1
﴿ مقدمةٌ ﴾
‘أرجعوا لي أختي الكبرى.!!’
لكنَ ، لا احدُ يفهمُ ندائي
“الساحرة سَحرت البطل!”
“احرقوا الساحرةَ الشريرة بالنار!”
تردّدت صيحاتٌ مدوّيةٌ كأنّها تودُ تمزّيق الأذنين.
مشاعل عديدةٌ تضيء الليلة المظلمة.
تحت ألسنة اللهب المتماوجة، حدّق الناس بعيونٍ غاضبة.
في نهاية النظرات الحادة، كانت توجد منصّة الإعدام حرقًا.
أكوامٌ مرتفعةٌ من الحطب.
ألسنة اللهب المتلألئة.
وهناكَ وقفت ،أختي الكبرى.
شعرها الأرجواني الجميل كالسوسن المتفحِّ بالكامل.
وجهها الرقيق كأنّه منحوتٌ من الرخام، كان مشوّهًا بالحروق والسواد.
امتلأت عيناي بالدموع.
“مياووو!! (لا! أختي ليست شريرةً!!) “
أردتُ الركض نحو أختي.
كان عليّ إنقاذها من هذا اللهب الطاغِ بأيّ طريقة
“مييياوو!”
عضضتُ القضبان الحديدية بأسناني، وخدشتُها بمخالبي، وتلوّيتُ بجنونٍ.
لكنّ القفص الحديدي الذي سجنني لم يتحرّك قيد أنملة.
“هل ستتوقّف هذه القطّة اللعينة عن إصدار الضجيجِ؟”
في تلك اللحظة، ارتفع جسدي فجأةً في الهواء.
رجلٌ ما رفع القفص، وهزّه بعنفٍ وهو يزجرني.
“مياوو!”
خرجت آهةٌ لا إرادية عندما اصطدم جسدي المتمايل بالجوانب.
تألّم جسمي كأنّه سيتكسّر.
“أليس هذا مثيرًا للدهشة؟”
اقترب الرجل بوجهه من القفص، وتحدّث بابتسامةٍ ساخرة.
“قطّةٌ صغيرةٌ كهذه، ومع ذلك دخلت الساحرةُ في الفخّ بنفسها لإنقاذها.”
أومأ إنسانٌ آخر برأسه موافقًا.
“بالفعل. يقولون إنّ الساحرة تعامل من يعتنونَ بها بحسنٍ… يا لها من مفاجأةٍ.”
“هاها، أن تختار الموت من أجل قطّةٍ عديمة النفع كهذه؟ الساحرة غبيّةٌ حقًا، أليس كذلك؟”
ضحك الرجلان بصوتٍ عالٍ.
انكمشتُ في جسِدي الصغير.
كانت الكلمات التي تخترقني كالخناجر مؤلمةً جدًا.
‘صحيح، كلّ شيء بسببي.’
قبل أيام، حاصر العديد من البشر المنزل الذي كنتُ أعيش فيه مع أختي.
في أيديهم، التي كانت تلمع بنظراتٍ متّقدة، كانت هناك مشاعل وأسلحةٌ حادة.
هربت أختي معي على عجل، لكنّني، بحماقتي، وقعتُ في فخّ نصبوه.
“إذا أردتِ إنقاذ هذه الصغيرة، تعالي إلى هنا فورًا!”
“… حسنًا، لكن لا تؤذوا ميبيل.”
في النهاية، استسلمت أختي لطلباتهم بسهولةٍ من أجَلي.
لو كنتُ أسرع قليلًا، أو لو كانت لديّ القوّة لأحمي أختي.
‘ما كنتُ لأعيقها.’
كان بإمكان أختي أن تهرب بمفردها وتتركني، لكنّها لم تفعل.
وصعدت إلى منصّة الإعدام لتُحرقَ بطاعةٍ من أجَلي.
بسببي.
لتحميني….
“لو لم تكن هذه الساحرة موجودة، لكان بطلنا لا يزال على قيد الحياة!”
في تلك اللحظة، صرخت إمراةٌ بصوتٍ حزين.
رفعتُ رأسي بصعوبة من داخل القفص.
تلك الإمراءةُ التي ترتدي رداء الكاهن الأبيض…
“آه، القدّيسة!”
“لقد جاءت القدّيسة!”
تزاحم الناس ليصلوا إليها.
لم يكتفوا بإحناء رؤوسهم، بل حاول بعضهم تقبيل أطراف ثوبها الأبيض.
‘مخيفٌ.’
بدَوا جميعًا وكأنّهم فقدوا صوابهم.
ابتلعتُ ريقي دون وعي، وفي تلك اللحظة بالذات.
هبّت ريحٌ ساخنة.
تطاير شعرها البني الطويل، محمّلًا بالريح، بعنف.
“معبدنا!”
استدارت المرأة وظهرها للنيران الحمراء.
