كنت أعلم أن هذا سيحدث.
لا، بل في الأصل دبرتُ الأمور على أمل أن يتحركوا بهذه السرعة.
‘تعمدت إثارة الضجة.’
وفعلت ذلك بسرعة كبيرة.
فبما أن التحقيق في الحادثة التي زعزعت الإمبراطورية يجري على عجل، فلا بد أنهم لم يستطيعوا الجلوس مكتوفي الأيدي.
‘لكي يخرجوا سالمين من هذه الحادثة الهائلة، ليس أمامهم سوى التحرك أسرع من سير التحقيق.’
لكنني، في المقابل، كنت أترقب تلك العجلة. و كنت أراهن على أنهم سيتصرفون باندفاع.
فعندما يحاول المرء إنهاء الأمور على عجل، فلا بد أن تظهر الثغرات.
وفعلاً، ظهرت ثغرة.
“الكونت أستيان تواصل سراً مع نقابة الظلال.”
لقد جاء فابيان بهذه المعلومة.
“اللجوء إلى نقابة الظلال يعني أنهم في غاية العجلة.”
بل إن موعد تنفيذ الخطة كان غداً بالفعل. ليلة الغد، بالقرب من قصر الكونت.
“أحسنت في جمع المعلومات، فابيان.”
“لا داعي لذلك. فأنتِ من عملائنا الـ VVVIP. هذا أقل ما يمكننا فعله. على أي حال–”
أجاب فابيان بابتسامةٍ خفيفة ثم ألقى نظرةً إلى الخارج وتنهد.
“أنتِ مشغولةٌ حقاً. القيت نظرةً إلى الخارج، ورأيت الناس مصطفين في طابور.”
“نعم، هذا صحيح.”
رفعتُ كتفي بنوعٍ من اللامبالاة، وألقيتُ نظري خارجاً بدوري. فلمحْتُ صفوف الناس الممتدة.
ومعهم، تصاعد خطأ الحظ العاثر الكثيف.
“هؤلاء جميعاً جاؤوا بعد رؤية الإعلان، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
قبل عدة أيام. ما إن علّقنا الإعلان الذي يقول:
<§★☞نعالج الآثار الجانبية للدواء المشبوه☜§★>
حتى تدفّق الناس بأعدادٍ هائلة. وبفضل ذلك، امتلأ المعبد الذي تم تخصيصه كمركزٍ مؤقت للعلاج بالناس لعدة أيام متتالية.
كان الازدحام شديداً لدرجة أنني لم أجد حتى فرصةً لأغادر مكاني. وحتى الآن، أنا أتنفس قليلاً فقط تحت ذريعة زيارة فابيان.
“لم أتخيل أبداً أن عدد الضحايا سيكون بهذا الحجم.”
“لقد نخروا الإمبراطورية شيئاً فشيئاً بالفعل.”
“صحيح. من حسن الحظ أننا تمكّنا من تصحيح الأمر ولو الآن.”
رغم أنني بدأت هذا العمل مجبرةً بسبب المهمة، إلا أنني كنت أتكلم بصدق.
ربما لأني جنيتُ الكثير من المال، فقد شعرت بأن قلبي امتلأ بالثراء أيضاً، فغمرتني المشاعر والرحمة.
وبنفس القدر، كنت أشعر بالانزعاج من جماعة الملكة التي تهدد الإمبراطورية وهيلديون وحتى أنا.
“علينا أن نمحوهم جميعاً في أقرب وقتٍ ممكن.”
“نعم؟”
ردّ فابيان مستفسراً، فنهضت من مكاني وأنا أرفع كتفي بلا مبالاة.
“ستغادرين الآن؟”
“يجب أن أذهب. الجميع ينتظرني بفارغ الصبر.”
“ألستِ ترهقين نفسكِ كثيراً؟”
“لا مكاسب دون تعب.”
في الواقع، كنت أعالج الناس وفي الوقت نفسه أجمع الشهادات.
كنت أتصنّع الحديث معهم بخفة، ثم أعيد طرح الأسئلة حول الدواء بطريقة غير مباشرة للحصول على الشهادات.
‘مهاراتي في خدمة العملاء السابقة تفيدني كثيراً الآن.’
وأثناء تلقي العلاج، كان الناس يروون ما يعرفونه بسلاسة.
وكل ما يقولونه، كان يتحول إلى أدلةٍ دون استثناء.
فمحقق القصر الملكي والسيد فيكتور كانا يقفان إلى جانبي كسكرتيرين، يوثّقان كل شيء.
“هل حصلتِ على شيءٍ مفيد؟”
عند سؤال فابيان، هززت رأسي بتكاسل.
بصراحة، مقارنةً بعدد الشهود، لم تكن هناك إفاداتٌ مفيدة. فمعظمهم صادفوا الدواء عن طريق الصدفة.
