الفصل 2
“مييييااااو !!! (أختي !!!)”
قفزتُ من مكاني دفعةً واحدة.
قفزتُ سريعًا إلى حجر أختي، وبدأت أفرك وجهي المبلل بالدموع والمخاط بصدرها.
عبيرها الدافئ والمألوف دغدغ أنفي بلطافة.
“آه، ما الذي تفعلينه…! لحظةٌ، مي، هل أنتِ تبكين؟”
لم تلبث أن احتضنتني حتى اتّسعت عيناها بدهشةٍ وسألتني:
“ما بكِ؟ هل رأيتِ شيئًا مخيفًا؟”
دفءُ جسدها يحتويني كأنّي أذوبُ فيه…
وصوتُها المفعمُ حبًّا يهمسُ على مقربةٍ من أذني،
كنغمةٍ قديمةٍ كنتُ أفتقدها بشدّة.
حيويّتها تتراقص أمام ناظري،
والإحساس الحقيقي بأنّها حيّة، هنا… بقربي،
كاد يُفقدني توازني تمامًا.
فجأة، انفجرتُ بالبكاء… بكاءٍ اختنقَ في صدري من شدّته.
‘لا يُعقل… إنّها أختي… أختي فعلًا.’
ارتميتُ في حضنها كما لو أنّني أعودُ إلى الحياة،
وشهقاتي تمزّق السكون من شدّة الألم والحنين.
أمّا هي، فكانت مربكة، تائهة لا تدري ماذا تفعل،
لكنّ يديها… تلك اليدان اللتان أعرف دفأهما منذ ولادتي،
بدأتا تربّتان على ظهري بحنانٍ.
ثمّ قالت: “هل خرجتْ لكِ حشرة؟ هل أقتلها لكِ؟”
فجأة، توقّف بكائي تمامًا.
“…؟”
رفعتُ رأسي بدهشةٍ.
كانت تحدّق بي بوجهٍ ماكر.
“مي خاصّتنا، على الرغم من أنّكِ قطة، لا تستطيعين حتّى قتل حشرة. ماذا كنتِ ستفعلين لولا وجودي؟”
هل يعقل أن تتكلّم عن الحشرات في مثل هذا الموقف؟
صحيح أنّني أخافها، لكن…!
“مياااوو!!”
لم أتحمّل، فضربتها بمخلبَي الأماميّين.
لكنّها كانت تنتظر ذلك، فابتعدت برأسها ببراعة لتتفادى الضربة، ثمّ ضحكت بسخرية.
“هاه؟ رأيتِ كيف تفاديتُها؟”
آآآه، هذا يرفع ضغط الدم !
أن تُخمد دموعي بهذه الطريقة… هذا أيضًا نوع من المهارة!
بدأت أضربها بغضب، فقهقهت ضاحكةً، ثمّ حملتني من جديد ونهضت وهي تهمس:
“مي خاصّتنا… يبدو أنّكِ رأيتِ كابوسًا.”
كلماتها كانت ساخرة، لكنّ لمساتها على ظهري كانت ناعمة بشكلٍ لا يُوصف.
فتوقّفتُ عن المقاومة. ‘كابوس…’
هل كانت كلّ تلك الأحداث… مجرّد حلم؟
رفعت رأسي ببطء، فابتسمت لي أختي وقد التقت عيناها بعينيّ.
“ما ذلك الحلم الذي جعلكِ تتدلّلين بهذا الشكل؟”
“مـ… مياو… موويانو؟ (أختي، ألا تتذكّرين؟)”
قالت القدّيسة إنّ أختي كانت السبب في موت أخي أدريان.
لذلك ربطها الناس على منصة الإعدام وأحرقوها…
‘لا.’
كنت أحاول شرح ما حصل، لكنّني تخلّيت عن الفكرة.
واكتفيتُ بجمع المعطيات الحاليّة:
هذا تقويمٌ يحمل تاريخ عشر سنوات قادمةٍ.
أختي، التي ما زالت على قيد الحياة من دون أيّ أثر احتراق.
وأنا، التي ما زلت أرتاح أكثر في هيئة قطة لأنّني لم أعتد على الهيئة البشريّة بعد.
كلّ هذه المؤشّرات تدلّ على أمرٍ واحد: ‘يبدو أنّني عدتُ إلى الماضي!’
“مياو.”
رفعتُ قدمي الأماميّة اليسرى.
فتحرّكت القطة البيضاء داخل المرآة، ورفعت قدمها أيضًا بوجهٍ عبوس.
“مياااو.”
رفعت قدمي اليمنى.
فقلّدتني مجدّدًا.
والآن أصبحت هيئة القطة أشبه بمن يرفع كلتا يديه بحماسة، كأنّها مشجعةٌ صغيرةٌ: “يعيش يعيش!”
عيناها الزرقاوان تحدّقان بي بثبات.
نعم، هذه هي صورتي الحالية.
أنا، ميبيل، القطّة العزيزة الوحيدة لأختي!
ولكن، ما هو الفاميليار؟
إنّه كائنٌ خاصّ، ترتبط روحه بساحر.
أختي، في لحظات احتضاري، شاركتني جزءًا من سحرها، وأعادت لي الحياة.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت علاقتنا لا مثيل لها في هذا العالم.
‘لكن، هذا لا يعني أنّني أستطيع استخدام السحر ببراعة مثلها…’
صفعت الأرض بذَيلي بضيق، ثمّ تنهدت.
‘وفوق هذا، أنا فاميليار كثير الأخطاء، حتّى التحوّل إلى هيئة بشرية لا أجيده.’
لا بل، كنت سببًا في سقوط أختي. لأنّني كنت عاجزة، انتهى بها الأمر بين يدي البشر…
“مييااووو!!”
