* * *
في ليلةٍ متأخّرةٍ حيث يغطّ العالم في نومٍ عميقٍ.
لكنّ مكتبَ الدّوق لم تزل أنوارُه مشتعلةً.
كان الدّوق فالنسيا يُحدّق بصمتٍ في ملفّات الأوراق الموضوعة أمامه، مُستعيدًا في ذهنه الحوار الذي دار بينه وبين أدريان.
“أخي.”
قبل حوالي شهرٍ.
اقتحم أدريان المكتب فجأةً، ووضع ملفّات الأوراق على المكتب بحركةٍ عصبيّةٍ.
ثمّ فتح فاه بنبرةٍ حادّةٍ:
“هناك مَن يعبث بالإمدادات التي تذهب إلى سابينا.”
“يبدو أنّك، بما أنّك جئتَ إليّ هكذا، قد وجدتَ الجانيَ.”
تابع الدّوق كلامه وهو يتفحّص الأوراق بسرعةٍ:
“تخلّص منه بنفسك. وتأكّد ألّا يؤثّر ذلك على أبحاث الآنسة سابينا.”
“بالطّبع. لكن هناك شيءٌ يجب أن تعرفه.”
أضاف أدريان بنبرةٍ باردةٍ:
“الظّروف تشير إلى أنّ الطّبيب الخاصّ متورّطٌ في هذا العبث.”
توقّفت يدُ الدّوق، التي كانت تتحرّك بالقلم، فجأةً.
رفع الدّوق عينيه بنظرةٍ خاطفةٍ:
“حتّى الطّبيب الخاصّ؟”
في طائفة ريغاليس، كانت عائلة الدّوق فالنسيا عائلةً مميّزةً جدًا.
ولا عجب في ذلك، ففي هذا الجيل، ألم يظهر البطل من هذه العائلة؟
ربّما لهذا السّبب.
كانت الطّائفة تهتمّ بعائلة الدّوق اهتمامًا خاصًا.
ومن بين هذه الاهتمامات، كان إرسال طبيبٍ خاصّ من الطّائفة مباشرةً.
لكن إذا كان “ذلك” الطّبيب الخاصّ يعبث داخل عائلة الدّوق…
“هذا ما أعتقده على الأقلّ.”
عند هذا الجواب الحازم، عبس الدّوق وارتجف حاجباه.
‘يجرؤ على هذا؟’
مهما كانت العلاقة بين عائلة الدّوق والطّائفة وديّةً، فهذا تجاوزٌ صريحٌ.
لكن في الوقت ذاته، لم يكن من السهل أن يُغضِب الدّوق طائفة ريغاليس.
لذا، قرّر أن يُنهي الأمر بفصل مدير الإمدادات فقط.
بالطّبع، يبدو أنّ أدريان استمرّ في التّحقيق في هذا الأمر.
ثمّ.
‘فجأة، انهار أدريان.’
بالطّبع، قد يكون تدهور حالته الصحيّة بعد القبض على مدير الإمدادات مجرّد صدفةٍ.
لكنّ الحذر من طائفة ريغاليس أصبح أمرًا واقعيًا.
‘ربّما كنتُ متساهلاً جدًا مع الطّائفة حتّى الآن.’
لمعَت عينا الدّوق ببرودٍ.
والأهمّ من ذلك، كان هناك ما قاله أدريان سابقًا:
“سابينا هي منقذة حياتي.”
قال إنّه لو لم تكن سابينا موجودةً، لكان قد مات بالفعل عندما واجهَ جموع المخلوقات الشّيطانيّة.
ولو أرادوا قتله، لكانوا قد آذوه منذ زمنٍ.
كان إيمانه بها راسخًا جدًا.
لذا، عندما سأله الدّوق بنبرةٍ شبه ساخرةٍ:
“هل تثق بالآنسة سابينا إلى هذا الحدّ؟ هل يمكنك أن تُعيد إليها حياتك مرّةً أخرى؟”
“نعم، أثق بها.”
