بعد أن أنهت سيلفيا تحيتها القصيرة، نزلت من المنصة واندمجت بطبيعة الحال مع حشد الناس.
أنا وهيستين تابعناها بعيوننا ونحن نبتسم بخفة دون أن يلاحظ أحد.
“لا أدري، أشعر أن تنفسها يبدو مريبًا نوعًا ما.”
‘لا، هذا مبالغٌ فيه قليلاً.’
نظرت إليه بنظرات تعجب، فاكتفى برفع كتفيه.
نعم، كان عليه أن يحتفظ بكلامه لنفسه.
بينما كنا ننتظر اقتراب سيلفيا، لمحت فجأة وجهًا مألوفًا.
“هيلينا؟”
كانت هيلينا بالفعل، و قد مرَ زمن طويل منذُ أن رأيتُ وجهها. آخر مرة التقيتها فيها كانت قبل اكتمال بناء النافورة، في متجر الملابس……
بعد ذلك، التقيت بأمها، لكنني لم أرَ هيلينا نفسها.
‘بالمناسبة، لم أكن أتوقع أن أراها هنا أبدًا.’
وفقًا لما قاله ديموس، ألم يفترق الاثنان مؤخرًا؟ علاوةً على ذلك، كان ديموس مؤخرًا يُرى كثيرًا برفقة سيلفيا.
و حتى اليوم، كان ديموس ملتصقًا بجانب سيلفيا تمامًا.
لا شك أن المجتمع الراقي بدأ يتداول الشائعات حول علاقة سيلفيا وديموس.
و بمعنى آخر……
‘كأن الحبيبة السابقة حضرت حفل عيد ميلاد الفتاة التي يواعدها الآن.’
بالطبع، أنا التي أحببت ديموس لأطول فترة لست في مقام أن أقول شيئًا كهذا.
“الآنسة ديوتر، أليس كذلك؟ يبدو أنها لم تظهر في مناسبة اجتماعية منذ فترة طويلة.”
لاحظ هيستين نظراتي فبادرني بالحديث.
“بالفعل، أشعر أنني لم أرها منذ زمن.”
“لكن، هذا أمر غريب.”
“ما الذي تقصده؟”
“لماذا تقف وحدها؟”
“……الآن وقد ذكرت ذلك……”
كان محقًا. كان المكان بجانبها خاليًا تمامًا.
بينما اضطررت أنا لدفع المال لأحضر هيستين كشريك بسبب عبارة <حضور الشريك إلزامي>!
‘ما هذا؟ لو كنت أعلم أنه يمكنني الحضور بمفردي، لكنت جئت لوحدي.’
كنت أفكر في الأمر وأحسب المكاسب والخسائر بينما أنظر إلى هيلينا بحسد في تلك اللحظة.
“يا إلهي، هل من المعقول أنها حضرت بمفردها؟”
“بالفعل، لا خجل ولا كرامة.”
“تجرؤ على الحضور متلهفةً بعد أن دُعيت، ثم تقف بكل وقاحة وترفع وجهها!”
سمعت أصواتًا تهمس وتضحك بخفة من الجانب.
“……يا لها من قسوة.”
“حسنًا، هكذا هم النبلاء جميعًا.”
رد هيستين موافقًا على تمتمتي.
“صحيح. لكن، عمن يتحدثون بهذه الطريقة؟”
“عمن؟ عن الآنسة ديوتر بالطبع.”
“……ماذا؟”
اتسعت عيناي دهشةً عند سماع الاسم غير المتوقع.
كنت أنا أيضًا أرى أن مجيء هيلينا بمفردها أمر غريب، لكن أن يتحدثوا عنها بمثل هذا السوء علانية؟
أجاب هيستين بهدوء،
“لقد رأيتِ للتو. المكان بجانب الآنسة ديوتر كان خاليًا.”
“آه، لكن، لا يمكننا أن نجزم أنها هيلينا بالضرورة……”
“على الأرجح أنها هي. من النادر جدًا أن يحضر أحد حفلًا يتطلب شريكًا دون شريك. علاوةً على ذلك……”
أومأ هيستين برأسه قليلاً وهو يجيب،
“ألا ترين أن أعينهم موجهةً نحو الآنسة ديوتر؟ يبدو أنهم لا ينوون إخفاء الأمر من الأساس.”
وفعلاً، كما قال. كان الشباب والشابات ينظرون إلى هيلينا بصراحة ويتحدثون بصوت مسموع.
وأما هيلينا التي تلقت تلك النظرات……
‘لقد أدركت الأمر.’
يبدو أنها لاحظت أنهم يتحدثون عنها، فكانت تعض على أسنانها وتنظر إلى الفراغ فقط، دون أن تتمكن من إخفاء اهتزاز عينيها الزرقاوين.
***
منذ اللحظة التي دخلت فيها هيلينا قاعة الرقص، شعرت باضطراب في رأسها.
‘لماذا لكل واحد شريك؟’
كانت متأكدةً أن الدعوة لم تذكر شيئًا عن الشريك.
ففي الدعوة التي تلقتها، لم يكن هناك سطر واحد يشير إلى ضرورة الحضور مع شريك.
لكن عندما وصلت، وجدت الجميع برفقة شركائهم. و عندها فقط أدركت أن هناك شيئًا غريبًا.
لكن الخروج مجددًا كان قد تأخر، فقد وضعت قدمها بالفعل في قاعة الرقص.
والأهم من ذلك، أن العودة هكذا كانت ستجرح كبرياءها.
‘سيبدو الأمر وكأنني أهرب.’
في الحقيقة، السبب الذي دفعها لحضور حفل سيلفيا هو رغبتها في رؤية “الفتاة الجديدة لديموس”.
بعد أن أنهى ديموس علاقتهما فجأة ذات يوم، بدأت شائعاتٌ غريبة تلاحقها. تلك الشائعات جعلتها تفتقر للشجاعة للخروج من المنزل.
وبفطنتها، أدركت هيلينا بسرعة أن هذا عمل متعمد من شخص ما.
‘ديموس……’
لا شك أنه ذلك الرجل. أو ربما تكون الفتاة التي يقال أنه يواعدها الآن هي من تقف وراء ذلك.
لكن خوفها من أن تُصبح محط أصابع الاتهام تفوق غضبها، فاختارت الانزواء وتجنبت الخروج لفترة طويلة.
لكن، لا يمكنها أن تعيش هكذا إلى الأبد.
وفي تلك اللحظة بالذات، تلقت هيلينا دعوةً من سيلفيا، فحضرت الحفل بعزم قوي على معرفة الحقيقة.
لكن النتيجة كانت هذا الموقف المزري فقط.
‘انا أسمع كل شيء. أسمعه بوضوح.’
كانت هيلينا تعض على شفتيها بينما تتردد الهمسات من حولها، و كأنها موجهةٌ لها عمدًا.
حاولت أن تتظاهر باللامبالاة وتنظر إلى الفراغ بأقصى ما تستطيع من برود، رافضة الاستسلام، لكن الكلمات والنظرات المتواصلة أنهكتها في النهاية.
غطت عينيها اللتين بدتا على وشك البكاء، ثم غادرت المكان بخطوات سريعة.
‘أكره الأماكن المزدحمة……’
في الماضي، كانت تتوق بشدة لجذب الانتباه، لكن أن تصبح محور الاهتمام بهذه الطريقة جعل معدتها تنقلب و قلبها يخفق بقوة.
……لنهرب فقط.
لنعود إلى المنزل وننعزل مجددًا. ربما يكون ذلك أفضل.
بدلاً من أن تُصنف كـ”شخص غريب” وتصبح مادةً للسخرية، كان من الأفضل لها العودة إلى غرفتها حيث لا تصلها أي كلمات.
اتخذت هيلينا قرارها وتوجهت نحو الباب الخلفي لقاعة الرقص. فلم تكن تملك الشجاعة للخروج من الباب الرئيسي.
وفي تلك اللحظة……
بام-
“آه!”
“آه.”
اصطدمت بكتف شخص ما.
‘آه، يؤلم. من يمشي بهذه السرعة دون أن ينظر أمامه؟’
كانت هيلينا تشعر بالإرهاق، فألصقت عينيها بالأرض وهي تمشي بخطوات متثاقلة.
على أي حال، لم يكن هناك من يراها بالقرب من الباب الخلفي، فلم تكن بحاجة للمشي بسرعة كمن يهرب.
لذلك، لم يكن الحادث خطأها، بل كان بسبب إهمال الشخص الذي اصطدم بها دون انتباه.
أمسكت هيلينا كتفها المؤلم ونظرت لترى من هو الشخص الآخر. و سرعان ما تجمد وجهها ببرود.
“……الآنسة أستيان؟”
“آه، الآنسة ديو…تر، أليس كذلك؟”
سألت سيلفيا مبتسمةً بابتسامة خفيفة وهي تتلعثم في البحث عن الاسم.
تقلصت مسافة ما بين حاجبي هيلينا بسبب تلك الابتسامة التي بدت متكلفةً للغاية.
“نعم، هذا صحيح. يبدو أنكِ لا تعرفينني حقاً؟”
“آسفة، لأنني لم أدخل عالم الطبقة الراقية إلا منذ وقت قصير……هل أغضبتكِ؟”
“لا، ظننت فقط أنكِ تعرفينني لأنني تلقيتُ دعوةً خاصة.”
“ما الذي تعنينه……؟”
نظرت إليها سيلفيا وهي ترمش بعينيها ببراءة، فتذكرت هيلينا وجهها السابق يتداخل مع تلك الصورة.
أمسكت هيلينا رأسها النابض وهزته.
“لا شيء. سأذهب الآن.”
“ماذا؟ ستذهبين؟ الآن؟”
“أعاني من صداع. إلى اللقاء.”
“انتظري لحظة……!”
أمسكت سيلفيا بمعصم هيلينا بسرعة لتمنعها من الذهاب.
