كانت رويلا تفرك مؤخرة رأسها التي تشعر بالوخز عندما فتحت عينيها.
“آه يا إلهي، ما هذا المكان الآن؟”
تمتمت رويلا متنهدة وهي تتلفت حولها.
كان الظلام يحيط بكل مكان، وكأن الليل على وشك أن يحل، والظلام الخافت يملأ الأرجاء. لا شك أنها سقطت في مكانٍ غير عادي.
“أتذكر أن هيلديون كان منشغلاً بصد العملاق المعطوب، ثم اندفعت سيلفيا نحوي…..”
لكنها لا تتذكر ما حدث بعد ذلك.
مستحيل، لا يمكن أن تكون قد ماتت على يد سيلفيا هكذا ببساطة.
“…..ها، ها. لا يعقل.”
لا يمكن أن يكون مصير كل ذلك العناء هو الموت العبثي.
وبينما كانت تضحك ضحكةً خفيفة على انكار، سمعت فجأة صوتًا قريبًا مع حركة خفيفة.
[هل…..هل أنتِ بخير؟]
هذا الصوت…..
“جيلي؟”
تحركت رويلا بسرعة نحو مصدر الصوت. وكما توقعت، كان الصوت يعود لجيلي.
“جيلي، كيف وصلتِ إلى هنا؟ وما هذا الحال الذي أنتِ فيه؟”
لكن حالها لم يكن جيدًا. فقد كانت جيلي ممددةً على الأرض، تلهث بأنفاس متقطعة بصعوبة.
فراود رويلا تفكيرٌ مر في رأسها.
سيلفيا التي هجمت. هي نفسها بخير. جيلي بجانبها ممزقة الهيئة. لا يمكن…..
“…..هل أنقذتني أنتِ؟”
[هاها، لحسن الحظ لم أتأخر، مياو.]
“لحسن الحظ؟! بسببي أنتِ في هذه الحالة…..”
“بالضبط. لا تزالين تضحين بنفسكِ من أجل البشر؟ لهذا أنتِ في هذا الوضع البائس، أليس كذلك؟”
تبع صوت رويلا المرتجف صوتٌ حادٌّ مليء بالاستياء.
“سيلفيا.”
متى ظهرت؟
تساءلت رويلا بحذر، حينها همست لوكيرا إليها.
[لا، هذا ليس سيلفيا.]
“ليست سيلفيا؟ إذًا فهو…..”
لم يكن هناك سوى جوابٍ واحد.
“آهوبيف.”
“نعم، أنا من يملك هذا الجسد الآن.”
“لقد انتزعتهُ من سيلفيا.”
“بدقة أكثر، هذه الفتاة هي من أعطتني جسدها. قالت أنها ستمنحني جسدها إذا جعلتها سيدة هذا العالم. وبكل سذاجة، وافقت على الفور.”
يا لها من حمقاء. لم تدرك حتى أنها خُدعت.
الإنسان الذي تحركه رغباته فقط يكون دومًا أحمقًا. وسيلفيا كانت المثال المثالي لهذا النوع.
مع ازدياد قوى الشر في جسد سيلفيا، بدأ آهوبيف المختبئ في ظلها يجد طريقًا للتواصل معها. وحالما أصبح بينهما حوار ممكن، بدأ فورًا بمحاولة إغوائها.
كانت البداية بإخبارهـا الحقيقة.
[أختكِ ماتت منذ زمن بعيد.]
“ماذا؟ هل هذا صحيح؟”
[طبعًا. وأكثر من صحيح.]
تحققت سيلفيا على الفور من حال أختها في الخفاء. وعرفت أن كلام آهوبيف كان صحيحًا.
“لقد خُدعتُ تمامًا. كل تلك الرسائل والتقارير الطبية التي تلقيتها طوال تلك السنين…..كانت مزيفة. كيف يمكن أن يكون هذا؟”
حين عرفت الحقيقة، غضبت سيلفيا. لكنها لم تغضب طويلًا. فقد ارتسم على وجهها تعبيرٌ مريح. لأن أختها كانت دائمًا قيدًا يثقلها.
ذلك القدر الضئيل من الأخلاق. من الضمير. هو ما كانت تمثله أختها المريضة بالنسبة لها. و آهوبيف لم يفوّت الفرصة.
[أعيريني جسدكِ. وسأجعل هذا العالم لكِ.]