“لكن، لا بأس بذلك.”
فمن البداية، لم أكن أبحث عن شهاداتٍ عظيمة أو أدلة قوية.
ما كنت أريده هو،
“المهم هو المكان والوقت التقريبي الذي حصل فيه الناس على الدواء..”
قلت ذلك، ثم أخرجت ورقةً وقدّمتها لفابيان.
“ما هذا…..؟”
“هي سجلات كتبها المحقق والمعلم، تتضمن فقط توقيت ومكان حصول الناس على الدواء لأول مرة.”
وبتفسيري هذا، أومأ فابيان وكأنه أدرك شيئاً.
“تريدين مني أن أقارن بين مسار تنقّل تلك المرأة، ومسار توزيع الدواء، أليس كذلك؟”
كما توقعت، من المريح العمل مع موظفٍ ذكي.
“صحيح. فهذا الدواء صُنع في الأصل من أجل سيلفيا.”
أو ربما، صُنع بواسطة سيلفيا نفسها.
مهما كانت الحقيقة، فإن مركز هذا الدواء كان سيلفيا. لذا، لا بد أن مسار توزيع الدواء يدور حولها أيضاً.
إذا تطابقت المسارات، فسيكون ذلك دليلاً كافياً على “الريبة”.
أو يمكن أن يكون دعماً قوياً إذا تمكّنا من الحصول على دليلٍ آخر.
‘لكن، هذا وحده لا يمكن أن يكون دليلاً قاطعاً.’
كنت بحاجةٍ إلى ضربة حاسمة. ضربة تقلب الطاولة وتدفعهم تماماً إلى الزاوية.
حدّقتُ في السماء الزرقاء الصافية وضيّقت عيني.
‘أتمنى فقط أن تكون ليلة الغد هي الفرصة.’
***
في وقتٍ متأخر من الليل. كان الهلال النحيف محجوباً خلف الغيوم. والسماء السوداء خلت تماماً من أي نجم.
كانت ليلةً مظلمة بكل معنى الكلمة.
أجساد اختفت تماماً وسط الظلام بدأت تتجمّع أمام قصر الكونت أستيان.
“تحرّكوا بهدوءٍ تام. الكل يعرف الخطة، أليس كذلك؟”
“سنتسلل إلى قبو القصر ونُخرج الناس، أليس كذلك؟”
“صحيح. ثم نأخذهم إلى الغابة الغربية. وبعدها–”
أومأ المتحدث برأسه. و أجاب الآخرون بإيماءات رؤوسهم وبدأوا بالتحرك بخفة وسرعة.
كانت حركتهم تشبه الظلال تماماً.
وبعد لحظات، أخرجوا الناس المحبوسين في قبو قصر الكونت كما كان مخططاً.
لم يكن الأمر صعباً.
فقد كان الأمر بأكمله بتكليفٍ من الكونت نفسه، لذا كان بإمكانهم استخدام الأبواب السرية المؤدية إلى القبو بحرية.
“من الأفضل أن يتحرك الجميع بصمت.”
قال القائد ذلك بصوتٍ منخفض وهو يوجه تحذيره إلى أولئك الذين يُنقلون واحداً تلو الآخر.
من بين المقتادين، كان باسكال يبتلع ريقه الجاف وهو يحرك عينيه بقلق.
‘إلى أين يأخذوننا بحق؟’
هل من الممكن أنهم سيقتلونهم بعد أن يُنقلوا بهذه الطريقة؟
لمجرد التفكير بذلك، اقشعر بدنه.
في ليلةٍ مظلمة كهذه، لماذا اختاروا إخراجهم من القبو في هذا التوقيت تحديداً؟
كانت أفواههم مكمّمة، وأيديهم مربوطة بالحبال.
وعندما وصل تفكيره إلى تلك النقطة، بدأت دموعه تنهمر بلا توقف.
في الحقيقة، كان من بين أكثر الموجودين في القبو “عقلانية”. فلم يمضِ وقتٌ طويل على تعاطيه الدواء، وكمية الجرعات التي تناولها كانت ضئيلة.
بعد أن خُطف وأُحضر إلى قصر الكونت وسُجن في القبو، أُجبر على تعاطي الدواء، لكنه كان يتلاعب بالكمية، فيتناول نصف قرصٍ فقط كل مرة.
ورغم ذلك، كان عليه أن يتحمل الآثار الجانبية المروعة، لكنه ظل أكثر وعيًا من الآخرين الذين كانوا في حالة شبه غيبوبة كما لو أنهم نائمون دائمًا.
لكن، في هذه اللحظة بالذات، ندم على ذلك.
‘ليتني فقدت عقلي أنا أيضاً.’
لطالما حلم بالهرب. أراد رؤية عائلته التي تنتظره في المنزل.
