“مثلما تنقطع الاتصالات في موسم الأمطار أو عندما تهب رياحٌ قوية؟”
“أوه! صحيح! تمامًا هذا هو الشعور!”
أجابت هاميل وهي تُصدر صوت طقة بأصابعها.
نعم، إذاً هو نفس مبدأ الواي فاي…..
تذكّرت ذلك الواي فاي التافه الذي كان يتعطل دائمًا في الأيام الممطرة بشدة. و كنت فعلاً أنزعج وقتها…..
“هل جاء موسم الأمطار مبكرًا إلى إيستان؟”
“بعد التأكد، يبدو أنه قد هطلت بعض الأمطار في الأيام الأخيرة.”
“حقًا؟”
إذًا، يبدو أنها بسبب الطقس فعلًا.
رفعت رأسي ونظرت إلى السماء. و كان هناك غيمٌ رمادي خفيف في الأفق.
همم، هل ستمطر هنا أيضًا؟ أتمنى لو تبقى السماء صافيةً دائمًا.
لكن، لا يمكننا مخالفة قوانين الطبيعة كما نشتهي.
وعلى عكس أمنيتي، بدأ المطر يهطل منذ تلك الليلة.
***
تبق تبق-
هيلديون الواقف عند النافذة كان يحدّق في قطرات المطر التي ترتطم بالزجاج.
المطر الذي بدأ في الهطول بخفة منذ الليلة الماضية، استمر حتى صباح اليوم. و لحسن الحظ، لا يبدو أنه إعصار أو شيءٌ من هذا القبيل.
مهما كان حجم السفينة كبيرًا، فهي تظل مجرد سفينة. ومن الطبيعي ألا يُرحب أحدٌ بالطقس السيئ.
ومع ذلك، عندما نظر إلى السماء، بدا أن المطر سيتوقف اليوم أو غدًا.
‘إذًا، لن يكون هناك عائقٌ أمام الحفل الراقص الذي كانت روِيلا تتطلع إليه.’
قال هيلديون ذلك في نفسه بارتياح، ثم التفت بخفة إلى الخلف. و كانت روِيلا نائمةً بعمق وتتنفس بانتظام.
وبابتسامة على شفتيه، أعاد نظره إلى النافذة.
كان يوم هيلديون يبدأ أبكر من غيره. وقد اكتسب تلك العادة من ساحات الحرب التي كان يقاتل فيها الهراطقة.
رغم أنه كان نشيطًا بطبعه منذ طفولته، إلا أن العادات التي اكتسبها من حياة الموت والنجاة في الحرب لم تفارقه بسهولةٍ وظلت راسخةً فيه.
وما من مرة استيقظ فيها متأخرًا، إلا لسبب واحد فقط.
حين يبيت إلى جانب روِيلا.
أهو شعور الطمأنينة الذي يمنحه وجود من يحب بجانبه؟ أم أنه أيضًا من بركة القديسة؟
مهما يكن السبب، فكلما نام إلى جانب روِيلا واستيقظ معها، كان نومه أعمق من المعتاد. لدرجة أنه يتفاجئ من نفسه أحيانًا.
حتى نومه الثقيل قبل عدة أيام كان للأمر ذاته.
وبينما كان يتذكر ذلك مبتسمًا، تجمد فجأة. و تحولت عيناه الدافئتان إلى نظرة حادة في لحظة، ثم نظر إلى يده بانزعاج.
‘يا لها من صغيرة بشكل غير معقول.’
وكان ذلك نتيجة التنبيه الذي أيقظه هذا الصباح.
دينغ-!
<※تحذير من حالة غير طبيعية!
بعد 30 ثانية، ستطرأ حالة غير طبيعية على هيلديون كايروس!>
استيقظ هيلديون فورًا على صوت التنبيه الذي رن قبل عشر دقائق من موعد استيقاظه المعتاد. قلقًا من أن تكون روِيلا قد استيقظت، لكنه اطمأن حين وجدها لا تزال نائمة.
30، 29، 28… 3، 2، 1.
وبعد ثلاثين ثانية تمامًا، تحول جسده إلى جسد طفل صغير.
“تبًّا.”
أن أعيش كطفل منذ الصباح الباكر…..يا لها من معاناة.
لكن ما كان يزعجه أكثر من ذلك هو أن مظهره الطفولي هذا قد بات مألوفًا له شيئًا فشيئًا.
