“يا إلهي.”
لم يستطع هيستين إخفاء صدمته عندما رأ، وجه هيلديون العائد من قصر الدوق بريتا.
“لماذا يبدو وجهكَ هكذا؟ هل اشتدّت عليك اللعنة؟”
“……ليت الأمر كان كذلك.”
تمتم هيلديون بسخرية ذاتية، مترنحًا وهو يتوجه إلى الكرسي قبل أن يسقط عليه متثاقلًا.
‘ليت الأمر كان كذلك؟’
لم يحتج هيستين إلى كثير من التفكير ليستنتج ما حدث.
‘آه، لقد رُفض إذاً.’
ظننت أنه سيذهب ليبوح بمشاعره اليوم، لكنه عاد مرفوضًا.
أغلق فمه بحذر.
لو أظهر أي معرفة بالأمر، فلن يجني سوى المتاعب.
‘على أي حال، لا أظنه سيستمع إليّ حتى لو تحدثت.’
وكما توقع تمامًا، كان عقل هيلديون غارقًا في فوضى من الأفكار.
“……هل يجبُّ عليّ أن أرحل؟ إن كنتِ متعبةً فلا بأس.”
“لستُ متعبةً كثيراً هاها، و لكن هلّا فعلتَ ذلك؟”
ظل هذا الحوار الصادم عالقًا في ذهنه، غير قادر على نسيانه.
غادر هيلديون الغرفة حقًا بعد ذلك. و لم تحاول رويلا منعه، بل اكتفت بتوديعه.
رغم أنه تعمد إبطاء خطواته، إلا أن الطريق إلى المدخل كان قصيرًا للغاية.
“إذاً، وداعًا. شكرًا لكَ على قدومكَ اليوم. أراكَ لاحقًا.”
حتى كلمات الوداع بدت نظيفةً جدًا، خاليةً تمامًا من أي تردد أو إحباط، مما جعل قلبه يهبط بثقل.
شعر برغبة ملحة في الركوع أمامها فورًا قائلًا، “ما الخطأ الذي فعلته؟ أخبريني، سأصلحه!”
لكن بدلًا من أن يتصرف بشكل مثير للشفقة، اكتفى بابتسامة متكلفة وغادر. فلم يكن يرغب في فقدان المزيد من النقاط هنا.
“……لن أسامحه.”
“ماذا؟ من تقصد؟”
كانت نبرة صوته مخيفة جدًا لدرجة أن هيستين سأل بلا وعي.
فكر للحظة بأنه إن كان المقصود هو نفسه، فسيكون مستعدًا للقفز من النافذة والهرب على الفور.
لكن لحسن الحظ، لم يكن هو المقصود.
“الشخص الذي أفسد مهرجان الصيد.”
“آه، فهمت.”
شعر هيستين بالراحة، بينما كان عقل هيلديون مهووسًا بشيء واحد فقط، “الشخص الذي أفسد مهرجان الصيد.”
لو لم يقع ذلك الهجوم الإرهابي خلال المهرجان، لكان فوزه مؤكدًا كما خطط تمامًا.
وعلاوةً على ذلك، بحلول هذا الوقت، كان قد أهدى بالفعل البروش الذي حصل عليه كجائزة للفوز، معترفًا بمشاعره لروئيلا.
مجرد تخيل الحبيبين يضحكان معًا في سعادة زاد من شعوره بالضيق. فقرر هيلديون أن يفرغ هذا الانزعاج في العمل.
“كيف تسير التحقيقات بشأن الهجوم الإرهابي في مهرجان الصيد؟”
“أجرينا التحقيق بشكل أساسي في موقع الانفجار، ولكن الأمر هو……”
“ما هو؟”
“يبدو أن عليكَ التحقق بنفسك.”
قال هيسيتن ذلك وهو يمد له وثيقة. وبمجرد أن اطلع عليها هيلديون، عبست ملامحه بشدة.
“إنها قطعةٌ مألوفة.”
“بالطبع، فقد رأيتها كثيرًا خلال حرب الهراطقة.”
نعم، كان هذا أحد الأجهزة التي اعتاد الهراطقة استخدامها.
لم يتمكنوا من معرفة كيفية صنعه بالضبط، لكن بناءً على الجواسيس، اشتبهوا بأنه مصنوع باستخدام أحد الآثار القديمة لأهوبيف.
لكن رؤيته هنا؟ لم يكن يتوقع ذلك.
“هيسيتن.”
“نعم، سموك.”
“هناك شيء آخر عليك التحقيق فيه.”
“هل هو تحقيقٌ رسمي؟ أم تحقيقٌ شخصي؟”
“إنه تحقيقٌ شخصي.”
“همم، فهمت. ما الذي تريدني أن أبحث عنه؟”
“الملكة.”
