تنفّست سابينا بعمقٍ شديد.
كان أدريان يتحدّث بهذا الشّكل، فلم يكن بإمكانها الاستمرار في التّظاهر بالجهل أو التهرّب.
‘أريد أن أثق به.’
كانت حقًا حمقاء.
رغم أنّها تعرّضت للخيانة من البشر مرّات عديدة، إلا أنّها عادت فوضعت آمالها فيهم، هي نفسها…
وهي تحاول تهدئة شعور العار الذي ظلّ يتصاعد، استدارت سابينا عمدًا ببرودٍ أكبر.
“اتبعني.”
بعد لحظات.
أدريان وضع قدميه أخيرًا داخل المخزن.
المخزن الذي كان من المُفترض أن يكون ممتلئًا بالأعشاب والكواشف، خاويًا تمامًا.
لم يُبدِ أدريان دهشةً.
بل التفت إلى سابينا بوجهٍ بارد كشفرة سكّينٍ حادّة.
“منذ متى وهو بهذا الحال؟”
“سيّد أدريان.”
“منذ متى، هكذا.”
توقّف أدريان عن الكلام للحظة.
في تلك اللحظة، أدرك حقيقةً جديدة.
عندما يبلغ الغضب ذروته، يصبح العقل خاليًا تمامًا.
يغلي الدّاخل، فلا يخرج من الفم كلامٌ متماسك.
كان هو من أحضرها.
بمعنى أنّها من أتباعه.
وأن تُعامل إحدى أتباعه بهذا الشّكل غير العادل…
كبح أدريان غضبه بقوّة، محاولًا أن يسأل بهدوء:
“هل كنتِ تعيشين في نقص؟”
نظرت سابينا إلى أدريان بهدوءٍ تامّ.
تحرّكت شفتاها للحظة، ثمّ ألقت بردٍّ حادّ:
“هذا ليس شأنًا يعنيكَ، سيّد أدريان.”
“من فضلكِ، سابينا.”
رفع أدريان صوته دون قصد:
“ما الذي تقصدينه بأنّه ليس شأني؟!”
“لماذا تتصرّف هكذا الآن؟”
في الوقت نفسه، ردّت سابينا بهدوء:
“لم تكن مهتمًّا بهذه الأمور من قبل.”
صوتها الهادئ اخترق أذني أدريان كالإبرة.
“لو كنتَ قد أخبرتني…”
“وماذا كان يجب أن أقول؟”
عينا سابينا الحمروان، اللتين سألتا بهما، كانتا هادئتين تمامًا.
“أنّ عائلة فالنسيا الدّوقيّة تنظر إليّ بعدم رضى؟ أنّهم غير راضين عنّي لأنّني أستخدم الأعشاب والكواشف الثّمينة كالماء؟”
“سابينا.”
“هل كان يجب أن أطلب منك التوسّط لأجلي، سيّد أدريان؟”
تنهّدت سابينا تنهيدةً طويلة بعد سؤالها.
“لكن، هل كان لديّ الجرأة لأفعل ذلك؟ أنا التي لم أحقّق أيّ نتيجة في أبحاثي حتّى الآن.”
“لماذا تقولين هذا، سابينا؟”
عضّ أدريان على أسنانه بقوّة:
“حتّى الآن، لم يحقّق المعبد أو القصر الإمبراطوري أيّ نتيجة على الرّغم من تحقيقاتهم، أليس كذلك؟ لم يطلب منكِ أحد تقديم حلّ في وقتٍ قريب.
أنا…”
“أعلم، على الأقلّ هذا ما تعتقده أنت، سيّد أدريان.”
أومأت سابينا برأسها، وهي تنظر إليه بهدوء.
“أنا ممتنّة حقًا لهذا. لكن، هل يفكّر الآخرون بنفس الطّريقة؟”
“…”
في تلك اللحظة، تجمّد أدريان تمامًا.
واصلت سابينا حديثها بهدوء:
“ماذا لو تسبّبت كلماتي في إثارة الفتنة داخل العائلة الدّوقيّة؟ ماذا لو تسبّبتَ أنت، يا سيّد أدريان، في إغضاب الدّوق؟”
“هذا…”
“أنا وأنتَ مختلفان.”
انحبست الكلمات في حلقهِ.
عضّ أدريان على أسنانه بقوّة:
‘اللعنة.’
كانت سابينا على حقّ.
عاش أدريان حتّى الآن حياةً لا يُحسد عليها ضمن عائلة فالنسيا الدّوقيّة.
بطلٌ معترف به من طائفة ريغاليس.
الابن الثّاني لعائلة فالنسيا الدّوقيّة.
هذا المنصب جعله قادرًا على العيش دون الاكتراث لأيّ شيء.