لمع عيناها القرمزيتان بعزم.
“لن يغفر أبدًا لهذه الساحرة الفاجرةِ المنحطةِ!!”
“ووواه!!!”
“انتقموا لبطلنا!!”
“الموت للساحرة!!”
تردّدت هتافات الناس الصاخبة حتّى آلمت أذنيّ.
علّقتُ الدموع في عينيّ.
لا. أرجوكم، لا تفعلوا هذا.
‘كلّه كذب! إنتقام؟ قتل؟ كانا صديقين مقربين جدًا!!’
أدريان أخي، الذي كان يجلس إلى جانب أختي بمرحٍ.
بالطبع، أعلم أنّ أخي كان البطل المُعترف بهِ من المعبد العظيم.
شخصٌ عادلٌ ونزيه، محبوبٌ من الجميع.
لكن بالنسبة لي… كان مجرّد ‘أخي أدريان’ اللطيف.
كانت أختي تتظاهر بالبرود، لكنّها كانت تستمع بعنايةٍ إلى نكاته التافهة.
لو كان أخي هنا، لقال إنّ كلام القدّيسة كلّه كذب!
عضضتُ القضبان الحديدية مرّةً أخرى بيأس.
لكن النار لم تنتظرني.
ابتلعت الحطب بلا رحمة، وانتفخت بلا هوادة.
الآن، كان وجه أختي بالكاد مرئيًا.
لكن في تلك اللحظة.
نظرت أختي، التي كانت محاطة بالنيران، إليّ مباشرة.
حبيبتيَ ميبيل.
تحدّثت إليّ عينا اختيَ.
رغم الألم، والحرارة، والصعوبة.
رغم أنّها كانت على وشك الانهيار…
مي، أنا بخير. لذا،
ابتسمت أختي برفق من وراء النيران المتأجّجة.
ميبيل، يجب أن تكوني سعيدةً… مفهوم؟
بانتهاء تلك الابتسامة الصغيرة، ابتلعتها النيران المتّقدة من رأسها إلى أخمص قدميها.
“مييياو!!”
أنا، سأكون فتاةً مطيعةً من الآن فصاعدًا.
لن أكون صعبة الإرضاء في الطعام، ولن أطالب بالمزيد من الوجبات الخفيفة.
لن أهرب عندما تطلب منّي أختي القيام بالمهام، وسأدرسُ بجد.
سأصبح مساعدةً رائعةً تُساعد أختي.
‘لذا أرجوكم…’
تحت أجفاني المرتجفة، سقطت دمعةٌ ساخنة.
‘أرجعوا لي أختي الكبرى.’
* * *
“… ـي.”
“….”
“مي!”
رفعتُ جفنيّ فجأةً.
كأنّني غرقتُ في أعماق البحر ثمّ سُحبتُ إلى السطح، كنتُ ألهث.
“هاه، هاهه، ها.”
مع تنفّسي المتسارع، بدأت رؤيتي الضبابية تصبح واضحة تدريجيًا.
‘أين أنا…؟’
بدا المنظرُ الذي حولي مألوفً.
طاولةٌ وكرسيٌ صغيران مصنوعان من خشب الجوز، خزانة أدراج ورفّ كتب.
ستائر لينين بيضاء تتماوج مع نسيمٍ خفيف، وسجادةٌ ناعمةٌ على الأرض.
“مياو؟”
رمشتُ بعينيّ بدهشة.
‘هذا منزلنا، أليس كذلك؟’
توقّف نظري المرتجف على تقويمٍ مكتبيٍ على الطاولة.
“القطّة المرسومة على هذا التقويم، تشبه مي، أليس كذلك؟”
تقويمٌ اختارته أختي بنفسها، مرسومٌ عليه قطّةٌ بيضاء كالثلج.
كان التاريخ المكتوب على التقويم هو 5 مارس 1827.
أمّا اليوم الذي أُحرقت فيه أختي بالنيران، فكان 21 فبراير 1837.
أي بعد حوالي عشر سنوات من تاريخ التقويم.
“مياو؟”
تقويمٌ من عشر سنوات مضت، لماذا هو هنا؟
أملتُ رأسي بحيرةٍ.
لكن في تلك اللحظة.
“مي، ما الذي يحدث معكِ؟”
داعب أحدهم جبهتي برفقٍ.
التفتُّ إلى صاحب اليد تلقائيًا، وتجمّدتُ في مكاني.
“… مياو؟ (أختي؟) “
خرجت من بين شفتيّ آهةٌ ممزوجة بالذهول.
شعرٌ أرجوانيٌ طويل.
عينان قرمزيتان تلمعان كالياقوت.
ومظهرٌ متعالٍ.
كانت أختي، التي رأيتها تُحرق أمام عينيّ، تَنظر إليّ بقلقٍ، وتبدو سليمةً تمامًا دون أيّ أذى.
التعليقات لهذا الفصل " 1"