لهاث… لهاث…
كان هناك رجلٌ مذعورٌ يجري بجنون عابرًا الغابة. ن قلبه ينبض بسرعة وأنفاسه الحارّة تشق حلقه وتندفع خارجة.
فشعر وكأنه سيموت اختناقًا في أي لحظة.
ومع ذلك، لم يكن بوسعه التوقف عن الركض.
“ما هذا……ما هذا بحق……”
دق… دق… دق…
شعورٌ مرعب كان يلاحقه من الخلف. و رغم أن المسافة بينهما كانت كبيرة، إلا أن الصوت كان هائلًا.
من شدة الخوف الذي شعر أنه سيبتلعه من الخلف في أية لحظة، ابتلع ريقه الجاف وواصل الجري بلا توقف.
كانت الأرض موحلة بسبب الأمطار التي هطلت منذ عدة أيام. وقد تكون الأمطار قد توقفت هذا الصباح، لكن طين الغابة الكثيفة لم يكن لِيَجِف بسهولة.
عض الرجل على أسنانه.
‘تباً! لم يكن عليّ دخول هذه الغابة اللعينة!’
كان صائدًا غير شرعي يتنقل في أرجاء الإمبراطورية. و يصطاد الحيوانات المحرّم صيدها في الغابات المحرّمة.
“أنت تملك قلبًا قويًا فعلًا، ماذا ستفعل إن أمسكت بك السلطات أثناء الصيد الجائر؟”
هكذا كان البعض يقول له، لكنه لم يكن ليأخذ الأمر على محمل الجد.
“يا رجل، الأشياء المحظورة هي دومًا الأغلى ثمنًا! إن حاولت أن تعيش بصدق فستنتهي مفلسًا لا محالة.”
وعندما يجيب بهذا الإخلاص ويشتري للآخر كأسًا من الشراب، ينظر له الآخرون باستغراب لكنهم يتقبلون الشراب بسرور.
ثم، وكأنهم يسددون ثمن ما شربوه، يدلونه على وجهته التالية.
“بما أننا نتحدث عن الأماكن المحظورة، هناك غابةٌ قريبة يُمنع دخولها.”
“أوه، غابةٌ ممنوعة؟”
“نعم، تقع شمال إستان ويقال أن دخولها محظورٌ تمامًا.”
“حقًا؟ وما السبب؟”
“أنا نفسي لا أعرف السبب. ربما تظهر هناك وحوشٌ خطيرة؟ أو ربما مدفونٌ فيها مورد مهم ما.”
كان سببًا يبدو معقولًا.
“سواءً كان الأول أو الثاني……كلاهما يثيران شهيتي.”
قرر فورًا أن تكون الغابة الشمالية من إستان وجهته التالية.
الغابة المحظورة! الأشياء المحظورة!
لطالما جلبت له تلك الأشياء الثروة، ولن تكون هذه المرة استثناءً.
أقام الرجل في إستان وبدأ يجمع المعلومات عن “الغابة الشمالية”. وبحسب ما جمعه من معلومات، لم يكن هناك حرسٌ يحرسون الغابة.
كانت هناك فقط حواجزٌ من الحبال، وتلك يمكنه ببساطة أن يقفز فوقها.
‘يجب أن أذهب فورًا.’
وفي أثناء هطول المطر، قام بصيانة قوسه وأسلحته، وما إن توقفت الأمطار حتى توجه نحو الغابة.
لكن ذلك كان قرارًا خاطئًا.
“تباً……تباً!”
الآن، لم يكن يندم فقط على دخوله “الغابة الشمالية”، بل على اختياره مهنة الصيد الجائر من الأساس.
لهاث… لهاث…
كانت أنفاسه تخرج بعنف.
لكن، لحظة.
‘هذا الصوت……لا يبدو أنه أنفاسي……’
لم تكد هذه الفكرة تخطر بباله حتى…
كييييييخ-!
انقض عليه وحشٌ أسود بأربعة أرجل مطلقًا صرخةً تقشعر لها الأبدان.
“آاااه! آآاااااه!”
صرخ الرجل وهو يحاول المقاومة، لكنه لم يستطع الحراك.
فقد اقترب منه جسدٌ حالك السواد، وسائل أخضر يتقاطر من فمه. وعينان حمراوان تلمع فيهما نية القتل.
“ما هذا……! ما هذا بحق……آاااه!”
لم يرَ شيئًا كهذا طوال حياته أبداً.
