* * *
في تلك اللحظة.
كانَ دومينيك يجلسُ وحيدًا في الغرفة.
‘لمَ فعلتُ شيئًا لا داعي له؟’
تسلَّلتْ ابتسامةٌ مريرةٌ إلى شفتي الفتى.
ابتسامةٌ متعبةٌ لا تُصدَّق أنَّها لصبيٍّ في التاسعة من عمرهِ.
لقد بذلَ جهدًا كبيرًا كي لا يُلاحَظ، لكنَّ كلَّ شيءٍ ذهبَ سُدًى.
على الأرجح، سيُلقون اللوم عليهِ هذهِ المرَّة أيضًا.
لكنَّ الأغرب من ذلك:
‘ومع ذلك… لا أشعر بالندم.’
قطَّةٌ صغيرةٌ ذات فراءٍ أبيض وأعينٍ زرقاء، كانتْ أوَّل من عاملهُ بلطفٍ.
فجأةً، ظهرتْ أمامهُ فتاةٌ صغيرةٌ تشبهُ تلك القطَّة تمامًا.
لمْ يكنْ الشبهُ في المظهر فقط.
‘لقد رأيتُ كلَّ شيءٍ. لمَ تُضايق الناس هكذا؟’
‘دومينيك ليسَ مخطئًا!’
ما زالتْ تلك الصرخات الواضحة تتردَّد في أذنيهِ.
حتَّى تصرُّفها وهي تقفُ أمامهُ بحجمها الصغير لتحميهِ بأيِّ طريقةٍ.
ربَّما لذلك.
تمنَّى ألَّا تُصاب تلك الفتاة بأذى.
لكنَّهُ شعرَ بالأسف لأنَّهُ أظهرَ جانبًا عنيفًا أثناء شجارهِ مع المتدرِّبين.
‘ماذا لو أصابها الخوف؟’
في تلك اللحظة.
طُرِقَ الباب.
فتحَ دومينيك عينيهِ بدهشةٍ واستدارَ.
‘طَرْقُ الباب؟’
سواء كانَ المدرِّبون أو المتدرِّبون.
لمْ يسبق لأحدٍ أنْ طرقَ بابَهُ بأدبٍ قبل الدخول، بل كانوا يفتحونهُ بعنفٍ.
ابتلعَ دومينيك ريقهُ وقال:
“تـ-تفضَّل.”
بعدَ إذنهِ، فُتِحَ الباب.
ظهرَ من خلفهِ شابٌّ طويل القامة.
في الحال، نهضَ دومينيك مذهولًا.
“السيد البطل؟!”
أدريان فون فالنسيا.
قمَّة الفرسان المقدَّسين، سيِّد السيف الوحيد في الإمبراطوريَّة.
‘لكن… لمَ هو هنا؟’
امتلأتْ عيناه البنفسجيَّتان بالريبة.
سمعَ أنَّهُ حامي ميبيل.
‘هل جاء ليُلومني لأنَّ ميبيل تورَّطتْ في الشجار؟’
ابتلعَ دومينيك ريقهُ دون وعيٍ.
دخلَ أدريان الغرفة بخطواتٍ خفيفةٍ وتحيَّةٍ متردِّدةٍ.
“مـ-مرحبًا؟”
“مرحبًا.”
ردَّ دومينيك التحيَّة بتردُّدٍ مماثلٍ.
سادَ صمتٌ ثقيلٌ لبضع لحظاتٍ.
نظرَ أدريان إلى دومينيك من الأعلى إلى الأسفل، ثمَّ طرحَ سؤالًا مفاجئًا.
“هل هناك مكانٌ يؤلمك؟”
“آ، لا… أنا بخير.”
أومأ دومينيك برأسهِ بحرجٍ.
في المقابل، هزَّ أدريان كتفيهِ بخفَّةٍ.
“حسنًا، لا تبدو مصابًا بشدَّة.”
كلمة “بخير” لم تكنْ كذبةً.
على الرغم من شفتيهِ الممزَّقتين قليلًا، وخدِّهِ المنتفخ من الضربات، وجسدهِ المغطَّى بالغبار، إلَّا أنَّ حالتهُ كانتْ جيِّدةً نسبيًّا.