تنهدت هيلينا واستدارت إلى الخلف.
“هل هناك شيء تريدين قوله……؟”
“أعتذار.”
آه، هل ستعتذر عن الاصطدام منذ قليل؟
أومأت هيلينا برأسها بفتور.
“لا بأس، لا حاجة للاعتذار-.”
“لا، أنا من يطلب منكِ الاعتذار.”
رمشت هيلينا بعينيها بدهشة وهي تتوقف عن إكمال جملتها.
‘ما الذي سمعته للتو؟’
هي من اقتربت واصطدمت بي، والآن تطلب مني أن أعتذر؟
بينما كانت هيلينا تعيد التفكير فيما سمعت، رفعت سيلفيا زاوية فمها بابتسامة ساخرة.
“أنتِ من اقتربتِ واصطدمتِ بي. أشعر أن كتفي الهش قد تضرر، لذا اعتذري جيدًا قبل أن تذهبي، الآنسة ديوتار. أوه، أقصد ديوتر، أليس كذلك؟”
“ها، إذاً هذا وجهكِ الحقيقي؟”
“وجهي الحقيقي؟ أنا فقط أطالب باعتذار مشروع.”
“ليس اعتذارًا مشروعًا، بل خطة لإذلالي، أليس كذلك؟ ليس لدي نية للاعتذار، فاتركيني.”
“لن أترككِ حتى تعتذري.”
أجابت سيلفيا وهي تعتصر معصم هيلينا بقوة أكبر. فعبست هيلينا من الألم الذي شعرت به.
هذه الفتاة، كلما زاد الأمر……!
“اتركيني!”
اندفعت الغضب في هيلينا حتى رأسها، فنفضت ذراعها بكل قوتها لتتخلص من قبضتها.
و لم تتوقع أن تنفصل عنها بسهولة-
“آه!”
لكن، على عكس التوقعات، صرخت سيلفيا بصوت عالٍ وسقطت بعيدًا. ثم اصطدمت بالحائط كما لو كانت قد أُلقيت، و انهارت على الأرض في مكانها.
“لا، لماذا حدث كل هذا……؟”
في تلك اللحظة، اجتاحها شعور سيء وغامض.
وكما كان متوقعًا.
“ما الذي تفعلينه الآن؟!”
“يا إلهي، الآنسة أستيان!”
ظهرت فجأة مجموعة من الناس من مكان مجهول، وهرعوا لمساعدة سيلفيا.
“هيك……لقد طلبت منها فقط أن تعتذر لأنها اصطدمت بكتفي……”
بينما كانت سيلفيا تذرف الدموع، استقرت النظرات الحادة للناس على هيلينا.
“كما تقول الشائعات، إنها حقًا عديمة الأدب وعنيفة.”
“بالفعل، إنها مروعةٌ حقًا!”
كانت هيلينا تقف صامتة، غير قادرة على فتح فمها، وهي تستمع إلى سيل الانتقادات الموجهة إليها.
أرادت أن تبرر نفسها بطريقة ما، لكن شفتيها التصقتا ولم تتفككا.
كل ما شعرت به هو ارتعاش يديها ورجليها، ورغبةٌ عارمة في الهروب من هذا المكان.
كانت عيناها تحترقان وكأن الدموع ستنهمر في أي لحظة.
لم يعد يهمها ماء الوجه أو أي شيء آخر، كل ما أرادته هو الركض بعيدًا والاختباء. في غرفتها المظلمة، القاتمة، حيث لا يراها أحد.
ثم بدأ الضوء يتلاشى تدريجيًا من عيني هيلينا.
***
دينغ-!
<مهمة جديدة – إزالة الخطأ o( >.<)o!
: هل تقبلين المهمة؟
(نعم / بالطبع!)>
توقفت رويلا، التي كانت تسير بخطوات سريعة، عند ظهور نافذة المهمة.
‘كنت أعلم أن هذا سيحدث.’
كانت تعتقد أن شيئًا ما سيحدث.
على الرغم من أن المهمة لم تذكر ذلك صراحة، إلا أن رويلا تمكنت بسهولة من تخمين من الشخص ثاحب هذا الخطأ.
‘هيلينا.’
على أي حال، كانت تبحث عنها بالفعل بعد اختفائها المفاجئ. و كان من الأفضل لو وجدتها قبل ظهور هذه المهمة.
هزت رويلا رأسها بيأس ثم بدأت تسرع خطواتها مجددًا.
‘آه، لما لا يُفعّل الحظ الآن!’
كم استثمرت فيه حتى الآن؟
في هذه المرحلة، يجب أن يعمل الحظ كدليل ملاحة على الأقل بشكل صحيح!
_________________________
ياخي يالنظام وش دخلنا في هيلينا؟
بعدين لاا لاتنشغل رويلا مع هيلينا ثم يجي هيلديون وتمسكه سيلفيا ياخي اهجدوا
المهم هيستين وش بيكون وضعه في ذا الحدث؟ 😂
Dana
شكراً