لم يبقَ على وجه سابينا أيُّ تعبيرٍ.
وجهٌ خالٍ من العواطف كما لو كانَ مغطًّى بقناعٍ.
من جهةٍ أخرى، بدا أدريان مرتبكًا، لكنَّهُ لم يكنْ بإمكانهِ إفساد الأجواء التي تحقَّقتْ بصعوبةٍ بصبِّ الماء البارد عليها.
لحسن الحظِّ، لم تستمرُّ مظاهرة ريبيكا للتقرُّب طويلًا.
“أشعر بالحرج حقًا لأنَّ القدِّيسة تُثني على شخصٍ ناقصٍ مثلي.”
أخرجَ أدريان ذراعهُ برفقٍ من يدها وهو يبتسم.
عندها، خفَّتْ تعابير وجه سابينا المتصلِّبة قليلًا.
في المقابل، مرَّتْ نظرةُ انزعاجٍ خفيفةٍ على وجه ريبيكا، لكنَّها لم تدمْ طويلًا.
“ما هذا الكلام؟ أنتَ كنزُ معبدنا الكبير.”
أجابتْ ريبيكا بلطفٍ وألقتْ نظرةً خفيفةً نحوَ الفرقة الموسيقيَّة.
دوَّتْ موسيقى مهيبةٌ.
كانتْ ترنيمةً.
ابتلعتُ ريقي وحدَّقتُ إلى الأمام.
‘أخيرًا، حانَ دور فرقة الحرس.’
اصطفَّ أفراد الحرس بزيِّهم الأبيض الناصع، ممسكين بسيوفهم الاحتفاليَّة مرفوعةً.
على الرغم من أنَّ هذهِ السيوف لم تكنْ حادَّةً لأنَّها احتفاليَّة، إلَّا أنَّ الشفرات التي تعكس الضوء بدتْ حادَّةً بحدِّ ذاتها.
ومن بينهم، كانَ دومينيك الأكثر لفتًا للانتباه.
هذا طبيعيٌّ.
ليسَ فقط لأنَّ دومينيك الأجمل… بل لأنَّهُ كانَ في مقدِّمة الصفِّ!
‘واو، رائع!’
ابتهجتُ.
لقد أخبرني أدريان بالتأكيد.
المتدرِّب الأكثر تميُّزًا هو من يقفُ في مقدِّمة الحرس ويؤدِّي العرض!
عندما التقتْ عيناي بدومينيك، ابتسمَ بلطفٍ.
ثمَّ بدأ يلوِّح بسيفهِ بأناقةٍ.
كانَ رقصة السيف.
كلُّ حركةٍ كانتْ دقيقةً لدرجةٍ جعلتني لا أستطيع إبعاد عينيَّ.
‘دومينيك هو الأفضل في هذا!’
أمسكتُ يديَّ بقوَّةٍ وراقبتُ رقصة دومينيك.
ليسَ لأنَّنا أصدقاء، لكنَّهُ حقًا الأفضل!
“أختي، أختي.”
لم أستطعْ كبح مشاعري المتدفِّقة وسحبتُ كمَّ سابينا.
“دومينيك رائعٌ حقًا، أليسَ كذلك؟”
“ميبيل، اهدئي قليلًا.”
وبَّختني سابينا بصوتٍ منخفضٍ.
لكنْ بعدَ لحظةٍ.
“حسنًا، لكنَّهُ يؤدِّي جيِّدًا بالفعل.”
ابتسمتْ سابينا بخفَّةٍ.
كانتْ ابتسامتها مريحةً جدًّا.
بينما كنتُ أراقب دومينيك بنظرةٍ راضيةٍ، رفعتُ رأسي فجأةً.
‘آه.’
من بعيدٍ، رأيتُ أدريان ينظر إلى سابينا بنظرةٍ دافئةٍ.
كانتْ سابينا تتظاهر بعدم ملاحظة ذلك، مركِّزةً نظرها على الحرس فقط.
لكنْ كنتُ أعرفُ.
أختي كانتْ تُدرك وجود أدريان تمامًا.