‘لكن، أليس هذا غريبًا؟’
فلم يسبق له أن تحول إلى طفل في هذا الوقت المبكر من الصباح. فعادةً ما كان التحول يحدث في الصباح المتأخر أو وقت الظهيرة، عندما يبدأ معظم الناس أنشطتهم.
‘هل كنت فقط محظوظًا سابقًا؟’
أم أن الوضع قد بدأ يتدهور فعلًا؟
ماذا لو بدأ وقت بقائه كطفل يزداد تدريجيًّا؟…..
“هاه.”
زفر تنهيدةً ثقيلة، ثم قبض يده بقوة.
‘لا يمكن أن يحدث هذا أبدًا.’
خصوصًا وأن زواجه من روِيلا قد اقترب جدًا.
وفوق ذلك، هنالك مشكلةٌ أخرى ظهرت مؤخرًا، ويجب ألا يزداد الأمر سوءًا بسببها.
في الأيام القليلة الماضية، ظهرت له معضلةٌ جدية لم يكن قادرًا على البوح بها لأحد.
‘من المفترض أن جسدي فقط هو من تحول لطفل…..’
فلماذا يشعر وكأن تفكيره وسلوكه أيضًا باتا أكثر طفولية؟ كأن حالته الذهنية تنجرف لتصبح عقل طفل حقيقي.
وكانت بداية هذه المشكلة مع راينا وليون. أو بالأحرى، مع ليون تحديدًا.
على عكس راينا التي كانت تظهر اهتمامًا واضحًا به وتريد التقرب منه، بدا أن ليون مهتمٌ أكثر بروِيلا.
ولأنه شعر بالفضول، سأل راينا على استحياء، فجاءه الرد فوراً،
“ليون من أكبر معجبي السيدة القديسة. وأختي إلينا تقول أن القديسة خارقة. لهذا يحبها. أما أنا فأحبكَ أكثر.”
هكذا كانت الإجابة.
في البداية، لم يُعر الأمر اهتمامًا كبيرًا.
نعم، هكذا إذًا…..إنه طفلٌ يحب روِيلا. ولهذا يحب أيضًا “إلينا”.
لم يأخذ الأمر سوى بهذا الشكل. لكن حين تُجلس روِيلا ذلك الطفل على ركبتيها، وتداعب شعره الأشقر الذهبي بلطف وعشوائية، وتطعمه البسكويت، وتمسح الفتات عن فمه، وتقرب إليه كوب الحليب لتساعده على الشرب، وتقول له بابتسامةٍ يملؤها الحب،
“يا له من لطيف…..أود أن آخذه إلى البيت.”
في كل مرة تقولها وهي تنظر إليه بنظراتٍ لا تتحمل من شدة الدلال، كان هيلديون يتمتم في نفسه،
‘…..لكنها قالت أنني أنا الألطف.’
ويشعر بغيرة غير منطقية، ثم يفزع فورًا،
‘يا إلهي، ماذا أفعل؟ كيف يمكنني أن أغار من طفل؟!’
وكان ذلك يتكرر كثيرًا، حتى وصلت مشاعر الإحباط والمهانة إلى أقصى درجاتها.
‘حتى حين كان يُنظر إليّ كطفل، لم أشعر بهذا القدر من الإذلال…..’
ولكن، من الطبيعي أن يشعر بذلك. فمهما كان جسده جسد طفل، فهو في الحقيقة رجلٌ بالغ.
رجل بالغ يشعر بالغيرة من طفل…..
كم هو مثيرٌ للاشمئزاز، ومقزز، بل ويبعث على الغثيان.
‘لو اكتشفت روِيلا مثل هذه المشاعر داخلي…..’
فهذا وحده كان غير مسموح على الإطلاق.
هيلديون، بجسده الطفولي، أغلق عينيه وأخذ نفسًا عميقًا بهدوء.
‘أنا بالغ…..أنا بالغ..…’
لن أتصرف بسخف بعد الآن.
هكذا انقضى صباحٌ سريّ، لا يعرف أحد عنه شيئًا، سوى هيلديون وحده.
***
“مكافأة. لا، هذه المرة يجب أن أحصل على مكافأةٍ مضاعفة بلا نقاش.”
تمتم هيستين بصوت خافت وعيناه متورمتان تحت ظلال داكنة من الإرهاق. بينما كان مكتبه مغطى بأكوام من الملفات التي تنتظر المراجعة.
