“أوهه.”
أطلق الدوق كيليان، المستلقي على السرير، أنينًا.
كان يشعر وكأن أحشاءه قد التوت تمامًا حتى ارتفع القيء إلى حلقه.
“تبًا لهذا…..”
وهو يتمتم بالشتائم ممسكًا رأسه النابض بالألم، سمع أن الضيف الذي كان بانتظاره قد وصل.
“أدخلوها حالًا!”
وما إن صرخ بذلك حتى ظهر الضيف على الفور. كانت سيلفيا.
فبعد أن علم الكونت أستيان بسقوطه، أرسلها للعلاج.
‘ما هذا…..أليس الأمر كمن يُمرض ويُعالج في الوقت ذاته؟’
متى كانت تتفاخر بضرب صدرها وتقول لا داعي للقلق، والآن بعد أن فشلت المهمة، تظاهرت بعدم معرفتها وكأن شيئًا لم يكن، إنها تشبه الملكة تمامًا.
كأنها من عائلتها فعلًا.
وبينما كان الدوق ينهض متأففًا، سألته سيلفيا بقلق.
“سمعت أنكَ مريض. هل تحسنت حالتكَ قليلًا؟”
“لو كنت بخير لما سمحت بدخولك. ألا تفكرين؟”
“آه…..آسفة.”
انحنت سيلفيا معتذرةً عن غضب لم يكن موجَّهًا لها.
“عالجي ما يجب علاجه ثم اختفي من أمامي. لا أريد حتى رؤية وجهكِ.”
“…..نعم.”
أجابت بهدوء، ثم مدت يدها نحو الدوق.
وضعت يدها بحذر على ظهره، وسرعان ما بدأ نورٌ باهت ينبعث من يدها. وفي اللحظة ذاتها، اختفى الألم الذي كان يطعن أحشاءه وكأنه لم يكن.
“قالوا إن قوتكِ المقدسة أصبحت أقوى، ويبدو أن ذلك صحيح.”
تمتم الدوق بانبهار خفيف من الألم الذي زال في لحظة.
“أنتم تبالغون في المديح.”
“هل كان هناك سبب لذلك؟”
سبب؟
للحظة، مرت نظرةُ ازدراء هادئة في عينيها وهي تنظر إليه. لكنها اختفت سريعًا.
“حسنًا، عليّ أن أصبح أقوى بسرعةٍ كي أكون مفيدةً للجميع. وإن كان هناك سبب، فهذا هو كل شيء.”
أجابت سيلفيا بابتسامةٍ لطيفة.
“نعم، لا بد من ذلك. فقط بالتفكير في المعاناة التي أمرّ بها بسببكِ الآن…..آه. يكفي، يمكنكِ الخروج.”
وما إن انتهى العلاج، حتى صرفها الدوق وكأن وجودها يزعجه.
وما إن خرجت من الغرفة شبه مطرودة، حتى كان في استقبالها ديموس.
“ما الأمر؟ لماذا أنتِ هنا؟”
“السيد كيليان.”
“لا تقولي…..هل جئتِ لرؤيتي؟”
“الدوق استدعاني. قال إن معدته تؤلمه، وطلب علاجًا.”
“آه، فهمت. ظننت أنني حصلتُ على مطاردةٍ جديدة تلاحقني. الحياة صعبةٌ لمن يتمتع بالشعبية، كما تعلمين.”
ما هذا الهراء الذي يقوله بعد أن ظهر فجأة؟
سيلفيا بالكاد حافظت على ابتسامتها وأجابت بابتسامةٍ باهتة بدلًا من الرد.
“ممل فعلًا. أنت دومًا تضحكين بتلك الطريقة، أليس كذلك؟ كأنكِ مهرجة.”
“آه، حقًا؟”
“نعم. حسنًا، الكلب المطيع يجب أن يهز ذيله أمام سيده، أليس كذلك؟”
قال ديموس ذلك وهو يربّت بأنامله على ذقن سيلفيا بخفة.
كانت طريقته في التعامل معها تمامًا كمن يتعامل مع كلب.
“لم تنسي أننا سنذهب إلى المعبد معًا في المرة القادمة، صحيح؟ يجب أن تتركي انطباعًا جيدًا في كل مكان، لذا احرصي على التصرف جيدًا.”
“نعم، سآخذ ذلك بعين الاعتبار.”
“جيد. والآن، اذهبي.”
“…..حسنًا، سأذهب.”
وما إن أدارت سيلفيا ظهرها بعد أن انحنت، حتى تبعها صوته من خلفها.
“على أي حال، أنتِ مملةٌ وعديمة الفائدة. لا يوجد شيء تتفوقين فيه على رويلا.”
“…….”
“مُثيرة للشفقة فعلًا.”
تمتم ديموس بكلماته بصوتٍ مسموع ثم نقر لسانه واختفى في الاتجاه المعاكس.
