عندما هزَّت سابينا رأسها بابتسامةٍ مشرقةٍ، رَمقتَها ميبيل بنظرةٍ مشبوهةٍ، ثم عادت تُحدّق في وعاء طعامها.
“مياووو. (إيه…)”
زمّت ميبيل شفَتيها، وأطلقت تنهيدةً طويلةً.
ثم غاصت َبرأسها في الوعاء، وبدأت تمضغُ الطعام، ولم يصدر أي اعتراضٍ مُن سابينا.
قضمة،
قضمة،
قضمة،
قضمة.
رغم أن طَريقتها في الأكلِ كانتَ أشبهُ بمعركةٍ، إلا أنّ…
‘ذلك الطعام، بصراحةٍ، لا بد أن يكون غير لذيذٍ.’
نقرت سابينا لسانها داخليًّا دون أن تشعرَ.
فقد كان ذلك العلف مزيجًا من أنواع متعدّدة من اللحوم وبعض الحبوب، مع مسحوق أعشاب مختارة بعناية لصحة ميبيل.
لكن، كما هو معروف، الأشياء المفيدة عادةً ما تكون مُرّةً.
وبالفعل، كان للعلف مذاق مرّ خافتٌ.
في تلك اللحظة، ارتعشت أكتاف ميبيل قليلاً، ثم انسحبت من الوعاء الفارغ.
شربت بعض الماء لتغسل فمها، ثم بدأت تلعق كفّيها الأماميّتين وتنظّف وجهها وخلف أذنَيها بدقةٍ.
‘يا إلهي… لقد أكلتهُ كلّهُ فعلاً؟’
نظرت سابينا إلى ميبيل بتعبير مرتاب.
‘هذا تحديدًا ما يثير الشك!’
كانت تتوقّع أن تقلبَ ميبيل الوعاء بمِخلبها الأمَامي في أي لحَظٍة.
لكن أن تُنهيه بهذا الهدوءِ؟
سابينا كانت تدركَ جيّدًا أن مهاراتها في الطبخ ضعيفةً.
وكانت تشعر أحيانًا بالذنبِِ، عندما ترَى ميبيل تتنهّد بعمقٍ في كلّ مرة تأكل فيها طعامها الخاص.
ولكن الآن…
“مياو، ميا، ميانغ! (كان… معقولاً!)”
…من تكون هذه الحَمَلة الوديعة؟
ضاقت عينا سابينا بشكٍّ.
لا بد أن هناكَ شيئًا ما.
شيءٌ كبير لم تُدركه بعد…
“مي، إن قلتِ لي الآن، سأُراعي الظروفَ.”
قالت سابينا وهي تعقد ذراعيها.
ميبيل أمالت رأسها باستغراب.
“ميا؟ (هاه؟)”
“هل كسرتِ شيئًا؟”
في اللحظة نفسها، اتّسعت عينا ميبيل بدهشة. وكأنها تقول: ما هذا الاتهام؟
لكن سابينا لم تنَخدعَ.
فهي تتذكّر جيدًا كلّ ما أهرقته ميبيل من سوائل، وكلّ القوارير التي حطّمتها بلا هوادةٍ.
أضافت سابينا بلهجةٍ صَارمةٍ:
“إن قلتِ الحقيقة…”
لكن قبل أن تُكمل، بدأت عينا ميبيل تضيقان تدريجيًّا.
“كيااووونغ!! (أنتِ غبيّة!!)”
صرخت فجأةً، ثم هرولت خارجةً من غرفةِ الطَعام.
“آه؟ يبدَو أنني أخطأتَ؟”
بقيت سابينا وحدها، تحدّق في ظهر ميبيل المُبتعد، وقد بدا على وجهها الإحساس بالخطأ.
‘على ما يبدو، لقد أسأتُ الظنّ… لكن…’
“همم. رغم ذلك، أنا متأكدةٌ أن هناكَ أمرًا ما.”
تمتمت سابينا بجديةٍ، وهي تسند ذَقنها بيدها.
* * *
“أنتِ غبيّة…”
جلستُ على العشب في الحديقة، أتنفّس بغضب.
‘طعامها الذي أعدتهُ سيّء الطعم للغايةِ، ومع ذلك أكلتُه متعمّدةً وبابتسامةٍ… وهي لم تفهمَ قصَدي!’
ظللت أحفر الأرض بمخالبي بسرعةٍ حتى هدأتُ قليلًا.
‘…ومع ذلكَ.’
نظرت حولي بسرعة، ثم وضعت ذقني على كفّيَّ الأماميّتين بتأمّل.
‘رؤية هذا المشهد مجدّدًا… أمر لا يُصدّق.’
شعرت بوخزٍ عند أنفَي.
‘…أنا أحب هذا المكان.’
منزلٌ صغير من طابق واحدٍ، مبني من الطوب الوردي.
سقفٌ أحمرٌ لا تزال بصمات أقدامَي ظاهرة عليه، لأنني مشيت عليه قبل أن يَجفّ الطلاءَ.
والحديقةُ التي تعتني بها أختي بنِفسها، تتفتّح فيها أزهارٌ مختلفةٍ في كلِّ موسمٍ.
السياج الأبيض الذي يُحيط بالكوخ، ما زال ملطّخًا لأن الطلاء لم يُطبّق بإتقان.
إنّه عشّنا الدافئ.
منزلنا الذي أحبّهُ من أعَماقي.
‘هذه المرّة… سأحميهِ مهما كلّف الأمر.’
منذ أن عدتُ إلى الماضي، فكّرت كثيرًا.
كيف يمكنني إنقاذ أختي من الموِت؟
ثم توصّلتُ إلى نتيجةٍ.
‘تحتاج أختي إلى مَن يحميها.’