كان لديه أصلًا ما يكفي من المهام الخاصة به، لكن الآن عليه مراجعة الأوراق التي تحتاج إلى توقيع ولي العهد أيضًا، مما ضاعف من أعبائه.
‘…..فووو، هناك شيء خاطئ تمامًا في هذا الوضع.’
“كيف يمكن تكليف مجرد مساعد بمهمات ولي العهد؟!”
صحيحٌ أن الأوراق التي يراجعها لم تكن من الملفات المعقدة ضمن مهام ولي العهد، بل كانت تتعلق بأمور بسيطة نسبيًا.
أما الأوراق التي تحتاج لمراجعة حقيقية أو كانت تحمل طابع الأهمية، فكانت تُعرض مباشرةً على الإمبراطور.
‘لكن، دعنا من كل هذا!’
“هذا غير منطقيٍ أبدًا.”
كيف يمكن لمجرد مساعد أن يتولى مهام ولي العهد؟ ماذا لو قام بخداع أو تلاعب أثناء عمله؟ كيف يسمحون بارتكاب أمر محفوفٌ بالمخاطر كهذا؟
‘ولأكون واضحًا، ليس لأنني لا أريد إنجاز كومة العمل هذه. بل لأنني، كمساعد نزيه وكفؤ لولي العهد، أؤمن بأن هذا الأمر خاطئ تمامًا!’
“…..هاه. سأُنهي فقط خمسة ملفات، ثم أذهب لمقابلة جلالة الإمبراطورة.”
‘وسأتقدم باقتراح رسمي: “من غير المقبول أن يتولى مساعد مهام ولي العهد بالنيابة عنه.”’
بهذا التفكير، التقط أول ملف موضوع فوق الكومة التي ترتفِع كأنها برج.
كان مغلفًا بختم شحن خاص، ما زال رطب الملمس، وكأن المطر قد بلله.
“يبدو أنه أُرسل من مكان شهد أمطارًا.”
ثم مزّق الغلاف بعناية، وأخرج ما بداخله.
“….هذا..…”
لقد كانت رسالة واردة من المناطق الشرقية.
لكنها لم تكن من إيستان، الوجهة التي يتجه إليها ولي العهد ورفاقه. بل من شورون، البلدة المجاوردة لإيستان.
“…..طائفة منحرفة؟ يقولون أت جماعة مشبوهة بدأت تظهر مؤخرًا ويُعتقد أنها طائفةٌ دينية زائفة؟”
في كايروس، التي تُعد في حكمها إمبراطورية مقدسة، كانت الجرائم المرتبطة بالدين تُعاقب بأشد العقوبات.
بالإضافة إلى ذلك، وبسبب الحرب السابقة ضد الهراطقة، لم يكن من الشائع ظهور ديانات منحرفة أو طوائف مشبوهة.
أي وقح هذا الذي تجرأ على ارتكاب مثل هذا الفعل؟
إن تم الإمساك به، فعليه أن يتعفن خلف القضبان كما يستحق.
“ولكن…..ظهور جماعة يُشتبه بأنها طائفة منحرفة؟”
غرق في التفكير بوجه متجهم، ثم اتكأ على ظهر الكرسي بتعب.
“لماذا وصل هذا الملف إليّ؟”
مهما نظر فيه، فهو أمر يبدو من اختصاص جلالة الإمبراطور مباشرة.
“…..لا يمكن السكوت على هذا.”
قبض على الملف بيده، ثم نهض فجأةً من مكانه. و خُطته السابقة بأن يُنهي خمسة ملفات ثم يذهب لمقابلة الإمبراطورة أُلغيت تمامًا.
“سأذهب حالًا.”
لابد من مقابلة جلالة الإمبراطور، أو الإمبراطورة، وعرض هذه الوثائق عليهم، مع مناقشة قضايا أخرى أيضًا.
مثلًا، أن يتم إعفاؤه من مهمة القيام بأعمال ولي العهد بالنيابة عنه…..
“مكافأة، ومكافأة إضافية، وفوقها تعويضٌ محترم.”
سيطلب تعويضًا ماليًا محترمًا…..بأسلوب مهذب بالطبع.
كل ما كان يفكر فيه هو أنه لا بد أن يحصل على نتيجة واضحة بشأن أحد الأمرين على الأقل.
___________________
هيستين المسكين😂
المهم باقي 16 فصل يمدي على العيال يمدي……
تخيلت شكل هيلديون وهو بزر واقف عند دريشة والمطر ينزل وهو معصب 😭😭😭😭🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 186"