أمَّا المتدرِّبون الذين تشاجروا معهُ، فكانوا يرقدون في الأسرة يتألَّمون.
بل إنَّ أحدهم أصيبَ بكسرٍ في الأطراف.
‘صبيٌّ صغيرٌ ولهُ موهبةٌ مذهلةٌ بالفعل.’
أنْ يهزمَ خمسةً بمفردهِ!
برقتْ عينا أدريان، لكنَّهُ استعادَ رباطة جأشهِ بسرعةٍ.
‘أوه، ليسَ وقت التفكير في هذا.’
تظاهرَ أدريان بجديَّةٍ وتحدَّثَ.
“أ، سبب زيارتي هو… بما أنَّ ميبيل كانتْ متورِّطةً في شجاركم…”
لكنَّ التعامل مع الأطفال غير ميبيل كانَ محرجًا بالنسبة لهُ.
فركَ أدريان ذقنهُ وتابعَ بحذرٍ:
“لذا، هل يمكنني أنْ أسأل لمَ تشاجرتَ هكذا؟”
في تلك اللحظة، تجمَّد وجه دومينيك ببرودٍ.
ردَّ بنبرةٍ هادئةٍ:
“لمَ تسأل عن ذلك؟”
“ماذا؟”
أصبحَ تعبير أدريان غامضًا.
كانتْ نبرةٌ ساخرةٌ بشكلٍ مفرطٍ لصبيٍّ في التاسعة.
تجنَّبَ دومينيك نظرتهُ وتمتمَ بهدوءٍ:
“…على أيِّ حال، لنْ تستمعَ إليَّ.”
كانَ وجههُ كمن تخلَّى عن كلِّ شيءٍ.
شعرَ أدريان أنَّ هذا التعبير مألوفٌ.
كانَ يشبهُ تعبير سابينا المعتاد.
“ما هذا الوغد؟”
غضبَ أدريان وقرصَ خدَّيهِ ومدَّهما.
“أوه؟”
اتَّسعتْ عينا دومينيك للحظةٍ.
مع قبضةٍ محكمةٍ على خدَّيهِ، رفعَ دومينيك صوتهُ متألِّمًا:
“آه! يؤلمني!”
“صغيرٌ وبالفعل متشائمٌ!”
أطلقَ أدريان خدَّيهِ ووبَّخهُ مجدَّدًا.
فركَ دومينيك خدَّيهِ المؤلمين وحدَّق في أدريان بنظرةٍ مليئةٍ باللوم.
“لكن.”
أضافَ أدريان بهدوءٍ:
“أنا لا أحبُّ أنْ يُظلَم أحدٌ.”
مع تلك النبرة الهادئة، اتَّسعتْ عينا دومينيك قليلًا.
ابتسمَ أدريان بعينيهِ.
“تحدَّث مرَّةً واحدةً.”
“…لكن.”
“من يدري؟ ربَّما يتغيَّر شيءٌ هذهِ المرَّة.”
لمعَ ضوءٌ خافتٌ في عينيهِ البنفسجيَّتين اللتين كانتا مظلمتين طوال الوقت.
* * *
بعدَ ذلك.
بعدَ إلحاحٍ طويلٍ، بدأ دومينيك يروي ما تعرَّضَ لهُ بتردُّدٍ.
تمييز المدرِّبين.
مضايقات المتدرِّبين.
وحتَّى تجاهل الكهنة لكلِّ ذلك.
‘لمْ أكنْ أعتقد أنَّ معاملة الأمير ستكون جيِّدةً…’
عبرَ أدريان الرّواق وهو غارقٌ في التفكير.
‘لكنَّني لمْ أتوقَّع أنْ تكونَ بهذا السوء.’
دومينيك، الابن الوحيد للإمبراطور السابق.
سمعَ أنَّ الإمبراطور الحالي يعتبرهُ شوكةً في عينيهِ.
وهذا متوقَّع.
في الأصل، كانَ العرش من حقِّ دومينيك.
