“لا زال الأمر مجرد افتراض، لكن على كل حال، سأجري التحقيق بناءً على هذا الاتجاه.”
“حسنًا، أرجوكَ. فقط لا تقم بشيء خطير جدًا.”
“لا تقلقي. أنا أكثر كفاءةً مما أبدو عليه.”
بعد أن غادر فابيان بكلماته الواثقة، وبقيتُ وحدي، أخرجت دفترًا فارغًا ودوّنت ما حدث اليوم بسرعة.
لأنه لا يوجد شيء أفضل من هذا لترتيب الأفكار.
وفوق ذلك، فإن الأمور المهمة يجب أن تُسجَّل دائمًا. لأن مرور الوقت قد يجعلنا نتذكر الحقيقة بشكلٍ مشوّه.
بعد أن كتبت كل ما جرى اليوم، نظرتُ إلى الدفتر برضا. ثم بدأت أملأ الفراغات المتبقية بأشياء أخرى.
[الدواء الأزرق]
[حادثة صيد الوحوش]
أخذت أُطَبْطِب بأصابعي على المكتب وأنا أحدّق في الكلمتين المكتوبتين في خانات منفصلة.
‘هل الحادثتان غير مرتبطتين كليًا؟’
فقد وقعتا في اليوم نفسه، وكلتاهما تحويان أمورًا مريبةً كثيرة، لذا تساءلت إن لم تكونا مرتبطتين ببعضهما البعض.
لكن، المشتبه به في الحادثة الأولى هو ديموس. والمشتبه به في الحادثة الثانية هما الملكة وسيلفيا.
وبما أن المحرّك وراء كل حادثة مختلف، فربما كان من الأصح اعتبار الأمر مجرد مصادفة متتالية.
لكن، لماذا؟
‘ما السبب وراء هذا الشعور المزعج في زاوية قلبي؟’
كان الإحساس مزعجًا، وكأن شوكةً علقت في حلقي.
ربما كان ذلك بسبب تصرفات الاثنين خلال مهرجان الصيد. فبعد وقوع الحادث مباشرة، كانا ملاصقين لبعضهما وهبّا لمساعدة الناس.
ولو كانت حادثة الصيد مجرد عمل إرهابي مدبّر، فإن تصرف سيلفيا حينها كان مخططًا له مسبقًا أيضًا.
لكن، ماذا عن ديموس؟
‘إن كانت الملكة وسيلفيا خلف الحادث، فلن يكون ديموس على علم به.’
فهل كان ديموس يساعد الناس بجانب سيلفيا دون سبب؟
“هاه، هذا غير منطقي.”
فكرة أن ديموس يتقدم لمساعدة أحدٍ أمر لا يُصدق. بل إن رؤية سمكة تمشي على قدمين تبدو أكثر احتمالًا.
إذًا……
‘لا يمكن……قوة الحب؟’
أوه، ما الذي أفكر به!
ارتجفتبجسدي وأنا أتكئ بذقني على يدي، ورحت أخط بقلمي في الفراغ من دفتري.
“قوة الحب، يا لها من هراء متجمّد.”
لو كانت هناك قوة حبٍ بين هذين الاثنين، فلا شك أن النهاية ستكون كارثية.
قوةٌ نابعة من بائع أدوية مشبوه وراهبة مزيفة مشبوهة؟
شعرت مجددًا بأن الشبيه ينجذب إلى شبيهه.
“كيف يمكن أن يلتقي شخصان بهذا الشكل؟”
تنهدت وأنا أنقر لساني بانزعاج، وفجأة اتسعت عيناي.
“……لكن، كيف التقيا أصلًا؟”
لقد كان سؤالًا يزعجني بشدة. فبدأت أفكر فورًا.
‘أذكر أنهما التقيا من خلال شخصٍ ما في القصة الأصلية……’
عبست بحاجبيّ بينما حاولت تحريك ذهني قليلًا.
“آه.”
الرابط الذي يجمع بين الاثنين خطر في بالي على الفور.
شقيقةُ الكونت الذي تبنّى سيلفيا، وهي في الوقت نفسه تُعدّ كالعمة الكبرى لديموس.
“الملكة.”
لم تكن سوى الملكة نفسها.
***
في اليوم التالي. توجهت مباشرة إلى القصر الإمبراطوري للقاء هيلديون. لكن من استقبلني لم يكن هيلديون بل هيستين.
“سموه يحضر اجتماعًا حاليًا.”
قال هيستين ذلك، ثم أضاف أنَّه قد أبلغ سموه بوصولي، فسيأتي قريبًا.
شعرت بالذنب لأني أتيتُ دون التفكير في جدول أعمال هيلديون.
“لقد أتيتُ بشكل مفاجئ، أليس كذلك؟”
“لا بأس. بالنسبة لكِ يا سيّدتي القديسة……حتى لو أتيتِ في الليل أو النهار، فسيرحب سموه بكِ دائمًا.”
“نعم؟ ماذا قلتَ؟”
قال شيئًا بعد جملة ‘لا بأس’ لكني لم أسمعه جيدًا، فسألته مجددًا.
“لا، لا شيء.”
……لكن لا يبدو وكأنه لا شيء فعلًا.
في تلك اللحظة، فُتح الباب فجأة على وقع خطواتٍ مسرعة. وكان من دخل هو هيلديون.
“سموك؟”
بدا وكأنه هرول إلى هنا، إذ كان شعره الأسود مبعثرًا على جبينه.
ارتسمت ابتسامةٌ هادئة على شفتيه حين رآني.
“رويلا.”
هاه.
صوته وهو يناديني كان حلوًا جدًا لدرجة أنني التقطت أنفاسي دون قصد.
‘صحيح، الآن حين أفكر بالأمر……’
هذه أول مرة نلتقي فيها بعد اعترافه.
كنت منشغلةً بقضية الملكة لدرجة أنني لم أدرك ذلك مسبقًا.
دارت عيناي بسرعة. و كان وجهي متيبسًا ولم أعرف أي تعبير ينبغي أن أضعه.
يا إلهي، ماذا يُفترض أن أفعل في موقفٍ كهذا؟
“هل انتظرتِ طويلًا؟”
“آه، لا. لقد وصلت لتوي. بل أنا من جاءت دون موعدٍ أصلاً.”
“لا حاجة لأي مواعيد. تعالي وقتما شئتِ، كما يحلو لكِ.”
“نعم؟”
“يمكنكِ اعتبار هذا المكان منزل رويلا إن أردتِ.”
“لا، هذا بعد الزواج فقط……”
هاه؟ ما الذي قلتهُ الآن؟
‘منذ متى بدأنا المواعدة لأتحدث عن الزواج؟’
لستُ شخصًا يحاول القيام بحركات بهلوانية خلفية فور أن يتعلم المشي.
أغلقت فمي بسرعة، وألقيتُ نظرةً خاطفة على هيلديون لأتحسس رد فعله.
“…….”
“…….”
وتلاقت نظراتنا.
نظرنا إلى بعضنا البعض بصمت. و تحركت شفاهنا بضع مرات، لكن لم ينطق أحدٌ بشيء. ثم، دون أن يسبق أحدنا الآخر، انفجرنا بضحكةٍ خفيفة.
كان أمرًا غريبًا حقًا. فالموقف لم يكن يدعو للضحك، ومع ذلك انفلتت منا الضحكات.
‘صحيح……وجه هيلديون مضحك.’
أليسَ من الوجوه التي تجلب السعادة بمجرد النظر إليها؟ وأن يكون رجلٌ كهذا هو رجُلي……كيف لي ألا أضحك؟
لكن، لم تدم الضحكة طويلًا.
“……أعذراني.”
خرج صوتٌ من زاوية المكان.
“آه، صحيح.”
لقد نسيتُ أن هيستين كان هنا أيضًا.
تذكرت وجوده متأخرة، فالتفتُ إليه محرجَة. وحين فعلت، فتح فمه بصوت خافت ونبرة مستسلمة، وكأن الأمل قد غادره.
“هل يمكنني فقط……المغادرة؟ أرجوكما، دعاني أفعل ذلك.”
***
“هاه……”
كان التنهد المليء بالحسرة من هيستين.
رغم توسلاته الصادقة، اضطر إلى الجلوس في الجهة المقابلة لرويلا وهيلديون.
‘ما الذي أفعله هنا أصلًا؟’
كان الوضع لا يُحتمل حقًا.
أن تكون في المكان نفسه مع حبيبين لطيفين أمرٌ صعب بحد ذاته، لكن أن يكون أحد هذين الحبيبين سيدكَ وصديقكَ المقرب؟
ذلك، وبكل صدق، كان أمرًا فظيعًا لا يُطاق.
