“آه…”
كأنَّ ثقلًا يُثقل جسدي، لم أستطع تحريك إصبعٍ واحدٍ.
بعدَ جهدٍ، رفعتُ جفنيَّ بصعوبةٍ.
أوَّل ما رأتهُ عيناي كانَ شعرًا أرجوانيًّا متشابكًا على السرير.
كانتْ سابينا.
كانتْ نائمةً على السرير، يبدو أنَّها ظلَّت تراقب حالتي.
شعرتُ بدفءٍ في قلبي.
‘أختي.’
أختي العزيزة.
لا أزال أتذكَّر.
في عاصفة الثلج، كم كانتْ ذراعاها اللتين عانقتاني دافئتين.
كم كانَ حضنها دافئًا.
نعم، هكذا كانَ.
في ذلك الوقت، أنا…
‘أنقذتني سابينا.’
قطَّةٌ صغيرةٌ لا تتذكَّر وجه والديها أو موطنها.
لكنْ سابينا قبلتني دون تردُّدٍ، أنا التي لا مأوى لها.
جعلتني فاميليارها الوحيد.
“من اليوم، اسمكِ ميبيل.”
كانتْ لمستها على ظهري رقيقةً جدًّا.
“مستوحى من زهرة الربيع التي تتفتَّح أوَّلًا. ما رأيكِ، هل أعجبكِ؟”
كم كانَ صوتها الحنون حلوًا.
في ذلك اليوم، شعرتُ بحلاوةٍ في فمي دون أنْ أتناول حلوى.
بينما كنتُ غارقةً في ذكريات الماضي.
“همم…”
تسرَّبَ تأوُّه من بين شفتي سابينا.
نهضتْ ونظرتْ إليَّ.
شفاهٌ جافَّةٌ.
دوائر سوداء تحت عينيها.
كانَ واضحًا كم عانتْ من القلق.
‘ماذا أفعل؟’
شعرتُ بقلبي يهوي.
فجأةً، ركَّزتْ عيناها الحمراوان الضبابيَّتان.
“ميبيل!”
اندفعتْ سابينا نحوي.
“هل يؤلمكِ شيءٌ؟ هل تشعرين بضيقٍ؟ هل هناك ألمٌ أو وخزٌ؟”
تدفَّقتْ أسئلة القلق.
ابتسمتُ بمرحٍ:
“نعم، أنا بخير!”
عندما حاولتُ معانقتها، توقَّفتُ.
كانتْ يداي ملفوفتين بالضمادات.
‘آه.’
نظرتُ إلى جسدي وتنهَّدتُ داخليًّا.
‘آه.’
تذكَّرتُ كيف خُدشتْ يداي عندما سحبتُ اللوح.
رأيتُ لونًا أخضر خفيفًا على الضمادات، يبدو أنَّ هناك أعشابًا ومرهمًا تحتهما.
‘حسنًا، لا بأس.’
سيشفى مع الوقت.
هززتُ كتفيَّ ونظرتُ إلى سابينا:
“أنا قويَّة.”
“…”
“هذا سيشفى بسرعةٍ!”
بينما كنتُ أعلن بثقةٍ، تجمَّدتْ كتفاي فجأةً.
كانتْ سابينا تنظر إليَّ بتعبيرٍ لا يُوصف.
كيفَ أفسِّر هذا التعبير؟
شفقة، قلق، خوف…
…وخوفٌ من فقدان شخصٍ إلى الأبد.
فجأةً، مدَّتْ سابينا ذراعيها وعانقتني بقوَّةٍ.
“من فضلكِ، لا تجعليني قلقةً.”
تسرَّبَ صوتٌ مكتومٌ من شفتيها الجافَّتين.
ناديتُها مرتبكةً:
“أختي؟”
“هل تعرفين كم خفتُ؟ كم…”
كانَ صوتها الهامسُ مبلَّلًا بالدموع.
كانَ جسدها يرتجف قليلًا.
كانتْ تبكي.
…بسببي.
شعرتُ بقلبي يهوي.
“أختي!”
عانقتُها بكلِّ قوتي.
شعرتُ بوخزٍ في يديَّ المجروحتين، لكنَّني لم أبالِ.
دفنتُ وجهي في حضنها الدافئ، شعرتُ بقوَّةٍ خفيفةٍ في ذراعيها.
“آسفة، آسفة.”
تلعثمتُ وأنا أعتذر.
كنتُ آسفةً جدًّا لها.
شعرتُ بحرقةٍ في أنفي وثقلٍ في صدري.
سحبتُ أنفي بهدوءٍ.
‘ماذا أفعل؟’
أنا على وشك البكاء أيضًا.
تسرَّبَ صوتٌ مكتومٌ من شفتيَّ المتشقِّقتين:
“أخطأتُ، أليسَ كذلك؟”
“ميبيل.”
“سأكون حذرةً حقًا من الآن.”
كرَّرتُ ذلك مرارًا.
ثمَّ…
“حقًا؟”
أطلقتْ سابينا ذراعيها.
