لم يكن.
شعرتُ بألمٍ في صدري.
لكن في تلك اللّحظة،
“ساحرةٌ كهذه تعالج ابن الدّوق الثّاني؟ هل هذا معقول؟”
يبدو أنّ كبرياء المسؤول قد جُرح بعد خوفه الشّديد، فصاح بصوتٍ عالٍ مزلزل.
“بسبب هذه السّاحرة، كم تعاني عائلة الدّوق دون أن يدركوا! حقًّا وقحة!”
ازداد صراخ المسؤول حدّة.
“كلّ هذا من أجل علاج قلب الأورا الخاصّ به! طبيبنا الخاصّ تلقّى تعليمه مباشرةً من المعبد الكبير!”
الطّبيب الخاصّ؟
فجأةً، أصغيتُ باهتمام.
بالتّفكير في الأمر، لم يتوقّف عن ذكر “الطّبيب الخاصّ” منذ البداية، أليس كذلك؟
وكأنّ هذا الطّبيب هو سندٌ له…
“يتركون مثل هذا الطّبيب الموقّر جانبًا، ويستمرّون في الاستماع إلى هذه السّاحرة… تسَك!”
بينما كان يواصل إهاناته بنبرةٍ غاضبة، نهض المسؤول بوجهٍ ممتعض.
ألقى بضع صناديق قليلة على الأرض بعنف،
ثمّ قاد العربة وغادر القصر على الفور.
وأنا،
‘يا له من أمرٍ مزعجٍ جدًّا!’
فركتُ الأعشاب بقدميّ الأماميّتين وصررتُ على أسناني بغضب.
يا إلهي، أن يصل الأمر إلى أن يتجرّأ خدمٌ على الإساءة بهذا الشّكل!
إلى أيّ مدى انتشرت هذه الأجواء التي تحتقر أختي داخل عائلة الدّوق؟!
‘بالتّأكيد، لا يمكنني أن أترك الأمر على هذا الحال.’
قرّرتُ. المهمّة الأولى التي يجب أن أقوم بها:
هي ضمان حصولنا على إمداداتٍ مناسبةٍ من المواد من عائلة الدّوق!
‘حسنًا، إذًا، الخطوة الأولى التي يجب أن أتّخذها…’
بينما كنتُ أخطّط في ذهني، رسمتُ ابتسامةً ماكرة.
لم يتبقَّ سوى يومين قبل زيارة أخي أدريان.
* *
في ليلةٍ حالكة،
كان مسؤول العربات يشكو بوجهٍ مليءٍ بالغضب.
“تلك السّاحرة هدّدتنا بسحرها!”
“يا لها من معاناةٍ كبيرةٍ مررتَ بها.”
ربتَ الطّبيب الخاصّ لعائلة الدّوق، غاري توراس، على المسؤول بعطفٍ ظاهريّ.
تجعّدت عيناه خلف النّظارات الشّفافة بنظرةٍ تعبّر عن الأسى.
في هذه الأثناء، رفع المسؤول صوته مرّةً أخرى.
“مع وجود طبيبنا الخاصّ، لمَ يصرّون على أن تعالجهم تلك الفتاة سابينا؟! ربّما أُغرِيَ أحدهم بجمالها…”
“كفى، توقّف عن هذا.”
هزّ الطّبيب رأسه.
“كيف تتجرّأ على قول مثل هذا عن ابن الدّوق الثّاني؟”
“آه، لقد أخطأتُ…”
نظر المسؤول إلى الطّبيب بذعرٍ.
ابتسم الطّبيب بعطفٍ ظاهريّ.
“لا بأس، فنحن هنا وحدنا، أليس كذلك؟”
“سيّدي الطّبيب…!”
نظر المسؤول إلى الطّبيب بعينين مليئتين بالامتنان.
ربتَ الطّبيب على كتف المسؤول بلطف.
“بما أنّك مررتَ بتجربةٍ صعبة، استرح قليلاً، سأرسل شخصًا آخر.”
“حسنًا!”
بعد أن هدّأ المسؤول وأرسله،
“همم، سابينا…”
تمتم الطّبيب بهدوءٍ وهو يمسح ذقنه.
“بالتّأكيد، لا يمكن الوثوق بمن يستخدمون السّحر…”
أولئك الذين يجرؤون على التّعدّي على حدود الإنسان ، مجرد كائناتٌ طفيليّة.
خلف النّظارات، برقت عيناه كعيني أفعى ببرودةٍ مخيفة.
* * *
بعد يومين،
عاد أدريان إلى العاصمة بعد غيابٍ طويل، وتوجّه إلى منزل سابينا وهو يشعر بقليلٍ من التّوتّر.
‘بالتّفكير في الأمر، لم أقابل سابينا منذ فترة.’
بسبب ازدياد المخلوقات السّحريّة مؤخرًا، كان مشغولاً بالتّعامل معها خارج العاصمة.
وربّما بذل جهدًا زائدًا…
ألمٌ حادّ.
فجأة، عضّ أدريان على أسنانه بقوّة.
شعر بألمٍ نابضٍ ينبع من أعماق صدره.
ليس من قلبه، بل من شيءٍ آخر.
إذا جاز التّعبير، كأنّ روحه تتشقّق.
كان هذا الألم ناتجًا عن إصابةٍ في قلب الأورا الخاصّ به.
كان هذا هو السّبب الذي جاء من أجله إلى سابينا اليوم.
بفضل مهاراتها السّحريّة الرّائعة، كانت قادرةً على علاج قلب الأورا بطاقتها السّحريّة.
لكن،
“آه…”
فرك أدريان جبهته بعصبيّة.
تألّقت عيناه الخضراء الدّاكنة بحرجٍ تحت خصلات شعره الذّهبيّ المبعثرة.
“إذا علمت أنّني أجهدتُ نفسي هذه المرّة، ستوبّخني بشدّة.”
السّاحرة ذات الشّعر البنفسجي التي التقاها بالصّدفة خارج العاصمة.
على الرّغم من أنّ أدريان لا يعرف الكثير عن السّحر، إلّا أنّه شعر بغريزته:
لا يجب أن يفوتها أبدًا.
لذلك، بذل جهدًا كبيرًا لإقناعها بالقدوم إلى العاصمة مستغلاًّ مهاراتها.
لكن،
‘من الصّعب جدًّا التّقرّب منها.’
كانت تنظر إلى النّاس بحذرٍ شديد، كما لو كان العالم خطرً قطّتها التي تحتضنها دائمًا.
حتّى أدريان، الذي يفخر بمهاراته الاجتماعيّة، وجدها صعبةً جدًّا.
‘لكن، على أيّ حال.’
كلّما جاء مصابًا بجروحٍ خطيرة، كان وجهها يعتم.
ربّما ليست بهذا السّوء في النهاية؟
‘…لكن هذه المرّة، سأُوبَّخ بشدّة، أو ربّما أكثر من ذلك.’
عندما تخيّل نظرات سابينا الحادّة، شعر بقشعريرةٍ في ظهره.
ابتلع ريقه، ثمّ طرق الباب.
طُقْ طُقْ.
“سابينا، أنا هنا.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات