بعد أن هدأتُ بالكاد أخ سينا الذي كاد يُغمى عليه من شدة الصدمة، بدأت بالسؤال عن الدواء بجدية.
“نعم، قلتَ أن السيد كيليان أعطاكم إياه بنفسه. و أيضاً، أمركم بأنه يجب عليكم تناوله كاملاً دون أن تتركوا منه شيئًا.”
“بحسب ما قالته سينا، فقد تناولتَ نصف الدواء فقط، أليس كذلك؟”
“صحيح، كنتُ أشعر بعدم ارتياح. أن يُطلب مني تناول دواءٍ لم أره من قبل قبل المباراة النهائية؟ لدي حاسةٌ قوية تجاه هذه الأمور.”
قال ذلك بنوعٍ من الفخر، ثم تابع حديثه.
“بعد أن تناولت الدواء، شعرت بشيءٍ غريب. شعور بالحماسة والإثارة؟ وحتى عندما كنتُ أتلقى الضربات من سموه، لم أشعر بأي ألم. ولأنني لم أكن أشعر بالألم، لم أكن أخاف، وأصبحت حركتي أكثر حرية.”
“لكن، ألم يُغمَ عليك في النهاية؟”
ردّ هيلديون بدلًا منه على سؤالي.
“……حتى إن لم يشعر الإنسان بالألم، فإنه يُغمى عليه إن أُصيب في نقطةِ ضعف.”
“آه، فهمت.”
‘إذاً لقد أصبتَه في نقطة ضعف.’
عندما التقت عيناي بعيني هيلديون، تنحنح بإحراجٍ وحوّل نظره بعيدًا. ثم وكأنه يغيّر الموضوع، وجّه سؤالًا إلى شقيق سينا.
“هل لاحظتَ شيئًا غريبًا آخر؟”
“أعتقد أن الصداع الشديد كان من الآثار الجانبية للدواء؟ وأيضًا، كانت تراودني أفكارٌ سلبية باستمرار. وكأن أحدهم كان ينهش عقلي من الداخل.”
“وماذا أيضًا؟”
“أممم، لا أعلم……بخلاف هذا، لا أظن أن هناك شيئًا آخر أستطيع قوله……”
قال ذلك بصوتٍ خافت متردد وهو يراقب الأجواء من حوله بحذر.
“هل……هل سمعتم شيئًا من الأشخاص الذين كانوا في فريق الذئب مثلي؟”
ردّت سينا بدلًا منه على هذا السؤال.
“في الحقيقة، حاولت التواصل معهم عدة مرات لأرى إن كان بإمكاني معرفة شيء، لكن معظمهم قال أنهم بخير. أو أنهم لم يجيبوا على الاتصال أصلًا.”
“همم، هكذا إذًا؟”
هذا يعني أن الدواء لا يسبب آثارًا جانبية للجميع.
“صحيح، ففعالية الدواء أو آثاره الجانبية تختلف من شخصٍ لآخر.”
بالطبع، إذا تراكم الدواء في الجسم، فستظهر الآثار الجانبية بغض النظر عن الشخص.
……يبدو أنه لم يعد هناك شيءْ آخر يمكن استخلاصه من هنا.
بناءً على هذا الاستنتاج، وقفت من مكاني. وما إن تحركت حتى وقف هيلديون تلقائيًا خلفي.
“هل سترحلان؟”
“نعم، لقد أنجزنا ما جئنا من أجله. شكرًا لكَ على إجاباتكَ اليوم، يا سيد.”
“آه، لا، أنا من يجب أن يشكركم! أنا ممتن حقًا لمساعدتكما!”
“صحيح، نحن نشكركما بصدقٍ لأنكما أنقذتما أخي.”
انحنى الشقيقان بامتنان عميق وهما يودعاننا.
‘هاه، يا لها من لحظة……’
اجتاحني شعور بالرضا لا يمكن وصفه بالكلمات.
وأخيرًا، أوصيتهما بعدم البوح بأي شيء عن الدواء أو ما جرى اليوم.
“قد تصبحان هدفًا للورد الصغير، لذا حفاظًا على سلامتكما، من الأفضل أن تظل الأمور سرية. قولوا فقط أن سبب مرض أخيكِ هو……”
“آثار ما بعد مهرجان الصيد؟”
بينما كنت أفكر في حجةٍ مناسبة، تدخّل هيلديون بجملةٍ واحدة.
“نعم، قولا أن الأمر مجرد آثارٍ جانبية من مهرجان الصيد. ولو قلتما أن سموه هو من كان خصمه، فالجميع سيتفهم الأمر.”
نظر الشقيقان إلى هيلديون بنظرةٍ سريعة، ثم أومآ برأسيهما.
“نعم، إنها حجةٌ مثالية.”
“ويبدو أن مصداقيتها ترتفع بمجرد قول أن سموه هو من ضربه.”
كان وجه الشقيقين يحمل تعبيرًا جادًا للغاية، واستمرّا لوقتٍ طويل بعد ذلك في التأكيد على أنهما سيتكتّمان تمامًا بشأن ما حدث اليوم والدواء.
