ردّت نيكيتا على نبرة الإمبراطور الممزوجة بالقلق وهي تلوّح بيدها بخفة.
“هيه، ألم تأخذ عروسنا الجديدة معها مجموعةً من الأشخاص الموثوقين؟ ثم إن فرسان العائلة الإمبراطورية…..أليسوا ثرثارين أكثر مما ينبغي؟”
…..هل من اللائق أن يقول هذا شخص من العائلة الامبراطورية؟
توقف الإمبراطور ليفكر قليلًا، ثم اكتفى بإيماءةٍ خفيفة برأسه مرتين. ففي الواقع، لم تكن كلمات نيكيتا بعيدةً عن الصواب.
“صحيح، فبعض النبلاء قد بدؤوا فعلًا بالتحدث عن الظواهر الغريبة في إستان.”
مع أنهم حرصوا على إرسال نخبةٍ مختارة بعناية، فمن أين تسربت الأخبار؟
فرسان العائلة الإمبراطورية دائمًا ما يكونون مرتبطين بطريقة أو بأخرى بفصائل وتكتلات. ولا يمكن غربلتهم واحدًا تلو الآخر لمعرفة من ينتمي لأي جهة…..
“أرأيتَ؟ في مثل هذا الوضع، لو أرسلنا خلفهم نخبةً من الجنود بحجة الإجازة الخاصة، لكان الأمر مشبوهًا جدًا.”
فقد أُعلن رسميًا أن هذه الرحلة ما هي إلا “إجازة خاصة” للعروسين قبل الزواج.
إجازةٌ منحها لهما كلٌ من المعبد والعائلة الإمبراطورية بعد أن ركضا طويلًا دون راحة.
وكان هذا القرار قد اتُّخذ خشية أن تُكشف التغيرات غير الطبيعية التي طرأت على جسد هيلديون.
“وفوق كل ذلك، هل تعتقد أن أطفالنا مجرد أطفال عاديين؟”
“صحيح، ليسوا عاديين أبدًا.”
أحدهما قديسةٌ تحمل لوكيرا على يديها، والآخر هو ولي عهد هذه البلاد، وأقوى رجلٍ في الإمبراطورية.
‘صحيحٌ أن جسده أصبح الآن في عمر الخامسة، لكنه كان طفلًا ذو قوة أشبه بالوحش.’
وحتى إن صار الوحش وحشًا صغيرًا…..فهو يظل وحشًا في النهاية، أليس كذلك؟
‘وفوق ذلك، قيل أن من رافقوهم أيضًا يتمتعون بقوة لا بأس بها.’
ارتفع كتف نيكيتا بلا مبالاة، ثم ابتسمت ابتسامةً عريضة.
“بالتأكيد، سيعودون بعد أن يُنهوا كل شيءٍ بنجاح.”
“صحيح، لنثق بذلك وننتظر.”
ارتسمت ابتسامةٌ دافئة على وجهيهما وسط يقين لا يتزعزع.
***
السفينة التي ركبناها كانت عبارةً عن سفينة سياحية فاخرة مكونة من ثلاث طوابق. ومن أجل التوجه المفاجئ نحو الشرق، حصل لنا جلالة الإمبراطور على التذاكر بشكلٍ سري.
صحيحٌ أننا لم نحصل على تذكرة من الدرجة الأولى، لكن الدرجة الثانية كانت مرضيةً تمامًا.
‘في الحقيقة، كنت قلقةً من ألا تكون هناك حتى تذاكر من الدرجة الثالثة.’
هل كانت هناك تذاكر متبقية حقًا؟ أم أن والد زوجي المستقبلي، صاحب النفوذ، هو من صنع لنا المقاعد من العدم..…؟
لا أعرف أيّ الإجابتين هي الصحيحة، لكن كنا محظوظين باستخدامنا أسرع وأريح وسيلة مواصلات نحو إستان.
“رئيسة، هل أنهيتِ طعامكِ؟ هل نطلب الحلوى الآن؟”
من أخرجني من دوامة أفكاري عديمة الفائدة كانت هاميل. التي كانت قد أنهت طبقها تمامًا، و تنظر إليّ بعينين تلمعان حماسًا.
أومأتُ لها بخفة، فانطلقت هاميل تطلب الحلوى بفرح.
“بصراحة، بما أن الوجبة تُقدَّم على السفينة، لم أكن أتوقع شيئًا مميزًا، لكن تبيّن أنها أفضل من المطاعم كثيرة! أنا سعيدةٌ جدًا.”