و في الممر خالٍ بقيت سيلفيا فيه وحدها.
‘كم هو مزعج.’
توقفت سيلفيا وقد قبضت يدها بقوة، وعيناها الذهبيتان ترتجفان غضبًا.
‘وقحون.’
هل يظنونني كلبًا ضالًا أو شيءٌ من هذا القبيل؟
يطلبون مني أن آتي، فأفعل. و يطلبون مني أن أذهب، فأفعل. وفي النهاية، لا يستطيعون فعل شيءٌ بدون الاعتماد عليّ!
وفي تلك اللحظة، بينما كانت تغلي من الغضب بصمت، تسللت إلى أذنيها ضحكةٌ خافتة وموحشة.
[في الأصل، البشر كلهم متغطرسون وحمقى.]
ارتعشت سيلفيا قليلًا والتفتت برأسها.
وفجأة، كان هناك ظلٌ أسود قاتم يخيّم على كتفها.
لكن الدهشة لم تدم طويلًا. وكأنها معتادةٌ عليه، أدارت وجهها ورفعت طرف شفتيها بابتسامةْ خفيفة.
[اغضبي من أولئك المتغطرسين. ابغضيهم، واحتقريهم. ففي النهاية، سيكون غضبكِ هو مصدر قوتكِ. وعندما يحدث ذلك، فإن المنتصر حينها سيكون…]
أنا.
الضحكة التي لا يسمعها سوى سيلفيا ظلت تتردد في الممر لفترةٍ من الوقت.
***
سجنٌ خاص مخصص لنبلاء القصر الإمبراطوري.
كان هذا المكان مخصصًا لاحتجاز النبلاء الذين ما زالوا قيد التحقيق ولم تصدر بحقهم أحكامٌ بعد.
وكان من المفترض أن يكون هذا المكان هادئًا للغاية، لكن…..
“أنا بريء! فقط، حسنًا؟ شاركت بدافع الفضول لا أكثر!”
“أوه، هذا تطاول! ألن تطلقوا سراحي في الحال؟”
“أرجوك…..أنقذوني…..لقد أخطأت، أعترف!”
أما الآن، فقد امتلأ عن آخره بالنبلاء، دون غرفةٍ فارغة واحدة.
جميعهم إما عرضوا سلعًا في المزاد أو شاركوا في شرائها. و لم يقتصر الأمر على مجرد الحضور، بل ثبت أنهم باعوا أو اشتروا أشياء بالفعل، ولذا لم يكن هناك أي طريقٍ للنجاة من الإدانة.
مجرم في سلالة نبيلة؟ أي عارٍ هذا؟
لذا، كان جميع من في السجن يعيشون في قلقٍ شديد ويضربون الأرض بأقدامهم من الاضطراب.
لكن وسط كل هذا، كان هناك من بقي نادرًا ما يتأثر، محتفظًا بهدوئه.
“آه، تحقيقٌ تقول؟”
كان هو بالضبط، الكونت إيكليان.
“نعم. الآن حان دوركَ يا كونت. الرجاء أن تتبعني. من الأفضل ألا تقاوم دون داع.”
“هاها، انظر إليه كيف يتكلم. ولمَ أقاوم أنا؟”
قال ذلك وهو ينقر شاربه، ثم نهض من مكانه وتبع الفارس بهدوء.
وسط النبلاء الذين كانوا يصرخون ويعلنون براءتهم بجنون، بدا تصرفه المتزن نادرًا.
وكان لهذا الهدوء أسبابٌ وجيهة.
‘لأنني أشعر حرفيًا أنني عدت من الموت.’
في يوم المزاد، حين رأى وحدات التحقيق الإمبراطورية تتدفق إلى المكان، أصيب بالذهول الشديد.
آه، لقد انتهى كل شيء.
لم يكن الأمر مجرد مسألةٍ وسمه كمجرم فحسب.
لو عثر المحققون على “الدواء الأزرق” في ذلك التمثال…..
“ما الذي سيحدث لي؟”
توالت في ذهنه مئات السيناريوهات المروعة، وكلها تبدو واقعيةً بشكل مرعب. ولذا، قضى تلك الليلة بأكملها بلا نوم، كأنها ليلةٌ في جحيم لا يطاق.
لكن في اليوم التالي، جاءه خبر مفرح لم يكن يحلم به—لقد تعرّض المكان الذي كانت تحفظ فيه الأدلة للسرقة.
وبعد التأكد من الأمر، تبيّن أن من بين الأشياء التي سرقها اللص، كان تمثاله هو أيضًا.
‘إنه الدوق، لا شك في ذلك. هو من تحرك!’
استطاع الكونت أن يوقن بذلك فورًا. فمن غير الدوق يمكنه اختراق حراسة القصر المشددة وسرقة شيء من هناك؟
يا لها من راحةٍ عظيمة!
شعر أخيرًا وكأنه قادرٌ على التنفس مجددًا.