لقد جاب العديد من الغابات، واصطاد حيوانات نادرة لا تُحصى. وكان يظن أنه يعرف عن الحيوانات أكثر من أي أحد، ويفتخر بذلك……
‘لكنني لم أرَ أو أسمع بشيءٍ كهذا من قبل!’
قطرة-
سقط السائل الأخضر على وجهه، وكان رطبًا ولزجًا. وسرعان ما بدأ ألمٌ لاذع يتصاعد من مكان ملامسته.
……تباً.
شعر الرجل بذلك مباشرة. أن هذا المكان سيكون قبره.
ولم يكن حدسه خاطئًا.
كراااااه-!
و تبع زمجرة الوحش العنيفة صوت بشعٌ ووحشي.
***
“هاااام.”
ناولني هيلديون كوب ماءٍ وهو ينظر إليّ أتثاءب بكسل.
“آه، شكرًا لكَ.”
كنت عطشى في الأساس، فكان الأمر مناسبًا.
بعد أن شربت الماء، دخلت الحمام وأخذت استحماماً سريعًا ثم خرجت.
“لقد استيقظتَ مبكرًا اليوم أيضًا.”
“استيقظت عينيّ مبكرًا، لا أعرف لماذا.”
“آه، على ذكر ذلك……أظنني سمعت صوت تنبيه أثناء نومي……هل تحولتَ إلى طفل؟”
“أوه……هل سمعته فعلًا؟”
“سمعته فعلًا، لكنني عدت للنوم بسرعة.”
“هذا جيدٌ إذًا.”
أجاب مطمئنًا وهو يحمل منشفةً ويقف خلفي.
“يجب أن نجفف شعركِ.”
“هل ستجففه لي أنتَ اليوم أيضًا يا ديون؟”
“إنها من هواياتي.”
“يا للروعة، هواية حبيبي هي تجفيف شعري؟ أنا محظوظةٌ فعلًا!”
فضحك ديون وهو يبادلني المزاح.
ثم ذهبت وجلست بسرعة على الكرسي، و بدأ ديون في تجفيف شعري.
يداه الكبيرتان كانت تضغط بلطفٍ وتربّت برفق، وتنفض الشعر بعناية. كانت حركاته كمن يلامس شيئًا عزيزًا، فخرجت مني ابتسامةٌ دافئة بلا وعي.
“لا تزال الأمطار تهطل.”
“ستستمر حتى بعد الظهر على الأرجح.”
حتى بعد الظهر؟ همم، إذًا……
“ماذا لو بقينا اليوم في الغرفة وتناولنا الطعام بخدمة الغرف؟ الجو ماطرٌ ولا رغبة لي بالخروج.”
“نعم، فلنفعل ذلك.”
“إذًا، يجب أن أخبر هاميل وفابيان أيضًا بأن يفعلا ما يحلو لهما.”
وفيما كنت أفكر بذلك، خطرت في ذهني صورتا وجهين صغيرين. الطفلين اللذين يأتون لرؤيتنا وقت الغداء والعشاء كل يوم.
“راينا وليون سيشعران بالاستياء، لذا سأطلب من أحد الموظفين أن يترك لهما عِلماً على الأقل.”
في تلك اللحظة، توقفت اليد التي كانت تجفف شعري فجأة.
هم؟ ما الأمر؟
استدرت أنظر إليه متعجبة، وإذا بيده تعود للتحرك من جديد.
“فلنفعل ذلك. سأكتب الورقة بنفسي.”
ما هذا؟ هل كنت أتخيل؟
“حسنًا، شكرًا لكَ.”
مع ردٍ خفيف، ثبتتُ نظري مجددًا على السماء الملبدة بالغيوم.
من دون أن أعلم ما نوع التعابير المعقدة التي كانت تعلو وجه هيلديون خلفي.
***
وهكذا، بعد أن أنهينا تناول الطعام في الغرفة، كنت أنا وهيلديون نستمتع أخيرًا بقضاء بعض الوقت الخاص معًا بعد مدةٍ طويلة.
“بما أن المطر يهطل، ماذا لو بقينا اليوم طوال الوقت محبوسين في الغرفة معاً؟”
عندما أضفت كلمة “معًا”، احمرّ وجه ديون وأومأ برأسه بخجل.
قبلة-
“تعلم أنكَ لطيف، أليس كذلك؟”
“نعم، بشكلٍ مدهش.”
أجاب بثبات تام، ثم بادلني القبلة من جديد.
“لكن رويلا ألطف.”