“حقًا؟ هذا رائع. على الأقل إن كنا نعاني، فليكن الطعام لذيذًا.”
“هيه، أي معاناة! أنا سعيدةٌ للغاية لأنني سافرت معكِ، رئيستي. وفوق ذلك..…”
ههه. ضحكت هاميل بطريقةٍ غريبة بعض الشيء، ثم سرًّا ألقت نظرةً على الطفل الجالس بجانبي.
“يمكنني أيضًا الاستمتاع بمشاهدة ألطف طفل في العالم.”
قالت ذلك وكأنها تهمس…..لكنني سمعت ذلك، هاميل.
فهاميل كانت أكثر حيوية من الآخرين…..وأعلى صوتًا قليلًا.
“كـ…..كحم.”
أطلق هيلديون سعالًا خفيفًا، لا أدري إن كان حرجًا أم خجلًا، محاولًا التظاهر بالهدوء.
واو، يبدو رائعًا. يبدو كطفلٍ ناضج فعلًا.
وأنا أتمتم بداخلي بإعجاب لا واعٍ، جاء الموظف يحمل الحلوى، ووضع كوب الشاي بالحليب أمامي وأمام هاميل.
“تفضّلوا، هذا لكم.”
“…..لكني لم أطلب شيئًا.”
“إنه هديةٌ للطفل.”
قال الموظف ذلك وهو يضع كوبًا من الشوكولاتة الساخنة يطفو فيه المارشميلو أمام هيلديون، مع وجه يصرخ بـ “يا له من طفل ظريف!” ثم غادر.
يا إلهي.
“…..هل أبدّل لكَ الكوب؟”
“…..لا بأس…..لأن رويلا تحب شاي الحليب…..سأشرب هذا أنا..…”
لا يبدو عليه أنه بخيرٍ فعلًا.
أجاب هيلديون بحزن، ثم قرّب كوب الشوكولاتة الساخنة من فمه قبل أن يبتعد عنه.
‘آه، ظهرت له شواربٌ من الحليب.’
أسرعت بإخراج منديل ومسحت رغوة الحليب عن فمه جيدًا. فنظرت بفخر إلى وجهه النظيف، لكن عينيّ التقتا بعينيه المتوسعتين من الصدمة.
“أوه…..آسفة، فعلت ذلك دون قصد…..”
“لا…..لا يمكن أن يستمر الأمر هكذا.”
“نعم؟ ماذا تقصد..…؟”
“يجب أن أعود إلى هيئتي الأصلية…..بأسرع وقتٍ ممكن…..لا يمكن أن يُترك الأمر لمجرد أنه…..لطيف..…”
قال هيلديون ذلك برأسٍ مطأطأ وصوت شاحب.
أوه، يبدو حزينًا جدًا كطفل مكسور الخاطر.
أرسلت له في داخلي تشجيعًا صامتًا، ثم ارتشفت من كوب شاي الحليب أمامي.
“على كل حال، لقد تأخر فابيان.”
“غالبًا، ذهب ليتقيأ في مكانٍ ما. يا إلهي.”
“مسكين…..لم أكن أعلم أن دوار البحر عنده بهذه الشدة.”
“تمامًا. إنه يتقيأ في كل وقت، دون توقف..…”
تمتمت هاميل بجدية.
كما هو متوقع، موظفيني رائعون. يبدو أن أواصر الزمالة قد توطدت كثيرًا خلال هذا الوقت. و في النهاية، هاميل أيضًا كانت تقلق على فابيان…..
“حقًا، شهيتي تختفي. مجرد رؤيته تجعلني أشعر بالغثيان، أيييو.”
“…..هل سيكون متجرنا بخير؟”
“نعم؟ ماذا قلتِ للتو؟”
“لا، لا شيء. لم أقل شيئًا.”
كما يقال: “اذكروا النمر يظهر”، فها هو فابيان، الذي هرب أثناء الوجبة، يعود متمايلًا بوجه شاحب كالأموات.
“من شكله، أعتقد أنه يمكننا البدء في التجهيز للجنازة غدًا.”
“لا تقولي ذلك…..بصراحة، حالتي تسمح بإقامتها اليوم حقاً…..أُوه…..”
“حسنًا. سأبدأ بالترتيبات خلال اليوم إذًا.”
قلتُ ذلك مبتسمة، فوجه إليّ فابيان نظرةً حزينة كأنما يقول: “يا لقسوتكِ”.
“تحمّل قليلًا فقط، سأُعد لك دواءً الآن.”
“دواء؟ تقصدين دواء دوار البحر؟”
لمع بصيصٌ حياة في عيني فابيان الواهنتين عند كلمات هاميل المشجّعة.