وبينما كان شعور الاستقالة من منصبه يتحرك مجددًا في صدره……
“هل تعرف شيئًا؟”
افتتحت رويلا الحديث.
“عما تتحدثين؟”
“الآنسة أستيان وديموس. سمعتُ أنهما يتواعدان رسميًا.”
“……نعم.”
رد هيلديون بصوت خالٍ تمامًا من أي روح.
“هاها، يبدو أنكَ لا تهتم كثيرًا؟”
“أبدًا. أنا مهتم بكل ما تقوله رويلا.”
رد هيلديون بجديّة، فابتسمت رويلا بخفة ورفعت كتفيها.
“لكن، لماذا ذكرتِ هذا فجأة؟ هل ربما—”
“ربما؟”
تردد هيلديون للحظة قبل أن يفتح فمه.
“هل……يزعجكِ الأمر؟”
“نعم، يزعجني.”
تفاجأ هيلديون برد رويلا الفوري.
“هذا طبيعي، فقد كان حبًّا من طرف واحد دام طويلًا……”
“مـاااااااذااا؟!”
صرخت رويلا بصوت غريبٍ مذهولة من تمتمتهِ المكتئبة.
“ليس كذلك إطلاقًا! يا إلهي، ما هذا الكلام المروع؟! قلت لكَ أنني لم أعد أحب ديموس! حتى لو بدأ يواعد سيدةً عجوز غريبة من الشارع، فلن أهتم إطلاقًا!”
“لكن……أعتقد أن ذلك سيكون مثيرًا للاهتمام نوعًا ما.”
أضاف هيستين فجأة، بعد أن كان يستمع بصمت. فرمشت رويلا للحظة، ثم أومأت برأسها.
“آه، صحيح. في الحقيقة، سيكون مثيرًا للاهتمام فعلًا.”
“أليس كذلك؟”
“نعم. إذًا دعني أُصحّح كلامي— ما دامت مواعدته لا تشمل سيدةً عجوز غريبةً من الشارع، فلا يهمني أمر ديموس.”
وعند هذا التصحيح، سألها هيلديون مندهشًا.
“إذًا، لماذا يزعجكِ الأمر؟”
“لأنه مريب.”
“مريب؟”
“نعم. لكن قبل ذلك، هناك أمرٌ يجب توضيحه.”
“تفضلي.”
عند رد هيلديون، نظرت رويلا إلى الرجلين بوجه جاد.
“أود أن أسأل عن وراثة العرش.”
“وراثة العرش؟”
“نعم. حاليًا، الوريث الأول هو سمو ولي العهد، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“نعم، صحيح.”
“إذاً، ماذا سيحدث إن وقع مكروهٌ لسموك؟”
هذه المرة، لم يجب أيٌ من الاثنين مباشرة.
في الواقع، منذ أن أصبح هيلديون وليًا للعهد، لم يتم تحديد ترتيبٍ واضح لورثة العرش بعده.
والسبب كان بسيطًا.
لأن تولّي هيلديون للعرش كان أمرًا بديهيًا لا جدال فيه.
لو كان لديه إخوةٌ أو أخوات، لكان الأمر مختلفًا، لكن هيلديون كان الابن الوحيد.
من بين الاثنين المترددين، كان هيلديون هو من تحدث أولًا.
“في تلك الحالة، سيبحثون عن شخصٍ من سلالة العائلة الإمبراطورية، على الأرجح.”
“وهذا يعني أن الدوق كيليان هو المرشح الأوفر حظًا، أليس كذلك؟ فهو شقيق الإمبراطور الحالي.”
عند كلام رويلا، ارتفع حاجبا هيلديون وهيستين تقريبًا في الوقت ذاته. ثم نظرا إلى بعضهما البعض، بملامح تنم عن إدراكٍ مفاجئ.
كان واضحًا أن الفكرة نفسها مرت بخاطريهما في تلك اللحظة.
أمال هيلديون رأسه قليلًا، وبدأ ينقر على الأريكة بأصابعه ببطء وهو يتحدث.
“……على الأرجح سيكون كذلك. أو ربما—”
ابن الدوق كيليان هو من سيكون المرشح.
وعند توقفه عن الكلام، لمعت عيناه الخضراوان بحدة.
__________________________
يلباا يلبااا أموت على الأذكياء يانااااااس
هيستين يتم التنمر عليه😭
العزوبيه وسط ذا الثنين تصير صعبه.
القائل: هيستين المسكين
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 143"