“ستجعل العالم لي؟”
[نعم. سيزحف الجميع راكعين عند قدميكِ. أولئك الذين خدعوكِ، الذين احتقروكِ، الذين جعلوكِ بائسة. كلهم. وستصبحين أنت ملكة هذا العالم. ما رأيكِ؟]
لم تحتج إلى كثير من التفكير. فرغبتها في الانتقام من جماعة الملكة، وطموحها لامتلاك العالم. كان الاثنان يتدفقان بداخلها بلا حدود.
لكن كان هناك أمرٌ لم تكن تعلمه.
“حسنًا، سأعيركَ إياه. لكن بالمقابل، اجعلني سيدة هذا العالم كما وعدتني.”
[……بالطبع. أعدكِ.]
كان الشيطان الشرير ماهرًا جدًا في الكذب.
[أعِل لي جسدي! أريد جسدي الآن!]
“شش. أنتِ من أعطاني جسدكِ بإرادتكِ. و متى أعيده؟ هذا قراري وحدي.”
[هذا غير ممكن! لقد وعدتني! أعطني جسدي—]
“حقًا، مزعجة.”
همس آهوبيف بخفة وهو يفرقع أصابعه.
[كيييياااااا!]
وسرعان ما تلاشت روح سيلفيا، التي كانت تثور وتصرخ، وهي تصرخ بألم.
وقد سمع رويلا ولوكيرا صرخة الروح تلك أيضًا.
‘في النهاية، كما في القصة الأصلية…..لا، كما في الماضي، تم الاستيلاء على جسدها.’
لابد أن هذا الجسد أصبح الآن ملكًا لآهوبيف بالكامل.
الوضع سيئ.
عضت رويلا على شفتيها وسألت بصوت حاد،
“ما هذا المكان؟ ولماذا أحضرتني إلى هنا؟”
“هذا فضاءٌ فرعي من صنعي. لا يمكن لأحد أن يجده من الخارج، ولا حتى الاقتراب منه. بمعنى آخر، لو متِّ هنا، فلن يعرف أحد.”
قالت سيلفيا ذلك بابتسامة باردة وهي تتقدم بخطى واثقة.
“أنتِ السبب في كل شيء منذ البداية. لو أنك تصرفتِ بغباء كما ينبغي، لما حدث كل هذا.”
“آسفة، لم أكن أنوي التصرف بتلك الطريقة. لكنني لا أندم على شيء.”
“لسانكِ فقط هو الحي.”
“هذا اللسان بالذات هو ما يجعلني على قيد الحياة.”
“صحيح، هذا سيكون آخر استعراضٍ شجاع لكِ.”
قالت سيلفيا، أو بالأحرى آهوبيف، ذلك وهو يمد يده ببطء.
‘هل سيستخدم تقنيةً غريبة مرة أخرى؟’
ابتلعت رويلا ريقها بتوتر شديد.
[توقّف!]
وثبت جيلي فجأةً من بين ذراعي رويلا، ووقفت تعرج أمام آهوبيف لتعترض طريقه. و في تلك اللحظة، تردد آهوبيف وسحب يده قليلًا.
“…..أنتِ لم تتغير أبدًا. حتى في طريقة تعاملكِ مع البشر.”
[صحيح، وأنت كذلك لم تتغير. للأسف.]
“كنتِ تحبين ثباتي ذاك، أليس كذلك؟”
[…….]
صمت لوكيرا، ولم تستطع أن ترد. فأطلق آهوبيف ضحكةً ساخرة.
“الآن، لا بد أنكِ تكرهينني. ولهذا خبّأتِ قلبي داخل جسد إنسان، آمِلةً أن أظل مختومًا إلى الأبد. بل وحتى…..”
مد يده مجددًا، بصوت بارد كالجليد.
“حاولتِ أن تزيلِي ذاكرتي أثناء إرجاع الزمن للوراء.”
[لقد فهمت الأمر بشكلٍ خاطئ. العبث بالزمن يتسبب بتصادم في خط الزمن. وذاكرتكَ ضاعت بسبب ذلك الارتجاج! ]
“لا أريد أن أسمع المزيد. سواءً كان ذلك عن قصد أم لا، لقد أعدتِ الزمن لتمنعي عودتي، وكل ما حدث بعد ذلك كان نتيجةً لذلك، أليس كذلك؟”
ولم تكن تلك الكلمات خاطئة.
عندما أعادت لوكيرا الزمن، حدث تصادمٌ في خط الزمن، وبسبب ذلك فقد آهوبيف جزءًا من ذاكرته.
ومن بين ما نُسي، كان حقيقة أن قلبه قد خُتم داخل قلب هيلديون. ومع مرور الوقت، تذكّر الأمر في النهاية.
