طنينٌ خافت تردّد من جديد، لم يعد من الممكن عدّ عدد المرات التي اصطدمت فيها الكؤوس ببعضها.
رويلا، التي كانت تجلس معهما مجاملةً لهيلديون ووالدها، غادرت منذ وقتٍ طويل بعد أن تثاءبت عدة مرات.
“لا تُطيلان الجلسة، واشربا باعتدال، ثم افترقا.”
لكن كلمات رويلا ضاعت هباءً، فجلسة الشراب طالت أكثر مما توقّعت.
كانت هناك ثلاث زجاجاتٍ من النبيذ ممددة فوق الطاولة. و وجه الدوق احمرّ تمامًا كالشراب، وقد بلغت ثمالته ذروتها.
أما هيلديون، فعلى الرغم من أنه بدا أقل ثمالة، إلا أنه لم يكن بكامل وعيه أيضًا.
“صاحب السمو ولي العهد…..ابنتي رويلا، أتعلم؟ كانت في الماضي…..مصدرَ متاعب حقيقي.”
“أعلم ذلك. كانت شائعاتها مشهورةً إلى حدّ ما.”
“صحيح. أعترف بذلك. كانت تفعل الكثير من الحماقات. ومع ذلك، صدقني…..كنت أراها غالية جدًا على قلبي. حتى عندما كان الجميع ينتقدها ويصفها بالمشاكسة…..كنتُ أفكر فقط، كيف يمكنني أن أساعدها لتتحسن؟”
“أنت والدٌ عظيم.”
توقّف الدوق عند سماعه هذا المديح الصادق من هيلديون.
“والدٌ عظيم”؟
شعر أن اللقب أكبر مما يستحق، لكنه لم يستطع منع طرفي شفتيه من الارتجاف.
“…..ربما أكون كذلك، هاهاها!”
ثم انفجر ضاحكًا وشرب ما تبقّى في كأسه دفعةً واحدة.
“على كل حال، ابنتي حقًا فتاةٌ مذهلة. أنهت جهلها بنفسها! وصممت نافورةً للتبرعات وقدّمتها للمعبد…”
كان الدوق يبتسم بفخر وهو يعدد إنجازات رويلا.
“صحيحٌ تمامًا. كل خطوةٍ خطتها رويلا تستحق أن تُسجل في كتب التاريخ.”
أضاف هيلديون، بوجهٍ جاد ونبرةٍ أكثر حماسة.
“عندما رأيتها لأول مرة، ظننتُ أنها شخصٌ مدهش بحق. على عكس الشائعات، كانت مشرقةً، ومسلّية، وعادلة، وبالنسبة لي..…”
“…..بالنسبة لكَ؟”
توقف فجأة، فرفع الدوق حاجبيه وسأله مجددًا.
“هل فعلت ابنتي شيئًا لكَ في لقائكما الأول؟”
“قالت أنني…..لطيف.”
“…..ماذا؟”
اختفى أثر الثمالة من وجه الدوق في لحظة.
لطيف؟ هذا الوجه؟ وهذا الجسد؟ وتلك العضلات؟
حتى لو دقّق في كل تفاصيل هيلديون، يصعب العثور على أي شيء يمتّ للجاذبية “اللطيفة” بصلة.
“هل…..هل من الممكن أنكَ سمعتها خطأ؟”
“لا. لم أسمع خطأ.”
وإذا كان بهذه الدرجة من الحزم…..فلا شك أن الأمر حقيقي.
‘رويلا، يا ابنتي، ما الذي..…؟’
لا، لا، مهلاً. بالطبع، سأحترم ذوق ابنتي في النهاية.
في تلك اللحظة، صبّ الدوق النبيذ بسرعة في كأسه وشربه دفعةً واحدة.
قرر أن ينسى تمامًا ما سمعه للتو، فليس هناك أي فائدةٍ تُرجى من تخزين تلك الكلمات في رأسه.
لكن بينما كان يشرب، واصل هيلديون حديثه بثبات.
“رويلا إنسانةٌ رائعة بحق. حتى في المواقف الخطرة، كانت دومًا تندفع دون خوف. وإذا رأَت من يحتاج للمساعدة، سارعت بالعطاء والنُبل.”
“هممم، نعم. هذه بالفعل صفات ابنتي.”
“وليس هذا فحسب. رويلا…”
ومن هناك، توالت كلمات الإعجاب والاحترام في حق رويلا دون انقطاع.