امتلأ بصري بالغضب، وصرت أرتجف.
تلكَ الوحوش البشريّة!
بسببهم، تعرّضت أختي لتلك النهاية الفظيعةِ!!
“الساحرة أغوت البطل!”
أيّ كذبة هذه؟!
أصلاً، لا سبب لأختي أن تغوي البطل من الأساس. هي بالكاد تطيق البشر، وكانت تعيش وحدها في الجبل.
وفي يومٍ من الأيّام…
“ميااا، ميا! (أختي، هناك رجل!)”
خرجتُ للتنزّه، فوجدت رجلًا مُصابًا بشدّة وممدّدًا على الأرض.
كان هو… أدريان فون فالنسيا.
شعره الذهبيّ يلمع تحت الشمس، وعيناه الخضراوان تشعّان مثل الزمرد…
ولم أكن أعلم أنّه محبوب كنيسة ريغاليس، وبطلها.
بل، هو الابن الثاني لأعظم دوقيّة في الإمبراطوريّة، عائلة فالنسيا!
“لقد أنقذتُ حياتكَ، الآن اخرج من هنا.”
ما إن انتهت أختي من علاجه، حتى طردته بوجهٍ بارد.
لكنّ أدريان أصرّ أن يرافق أختي. “تعالي معي إلى العاصمة، أرجوكِ.”
قال إنّ عدد الوحوش يزداد بسرعة، وهو يتنقّل وحده محاولًا كبح الأمر.
وبما أنّ أختي كانت تستشعر خطر الوحوش أيضًا، فقد وافقت على عرضه.
وهكذا رافقته إلى العاصمة.
ولكن في أحد الأيّام…
خرج أدريان في مهمّة إبادة للوحوش، ثمّ اختفى.
فألقى الجميع اللوم على أختي سابينا…
“ميااوو…”
حين تذكّرتُ آخر لحظاتها، كدت أنفجر بالبكاء، لكنّني تماسكْت.
لا يمكنني أن أكون قطةً ضعيفة بعد الآن.
لا يمكنني أن أفقد أختي مرّة أخرى.
‘يجب أن أصبح قويّة، مهما كلّف الأمر!’
رفعتُ رأسي بإصرار.
لن أكون عبئًا عليها كما كنت في السابق.
ولهذا… ‘عليّ أولًا أن أنجح في التحوّل إلى إنسانة!’
ضيّقت عينَيّ، وحدّقت بالقطة البيضاء ذات الفرو الناعم الكثيف.
“مياا.”
تذمّرتُ، فردّت القطة في المرآة بنفس التذمّر.
أعلم أنّ أختي تحبّ هذه الهيئةَ.
لكن، لا يمكنني حمايتها بهذه الهيئة الصغيرة!
ربّما لم أكن قادرة على التحوّل في هذا العمر سابقًا…
لكن الآن، بعد أن عُدت، فالأمر مختلف! ‘سأبدأ بالتحوّل البشريّ في عمرٍ أبكر هذه المرّة!’
وسأكتسب القوّة لحمايتها!
أغمضتُ عينَيّ بشدّة، وبدأت أركّز.
ولكي أتحوّل، عليّ أن أستخرج السحر الذي منحَتْني إيّاه أختي.
كلّ شيءٍ أسود…
ابتلعت ريقي. ‘ركّزي.’
صحيح أنّني لا أرى شيئًا… لكن لا بأس.
كلّ ما عليّ هو تذكّر شعور التحوّل حين نجحت فيه لأوّل مرّة.
بكلّ ما أوتيت من شوق، بدأتُ أفتّش في داخلي. ‘أنا واثقة… إنّه موجود.’
سحرٌ دافئ يشبه أختي…
وبعد وقتٍ طويل من التأمّل، ظهرت نقطة ضوءٍ صغيرة في العتمة.
تألّقت تلك النقطة الأرجوانيّة المتلألئة أماَمي…
‘وااه!’
صرختُ فرحًا دون وعي. ‘وجدته!’
مددتُ مخلبَيّ وخطفتُ الضوء فورًا.
وفي تلك اللحظة، انبعث من جسدي نورٌ ناصع أبيض.
كان ناعمًا كزغب الهندباء، وحريريًّا كالصوف.
وأخيرًا، تلاشى الضوء بهدوء.
رمشتُ، ثمّ فتحت عينيّ بثقل.
وانعكست في المرآة… هيئة فتاة صغيرة.
شعرٌ فضّي طويل يتلألأ.
عينان زرقاوان تشبهان سماء الصيف.
وجنتان ممتلئتان، عمرها ست سنوات!
“واااه!”
أنا التي في المرآة، قبضتُ على قبضتَي بحماسةٍ وابتسامةٍ عريضةٍ.
انفلتت منّي ضحكةٌ لا إراديّةٍ. “لقد نجحتُ!!”
لكن، في تلك اللحظة بالضبط…
طَق انفتح الباب.
أطلّت أختي سابينا من خلفه.
“مي، ماذا تفعلين هنا لوحـــ”
خَرَش!
سقطت السّلّة من يدها، وتبعثرت الأعشاب الطبّية على الأرض.
تجمّد وجه أختي، ومعه تجمّد جسدي بالكامل.
‘هاه!’
اختنقتُ، لأنّ سحر أختي كان قد كبّل جسدي بالكامل!
‘لا… لا أستطيع التحرّك!’
كانت تحدّق بي بعينيها الحمراوين المليئتين بالقتلِ.
“من أنتِ؟”
“أ… أختي؟ إنّها أنا… ميبيل!”
بدأتُ أفتح فمي بلا صوتٍ، وكان وجهي شاحبٌ كالثلجِ.
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 2"