أجاب أدريان دون أدنى تردّدٍ.
كان صوته الحازم يتردّد في أذني الدّوق.
لذا، قرّر الدّوق أن يثق بسابينا مؤقّتًا أيضًا.
* * *
مضت أيّامٌ منذ أن بدأتُ أنا وأختي الإقامة في قصر الدّوق.
كانت أختي سابينا، منذ أيّامٍ، تقلّل من نومها ليلاً، وتبذل جهودًا مضنيةً لإيجاد طريقةٍ لعلاج أدريان.
لكن لم يكن هناك حلٌّ واضحٌ يظهر بسهولةٍ.
“لو كان بإمكاني مناقشة الأمر مع شخصٍ ما…”
في وقتٍ متأخّرٍ من اللّيل، بينما كانت سابينا تقلب صفحات الكتب السّحريّة والطّبيّة، تمتمتْ بهدوءٍ مع تنهيدةٍ.
نظرتُ إلى ظهرها بنظرةٍ مليئةٍ بالأسى.
لكنّ التّواصل مع سحرةٍ آخرين كان شبه مستحيلٍ.
فالسّحرة في الإمبراطوريّة، بما فيهم أختي، كانوا يعيشون منعزلين تقريبًا.
كان السّحر في الإمبراطوريّة قد ازدهر بشكلٍ مبهرٍ في الماضي، لكنّه توقّف عن التّطوّر بعد حادثةٍ معيّنةٍ.
وكانت تلك الحادثة هي إبادة عائلة الدّوق ميرسيدس، العائلة السّحريّة العريقة.
اتّهمت طائفة ريغاليس عائلة ميرسيدس بمحاولة استدعاء شيطانٍ، فعاقبتهم.
وفي النّهاية، تمّت إبادة عائلة ميرسيدس.
‘حسنًا، لا أعرف إن كانوا حقًا حاولوا استدعاء شيطانٍ.’
على أيّ حالٍ، منذ اختفاء تلك العائلة السّحريّة، تراجع السّحر تدريجيًا.
وكانت المشكلة الأكبر هي أنّ السّحرة أنفسهم أصبحوا نادرين جدًا.
في المقابل، حقّقت طائفة ريغاليس ازدهارًا هائلاً…
“أختي، ألن تنامي؟”
اقتربتُ منها بهدوءٍ.
على الرّغم من وجهها المرهق، ابتسمتْ لي سابينا بابتسامةٍ خفيفةٍ في عينيها.
“لماذا لم تنامي أنتِ، ميبيل؟”
“لا أستطيع النّوم وحدي.”
تذمّرتُ منها عمدًا.
إذا لم أفعل هكذا، فلن تستلقي أختي على السّرير أبدًا.
“أريد أن أنام معكِ، أختي…”
قلتُ ذلك وأنا أسترق النّظر إليها.
لكنّها هزّت رأسها بعذرٍ وتعبيرٍ آسفٍ.
“آسفة، نامي أوّلاً اليوم، حسنًا؟”
“لكنّكِ لم تنامي منذ ثلاثة أيّامٍ، أختي.”
حاولتُ إقناعها مرّةً أخرى.
لكنّ سابينا، برفقٍ وحزمٍ، وضعت حدًا للنّقاش:
“أدريان مريضٌ، أليس كذلك؟”
“سابينا…”
“إذا لم يستيقظ أدريان…”
توقّفت عن الكلام، وهي تحاول جاهدةً أن تبدو هادئةً وتجمع يديها.
لكنّني رأيتُها.
أطراف أصابعها ترتجف برفقٍ.
…بالطّبع، أختي خائفةٌ أيضًا.
“لا بأس، أختي.”
لذا، تظاهرتُ بأنّني لا أعرف شيئًا، وعانقتُها بقوّةٍ.
“أنتِ تعملين بجدٍّ لعلاج أخي.”
“ميبيل.”
“لذا سوف يستعيد صحته قريبًا.”
قلتُ بصوتٍ مشرقٍ عمدًا.