في البداية، كان الدوق يستمع بفخر، لكن ومع استمرار سيل المديح بلا نهاية، بدأت ملامح وجهه تخفت شيئًا فشيئًا.
حتى هو نفسه، كان معتادًا على التفاخر بابنته وابنه في المجالس الأخرى بلا كلل.
“كفى، كفى! لقد سمعتٌ هذه القصة للمرة التاسعة والتسعين الآن!”
“حقًا؟ ممتاز، دعني أكملها للمرة المئة إذًا. عن رويلا وراون، كما تعلم..!”
لكن هيلديون أمامه كان قد تجاوزه بمراحل.
‘انظروا إلى عينيه!’
كلما تحدّث عن رويلا، ازدادت نظراته إشراقًا.
اللحظة التي التقت فيها عيناه الخضراء اللامعة بعينيه، شعر الدوق بشيء ما. إذا ساءت الأمور، فقد يضطر للاستماع إلى هذا الهراء طوال الليل!
“سموك!”
“نعم، يا دوق.”
“أعتقد أنني قد ثملتُ قليلًا. أظن أنه من الأفضل أن أنسحب الآن!”
“يا للأسف. إن كان الأمر كذلك، فعليك أن تذهب لترتاح. لكن، يؤسفني أننا لم نكمل حديثنا اليوم…..هل نرتب لقاءً آخر لاحقًا؟”
لقاءً آخر لاحقًا؟ من المؤكد أن الحديث سيتكرر بنفس الطريقة!
“في الحقيقة، لقد استمتعت بهذا اللقاء كثيرًا. فأنا أستطيع الحديث بحرية عن رويلا أمامكَ، يا دوق. لذا، في لقائنا القادم أيضًا—”
“كفى!”
“…..عذرًا؟”
نهض الدوق من على الأريكة فجأة، متأثرًا بشدة من تصرف هيلديون الذي بدا وكأنه لا يفهم شيئًا على الإطلاق.
“سأعترف بالأمر.”
“تعترف؟”
“أقصد بشأنكما أنتما الإثنين! أعني، ما أهمية اعترافي وقد تمت خطبتكما بالفعل..…”
“لا، إنه أمرٌ مهم.”
رد هيلديون بحزم على الدوق الذي أنهى جملته بتردد وخجل.
“رويلا تكنّ محبةً عميقة لعائلتها أكثر من أي أحدٍ آخر. في قرارة نفسها، كانت تأمل أن تبارك علاقتنا، يا أبي.”
“…..أبي؟”
“لقد باركتنا بالفعل.”
ابتسم هيلديون بلطفٍ وأكمل حديثه.
“من الآن فصاعدًا، سأناديكَ بأبي.”
هاه، يا للدهشة.
تفاجأ الدوق من تغير اللقب السريع إلى هذا الحد.
‘هل من الممكن أنه خطط لكل هذا مسبقًا؟’
راوده هذا التفكير فجأة، هل هو مجرد ضحيةٍ لمكيدة هيلديون؟
“هيا، سأرافقكَ إلى غرفتكَ، يا أبي.”
هيلديون أمسك بذراع الدوق بلطف، بينما كان الدوق يحدق فيه بعينين متسعتين، مائلًا برأسه من الحيرة.
“كرد للعرفان على اعترافكَ بنا وتهنئتكَ لنا، سأدعوكَ مرة أخرى لاستضافتكَ كما يليق.”
“آه؟ لـ، لقد قلتُ أنني أبارككما، فلماذا تريد رؤيتي مجددًا؟”
“لأن عائلة رويلا هي عائلتي أيضًا. والأهم، أنكَ أول شخص أشعر أن الحديث معه سلسٌ بعد رويلا.”
حديث سلس؟ كل ما دار كان مجرد مديح…..لا، بل هوس برويلا لا أكثر!
لكن، حسنًا.
“كحّم. إذًا، في المرة القادمة، دعنا نكتفي بوجبة عشاء بدلاً من الشراب.”
“نعم. سيكون ذلك رائعًا.”
اتخذ الدوق قراره. قبل لقائهما القادم، سيرتقي هو الآخر بمستوى تفاخره بابنته.
كان قراراً من شأنه أن يجعل رويلا تفقد وعيها إن سمعته.
***
“قـ، قلتَ أنكما تحدثتما عن ذلك..…؟”
“نعم، صحيح.”
“…..يا إلهي.”
في اليوم التالي، أطلقت رويلا تنهيدةً عميقة بعد أن سمعت من هيلديون ما جرى في الليلة الماضية.