“لو أنني استعدت ذاكرتي قليلاً في وقتٍ أبكر، لكنت أنهيت كل شيء منذ زمن.”
[آهوبيف، كما قلتَ، لقد أعدتُ الزمن من أجل إنقاذ العالم. وفعلاً، الكثير قد تغيّر.]
بخطوة ثقيلة. اقتربت لوكيرا خطوةً من آهوبيف وتحدثت بحزن.
[ذلك الماضي الذي كان يسير لصالحكَ بالكامل، لم يعد موجودًا. لذا، توقف عن هذه الأفعال العبثية. هذه نصيحةٌ لك.]
“مقززة حتى النهاية.”
[آهوبيف.]
“في كل مرة، تتظاهرين بأنكِ تهتمين بي، لكنكِ دائمًا ما تعيقينني وتحاولين قتلي. تدّعين أنكِ في صفي فقط لتسحقيني. بينما أنا…..لطالما كنتُ أفكر فيكِ فقط، وأتحرك من أجلكِ.”
بدأ صوت آهوبيف يتحوّل تدريجيًا إلى نغمةٍ مظلمة وكئيبة. وتلك الكراهية السوداء بداخله لم تعد مخفية، بل بدأت تطفو بوضوح.
في ظل هذا التغير الخطير، تراجعت لوكيرا بخوف وتوتر.
[رويلا، احذري—]
“لا، لا، لم أعد أطيق الاستماع!”
ماذا؟ فجأة؟ في هذا التوقيت؟
[ر، رويلا؟]
‘كانت دائمًا تطلب مني أن أكون أكثر وعيًا……طيب، كوني واعية يا رويلا.’
لكن رويلا لم تعد تحتمل. بل لم تستطع أن تتحمل حقاً. حتى وإن كانت تملك الوعي، فقد نفد صبرها تمامًا.
“كل كلمة من أولها لآخرها مجرد هراء! ما كنت إنسانًا في حياتك السابقة، بل كلب، أليس كذلك؟!”
“…..ماذا؟ هراء؟”
تفاجأ آهوبيف من كلماتها الجريئة وسأل بذهول. فوضعت رويلا يديها على خصرها وصرخت غاضبة،
“نعم، هراء! أي شخص يرى ما يحدث الآن سيظن أنكَ مجرد طفلٍ مدلل يريد اهتمامًا لنفسه فقط! ثم تلقي باللوم كله على جيلي؟! ماذا فعلت جيلي حتى تهاجمها؟ صحيح، جيلي؟!”
[مـ، مياو؟]
“أرأيتَ؟ حتى جيلي تقول نفس الشيء!”
[متى قلت ذلك؟]
بينما كانت لوكيرا تميل رأسها باستغراب، بدأ وجه آهوبيب يظلم تدريجيًا.
“طفلٌ مدلل؟ هل قلتِ أنني أتصرف كطفل؟”
في مواجهة صوته المنخفض المليء بالتهديد ونظراته القاتلة، تراجعت رويلا للحظة.
‘ربما كان يجب أن أتحمل قليلًا بعد.’
لا، فات الأوان. ما انسكب لا يمكن جمعه.
الندم الآن لا يفيد. ثم إن آهوبيف كان سيهاجمنا سواء قلتُ هذا الكلام أم لا. و إذا كنا سنقاتل على أية حال، فالأفضل أن نقول ما في القلب ونقاتل.
عقدت رويلا العزم، وفتحت فمها مجددًا بلا خوف.
“نعم، مدلل. في الحقيقة، كل ما في الأمر أنكَ تغار. غرت لأنكَ شعرت أن لوكيرا تحب البشر أكثر منك، وهذا أغضبك.”
“…..وماذا تعرفين لتتفوهِي بهذا؟ أنا فقط…..لم أحتمل رؤية لوكيرا تتألم—”
“وهذا أيضًا مثيرٌ للسخرية. من يحدد إذا كانت تعاني أم لا هو لوكيرا نفسها. لماذا تحكم بدلًا عنها، وتقرر أن تزيل سبب الألم دون أن تطلب منكَ؟ هل هذا برأيك يُعتبر اهتمامًا بها؟”
لم تأتِ الإجابة سريعًا.
وقف آهوبيف متجمّدًا، وشفتيه تتحركان بصمت. لكن رويلا لم تكن تنتظر رده أصلًا. لأن الجواب معروفٌ مسبقًا.
