كان المكان الذي أخذنا إليه أخي أدريان بحيرةً واسعةً تقع وسط غابةٍ كثيفة.
“واو!”
ابتسمتُ بمرح وأنا أركض نحو البحيرة.
عندما اقتربت، تدفّقت المياه بلطف على رمالٍ بيضاء ناصعة.
“آه!”
خوفًا من تبلّل قدمي، تراجعتُ بسرعة إلى الخلف.
رفعتُ رأسي، فرأيتُ سطح البحيرة يتلألأ تحت أشعّة الشّمس.
كان البريق رائعًا لدرجة أنّه يُشبه مسحوق الأحجار الكريمة المرشوش.
“جميلٌ جدًّا!”
اقتربتُ من الماء بحماسٍ شديد، لكن أختي نادتني من الخلف:
“مي، لا تقتربي كثيرًا من الماء. إنّه خطر.”
لكن، على عكس كلامها، كان وجهها مسترخيًا.
“انظري، أختي.”
نظرتُ إليها بفخر.
“ألم يكن من الجيّد أن نخرج؟”
فجأة، تشنّجت أختي.
لم أكن أنا فقط، بل حتّى أخي أدريان، الذي اقترب دون أن نشعر،
كان ينظر إليها بعينين متلألئتين!
“…”
“…”
لم تستطع أختي تحمّل هجوم أعيننا، فأجابت بتردّد:
“حسنًا… يبدو كذلكَ.”
“أليس كذلك!”
“مي الصّغيرة، كلامكِ رائع!”
هتفنا أنا وأخي أدريان معًا.
هزّت أختي رأسها وقالت:
“يا إلهي، ألا تتّفقان كثيرًا؟ مع أنّكما لم تلتقيا سوى مرّة واحدة.”
ضحك أخي أدريان بمرحٍ وقال:
“بطريقةٍ ما، أشعر وكأنّنا نعرف بعضنا منذ زمن.”
ثمّ نظر إلى عيني بلطف وسأل مازحًا:
“إذن، ألا تعتقدين أنّنا مُقدّر لبعضنا، مي؟”
تجمّدتُ أنا وأختي للحظة.
“نـ-نعم! بالطّبع! إنّه القدر!”
ضحكتُ بإحراج وأومأتُ بسرعة.
لكن أختي سابينا فتحت عينيها بنظرةٍ حادّة وقالت:
“من قَدَر من؟ مي هي…”
لم تستطع قول “رفيقتي”، فأضافت:
“…أختي الصّغيرة!”
ردّ أخي أدريان بوجهٍ متردّد:
“من قال غير ذلك؟”
بسبب ردّه الهادئ، بدت أختي سابينا وكأنّها هي من بالغت في ردّ فعلها…
ابتسم أخي أدريان بعينيه واقترح:
“على أيّ حال، ألستم جائعين؟ هل نأكل الغداء أولًا؟”
وهكذا، جلسنا تحت ظلّ شجرة.
“هل أعددتَ هذا بنفسكَ، أدريان؟”
حدّقت أختي سابينا بعينين مستديرتين.
كان من الطّبيعي أن تتفاجأ، فقد كان الغداء الذي أعدّه أخي فاخرًا للغاية.
لكنّه عبّر عن ذوق أخي بشكل مبالغ فيه بعض الشيء.
“هل إذا لم تأكل اللّحم في وجبةٍ واحدةٍ، تشعر بوخزٍ في فمك…؟”
تلعثمت أختي دون قصد، ثمّ لاحظتْ متأخّرةً وجه أخي أدريان المتألّم قليلًا.
سألها أخي بنبرةٍ متجهّمة:
“هل هو سيّء لهذه الدّرجة؟”
“لا، ليس هذا قصدي!”
سارعت أختي بالاعتذار:
“شكرًا لكَ. لقد بذلتَ جهدًا كبيرًا.”
عندها فقط، بدأ وجه أخي الحزين يسترخي قليلًا.
ابتسم أخي بمرحٍ وقال:
“كفى كلامًا. هيا نأكل!”
أمسكتُ بكعكة واحدة بالشّوكة، بينما أخذ أخي أدريان شطيرةً محشوّة جيّدًا.
في هذه الأثناء، أكلت أختي سابينا فطيرة التّفاح التي أحضرها أخي كحلوى.
أنهتْ قطعةً كبيرةً من فطيرة التّفاح بأناقة.
‘غريب.’
بينما كنتُ أمضغ شطيرتي، نظرتُ إلى أختي بتفحّص.
لم تكن أختي مُهتمّة بالطّعام عادةً.
نظرت عيناها الحمراوان إلى علبة فطيرة التّفاح بعناية.
[مخبز لُوات.]
كان اسم المتجر مكتوبًا على العلبة.
في تلك اللّحظة، سألها أخي:
“لِمَ؟ هل أعجبتكِ فطيرة التّفاح؟”
“حسنًا، قليلًا.”
بدون حدّتها المعتادة، أجابت أختي بنبرةٍ أكثر ليونة.
حتّى أنا شعرتُ بذلك.
كنتُ شبعانةً إلى حدٍّ ما، وجسدي مسترخٍ، وأشعّة الشّمس دافئة،
والهواء الخفيف يهبّ برفق، كلّ شيءٍ كان ممتعًا.