ورغم أنه خُطف إلى هذا المكان دون سابق إنذار، كان يؤمن بشدة أنه طالما حافظ على وعيه وصبره، فسيجد طريقًا للنجاة.
لكن النتيجة كانت هذه. مصير ميتٍ في النهاية.
أما أولئك الذين يتمايلون وكأنهم سكارى أو في غفوة، فلن يشعروا بهذا الخوف. ليت حاله كان كحالهم.
وفيما هو غارقٌ في الحزن والدموع تتساقط من عينيه—
“توقفوا جميعاً.”
أمر القائد الذي كان يقود المجموعة بصوتٍ منخفض.
فتوقف الجميع في نفس اللحظة. و ارتجف باسكال من القلق وألقى نظرةً جديدة حوله.
‘غابة…..’
كما توقع، كانوا في وسط غابةٍ نائية لا يمر بها أحد. مكانٌ لا يُستغرب إن مات فيه شخص…..أو عدة أشخاص.
سْرررغ–
كان جسده يرتجف بشدة، وفجأة، سمع صوتًا مرعبًا.
إنه صوت سحب السيوف. و كانت شفرات السيوف اللامعة تتلألأ حتى وسط الظلام.
وبينما يقترب أصحاب السيوف منهم، أغلق باسكال عينيه بإحكام.
يا إلهي.
‘أمي، أنا ذاهبٌ قبلكِ!’
لا تغفري لابنكِ العاق– عاق–…..عاق؟
لكنه لم يشعر بأي ألم على الإطلاق.
فتح باسكال عينيه بحذر. وفي تلك اللحظة، شعر بالحبل الذي كان يربط معصميه ينفك ببطء.
“هاه؟”
رمش بعينيه بذهول، غير قادر على استيعاب ما يحدث، ثم سمع صوت امرأةٍ يأتي من مكان ما.
“أحسنتم جميعاً. لا أحد مصاب، أليس كذلك؟”
وبينما كان يعتقد أن الصوت مألوفٌ بطريقة غريبة، استدار باسكال نحو مصدره، ليتجمّد من الصدمة.
فصاحبة الصوت كانت وجهاً معروفاً جداً.
“أ… آه؟ (السيدة القديسة؟!)”
لم تكن سوى القديسة، رويلا بريتا.
‘…..هل السيدة القديسة هي من كانت تحاول قتلنا؟!’
لكن…..السيدة القديسة شخصٌ طيب، أليس كذلك؟
ظل باسكال يرمش بعينيه غير قادرٍ على استيعاب ما يجري، فالموقف لم يكن منطقياً على الإطلاق.
عندها، تكلّم الرجل الذي يبدو أنه القائد.
“لا أحد أُصيب. ويبدو أن الكونت لم يشك في شيء إطلاقاً.”
“هذا مطمئن. إذًا، أليس من الأفضل أن نخلع الأقنعة الآن؟”
“آه.”
ردّ الرجل بكلمةٍ واحدة، ثم خلع قناعه ورماه جانبًا.
ثم مسح شعره المبتل بالعرق ورفع رأسه بهدوء.
وفي اللحظة التي انكشف فيها وجهه بوضوح، فصرخ باسكال بدهشة—
“واااه؟ (صاحب السمو ولي العهد؟!)”
لم يستطع إلا أن يُصدم من جديد.
ماذا؟! لماذا ولي العهد هنا؟
كان الموقف سلسلةٌ من الأمور التي لا يمكن فهمها أبداً.
وبينما كان باسكال يسقط من الصدمة، بدأت المجموعة تلتف حول رويلا وهيلديون.
فابيان، هيستين، هاميل، واثنان من أعضاء نقابة فابيان.
كانت هاميل في الأصل بانتظارهم في الغابة مع رويلا، أما البقية فكانوا يتحركون مع هيلديون.
لأنه كان يجب التحرك بسرية تامة، كانت المجموعة مكونةً من أقل عدد ممكن من الأشخاص.
“يبدو أن الجميع في أمان، وهذا يريحني.”
“من الجيد أن السيدة القديسة أيضاً في أمان.”
أجاب هيستين، فأومأت رويلا برأسها بلطف.
“أنا فقط كنت مسؤولةً عن انتظارهم. وكانت هاميل معي. لكن….. “
ثم توجهت نظراتها نحو فابيان.
“هل حصلت على الوثائق؟”
“أمم، في الحقيقة…..”
“لم تتمكن من الحصول عليها؟”
فيما أُعيد طرح السؤال، أظهر فابيان تعبيرًا مُحرجًا.
__________________
توء توء وين صاحب افضل نقابه؟
المهم غريبه محد التفت لباسكال ذا الي قاعد يصارخ😂
لو عالجتهم رويلا ورجع باسكال لأهله يمكن تبدا موضه جديده لرويلا😂😂😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 155"