“ماذا؟”
“علينا أن نشتبه بالملكة أكثر فيما يتعلق بكونها وراء هذا الهجوم الإرهابي.”
ثم نقل له المحادثة التي جرت بينه وبين رويلا.
“معذرة، لكن أليس من المبكر اعتبارها مشتبهًا به بناءً على هذا فقط؟”
“من يعلم. لن يضرنا التحقق من الأمر. ثم إن الشك ليس سيئًا طالما أن هناك احتمالًا قائمًا.”
“حسنًا، هذا صحيح.”
رفع هيلديون حاجبه قليلًا، ثم استند ببطء إلى ظهر مقعده.
“حسنًا. وإن كانت الملكة حقًا وراء هذا الحادث……فسأجعلها تندم أشد الندم.”
أمام هذا التهديد القاتم، فكر هيسيتن بصمت.
‘……إنه أكثر غضبًا مما كان عليه حين أصيب باللعنة.’
وهكذا، استمرت الأجواء المشحونة بالتوتر لبعض الوقت.
كان الهواء المحيط بهيلديون ثقيلاً بطريقة غير مفهومة، وكأن درجة الحرارة حوله أقل مما هي عليه في أي مكان آخر.
وفي ذلك اليوم بالذات، حين بدأ هيسيتن بكتابة استقالته، مقتنعًا أخيرًا بأن وقت ترك هذه الوظيفة البائسة قد حان. لحسن الحظ، انتهت كآبة هيلديون.
“وصلت القديسة الى القصر قبل قليل.”
“رويلا؟”
“نعم، يبدو أنها جاءت لطلب مكافأتها من جلالة الإمبراطور.”
بمجرد سماعه لكلام هيسيتن، نهض هيلديون فجأةً واندفع خارجًا وهو يفتح الباب بعنف.
‘بالنظر إلى حالته تلك، قد يجثو على ركبتيه أمام القديسة.’
نقر هيسيتن لسانه متنهّدًا، ثم تابع كتابة استقالته بعناية، متمنيًا أن يحافظ هيلديون على بعض الكرامة وألا يسبب فضيحةً كُبرى.
ومضت ساعتان تقريبًا. ثم عاد هيلديون بوجه شارد، و نطق فجأة،
“هيسيتن، يجب أن نعلن هذا اليوم ذكرى رسمية!”
“هذا ليس ضمن صلاحيات سمو ولي العهد، لذا فهو مستحيل. لكن……أي ذكرى تقصد؟”
“سر.”
أجاب هيلديون بهذه الكلمة فقط، لكن كانت هناك ابتسامةٌ ارتسمت على شفتيه.
كانت ملامحه، وهو يحدّق في الفراغ ويبتسم بشرود، غريبةً ومجنونة بحق.
‘نعم، الآن هو الوقت المناسب.’
في اللحظة التي مدّ فيها هيسيتن يده بهدوء إلى استقالته داخل جيبه—
“هيسيتن، خذ هذا.”
“ما هذا؟”
“إنها مكافأة، سأعطيها لكَ لأنني في مزاج جيد. احتفظ بها.”
تألقت عينا هيسيتن عند سماعه كلمة “مكافأة”. وسرعان ما ارتسمت ابتسامةُ راضية على وجهه بعد أن تأكد من المبلغ.
‘نعم، العمل في القصر الإمبراطوري هو الأفضل!’
إنها حقًا الوظيفة المثالية، ولا شك أنه سيُدفن هنا إلى الأبد.
“رغم أنه لا يمكن إعلان هذا اليوم ذكرى رسمية للإمبراطورية، إلا أنني سأعتبره كذلك في قلبي.”
“نعم، حسنًا.”
أجاب هيلديون بلا روح، بينما كان لا يزال يحدق في الفراغ مبتسمًا.
‘هاها……يبدو أنه جُنّ حقاً.’
نظر هيسيتن إليه برضا، لكنه لاحظ فجأةً بروشًا مألوفًا على صدره.
‘لحظة……لماذا هذا البروش موجودٌ هناك؟’
ولتوضيح الأمر، علينا العودة بضع ساعات إلى الوراء، إلى اللحظة التي سمع فيها هيلديون بقدوم رويلا واندفع خارجًا بعنف.
***
‘سأجثو على ركبتي.’
عقد هيلديون عزمه بتواضع.
على مدار الأيام القليلة الماضية، لم يتمكن من النوم بسبب القلق، ولم يكن يأكل جيدًا. و كان غارقًا تمامًا في العمل، يذبل ببطء.
حتى عندما أصيب باللعنة، لم يكن الألم بهذا السوء. لذا، لم يكن أمامه سوى حل واحد.
بغض النظر عن مدى يأسه، كان عليه أن يتمسك برويلا بأي طريقة ممكنة.