أليس هذا ما يشعر به من عاد من عتبة الجحيم؟
ومنذ ذلك الحين، استعاد الكونت هدوءه.
سجلٌ إجرامي؟ غرامة؟ عقوبة خفيفة؟
‘لا بأس، لا يهمه شيءٌ من ذلك.’
فقد عاد من الموت فعليًا، فماذا تعني تلك الأمور أمام ما نجا منه؟
“لكن، إلى أين نحن ذاهبون بالضبط؟”
سأل الكونت مستغربًا وهو يتبع الفارس بخفة. فقد بدا الطريق إلى غرفة التحقيق أطول مما توقع.
“آه، نحن على وشك الوصول. لم يبقَ سوى القليل.”
“هذا المكان…..تحت الأرض؟”
سرداب؟
‘غرفة التحقيق تحت الأرض…..؟’
حسنًا، منطقيٌ نوعًا ما.
فعادةً، تهيئة جوٍ من الخوف يكون جزءًا من أسلوب التحقيق.
تبع الكونت الفارس دون أي شك، حتى وصلا إلى إحدى الغرف المظلمة في السرداب.
“تفضل، اجلس هنا وانتظر قليلًا. سيصل المحقق بعد لحظات.”
“همم، حسنًا، فهمت.”
أجاب بابتسامة، لكن الفارس نظر إليه بنظرةٍ غريبة.
ثم، وبابتسامة باهتة لا تُفهم، انحنى قليلًا وخرج من الغرفة.
وبسبب الظلام المحيط، لم يلحظ الكونت تعبيره تمامًا.
“لأنه في السرداب، ربما هذا ما يجعلني أشعر ببعض التوتر.”
قال ذلك لنفسه بينما كان يتنحنح بلا سبب ويتلفت حوله. و عندها، لاحظ بقعةً داكنة على الجدار، فعبس بين حاجبيه.
“هم؟ ما هذا؟”
لم يلاحظها من قبل بسبب الظلام، لكن بعد التمعن، لم تكن تلك البقعة الوحيدة.
هنا، وهناك، وهناك أيضًا، في كل مكان. أينما وجه رأسه، ظهرت أمامه بقعٌ داكنة.
ابتلع ريقه بتوتر، إذ بدأت مشاعر القلق تتسلل إليه دون سببٍ واضح.
صرير-
فُتح الباب ودخل المحقق. وفي اللحظة نفسها—
‘لماذا هذه هنا؟!’
لم يستطع الكونت إخفاء صدمته. فهوية المحقق لم تكن سوى القديسة نفسها.
وحتى الأسوأ، أن ولي العهد كان يقف خلفها مباشرة.
“مـ-ما الذي يجلب سمو ولي العهد والقديسة إلى هذا المكان…..؟”
“لأن الكونت من ضمن الخاضعين للتحقيق الخاص.”
“ماذا؟ تحـ…..تحقيقٌ خاص؟”
“نعم، تحقيقٌ خاص.”
ابتسمت رويلا ابتسامةً هادئة وتقدمت خطوةً إلى الأمام، بينما ظل هيلديون خلفها صامتًا يحرسها. ورغم أنه لم ينطق بكلمة، إلا أن ضغط وجوده كان هائلًا.
لم يجرؤ الكونت حتى على رفع رأسه، واكتفى بتحريك عينيه بتوتر، حتى فتحت رويلا فمها أخيرًا.
“قبل ليلتين، اقتحم لصٌ القصر الإمبراطوري وسرق بعض الأدلة المتعلقة بـ’المزاد غير القانوني’. أنت تعرف هذا، أليس كذلك؟”
“نـ-نعم، سمعت بذلك.”
“ومن بين الأشياء المسروقة، كان هناك التمثال الذي عرضته في المزاد.”
تظاهر الكونت بالدهشة وهو يفتح فمه بتصنّع.
“آه! يا إلهي، لم أكن أعلم ذلك!”
“حقًا؟ لم تكن تعلم؟”
“نعم. سمعت فقط أن هناك سرقة…..لم أكن أتصور أن اللص قد سرق شيئًا يخصني…..”
“يا للأسف. رغم أن الدليل سُرق، يبدو أنكَ حزينٌ عليه. لكن لا تقلق.”
“ماذا…..؟”
لا يقلق؟ على ماذا؟
توسعت عينا الكونت من الذهول، فأكملت رويلا بابتسامةٍ هادئة،
“ذلك التمثال؟ في الواقع، لم يُسرق أبدًا. أليس هذا رائعًا؟”
وفي لحظة، شحب وجه الكونت كأنه فقد كل دمه.
___________________
اسلوب رويلا مع نظرة هيلديون؟ عز الله روحه طارت😭
المهم سيلفيا في ذا الفصل عاجبتني مابيها تكون شريرة نموذجية
اذا قلبت على الدوق وديموس بصفق لها لين تمسكها رويلا
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 152"