لم يضطر أبدًا لمراعاة نظرات الآخرين، ولا للقلق بشأن أيّ شيء.
“أنا، حسنًا…”
تحرّكت شفتا أدريان، لكنّه لم يستطع إخراج أيّ كلمة.
في الوقت نفسه، تنهّدت سابينا تنهيدةً طويلة:
“آسفة، يبدو أنّني متوترة بعض الشّيء.”
“سابينا…”
“سأذهب لأرتاح الآن. يجب أن تعود أنت أيضًا، سيّد أدريان.”
رغم نعومة نبرتها، كانت أوامر طردٍ واضحة.
مع تلك الكلمات، استدارت سابينا.
وأدريان…
لم يستطع إيقافها وهي تبتعد.
* * *
كنت مستلقيةً تحت الشّجيرات، أراقب أختي وأخي.
كانا يقفان أمام مخزن الكواشف، يتحدّثان عن شيءٍ ما.
ربّما بسبب المسافة، لم أستطع سماع ما يقولانه بوضوح.
‘هل تفاجأت أختي كثيرًا؟’
شعرت بالأسف دون سبب، فانكمشتُ قليلًا.
‘…ومع ذلك.’
لا يمكنني أن أظلّ صامتةً إلى الأبد وأرى أختي تعاني هكذا.
بينما كنت أهدّئ نفسي بهذه الأفكار، فجأةً…
فتحت عينيّ على وسعهما بدهشة.
‘ما الذي يحدث؟!’
استدارت أختي فجأةً وغادرت المكان.
أخي، الذي بقي وحيدًا، ظلّ ينظرُ إلى ظهرها بعيونٍ شاردة.
لم يستطع إيقافها وهي تذهب.
‘لماذا تصرّفت أختي هكذا فجأة؟’
شعرت بقلبي يهوي.
‘هل تشاجرا؟’
من شدّة الذّهول، نهضتُ من مكاني فجأة.
أنا آسفة حقًا يا أخي، لكن أختي أهمّ بالنّسبة لي.
‘’يجب أن أهدّئ أختي أوّلًا.’
نظرتُ إلى أخي أدريان بنظرةٍ جانبيّة، ثمّ ركضتُ مبتعدةً.
لكن، بينما كنت أركض نحو أختي…
كانت تعابير وجه أخي الحائرة تتراقص أمام عينيّ.
* * *
‘لا أعرف كيف صعدت إلى العربة.’
طوال الطّريق إلى منزل العائلة الدّوقيّة، كان أدريان غارقًا في شعورٍ عميقٍ بالذّنب.
‘نعم، لقد كنتُ غافلًا طوال هذا الوقت.’
كلمات سابينا لا تزال تتردّد في أذنيه.
“لماذا تتصرّف هكذا الآن؟”
“لم تكن مهتمًّا بهذه الأمور من قبل.”
حتّى وهي ترسم تلك الخطوط، كانت سابينا بلا تعبير.
كأنّها لم تكن تتوقّع شيئًا من أدريان على الإطلاق.
“أنا وأنتَ شخصان مختلفان تمامًا.”
تلك الكلمات التي اخترقت صدره كالخنجر.
أغمض أدريان عينيه بقوّة.
كان من المؤسف جدًا أن تقول سابينا، بكبريائها، مثل هذه الكلمات.
لكن، بعيدًا عن ذلك،
‘هناك شيءٌ غريب في الأمر.’
كان الدعم الموجّه إلى سابينا قد نال موافقة أخيه الأكبر، الدوق فالنسيا.
كان الدّوق نفسه يشعر بالقلق إزاء الزّيادة المفاجئة في أعداد الوحوش.
في ظلّ اتفاقٍ مسبق، لم يكن هناك داعٍ لأن يتدخّل أخوه الأكبر ليعيق الأمور.
‘حسنًا، على أيّ حال.’
توقّفت العربة بهدوء.
في تلك اللحظة، فتح أدريان عينيه ببطء.
تحت ظلّ رموشه الذّهبيّة، تلألأت عيناه الخضراوان كشفرةٍ حادّة.
‘المشكلة التي تسبّبت فيها غفلتي، يجب أن أحلّها بطريقةٍ أو بأخرى.’
مع تلك الفكرة، نهض أدريان من مكانه.
دخل المنزل الدوقي، واستدعى سرا أحد جواسيس العائلة.
“أحضر قوائم المواد التي أُرسلت إلى سابينا، كلّها.”
تردّد صوته البارد كالرّيح القارسة.
“وتحقّق أيضًا إذا كان هناك أحدٌ من أفراد العائلة الدّوقيّة قد تغيّرت نفقاتهُ مؤخرًا.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 11"