لسببٍ ما، كانت أختي ترفضُ التَعامل مع الناسِ.
لذا، كان هناك كثيرون لا يحبّونها.
شخصٌ واحد فقط…
‘أدريان كان الوحَيد الذي عاَملها بلُطف.’
ربّما لأنه هو من أحَضرنا إلى العاصمة، أو لأَنها كانتَ تُعالجه.
على أيّ حال، هو فارس، ومن عائلةٍ دوقية أيضًا.
بوسعه أن يحميها بالتأكيدِ!
لكن المشكلةُ هي…
“صباحُ الخير، سابينا!”
“…”
“أوه، ذاهبةٌ لقطفَ الأعشابِ؟ هل أساعدكِ؟”
“سيدي البطل، إن كنت تشعر بالملل، فلماذا لا تطلبَ من أحدٍ آخر أن يُسلّيك؟”
“آه؟ لا، أعنَي…”
“رجاءً، لا تُزعج مَن لديهم أعمال.”
نظراتُ سابينا المعتادةُ كأنهَا تقولُ: ‘لا أحبُ البشر.’
تلك النظرة الباردة كانت تُخرس حتى أدريان، رغمَ طبعه الودود…
‘صحيح أنهما أصبحا صَديقين لاحقًا، لكن…’
طوالَ حياتها، لم تسمح أختي لأحدٍ بدخول عالمَها سوى أدريان فقط.
لم يتمكّن أيّ شخص من تخطّي الجدار الذي بنتهَ.
‘لكن مع ذلك…’
قبضتُ على قبضتيّ بعزم.
‘على الأقل، يمكنني جعلهما صَديقين مبكّرًا.’
إن أظهرتُ للناس أنهما مقرّبان، فلن يجرؤ أحدٌ على التعرّض لأختي.
سأبني حلفاءَ لأختَي واحدًا تلو الآخرَ!
أما الشيء الذي عليّ الحذر منه فهو…
‘حملةُ إبادة الوحوش!’
أدريان اختفَى خِلالها.
هذه المرّة، سأمنعهُ بأيّ وسيلةٍ من المشاركةِ فيها!
بينما كانت عينيّ تتألّقان بعزمٍ،
شم،
شم،
شم…
تسلّل إلى أنفي دخانٌ خانق من مكانٍ ما.
‘مهلًا، هذا الرائحةُ…’
شيء ما يحترق.
رائحة احتراق الخشب…
تجمّدتُ تمامًا.
استدرت برأسي تلقائيًّا نحو النافذة، فرأيت دخانًا رماديًا يتصاعد من المطبخ.
وفي لحظة، امتلأ رأسي بالبياضِ.
‘أختي!’
ألسنة اللهب الحارقة التي تكاد تلامَس السماءَ.
أختي، التي تحمّلت كلّ ذلك الألم، ومع ذلك ابتسمت لي حتى النهاية…
“مياااااااك!!”
صرختُ وأنا أركض نحو المنزل.
أنفاسي كانت تتقطّع.َ
قلبي يخفّق بقوة، وكأنه سينفجر في أيّ لحظةٍ.
قفزت عبر حافة النافذة، فرأيتٌ الدخان يملأ المنزل.
“مياااااا!!”
صرخت بكلّ قوتي، وأسرعتُ نحوَ المطَبخ.
‘أين أختي؟!’
كان الدخان كثيفًا، فلم أتمكّن من رؤيتهَا.
بدأت أركض هنا وهناكَ بجنونٍ أبحثُ عَنها.
وفجأة، سمعت صوتها الهادئ:
“آه، يا للمشكلة.”
ثم…
طَق
رنين خافت لأصابعها وهي تُطلق السَحر.
اندفعت طاقة مألوفة بلُطف، لتدفعَ بالدخانِ خارج المنزل.
كانت تلكَ طاقتها.
‘إنها أختي.’
أغمضتُ عينيّ مرتين، فتساقطت دموعي المكدّسةُ بسبِب الدخان.
ثم رأيتُ وجهها بوضوحٍ.
أسرعتُ إليها وتمسّكتُ بساقها.
“مياااك! ميااااا!”
لا للنار! لا أريدها!!
عضضت طرفَ ثوبها وشددتهِ بقوّةٍ.
انحنت فجأةً بدهشةٍ.
“آه، مي… آسفة، هل أخفتكِ… ميبيل؟”
نادَتني بقلق، لكنني لم أُفلِت الثوب من بين أنيابي.
أخيرًا التقيتُ بها مجددًا.
لا أريد أن أخسرها مرّة أخرى…
‘ماذا لو تركتني من جديدٍ؟’
ارتجفتُ بشدّةٍ.
جسدي كله كان يتصبّب عرقًا منَ الخوفٌ.
ثم…
“يا إلهي، هل خِفتِ كثيرًا؟”
جلست أختي على الأرض وضمّتنَي بقوةٍ.
دفنتُ وجهي في صَدرها، وارتعدَ جسدي كلهُ.
“آه…”
نقرت لسانها، وبدأت تربّت على ظهري بلطفٍ.
أخيرًا بدأتُ أهدأ.
“أنا آسفة حقًا… لم أتوقّع أن تخَافي هكذا.”
قالت بقلق وهي تحاول مواساتي.
“بما أنكِ نجحتِ في التحوّل إلى إنسانة، أردت أن أُكافئكِ بطبقٍ من الفطائر…”
‘…فطائر؟’
التفتُّ ببطء.
رأيت مقلاة سوداء محترقة على المنضدةِ، وفوقها كتلة غريبة لا يمكنُ تمَييزُها.
“أخفقْتُ في التحكّم بالنار، فاحترقتَ للأسفِ.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في قناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
حبيت كملي