“حالته الآن أفضل ممّا كانت عليه سابقًا، أليس كذلك؟”
كان ذلك صحيحًا.
بفضل جهود سابينا اليائسة في العلاج، استعاد أدريان بعض الاستقرار.
عند سماع كلامي، بدا أنّ أختي استعادت بعض رباطة جأشها.
جذبتني إليها وأجلستني على ركبتيها.
“صحيح، يجب أن أستعيد تركيزي.”
وهي تحتضنني، تمتمتْ بهدوءٍ:
“لأنّه لا يوجد أحدٌ غيري يمكنه علاج أدريان.”
لكن يدها التي كانت تربّت على ظهري برفقٍ…
كانت لا تزال ترتجف قليلاً.
* * *
“سيّدي الدّوق، لم يزل الابن الثّاني غير قادرٍ على الاستيقاظ.”
بعد حوالي أسبوعٍ من إقامة سابينا في قصر الدّوق لعلاج أدريان.
عاد الطّبيب الخاصّ لزيارة الدّوق فالنسيا.
تحدّث بجديّةٍ ووجهٍ متجهّمٍ:
“لا ينبغي أن نستمرّ في تكليف الآنسة سابينا بالعلاج. يجب أن يتلقّى العلاج في المعبد فورًا.”
أصرّ الطّبيب بقوّةٍ مرّةً أخرى.
لكن ردّ فعل الدّوق كان فاترًا إلى حدٍّ ما.
لم يمنح الطّبيب حتّى نظرةً، واستمرّ في العمل على الأوراق.
كانت يده التي توقّع الأوراق لا تتوقّف لحظةً.
“بما أنّ حالته مستقرّةٌ الآن، دعنا نراقب الوضع قليلاً.”
“ماذا؟ لكن…!”
“انصرف الآن.”
قاطع الدّوق احتجاج الطّبيب بحزمٍ.
في النّهاية، اضطرّ الطّبيب إلى مغادرة المكتب دون تحقيق أيّ نتيجةٍ.
‘اللّعنة.’
مشى الطّبيب في الرّواق بخطواتٍ ثقيلةٍ، وهو في مزاجٍ سيّئٍ للغاية.
مؤخرًا، كانت تلك الفتاة سابينا ملتصقةً بجانب الابن الثّاني باستمرارٍ.
لم يتمكّن من استخدام “الدّواء” بشكلٍ صحيحٍ…
‘هذا لن يصلح.’
غاصت عينا الطّبيب في برودةٍ قاتمةٍ.
يبدو أنّ هناك حاجةً إلى وصفةٍ طبيّةٍ أقوى.
* * *
في تلك اللحظة.
تحوّلتُ إلى قطّةٍ، وتسلّلتُ بهدوءٍ إلى غرفة نوم أدريان.
‘أخي… لا يزال نائمًا اليوم أيضًا.’
قفزتُ على السّرير، ونظرتُ إليه بعينين مليئتين بالأسى وهو مغلق العينين بإحكامٍ.
اليوم أيضًا، لا توجد أيّ علامةٍ على استيقاظه.
“مياو.”
ناديته بهدوءٍ.
أدريان، أختي قلقةٌ عليك كثيرًا.
لذا استيقظ بسرعةٍ، حسنًا؟
بينما كنتُ أدفع رأسه برأسي برفقٍ.
فجأةً، عادت تلك الرّائحة المُرّة القويّة لتخترق أنفي.
‘آه، لماذا تخرج هذه الرّائحة من أخي؟’
كانت الرّائحة تملأ الغرفة مَرّةً أخرى.
لكنّها كانت أخفّ ممّا كانت عليه عندما زرتُ غرفة أدريان لأوّل مرّةٍ.
شممتُ الهواء بأنفي محاولةً تتبّع مصدر الرّائحة.
في تلك اللحظة.
‘همم؟’
رفعتُ أذنيّ بحدّةٍ.
لقد شعرتُ بحركةٍ خارج الباب.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 21"