بدتْ الطريقة التي كانا فيها وكأنَّهما في عالمٍ خاصٍّ بهما.
كأنَّ لا أحد يستطيع التدخُّل بينهما…
“ههه.”
ضحكتُ بهدوءٍ.
قبل عودتي، لم تكنْ سابينا تتفاعل مع أحدٍ سوى أدريان.
أمَّا الآن، فقد أصبحتْ تندمج مع الناس بطبيعيَّةٍ.
هذا الأمر… جعلني سعيدةً جدًّا.
* * *
انتهى مهرجان الحصاد بنجاحٍ.
لكنْ على نحوٍ منفصل، كانتْ ريبيكا منزعجةً جدًّا.
كانَ ذلك بسبب رسالةٍ تلقَّتها من الإمبراطور، ظلَّ مضمونها عالقًا في ذهنها.
<ألمْ أطلبْ منكِ بوضوحٍ أنْ تتأكَّدي من بقاء دومينيك بعيدًا عن أعين الآخرين؟
فلمَ وقفَ في فرقة الحرس؟>
رفعتْ ريبيكا نظرها ببطءٍ.
من بعيدٍ، كانَ دومينيك، الذي تألَّق في فرقة الحرس، يبتسم بسعادةٍ.
“كما هو متوقَّع من المتدرِّب المتميِّز!”
“كيفَ يستطيع التلويح بالسيف هكذا؟”
لم يكتفِ المتدرِّبون الآخرون بالثناء عليهِ، بل حتَّى أدريان كانَ إلى جانبهِ، يربتُ على رأسهِ بحماسٍ.
“آه، أيُّها المعلِّم! ستُفسد شعري!”
تظاهرَ دومينيك بالامتعاض، لكنَّ سعادتهُ كانتْ واضحةً.
كانتْ ريبيكا منزعجةً من تعبيرهِ هذا.
‘لم يكنْ يجب قبول هذا من البداية.’
دومينيك.
المشكلة التي أجبرها الإمبراطور الحالي عليها.
كانَ الإمبراطور يعتبر دومينيك، الوريث الوحيد للإمبراطور السابق، شوكةً في عينيهِ.
لكنْ قتل دومينيك البريء سيثير استياء الشعب بشدَّةٍ.
لذا، قرَّر الإمبراطور.
يدفعُ بدومينيك إلى المعبد الكبير ليمنعهُ من المطالبة بالعرش.
ففي النهاية، من يدخل الخدمة الدينيَّة يُطالب بالابتعاد عن الشؤون الدنيويَّة.
‘يرمي مشاكلهُ علينا لأنَّهُ لا يستطيع التعامل معها.’
كانتْ ريبيكا منزعجةً من توبيخهِ لها بسبب عدم إنجاز الأمور بشكلٍ صحيحٍ.
لكنْ بما أنَّ الإمبراطور أعطاها مثل هذا التحذير…
“لقد تألَّق دومينيك كثيرًا. هذا أمرٌ مفرحٌ حقًا.”
تحدَّثتْ ريبيكا وهي تُدرك وجود المدرِّب خلفها، كما لو كانتْ تمرُّ مرور الكرام.
“لكنَّني قلقةٌ قليلًا، بما أنَّ الإمبراطور كلَّفنا بدومينيك لسببٍ معيَّن…”
توقَّفتْ للحظةٍ، ثمَّ سألتْ بنبرةٍ خفيَّةٍ:
“يبدو أنَّ علينا تهدئة قلب جلالة الإمبراطور. هل هذا ممكنٌ؟”
“بالطبع.”
ابتسمَ المدرِّب وخفضَ صوتهُ ليهمس:
“الجدول القادم… سيكون على الأرجح زيارة المتدرِّبين إلى دار الأيتام التابعة للمعبد الكبير للخدمة التطوُّعيَّة.”
برقتْ عينا ريبيكا القرمزيَّتان بالتوقُّع.
أومأ المدرِّب برأسهِ بقوَّةٍ.
“لقد أعددنا كلَّ شيءٍ بأفضل طريقةٍ، فيمكنكِ التوقُّع.”