لكنَّ الإمبراطور الحالي اغتصبَ العرش مستغلًا صغر سنِّهِ.
والمعبد الكبير، بتغاضيهِ عن هذا الانقلاب، حصلَ على منافع كثيرة.
في الماضي، كانَ ذلك لغزًا كبيرًا بالنسبة لأدريان.
حتَّى أنَّهُ طلبَ لقاءً مع القدِّيسة ريبيكا بنفسهِ.
“قلوبنا تتألَّم، لكنَّنا نعتقد أنَّ البلاد يجب ألَّا تغرق في الفوضى.”
أجابتْ ريبيكا حينها بوجهٍ حزينٍ.
“إذا استمرَّ الجدل حول وراثة العرش طويلًا، سيتحمَّل شعب الإمبراطوريَّة تلك الآلام.”
“سيِّدتي القدِّيسة، لكن…”
“ومع ذلك، سنبذل قصارى جهدنا للعناية بالأمير دومينيك.”
ابتسمتْ ريبيكا بلطفٍ.
“لذا، أرجو منكَ، أيُّها البطل، أنْ تثقَ بنا.”
لمْ يكنْ أدريان أحمقًا.
لمْ يعتقد أنَّ المعاملة ستتحسَّن بمجرد كلماتٍ مزخرفةٍ.
لكنَّ السبب الذي قدَّمتهُ ريبيكا.
أنَّ استمرار الصراع حول وراثة العرش سيُرهق شعب الإمبراطوريَّة أكثر.
كانَ ذلك منطقيًّا إلى حدٍّ ما.
بل إنَّ القدِّيسة نفسها قالتْ إنَّها ستهتمُّ بدومينيك.
لمْ يكنْ أمام أدريان، الذي كانَ قد عُيِّنَ بطلًا حديثًا، سوى القبول والتراجع.
لكنْ بعدَ تجوالهِ في الإمبراطوريَّة ومواجهتهِ للكثير من الأحداث.
وبعدَ لقائهِ بأشخاصٍ مثل سابينا وميبيل، الذين عانوا من اضطهاد المعبد…
بدأ يشكُّ في الطائفة أكثر فأكثر.
‘لمْ يعدْ بإمكاني الثقة بالطائفة بشكلٍ أعمى.’
والأهمُّ، أنَّ ذلك الطفل الصغير يحملُ عينين خاويتين كهاتين.
لمْ يكنْ بإمكانهِ ترك دومينيك هكذا.
لكن…
‘…المشكلة أنَّني لا أستطيع التدخُّل مباشرةً.’
تغيير المدرِّبين في مركز التدريب.
أو معاقبة المتدرِّبين.
حتَّى لو كانَ أدريان بطلًا معترفًا بهِ من الطائفة، فإنَّ ذلك يُعتبر تدخُّلًا كبيرًا في الشؤون الداخليَّة.
سيواجه ردَّ فعلٍ قويًّا من الطائفة.
‘وإدخال دومينيك إلى عائلة الدوق… سيكون صعبًا أيضًا.’
لأنَّ ذلك يعني مواجهةً مباشرةً مع الإمبراطور الحالي.
سيكون عبئًا سياسيًّا كبيرًا.
‘إذًا…’
بينما كانتْ عينا أدريان تلمعان بحدَّةٍ، سمعَ صوتًا.
“أدريان!”
ركضتْ ميبيل نحوهُ وتعلَّقتْ بساقهِ.
رفعتْ رأسها، وعيناها مبلَّلتان بالدموع.
“كيف حال دومينيك؟”
“ميبيل، أنزلي يديكِ أوَّلًا…”
“حقًا، إنَّهُ لمْ يفعلْ شيئًا خاطئًا، أليسَ كذلك؟”
أمسكتْ ميبيل ساقَيْ أدريان بقوَّةٍ.
في تلك اللحظة، اقتربتْ سابينا من الخلف وتنهَّدتْ بعمقٍ.
ثمَّ سألتْ بهدوءٍ:
“إذًا، ما الذي قرَّرتَهُ، أدريان؟”
“آه، هذا…”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 37"