“هاها……لا يمكنني مجاراتكَ.”
لقد قررت. سأجعل هذا اليوم ساخنًا من البداية حتى النهاية.
وبينما كنت أتهيأ لتقبيله مرة أخرى بحماسٍ مشتعل……
“سيدتي! الأمر خطير!”
ناداتني هاميل من خلف الباب بصوتٍ متوتر، فتوقفنا أنا وهيلديون على الفور.
وبينما كانت أنوفنا بالكاد تتلامس، رمقنا بعضنا بنظراتٍ متفاجئة. و كان صراعٌ صغير اندلع في داخلي.
‘هل……هل أتظاهر بأني لم أسمعها؟’
لكن……
“سيدتي؟!”
صحيح، لا يمكنني التظاهر بعدم السمع. فقد قالت إنها مسألةٌ خطيرة.
ولا يصح تجاهل أمر خطير……
لا، لا يصح أبدًا.
بعد أن ساومت نفسي مرارًا، أجبرت جسدي على النهوض. و لم أستطع منع تنهيدة من التسرب بين أسناني.
“سأذهب وأعود……وسنكمل ما بدأناه، لذا خذ هذا بالحسبان.”
“بكل سرور.”
أجاب هيلديون مبتسمًا ونهض هو أيضًا.
“هل أرافقكِ؟”
“لا، سأذهب وحدي. إن احتجت شيئًا سأناديك، فاسترح قليلًا.”
تردد هيلديون للحظة، ثم أومأ برأسه.
“وعد، حسنًا؟”
“نعم، إنه وعد-”
“سيدتي!!”
“أجل، أنا قادمة!”
أجبتها وأنا أهرع إلى الباب.
وما إن فتحته حتى التقت عيناي بعيني هاميل، التي كانت تقف أمام الباب وكأنها تستعد لتوجيه ضربة مفاجئة.
“……ما هذا الوضع؟”
“ما هو؟ إنه الطرق طبعًا!”
لو طرقت الباب مرتين إضافيتين، لانكسر.
“آه، على كل حال! الأمر خطير، خطيرٌ جدًا!”
“حسنًا حسنًا، ما الأمر؟”
وما إن سألت، حتى أمسكت هاميل بمعصمي فجأة.
“لنذهب لغرفتي أولًا!”
“هممم……حسنًا حسنًا.”
تبادلت نظرةً سريعة مع ديون من فتحة الباب، ثم أغلقته وتبعت هامل.
وحين وصلنا إلى غرفة هاميل، وأخبرتني بماهية “الأمر الخطير”، عقدت حاجبيّ.
“جيلي لا تأكل؟”
“نعم. منذ صباح اليوم وهي خاملةٌ على نحو غير معتاد، ولم تأكل شيئًا.”
هذا فعلًا أمرٌ خطير.
“كانت ضعيفةً أصلًا، فهل تدهورت حالتها أكثر؟”
“مياو……ميااااو.”
عندما لمست ظهرها بلطف، أطلقت جلي مواءً حزينًا وكأنها تتأوه.
“سآخذها وأحاول علاجها بالطاقة المقدسة أولًا.”
“نعم، سيدتي.”
حملت السلة التي كانت جيلي مستلقيةً فيها بعناية، وتوجهت بها إلى غرفتي.
كانت جيلي تقيم في غرفة هاميل طوال هذه الفترة. فبما أنني وهيلديون كنا نتشارك الغرفة، كانت هاميل قد تطوعت للاعتناء بها بنفسها في غرفتها الخاصة.
لكن الآن، وهي مريضةٌ وتئن بهذه الطريقة، بدأت أفكر أنني كان يجب أن أعتني بها بنفسي في غرفتنا من البداية.
‘رغم أنني لا أملك حلًّا أفضل بنفسي.’
حتى عندما كنت أستخدم الطاقة المقدسة على جيلي، لم يكن هناك تحسنٌ يُذكر.
ولا مفر من ذلك. فطالما لم تُحل المشكلة الجذرية التي تسبب مرضها، فلن تزول “حالتها غير الطبيعية” أيضًا.
“هل حالتها سيئةٌ جدًا؟”
عندما عدت إلى الغرفة، سألني هيلديون بوجهٍ يملؤه القلق.
__________________
الي في البدايه شكله كان في نفس الغابه الي كان عندها ذوليك الملثمين
رويلا وهيلديون ياعمري ماتهنّو لهم الي يتجهزون لعرسهم ولاهم الي قعدوا لحالهم 😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 187"