عندما وصل بالقرب من قاعة الاستقبال، أخذ نفسًا عميقًا ونظر إلى ركبتيه.
‘جيد، أنا أرتدي ملابس سوداء.’
كان هذا هو الزي المثالي تمامًا لركوعٍ يليق بالموقف.
وفي تلك اللحظة، فُتح الباب، وخرجت رويلا بعد لقائها مع الإمبراطور.
“……سموك؟”
اتسعت عينا رويلا بدهشة عندما رأت هيلديون ونادته.
“كيف……لماذا أنتَ هنا؟”
“سمعت أنكِ أتيتِ إلى القصر، فجئت لرؤيتكِ.”
“ماذا؟!”
لماذا يقول شيئًا كهذا على مسمعٍ من الجميع؟!
نظرت رويلا حولها بعينين مرتجفتين نحو الفرسان الذين يحرسون مدخل قاعة الاستقبال.
رغم أنهم حافظوا على وقفتهم الرسمية دون أن يظهروا أي رد فعل، إلا أن وجوههم الشاحبة كانت دليلًا واضحًا على أنهم سمعوا كل شيء.
‘يا إلهي.’
يالهم من مساكين.
الاضطرار إلى سماع تفاصيل الحياة العاطفية لرئيسهم بالقوة ليس سوى شكل من أشكال التعذيب الوظيفي.
“رويـ-“
ما إن فتح هيلديون فمه ليواصل كلامه حتى أمسكت رويلا بمعصمه بسرعة.
ثم هزّت رأسها بإصرار وهمست له،
“لنذهب إلى مكان أكثر هدوءًا لنتحدث.”
“……حسنًا، آسف.”
أجاب بصوت خافت، وكأنه فقد حماسه، ثم تبعها متثاقلًا.
“هنا، لن يأتي أيّ أحد.”
توجه الشخصان إلى الحديقة الصغيرة التي تقع خلف القصر الإمبراطوري. و على عكس الحديقة الفاخرة أمام القصر، كانت هذه الحديقة بسيطةً في تنسيقها.
جلس الشخصان معًا على مقعد صغير في أحد جوانب الحديقة.
نظرت رويلا حولها، ثم تحدثت بإعجاب،
“لم أكن أعرف أن هناك مكانًا كهذا.”
“إنها حديقةٌ تم الحفاظ عليها منذ عهد الأجداد. ولهذا، لا يُسمح لغير أفراد العائلة الإمبراطورية بالدخول.”
“هل يمكنني دخول مكانٍ كهذا إذاً؟”
“لقد جئت معِي، لذلك لا داعي للقلق. لكن……هناك أمرٌ آخر……”
أخذ هيلديون نفسًا عميقًا، ثم نهض ببطء ليواجه رويلا.
وعندها……
“سموك! ماذا تفعل الآن؟!”
قبل أن يركع. فاجأته رئيلا بالوقوف فجأة محاولةً منعه.
أجاب هيلديون بصوت مكتئب،
“كنت أفكر في الركوع.”
“ماذا؟ لماذا؟”
“لأنني شعرت بأنني ربما فعلت شيئًا خاطئًا لكِ.”
“ماذا؟ لا، لم تفعل شيئًا خاطئًا.”
“إذاً، لماذا كنتِ تبتعدين عني؟”
سأل رويلا فجأة، ففتحت فمها من الدهشة. ثم دارت بعينيها لفترة قصيرة، قبل أن تنفجر ضاحكة.
“رويلا؟”
“هاها، آسفة. أنتَ فقط لطيفٌ جدًا لدرجة أنني لم أتمالك نفسي.”
لم تكن هذه مجرد كلماتٍ قالتها بسبب تصفية الألفاظ النابية، بل كانت تعبيرًا صادقًا من قلبها.
‘هاها، لا يمكن للإنسان أن يظل غير مبالٍ عندما يبدو الشخص الذي أمامه لطيفًا.’
هذه المرة، لا أظن أن هناك مجال.
هزت رويلا رأسها، ثم ابتسمت بابتسامةً خفيفة وأومأت بقبضتها باتجاه هيلديون.
“؟”
عندما نظر إليها هيلديون بدهشة، ابتسمت رويلا بسخرية، ثم قلبت قبضتها ليظهر كفها.
وكان هناك شيء موضوعٌ على راحة يدها.
“هذا……”
“إنه قلب البركة.”
“إنه أيضًا جائزة مهرجان الصيد التي لم تحصل عليها، سموك.”
قالت رويلا ذلك مازحةً وهي ترفع كتفها وتبتسم.
___________________________
هيلديون المروق احسن واحد ✨
حتى هيستين الي يتوعد كل شوي باستقالته عدل بعد ذا الروقان😂
المهم اكيد فيه تكمله مستحيل هيلديون يستانس بس عشان رويلا عطته القلب؟ لوء
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 139"