لا بدّ أن أختي تشعرُ بالمثل،
والأهمّ من ذلك، هذه ربّما المرّة الأولى منذ زمنٍ طويل التي تقضي فيها وقتًا خارج المنزل؟
أنا، بصفتي قطةً أحيانًا، كنتُ أتجوّل لتفقّد المنطقة،
لكن أختي سابينا كانت دائمًا مُحتجزةً في المنزلِ.
“بالمناسبةِ، كيف حال المناطق خارج العاصمة هذه الأيّام؟”
“الوحوش ما زالت في ازدياد.
لكن الآن، الأراضي المختلفة تتصدّى لها جيّدًا…”
غرقت أختي وأخي في حوارٍ عميق دون أن يشعرا.
‘حسنًا، إذن.’
درتُ بعيني، ثمّ تراجعت بهدوءٍ إلى الخلف.
هذا هو الوقت المناسب لتركهما.
بهذه الطّريقة، يُمكنهما التّحدّث براحةٍ أكبر، أليس كذلك؟
‘وإذا اقتربَ أختي وأخي أكثر…’
ههه.
غطّيتُ فمي وأنا أضحكُ بهدوء.
في تلك اللّحظة التي كنتُ غارقةً في أحلامٍ ورديّة،
“ميبيل.”
تجمّدتُ فجأة.
عندما التفتّ، رأيتُ أختي تنظر إليّ بعينين متيقّظتين.
“إلى أين؟”
“مـ-ماذا؟”
“ألم تُخبريني أنّكِ ستبقين بجانبي؟”
قالت أختي سابينا بحزم.
سال عرقٌ بارد وأنا أجبْت:
“سأتجوّلُ قليلًا فقط. لا يمكن؟”
نظرتُ إليها بنظرتي البريئة المتوسّلة.
تلقّي هجوم عيني المتلألئة!
بعد معركةٍ طويلةٍ بالنّظرات، تنهدّت أختي أخيرًا.
“لا تذهبي بعيدًا. العبي هنا فقط. مفهوم؟”
“نعم!”
أومأتُ بسرعة، ثمّ هربت من المكان.
بعد أن ابتعدتُ قليلًا،
نظرتُ خلفي، فرأيت أختي وأخي يتحدّثان بهدوءٍ مرّةً أخرى.
ابتسمتُ بعيني.
‘استمتعا بوقتكما!’
لكن، خلافًا لتوقّعات ميبيل، لم يستمرّ الحديث بين سابينا وأدريان طويلًا.
فقد بدأت سابينا، التي غلبها النّعاس، تنام وهي تهزّ رأسها.
“سابينا.”
“…”
“سابينا؟”
ناداها أدريان مرّتين، ثمّ خدش ذقنه بحرج.
‘نامت.’
في الحقيقة، كان لدى سابينا ما يُبرّرها.
بسبب الخلاف الأخير مع أدريان، كانت متوتّرة باستمرار،
وعندما تصالحا، انهارت كلّ توتّراتها.
‘هذه أوّل مرة أرى فيها سابينا نائمةّ.’
نظر أدريان إليها بتفحّص، ثمّ مدّ يده بحذر.
كان رأسها يتمايل بشكلٍ يبدو غير مريح.
لجعل نومها أكثر راحة، ساعدها على الاتّكاء على جذع الشّجرة.
‘…نَمي جيدًا.’
لم يستطع أدريان رفع عينيه عن سابينا النّائمة.
تحت جفونها المغلقة بهدوء، استقرّت رموشها البنفسجيّة الوفيرة كالفراشات.
تسرّب صوت أنفاسها الهادئة من بين شفتيها الحمراوين المفتوحتين قليلًا.
ابتسم أدريان بخفّة.
‘دائمًا ما تكون حادّةً، لكن…’
وجهها النّائم بريءٌ كطفلة، أليس كذلك؟
في تلك الأثناء،
عبست سابينا قليلًا.
“أمممم…”
يبدو أنّ أشعّة الشّمس التي تتسلّل عبر الأوراق تُزعج عينيها.
‘آه.’
فكّر أدريان للحظة، ثمّ وضع يده ليحجب الشّمس مؤقّتًا.
في الحال، استرخى وجه سابينا.
حرّكت شفتيها قليلًا، ثمّ ابتسمتَ برفقٍ.
‘آه.’
توقّف أدريان عن التّنفّس دون قصد.
للحظة، شعر وكأنّ قلبه هبط بقوّة.
كان قلبه ينبض بشكلٍ غير منتظم: دق، دق دق.
كانت تلك اللّحظةَ تبدو كالأبد.
أصبحتَ حاسّة البصر حسّاسة للغاية.
كلّما هبّت نسمةٌ خفيفة من البحيرة، اهتزّ شعرها البنفسجي بلطف.
كان ظلّ رموشها يُغطّي خديها البيضاء النقيّة.
لم يستطع أن يرفع عينيه عنها…
لكن في تلك اللّحظة،
خشخشة.
مرّ نسيم عبر الأعشاب، مُحدثًا صوتًا خفيفًا.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات