“لكن، ما علاقة هذا بحقيقة علاقة الحب بين الآنسة أستيان وديموس؟”
ابتسمت رويلا بهدوء رداً على ملاحظة هيستين الحادة.
“هل فكرتَ في كيف التقى الاثنان؟”
“لا. لا أهتم على الإطلاق بقصة حبهما.”
“إذاً فكّر في الأمر قليلاً. ما الذي قد يكون الرابط بينهما؟”
ما إن لمّحت رويلا بذلك حتى جاء الجواب فوراً.
“الملكة.”
بصوت هيلديون الجاف، تمتم هيستين بإعجاب.
“آه!”
“صحيح. على الأرجح أن الملكة هي من ربطت بين الاثنين. وليس فقط ربطتهما، بل ماذا لو كانوا الثلاثة على المركب ذاته؟”
“عندها ستحلّ كل التساؤلات التي راودتنا حتى الآن.”
بِنجو!
كان هناك سؤالان رئيسيان لم يستطع الثلاثة الإجابة عنهما حتى الآن.
أولاً: لماذا أُلقيت اللعنة على هيلديون؟ ما الفائدة المرجوّة من ذلك؟
ثانيًا: لماذا يريدون جعل سيلفيا “قدّيسة”؟ هل هذا فقط للحصول على دعم المعبد؟
كان هذان السؤالان كلاهما من النوع الذي يصعب إيجاد إجابةٍ له بسهولة.
لكن، ماذا لو أدخلنا دوقية كيليان بين الملكة وسيلفيا؟
“السبب وراء إلقاء اللعنة هو على الأرجح لإقصاء سموّكَ من ترتيب وراثة العرش. وعند شغور المقعد، سيتولى ابدوق كيليان أو ديموس ذلك بطبيعة الحال.”
رفع هيستين نظارته قليلاً قبل أن يواصل حديثه.
“لكن، حتى في غياب سموّك، فلن يكون من السهل الحصول على العرش. فالدوق كيليان قد نُفي بعد أن سُلب منه اسم العائلة الإمبراطورية.”
“صحيح. وإن حدث خطأٌ بسيط، فقد تُنتزع أولوية الوراثة منه وتُمنح لأحد الأقارب الآخرين. لذلك—”
وقبل أن تُكمل رويلا كلامها، أضاف هيلديون بصوت خافت،
“كان لا بدّ من وجود مبررٍ شرعي.”
“بالضبط. كان عليهم إيجاد سبب يجعلهم في موقع أولوية أمام بقية أبناء الدم الإمبراطوري.”
“ولهذا حاولوا صنع قدّيسة مزيفة؟”
“بما أن قدّيسة الإمبراطورية تدعم عائلة كيليان، فسيحصلون على مبرر شرعي مثالي لا يُضاهى.”
وليس هذا فحسب.
إذا أصبحت سيلفيا قدّيسة، فسيكون بالإمكان التلاعب بالوصايا كما يشاؤون.
وليس فقط لجعل ديموس الأول في ترتيب وراثة العرش، بل بإمكانهم تحقيق ما هو أكثر من ذلك.
القدّيسة والعرش. إنها سلطة تتيح التحكم بالعالم كما يشتهون.
وفي مركز هذه القوة تقف سيلفيا، لتصبح عائلة الملكة وعائلة كيليان، جميعهم، في موقع المستفيد.
وبعد أن انتهى هيلديون وهيستين من التفكير، أصبحت ملامحهما أكثر جدية.
“لا شك بذلك، الأمر يبدو معقولًا جدًا.”
“أليس كذلك؟”
“بلى. يجب أن نُجري تحقيقًا شاملًا في الأمر.”
وعند كلام هيلديون، بدا على رويلا تعبيرٌ فخور.
ثم، مستغلةً هذا الجو، مررت بلطف الحديث عن “الدواء الأزرق”.
بدءًا من تكليف فابيان بالتحقيق سرًّا، وصولًا إلى ما يتعلق بسينا.
وفي النهاية، انتهى الحديث باستنتاج مفاده أن الموزّع الرئيسي للدواء الأزرق يبدو أنه دوقية كيليان.
أما الاثنان اللذان استمعا إلى القصة، فقد كانت نظراتهما مليئة بالدهشة والذهول.
“إنهم يفعلون حقًا كل شيء ممكن.”
تمتم هيلديون بصوت منخفض وعيناه مغمورتان بنظرةٍ قاتمة.
وقد بدا الغضب جليًا في صوته، رغم محاولته كتمانه.
ولم يكن ذلك مستغربًا، إذ إن تصرفاتهم كانت مثيرةً للاشمئزاز حقًا.
فهم من نسل العائلة الإمبراطورية، ومع ذلك يوزّعون دواءً مشبوهًا يعرّض شعب الإمبراطورية للخطر؟
“ربما يكون لذلك الدواء علاقة بجانب الملكة أيضًا.”
تمتم هيستين بهذا، ووافقت رويلا على الفور.
“أعتقد ذلك أنا أيضًا. مجرّد التفكير بأن دواءً خطيرًا كهذا يتم توزيعه سرًّا وبهذه الطريقة، هذا غير منطقي تمامًا، أليس كذلك؟”
“بالضبط. حتى لو كانت الدوقية، فهذا أمرٌ مستحيل. ما لم يكن هناك من هو أقوى وأضخم يقف خلفهم.”
ومن تراه يكون أقوى من الدوقية؟
“مثلًا، أحد أفراد العائلة الإمبراطورية؟”
قالت رويلا ذلك بنبرة عابرة، ليتبادل الثلاثة النظرات بعدها مباشرة.
وفي تلك اللحظة،
ديغ–!
<تزامن الحقيقة 80٪
(⑅ ॣ•͈૦•͈ ॣ)꒳ᵒ꒳ᵎᵎᵎ>
ابتسمت رويلا ابتسامةً واسعة وهي تنظر إلى نافذة النظام التي ظهرت أمامها.
‘هذا بمثابة شهادةِ تأكيد، لا أقل.’
شهادةً تؤكد أن كل الاستنتاجات التي سردتها حتى الآن كانت صحيحة.
شعرت ببعض الارتياح في قلبها. فرغم أن النظام بليدٌ لا يفهم التلميحات، لكنه نافع في مثل هذه اللحظات.
“على كل حال، قررتُ أن ألتقي بأحد الضحايا للتحقيق أكثر بشأن الدواء الأزرق.”
“أحد الضحايا؟”
“نعم، أعني شقيق سينا الذي تحدثت عنه قبل قليل. لقد اتفقت مسبقًا على لقائه.”
“في هذه الحالة، ما رأيكِ بأن أرافقكِ؟”
“سموّك ترافقني؟”
“نعم. لم أرتح لفكرة ذهابكِ لوحدكِ.”
مع أنها لن تذهب وحدها بالضبط.
‘كنت أنوي اصطحاب فابيان أو هاميل كحارس مرافق.’
ترددت رويلا للحظة—أو كادت تفعل، لكنها ببساطة أومأت برأسها.
“لا بأس، فلتأتِ معي.”
لم لا، لتذهب مع سموّه.
فهو أكثر طمأنينة من فابيان، وأقل إزعاجًا من هاميل، لذا فهو مرافقٌ مثالي.
“ومتى يناسبكِ الموعد؟”
“سأضبط وقتي بحسب وقتكِ، رويلا.”
“همم، إذًا—”
بدأ الاثنان بسرعة بتحديد الموعد.
كان منظرهما وهما يهمسان برؤوس متقاربة يبدو حميميًا للغاية.
لو رآهما أحد، لظن أنهما يخططان لموعد غرامي، لا للقاء ضحية.
المشهد بدا جميلاً لدرجة أن هيستين ابتسم بخفة.
‘هاها…..هل عليّ حقًا أن أستقيل؟’
لم يعد يحتمل رؤية هذا بعينيه.
لقد أدرك مجددًا كم أن من الصعب مشاهدة علاقة حب بين صديقه ورئيسه في العمل في آنٍ واحد.
وبينما غرق في مشاعره، راح يحدّق بشجن عبر النافذة.
كان وقتاً ارتفعت فيه مشاعر الحب عند طرف، ورغبة الاستقالة عند الطرف الآخر.
***
بعد عدّة أيام.
حلّ اليوم الذي كان من المقرر فيه لقاء شقيق سينا.
وعندما وصلت إلى المكان المتفق عليه، كان هيلديون قد سبقني إلى هناك وكان بانتظاري.
لكنّه لم يكن بمظهره المعتاد.
قميصٌ خفيف وسترة بنية، أشبه بما يرتديه عامة الناس. وبنطال بيج بلون مشابه. وقبعة ثُمانية الزوايا تبدو وكأنها مسروقة من بائع صحف، مع نظارات رفيعة الإطار.
وما أتمّ تنكره كان لون عينيه وشعره.
‘شعرٌ بني، وعيونٌ بنية.’
مظهرٌ مختلف تمامًا عن شعره الأسود المعتاد وعينيه الخضراوين.
تمتمت بإعجاب وأنا أراقبه من بعيد.
‘يبدو حقًا كشخص آخر تمامًا.’
رغم أنه لم يغيّر سوى لون الشعر والعينين وأسلوب اللباس، إلا أن هيلديون بدا وكأنه شخص مختلفٌ كليًا.
لدرجة أن من لا ينتبه جيدًا لن يتمكن من كشف هويته.
وبينما ابتسمت برضا عن هذا التنكّر المتقن، اقتربت منه.
كان واقفًا هناك يمثل تصفّح جريدة، لكنه لاحظ اقترابي على الفور، والتقت عيوننا بنظرة حادة.
“…..إيلا؟”
تمتم باسمي المستعار بوجه مذهول.
وكان ذلك متوقعًا. فأنا أيضًا، مثل هيلديون، كنت متنكرةً من رأسي حتى أخمص قدمي.
بمظهر فتاةٍ جاءت حديثًا من الريف وتبدو وكأنها تدير مخبزًا صغيرًا في أحد الأحياء.
…..وكأنها تبذل جهدها في أول موعد غرامي لها، رغم بعض السذاجة، لكنها تبعث إحساسًا منعشًا.
ذلك كان أسلوبي في اللباس لهذا اليوم.
لون شعري كان بلون الزنجبيل، وعيناي بنيتان مائلتان إلى الأخضر.
استدرت حول نفسي بخفة، أستعرض تنكّري، وسألته،
“ما رأيكَ بي؟”
“جميلة. كما أنتِ دائمًا.”
إجابته السريعه جعلتني أرمش بعينَيّ بحرج.
أوه، أوه…..
“…..لم أقصد هذا، كنت أسأل إن كان من الممكن أن تتعرف عليّ.”
“آه.”
أطلق هيلديون تنهيدةً قصيرة وكأنه أدرك الأمر للتو.
لم أتمالك نفسي من الضحك وهو يطلق تلك التنهيدة بوجه متجمد.
يا إلهي، إنه حقًا لطيف.
ليس لأنه حبيبي، بل لأنه ببساطة…..لطيفٌ فعلًا.
لا، أقسم أنه حقًا لطيف.
رجل بطول 190 سنتيمترًا، كيف يمكن أن يكون لطيفًا إلى هذه الدرجة؟
لطافته كفيلة بأن تحطم العالم!
“كنت أمزح، لكن شكرًا على قولكَ بأنني جميلة. وأنت أيضًا، ديون، تبدو رائعًا…..كما أنتَ دائمًا.”
كتمت حماسي الذي كان يتصاعد في داخلي، وهمست له بمزاح.
وفي اللحظة نفسها، احمرّ وجه هيلديون حتى صار كالطماطم.
لم يتمكن حتى من الرد، واكتفى برمش عينيه بحرج…..
آه، إنه لطيف جدًا لدرجة أنني أكاد أجنّ!
وربما لأن مظهره اليوم كان أكثر نعومةً من المعتاد، فإن هيلديون بدا وكأنه…..غزالٌ ضخم الحجم.
وبمشاعر من تود مداعبة غزال صغير، شبكت ذراعي بذراعه بسلاسة.
وشعرت في اللحظة نفسها بجسده يتوتر بشدّة.
حين نظر إليّ بعينين متوسعتين، ابتسمتُ له بخفة ورفعت كتفيّ.
“اليوم موعدنا الأول، أليس من الطبيعي أن أمسك بذراعكَ على الأقل؟”
“موعدنا الأول…..”
تمتم بهذا وكأنه في غيبوبة، ثم هزّ رأسه بعنف بعدها مباشرة.
“بالطبع، يمكنكِ فعل أي شيء، أي شيء على الإطلاق.”
“أي شيء؟ كل شيء؟ وما الذي تقصده بذلك؟”
“…….”
آه، لقد احمرّ وجهه من جديد.
همم، كم هو لطيفٌ حقاً، حقاً.
رغبت بشدّة في مضايقته أكثر، لكنني كتمت تلك الرغبة لأن لدينا جدولًا نلتزم به.
وبدلًا من ذلك، أخذت بيده بينما ما زلت ممسكةً بذراعه.
“أنتَ اتذكّر بأننا ذاهبان للقاء صديقي اليوم، صحيح؟ لم تنسَ؟”
“بالطبع لا. لم أنسَ.”
“همم، هل نشتري له هديةً بالمناسبة؟”
ومضينا نمشي ونحن نتحدث كأننا حقًا ثنائي خرج في موعد.
في البداية كان هيلديون يمشي بتوتر واضح، لكنه شيئًا فشيئًا بدأ يخطو إلى جانبي بطبيعية.
لو رآنا أحدهم، لظن أننا ثنائي عادي…..حسنًا، بمظهر فائق الجاذبية.
‘نعم، أتمنى حقًا أن يظنّوا ذلك.’
فما كنا متنكرَين ونؤدي هذا التمثيل إلا لسبب وجيه للغاية.
____________________
كأنهم يبون يجذبون انظار الناس لهم؟ ليه ؟
المهم هيلديون يجنننن🤏🏻 ورويلا فنتاستيكيه ياناس احبهمم🫂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 144"