بعدَ لحظاتٍ.
غادرتْ ريبيكا المكان بوجهٍ راضٍ.
راجعَ المدرِّب خطتهُ في ذهنهِ مرَّةً أخرى.
ستحتوي الإمدادات التي ستصل إلى دار الأيتام اليوم على زجاجة زيتٍ مخفيَّةٍ سرًّا.
في الحقيقة، الزيت بحدِّ ذاتهِ ليسَ غريبًا.
الزيت من اللوازم الأساسيَّة، وعادةً ما يُدرج في الإمدادات بشكلٍ دوريٍّ.
لكنْ إذا أُسيء استخدامهُ، فقد يتسبَّب في حريقٍ، لذا يُستثنى في أيام الخدمة التطوُّعيَّة مثل اليوم…
‘حسنًا، قد يُدرج بالخطأ أحيانًا، أليسَ كذلك؟ مثل مشروب الطبخ.’
ابتسمَ المدرِّب بخبثٍ.
إذا، بالصدفة، اندلعَ حريقٌ بسبب الزيت…
سيكون دومينيك هو من تسبَّب في الحادث.
لقد “تأكَّدوا” من ذلك.
وسيصبحُ أدريان، الذي درَّبَ دومينيك مباشرةً، في موقفٍ محرجٍ من عدَّة نواحٍ.
‘هذهِ المرَّة، يجب أنْ يتخلَّص البطل من هذا الفتى دومينيك.’
برقتْ عينا المدرِّب بشرٍّ.
* * *
في تلك اللحظة.
كانتْ ميبيل وسابينا تلتقيان بدومينيك وأدريان.
على وجه الدقَّة، كانَ أدريان يسحب دومينيك من رقبتهِ.
“آه، أيُّها المعلِّم! اتركني…”
صرخَ دومينيك بتألُّمٍ.
دون اكتراثٍ، نظرَ أدريان إلى سابينا بفخرٍ.
“انظري، أنا من علَّمهُ!”
ضيَّقتْ سابينا عينيها ونظرتْ إلى أدريان، ثمَّ قالت:
“حقًا، توقَّف عن هذا الافتخار.”
وغرزتْ كوعها في جنبهِ.
“آه! سابينا، أعتقد أنَّ عظمي انكسر!”
تظاهرَ أدريان بالألم بصوتٍ عالٍ.
تجاهلتْ سابينا أدريان تمامًا وتحدَّثتْ إلى دومينيك بلطفٍ:
“لكنَّكَ كنتَ رائعًا هذهِ المرَّة، دومينيك.”
“شكرًا.”
احمرَّ خدَّا دومينيك للحظةٍ.
ثمَّ سألَ بوجهٍ متعجِّبٍ:
“لكن، أيُّها المعلِّم، ألا يجب أنْ نتوجَّه إلى دار الأيتام الآن؟”
“أوه، صحيح.”
مالتْ ميبيل، التي كانتْ تستمع بهدوءٍ، برأسها وسألتْ:
“لمَ إلى دار الأيتام؟”
أجابَ دومينيك:
“آه، الجدول القادم هو الخدمة التطوُّعيَّة في دار الأيتام.”
تدخَّل أدريان بسرعةٍ في حديث الطفلين:
“المعنى هو أنَّ المتدرِّبين، الذين سيكونون مستقبل المعبد الكبير، يخدمون الفقراء ليصقلوا أنفسهم… لكن.”
مدَّ أدريان كلامهُ، ثمَّ هزَّ كتفيهِ بمزاحٍ:
“حسنًا، هؤلاء أطفالٌ أيضًا، لذا لا يقومون بخدماتٍ كبيرة. مجرَّد تنظيفٍ وترتيب الإمدادات. هذا هو الحدُّ؟”
“على أيِّ حال، ألا يجب أنْ تقودنا، أيُّها المعلِّم؟”
نظرَ دومينيك إلى أدريان بوجهٍ متأفِّفٍ.
“إذا لم نبدأ الآن، سنتأخَّر.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 44"