“نعم، نسخةٌ مطورة من دواء دوار البحر. لذا تحمّل فقط ليوم واحد آخر. سأُنهيه حتمًا بحلول الغد.”
‘أجل، كنت أعلم أن هذا ما ستقولينه! رغم أنك قلتِ منذ قليل أن شهيتكِ فُقدت من رؤيته، ها أنتِ الآن تصنعين له دواءً…..’
انتظر، هل تفعل هذا لأجلها هي؟ حتى لا تفقد شهيتها؟
أبعدت هذه الشكوك التي بدأت تتصاعد في رأسي، ثم سألت هاميل،
“لكن هل يمكنكِ فعلًا الانتهاء منه بحلول الغد؟ لا يوجد هنا مختبر، كما أن المواد على الأرجح ناقصة.”
“هذا صحيح، أعترف بذلك، لكن…..لم أعد أتحمّل رؤيته بهذا الشكل. فقد تذكّرت بعض السحرة الذين كانوا يعملون في برج السحر…..الوضع غير جميل إطلاقًا، بل مقرف، ويجب أن أنهيه سريعًا.”
كلماتها كانت مثل الإبر رغم ابتسامتها المشرقة.
“كل ما أفكر فيه الآن هو أن أنتهي من الأمر بحلول الغد، فدعيني أتولى ذلك.”
…..وإن فشلت في صنع دواء الدوار، فستقضي عليه بطريقةٍ أخرى على ما يبدو.
“أرجوكِ، أتوسل إليكِ…..أووه، إن استمر الأمر هكذا فسأرمي نفسي في البحر..…”
“لا تقلق. سأنهي الأمر بحلول الغد كما وعدت.”
“أجل…..أجل..…”
كان يبدو عليه الإرهاق الشديد لدرجة أنه تمدد فوق الطاولة دون أي مقاومة، غير مدركٍ حتى لو كانت هناك نية للتهكم عليه.
وبينما كان يئن ويضعف أمامنا،
“آه، صحيح. يا رئيسة، لديّ خبرٌ جئت به.”
“أوه، هل وصلتكَ أخبارٌ من العاصمة؟”
في الوقت الحالي، كان مقر <ميلورا> في العاصمة يُدار من قِبل أحد أعضاء نقابة فابيان. وكان يمتلك خبرةً طويلة في العمل معنا (ولو مؤقتًا)، كما أنه من رجال فابيان الموثوقين.
‘يمكن الاعتماد عليه حقًا.’
إضافةً إلى ذلك، كانت من مهامهم نقل أي أخبار هامة عن ولي العهد أو منطقة إستان الشرقية.
“سأدفع لكَ أجرًا محترمًا، لا تقلق.”
“كما يجب. وأتوقع مكافأةً وعلاوة خاصة أيضًا.”
“فهمت، لكن لا تُخبر حتى أتباعكَ بأن سموّه أصبح طفلاً. هذا سرٌ يجب أن يبقى بيننا فقط.”
“لا تقلقي، لن أخبرهم. لستُ غبيًا لأجعل من القصر الإمبراطوري والمعبد أعداءً لي في وقتٍ واحد.”
أجاب فابيان بوجهٍ شاحب، ثم أضاف تمتمةً خافته بصدق،
“بصراحة، لو لم أعرف مثل هذا السر، لكان بالي مرتاحاً…..”
لكنني تجاهلت ذلك وكأنني لم أسمعه.
‘آسفة، فابيان. سأعطيك أجرًا مجزيًا، أعدكَ.’
على كل حال، لنعد إلى الوقت الحاضر.
عندما سألته إن كانت هناك أخبارٌ من العاصمة، هز فابيان رأسه نافيًا.
“لا، ليس من هذا النوع.”
“إذًا، ما الأمر؟”
أطلق فابيان سعالًا خفيفًا، ثم نظر حوله بعين جادة،
“قريبًا، ستُقام حفلةٌ على متن السفينة.”
هاه؟ حفلة…..على متن هذه السفينة؟
“ويُقال أنهم يخططون لعرض ألعابٍ نارية أيضًا.”
ماذا؟ ألعاب…..نارية؟
تطابقت نبرته الغامضة مع ردة فعلي المتوجسة، فتجمد وجهي في الحال.
“وماذا في ذلك، بالضبط؟”
___________________
فابيان متحمس للألعاب الناريه😭😭؟
هيلديون للحين مصدوم رويلا صارت تعامله زي البزر ماعادهب حبيب😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 181"