مسحتْ عينيها المبلَّلة، ثمَّ فجأةً، رفعتْ عينيها كالمثلثات… ما هذا؟
شعرتُ بقشعريرةٍ.
غريب، هذا تعبير سابينا عندما تزجرني!
“سمعتُ أنَّكِ خرجتِ بأمانٍ ثمَّ عدتِ إلى النيران.”
“أم، ماذا؟”
“كيفَ تتصرَّفين هكذا وأنتِ تعرفين الخطر؟”
سألتني سابينا بنبرةٍ صلبةٍ.
“أم، لكن…!”
تلاشى صوتي دون وعيٍ.
أختي، أليستْ تتغيَّر بسرعةٍ؟!
“أعرف أنَّكِ كنتِ قلقةً على دومينيك الذي بقي وحيدًا.”
تنهَّدتْ سابينا:
“لكنْ كيفَ كنتِ ستتصرَّفين لو حدثَ شيءٌ خطيرٌ بسبب تهوُّركِ؟”
“لكن… لم أكن أنوي ذلك من البداية، بدا دومينيك في خطرٍ…”
تمتمتُ بهدوءٍ، ثمَّ انتفضتُ فجأةً كأنَّني صُببتُ بماءٍ باردٍ.
‘صحيح، دومينيك!!’
كيفَ نسيتهُ؟!
سألتُ سابينا بقلقٍ:
“هل دومينيك بخير؟!”
“خُدش قليلًا بالمواد، لكنَّهُ لم يُصب بجروحٍ خطيرةٍ.”
هزَّتْ سابينا كتفيها بخفَّةٍ.
تنفَّستُ الصعداء:
“حقًا؟ الحمد لله… لكنْ لمَ لا أراه؟”
ألا يُفترض أنْ يزورني إذا كنتُ مريضةً؟!
بينما كنتُ أتذمَّر، قالتْ سابينا:
“إنَّهُ مع أدريان الآن.”
“لمَ أدريان؟”
“لقد اندلعَ حريقٌ في دار الأيتام.”
أضافتْ سابينا بهدوءٍ:
“يريدون معرفة ما حدث.”
…ما الذي حدث؟
شعرتُ بقشعريرةٍ.
أمسكتُ بثوب سابينا:
“أختي، كانَ هناك زيتٌ في الإمدادات.”
“زيتٌ؟”
“نعم! والمتدرِّب ذو الشعر الأحمر، اسمهُ توماس!”
نظرتُ إليها بتوسُّلٍ:
“كانتْ يداه تفوح برائحة الزيت بقوَّةٍ.”
“ماذا؟”
تجمَّدَ وجه سابينا قليلًا.
“قالَ إنَّهُ ذاهبٌ إلى الحمام ولم يعد. حتَّى بعدَ الحريق.”
“حقًا؟”
“نعم! وعندما هربنا جميعًا من دار الأيتام…”
ابتلعتُ ريقي:
الدخان الأسود الذي كانَ يخنقني.
أصواتُ المبنى وهو يتلوَّى.
المواد المنهارة.
تذكُّر تلك اللحظة جعلَ فمي يجفُّ.
لكن…
‘لا بأس.’
الأمر مختلفٌ عن السابق.
هذهِ المرَّة، لم أفقد شخصًا عزيزًا.
تنفَّستُ بعمقٍ وأنهيتُ كلامي بهدوءٍ:
“…كانَ توماس خارجًا بالفعل.”
عضَّتْ سابينا شفتها السفلى، ربَّما خمَّنتْ معنى كلامي.
“حسنًا، فهمتُ.”
نهضتْ سابينا:
“سألتقي بأدريان قليلًا. هل يمكنكِ البقاء وحدكِ؟”
“نعم!”
بينما كنتُ أومئ، شعرتُ بشيءٍ يتحرَّك.
‘مم؟’
رفعتُ الغطاء، فرأيتُ أكياس ماءٍ ساخنة ملفوفة بالقماش.
ربَّما للحفاظ على حرارة جسدي…
‘لكنْ أكياس ماءٍ؟’
رفعتُ عينيَّ، فرأيتُ مدفأةً باردةً.
بدتْ خاليةً من الحطب، كأنَّها لم تُشعل أبدًا.
“ميبيل؟”
نادتني سابينا بقلقٍ، تنظر إلى المدفأة ثمَّ إليَّ، وكأنَّها تتحسَّس مزاجي:
“المدفأة ليستْ دافئةً مباشرةً مثل أكياس الماء، لذا…”
أدركتُ في تلك اللحظة.
‘لقد لاحظتْ أختي.’
خوفي من النار.
كنتُ ممتنةً لتفهُّمها.
هذا يعني أنَّها تهتمُّ بي.
لكن…
ابتسمتُ بعينين ضيقتين:
“أختي، أنا بخير الآن.”
“مم؟”
“يمكنكِ إشعال المدفأة.”
لم أعد أخاف النار.
لقد تعلَّمتُ أنَّني أستطيع حماية من أحبُّ حتَّى وسط النيران.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 51"