حتى جيلي، التي كانت تسترق السمع من الخلف، أخذت تهز رأسها و تتمتم،
[إنه مكانٌ لا أريد الانتماء إليه أبدًا، مياااو.]
‘وأنا كذلك، تمامًا! أنا أيضًا!’
نقلت لويلا هذا المعنى بنظراتها وهي تمسك وجنتي هيلديون بكلتي يديها.
“ديون، من الآن فصاعدًا، لا تذهب أبدًا لمقابلة أبي بمفردكَ..…”
لا، بل العكس.
“يجب أن تلتقي به دائمًا بمفردكما! لا أحد معكما، فقط أنتما! مفهوم؟!”
“نعم، سأفعل.”
أومأ هيلديون برأسه، فتنهدت رويلا بارتياح.
“لكن ماذا عن إفراطكَ في الشرب البارحة؟”
“أنا بخير. من يقلقني هو الدوق.”
“والدي؟ لا بد أنه ما زال مستلقيًا على السرير.”
قالت رويلا ذلك بلا مبالاة وهي تهز كتفيها.
“هذا جزاء ما اقترفته يداه.”
“مع ذلك، سأستدعي الطبيب.”
“لقد استدعيناه بالفعل، وفحصه، فلا تقلق. وإن لم يتحسن، يمكنني معالجته بنفسي.”
قالت ذلك وهي تلوّح بيدها أمامه بفخر ظاهر.
“صدق أو لا تصدق، أنا قديسة.”
“حقًا؟ في هذه الحالة، أنا ولي العهد.”
“يا للعجب، يا للمصادفة! يبدو أننا فعلاً مقدران لبعضنا، أليس كذلك؟”
[يالها سخافة.]
تمتمت جيلي، وقد ضاقت ذرعًا، وهي تهز مؤخرتها مغادرةً الغرفة.
“حقًا، إنها قطةٌ سيئ الطباع.”
تمتمت رويلا وهي تنقر لسانها، ثم التفتت ببطءٍ نحو هيلديون.
“إذًا، لقد حصلتَ على اعتراف أبي رسميًا، أليس كذلك؟”
“نعم، تمامًا.”
أجاب هيلديون بسعادة، فمدت رويلا إصبعها لتشبك به طرف كمّه.
“إذًا ما تبقى هو….”
“يبدو أنه حان الوقت لبدء التحضيرات للزفاف. أولًا، لنختر اليوم المناسب—”
“لا، ليس ذلك ما أقصده.”
رغم أن التحضيرات للزواج مهمة، إلا أن ما تريده الآن شيءٌ آخر تمامًا.
قبلة-
شفتا رويلا لامستا شفتي هيلديون بخفةٍ ثم ابتعدتا.
“بما أننا حصلنا على اعتراف رسمي، فقبلة فرحٍ بسيطة أمرٌ لا بد منه، أليس كذلك؟”
“إن كان الأمر كذلك..…”
سرعان ما أحاط هيلديون خصرها برفق.
ترددت رويلا للحظة، ثم انفجرت ضاحكةً ولفت ذراعيها حول عنقه.
“يا إلهي، يبدو أنكَ في غاية السعادة؟”
“نعم، كثيرًا جدًا.”
ابتسم الاثنان وهما ينظران إلى بعضهما، ثم التقيا في قبلةٍ ثانية.
وفي مساء اليوم التالي، كان الدوق يتأوه متألمًا من صداع الشراب عندما سأل جراهام عن حال رويلا،
“الآنسة خرجت في نزهة.”
“خرجت…..؟”
ما هذا الشعور السيئ الذي ينتابه؟
وكما توقّع تمامًا، فقد ناوله جراهام ورقةً صغيرة مطوية، قال أن رويلا تركتها له.
فتحها الدوق بسرعة، ثم سقط مرة أخرى على سريره وهو يصرخ بألم.
“ر…..رويلااااا!”
<ذهبتُ لأقابل ديون! سأعود غدًا، لذا نم باكرًا!
•ابنتكَ رويلا ->
__________________
هيلديون ساقها على الدوق😭😭😭😭
ضحكت الدوق اذا جاه ضغط وسكر اعرفوا ان السبه رويلا😭
راون وين ؟ في الاكاديميه؟ يارب يطلع في الجزء الثاني😔
حاطه كل آمالي في الجزء الثاني ياويل المؤلفة مني.
Dana
التعليقات