وبما أنهما كانا بهذه الجدية، شعرت أنه لا داعي للقلق من تسريب الأمر.
“إذًا، سنغادر الآن.”
“لنلتقي مجددًا إذا سنحت الفرصة.”
غادرنا أنا وهيلديون المنزل كما دخلناه، متقمّصَين دور الحبيبين اللطيفين. و ظل الشقيقان واقفَين أمام الباب، يودّعاننا حتى أغلق الباب، ثم وقفا مذهولين أمام المدخل المغلق.
لم يكن بوسعهما التمييز إن كان ما حدث حلمًا أم واقعًا.
“أخي……هذا ليس حلمًا، صحيح؟”
“لا أظن ذلك……؟”
“يا إلهي. سمو ولي العهد والقديسة زارانا في منزلنا فقط من أجل مساعدتكَ!”
وهما يتمتمان بدهشة ووجهيهما لا يزال مصدوماً، راحا يفتشان في ملابسهما وأخرجا شيئًا ما.
و ما أخرجاه كان صورةً للقديسة.
“كنتِ محقّة يا سينا. يبدو أن للصورة أثرًا حقيقيًا. لم أتوقع أبدًا أن تساعدنا القديسة وسمو ولي العهد شخصيًا.”
“أخبرتكَ. يبدو أن علينا شراء المزيد من الصور.”
“وأنا أيضًا! سأضع واحدةً في غرفتي، وواحدةً في غرفة المعيشة، وواحدةً في المطبخ……أحتاج على الأقل ثلاث صورٍ أخرى……”
“نعم، وبما أننا سنخرج، لنذهب إلى النافورة التي أنشأتها القديسة ونرمي فيها الكثير من القطع النقدية.”
“صحيح، وبعدها لنذهب إلى ميلورا…”
بدأ الاثنان بوضع خطةٍ بوجوه جادة. وهكذا، كانت هذه اللحظة تحديدًا هي البداية لما سيُعرف لاحقًا في الإمبراطورية بجولة الحظ الكبرى إلى مواقع القديسة.
لو علمت رويلا بذلك، لغشي عليها من الصدمة.
***
خرج الاثنان من منزل سينا وسارا بمحاذاة الجدار الخارجي. ثم، وفي مكان مهجور لا يكاد يُرى فيه أحد، توقفا عن السير.
كان المكان يحيط به أشجار الصفصاف، ويجري خلفه جدول ماءٍ صغير.
أخذا لحظةً ليتأملا جمال الطبيعة المحيطة.
“يبدو أن لعائلة كيليان علاقةٌ مؤكدة بالدواء الأزرق.”
عادت المحادثة بسرعةٍ إلى صلب الموضوع. و أومأ هيلديون برأسه موافقًا على كلام رويلا.
“أنا أيضًا أعتقد ذلك.”
“وأظن أن الهدف من ذلك الدواء قد لا يكون مجرد جمع المال.”
“تقصدين أن هناك غرضًا آخر غير المال؟”
“نعم.”
أجابت رويلا بحزم على سؤال هيلديون، ثم تابعت حديثها وكأنها تؤكد يقينها بدليلٍ جديد.
“شعرت بوجود طاقة أهوبيف في شقيق سينا.”
بدقةٍ أكثر، لم تكن طاقة أهوبيف بذاتها، بل كان “الخطأ”.
‘لكن، في النهاية الأمر سيّان.’
فالخطأ وطاقة أهوبيف بينهما علاقةٌ وثيقة، أليس كذلك؟ وفي هذه المرحلة، لا يبدو غريبًا أن يُطلق على الخطأ اسم طاقة أهوبيف.
يا للعجب، كما يقولون: الكلمات تتحقق بمجرد نطقها.
وبينما كانت رويلا تنقر لسانها بضيق، تساءل هيلديون بذهول،
“طاقة أهوبيف؟”
كان واضحًا أنه لم يتخيل حتى في أسوأ الاحتمالات أن يسمع اسم “أهوبيب” في هذا السياق.
وبالطبع، حتى أنا لم أتوقع ذلك.
أجابت رويلا برأسٍ مائل بهدوء،
“حتى في المرة السابقة، والآن أيضًا……يبدو أن طاقة أهوبيف تظهر كلما ظهرت الآثار الجانبية للدواء.”
“وهذا يعني أن الغرض الآخر الذي تحدثتِ عنه، يا رويلا، هو……”
“تعزيز قوة أهوبيف لدى سيلفيا.”
الملكة، وسيلفيا، ودوقية كيليان.
إن كان الثلاثة قد تعاونوا لتحويل سيلفيا إلى قديسة، فإن الهدف الحقيقي من الدواء الأزرق هو “تعزيز قوة أهوبيب التي تملكها سيلفيا”. فلا يوجد وسيلةٌ أفضل من هذه لتعزيز قوة أهوبيف بشكلٍ مصطنع.
“حقًا……إنه لأمرٌ فظيع.”