“لا. هذا ليس حبًا، بل عنفٌ باسم الحب. ما فعلته لم يكن فيه أي اعتبار لمشاعر لوكيرا، بل كان فقط لإشباع أنانيتكَ.”
لوكيرا كانت تحب البشر. ولهذا، حتى وهي تتصدى لتلميذها الذي كان كابنٍ لها، أرادت أن تحميهم. لأنها كانت تحبهم.
“في الحقيقة، لوكيرا هي التي تألمت بسببك. أنت، الذي كانت تحبه وتعتني به أكثر من أي شخص، حاولت تدمير الأشياء التي تحبها لوكيرا. من جرح لوكيرا وآلماها، كان آهوبيف، أنت.”
تذبذبت نظرات آهوبيب. و كأن سهمًا حادًا قد اخترق قلبه.
آلمها.
هل يمكن وصف ذلك بكلمة ” ألم”؟
“أنا أعرف. نعم، أعرف.”
كيف أحبّت لوكيرا البشر. ورغم خيانة البشر في بعض الأحيان، كانت تنسى بسرعة وتبتسم بسبب البشر الآخرين.
و لوكيرا، التي بقيت في عالم البشر…..
“…..كان وقت فرحها أكثر من وقت بكائها.”
ماذا كان شعوره حينها؟
عندما كان يشاهد لوكيرا وهي تضحك مع البشر في حياتها، كان قلبه يشعر وكأنه يلتوي بالألم. و ربما كان يشعر بألم أكثر من حين رؤيتها تبكي.
نعم، كان هذا هو الحال. كان من الصعب عليه أن يتحمل رؤية لوكيرا وهي تضحك أكثر من أن يراها تبكي.
“……ها. هاها.”
ضحك آهوبيف بصوت هزيل وهو يتمايل.
“ماذا به، لماذا يفعل ذلك؟ هل هو مجنون؟”
[هل لأنه تعرض للكثير من الضغط منكِ؟]
“مهلاً، جيلي. مع من أنتِ؟”
[اهممم.]
بينما كانتا لوكيرا و رويلا تتجادلان بصوت منخفض.
“لكن، ما الذي يهم في ذلك؟”
همس آهوبيف وهو يتمايل بتكاسل.
“ماذا؟”
ردت رويلا بشكل غريزي، فرفع آهوبيف زاوية فمه مبتسمًا.
“في النهاية، تم التخلي عني من قبل المعلمة التي كنت أحبها. الآن، ما أهمية الحقيقة؟!”
مع صرخته التي كانت تشبه العويل، ألقى آهوبيف نفسه للأمام. و في نفس اللحظة، انفجرت طاقة مظلمة من خلفه دون رحمة.
كانت كالقنبلة التي تنفجر أمامهم.
‘سأموت.’
إذا لم يتمكن المرء من تجنبها، فهذه ضربةٌ قاتلة.
ابتلعت رويلا ريقها بسرعة، ثم أسرعت في احتضان جيلي بين ذراعيها.
ثم—
“هــهــاااااااا!!!”
صرخت بأقصى قوتها، وضغطت على كل قوتها المقدسة. فابتسم آهوبيب بسخرية عندما رأى ذلك.
“لقد فات الأوان.”
كما قال هو. حتى وإن لامست جسده بالقوة، فلن يتوقف آهوبيب.
‘يا إلهي، هذا مجنون!’
سنموت حقًا!
صرخت رويلا في عقلها بينما أغمضت عينيها بشدة.
لكن في اللحظة التالية.
بانغ-!
“كاه!”
صوتان متتاليان من الضوضاء الصاخبة جعلا رويلا تفتح عينيها فجأة.
‘ماذا…..ماذا يحدث؟’
أول ما رأته كان آهوبيف ملقًى على الأرض، يلفظ دمه. وبالمقارنة، كانت هي نفسها سليمة دون أي جروح.
كيف حدث ذلك؟
“….ها.”
لكن فجأة، سمعت صوت أنين قادم من أسفل قدميها.
‘أنين؟’
…..من هو صاحب هذا الأنين؟
بلعت رويلا ريقها ببطء ونزلت عيناها إلى الأسفل.
تتبعت النظر بعينيها ببطء، وكان قلبها ينبض بشدة. وفي النهاية.
ما دخل في عينها كان…..
“…..سموك؟”
تحت الشقوق المكسورة، كان هيلديون مغطى بالدماء.
___________________
هيلديوونننن؟؟؟! يمه لا تكفى يوجع ليه ياخي
هو عادي لوكيرا تضحي بنفسها الا ولديييييي😭
باقي 4
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 169"