تمتم هيلديون بامتعاض وهو يعبّر عن اشمئزازه.
أن يُضحّوا بمواطني الإمبراطورية الأبرياء من أجل مصالحهم الشخصية……هل يوجد ما هو أفظع وأكثر قذارةً من هذا؟
“لا بأس، ما دمنا نحن من سيضع حدًا لذلك الآن.”
قرأت رويلا ما في نفسه، فربّتت على ذراعه برقة وأسندت رأسها إليه. و شعر هيلديون بثقل رأسها على ذراعه، فنظر إليها بصمت.
كانت خصلات شعرها تتراقص بخفة مع نسمات الريح.
“ديون؟”
سألت رويلّا بفضولٍ وهي تميل برأسها قليلًا نحو مصدر النظرة الصامتة، و كأنه دمية ضغط أحدهم على زرّها، تمتم هيلديون بصوتٍ خافت،
“أنا ممتن حقًا لأنكِ بجانبي.”
“…….”
يا إلهي، ما هذا الكلام المفاجئ؟
ارتبكت رويلا للحظة وهي تحرّك عينيها بتوترٍ بسبب هذه الضربة المباغتة، ثم ما لبثت أن ابتسمت بخفة.
“وأنا كذلك. أنا محظوظةٌ بلقائكَ، وبأنكَ بجانبي، سموك. وأيضًا……”
“وأيضًا؟”
سأل هيلديون مجددًا، فأشارت له رويلا بخفة أن يقترب. وعندما انحنى برأسه نحوها—
طبعت قبلةً خفيفة لامست شفتيه ثم ابتعدت سريعًا.
نظر إليها بدهشة وقد تجمّد في مكانه، بينما ابتسمت رويلا بمكرٍ ولمست خدّه بخفة بإصبعها.
“أظن أن لحظةً مثل هذه تستحق قبلة، أليس كذلك؟”
قالت ذلك بنبرةٍ مرحة، فتنفّس هيلديون ضاحكًا بارتباك. ثم احتضن رأسها برفق وقبّلها مجددًا.
كانت القبلةُ هذه المرة أطول وأكثر دفئًا.
وحين ابتعدا أخيرًا، كانت رويلا تلتقط أنفاسها قليلاً من التأثر، و تحدّق فيه بعينين لامعتين.
ضحك هيلديون وهمس مبتسمًا وهو يرى وجنتيها المتوردتين،
“أعتقد أن قبلةً أكثر دفئًا بدت طبيعية أكثر لهذا الموقف.”
“……أشعر وكأنني أنا من خسر هنا.”
“بين العشاق، لا يوجد غالب أو مغلوب.”
في الحقيقة……يبدو أن هناك خاسرًا، وأنا تلك الخاسرة.
لكن، شعور الهزيمة هذا لم يكن سيئًا على الإطلاق……بل تمنّيت أن أظل خاسرةً هكذا إلى الأبد.
لكن، في النهاية، الخاسر الحقيقي في ذلك اليوم لم يكن سوى هيلديون.
“على أية حال، علينا الآن التحقيق في الغرض الحقيقي من توزيع الدوقية لتلك الأدوية.”
“في هذه الحالة، يجب أن أطلب من هيستين أن يحقق في الأمر—”
وقبل أن يكمل هيلديون رده على كلام رويلا،
“سأطلب من فابيان أيضًا أن يحقق في هذا.”
قالت رويلا ذلك بسرعة، دون أن تسمع ما كان هيلديون سيقوله. و في تلك اللحظة، تجمّد هيلديون للحظة باهتزازٍ خفيف.
‘أن تنادي رجلاً غريبًا باسمه الأول بهذه الأريحية……بينما ما زالت تناديني بـ”سموك”.’
ارتسمت خطوطٌ طفيفة على جبين هيلديون المستقيم من غيرته المكتومة.
وسألها متظاهرًا بالهدوء،
“فابيان……من يكون؟”
“أحد موظفيني. يدير أيضًا نقابةَ معلومات. هو من أعطاني المعلومات عن سينا.”
“……آه، فهمت.”
“ألم تسمع به؟ لقد قال أنه كان زميلكَ في الأكاديمية. بل والتقينا به في المهرجان وفي أحد فعاليات الأكاديمية.”
زميل في الأكاديمية؟ مهرجان؟ فعالية أكاديمية؟
آه……ذلك الرجل.
وأخيرًا، بدأ وجه فابيان يتضح في ذاكرة هيلديون، ولو بشكلٍ غير مكتمل.
“أتذكره. هو الرجل الذي قال هيستين أنه قدّمه لكِ.”
“بالضبط!”
ردّت رويلّا وهي تصفق بفرح لتأكيده، فازدادت ابتسامة هيلديون اصطناعًا.
________________________
الرجل القيور طلع 😭
صدق يعني من متى وهيلديون يناديها رويلا وهي مانادته ديون الا ذي، الصرخه في المهرجان والحين عشان التنكر غش
المهم سينا واخوها هم بدايه هبة الرسمة الي في المقدمة😭
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات