نظرت كلايسي إليه بنظرة حادة، فتدخلت آنا وقرعت على ذراع والتر بلطف لإبعاده.
“سيدي، يكفي هذا الآن، عليكنا ترتيب الأمتعة بسرعة، أنت من يجب أن يخبرنا أين نضعها.”
ما إن طُرد والتر من الغرفة، حتى اقتربت آنا من كلايسي بنظرة قلقة.
“أظن أن السيد لم يقصد الإساءة، لا تأخذي الأمر بجدية.”
بدلًا من الرد، دخلت كلايسي إلى المنزل بحثًا عن والتر، وجدته في غرفة الضيوف، منهمكًا في تحديد أماكن وضع الأمتعة.
“جيد أنك هنا، هل يمكنني استخدام الغرفة المجاورة أيضًا؟”
عندما اقتربت كلايسي، تنفس والتر الصعداء وسألها بلهفة.
“لم أتخيل أنكِ تعيشين في منزل صغير كهذا، الأغراض لا تتسع في هذه الغرفة.”
“يمكنك استخدام الغرفة المجاورة، لكن أريد التحدث معك.”
أمسكت كلايسي بوالتر وسحبته إلى الغرفة الفارغة المجاورة، ثم أغلقت الباب خلفها، كان والتر في حيرة، فسألها.
“ما الأمر؟”
“لا تتحدث عن الشائعات التي تخصني أمام الآخرين، لقد انتقلت إلى هنا هربًا منها، فهل تريد أن تجلبها معك وتنشرها من جديد؟”
حاولت كلايسي قدر الإمكان تهدئة صوتها.
“لماذا؟ أيمكن أن… لا يعرف الطرف الآخر شيئًا عن هذه الشائعات؟”
عندما سألها والتر بذهول، لم تستطع كلايسي السيطرة على غضبها وصاحت بانفعال:
“يعرفون!، تحدثت في الأمر مع والديه أيضًا!”
انفجر والتر ضاحكًا.
“إذاً ما المشكلة؟”
“ما المشكلة؟، تعرف جيدًا كم عانيت بسبب هذه الشائعات، هل تظن أنني أريد أن أعيش حياتي كلها وأنا أحمل هذا العبء؟”
جفل والتر وتحدث بجدية.
“حسنًا، لن أتحدث في الأمر مرة أخرى إن كنتِ ترفضين ذلك، لكنني أعتقد أنكِ إذا كنتِ واثقة بنفسكِ، فلن يكون للأمر أي أهمية.”
كادت كلايسي أن تدوس على قدم والتر غيظًا.
“حقًا؟ إذًا إذا مات فيليب أو ريزي، سأشيع أن الجاني هو أنت!، وبما أنك واثق من نفسك، فلن يهمك ذلك، أليس كذلك؟”
في تلك اللحظة، تجمد والتر في مكانه ونظر إلى كلايسي وكأنها أخطر مخلوق على وجه الأرض، ثم قال متأوهًا.
“يا إلهي… انظري إلى ما تقولينه، كيف يمكن لشخص أن يكون بهذه القسوة؟”
شعرت كلايسي بارتفاع ضغطها حتى أحست بألم في عنقها.
“أنت من بدأ بالكلام أولًا!”
“لكنني لم أكن أنا من نشر تلك الشائعات عنكِ.”
“المسألة ليست من أطلق الشائعة!، لا بد أن الشائعات الكاذبة تزعجك أنت أيضًا، أليس كذلك؟، أردت فقط أن أوضح لك ذلك، ألا تفهم؟”
رفعت كلايسي صوتها دون أن تنتبه، لكنها سكتت على الفور عندما سمعت طرقًا على الباب.
“آنسة، هل أضع الأمتعة في هذه الغرفة أيضًا؟”
كان صوت الخادم.
“لا بأس.”
تنحنحت كلايسي ثم فتحت الباب للخادم، الذي كان واقفًا عند الباب ينظر إليها بقلق، قبل أن يرسل إليها نظرة غامضة.
أدركت كلايسي أن الخادم تدخل عن قصد ليقطع حديثها، بعدما سمع صوتها من خلف الباب.
همست كلايسي بشكر : “شكرًا لك.”
ثم هرعت إلى غرفتها، تشعر أن الحوار مع والتر أرهقها بشدة حتى بدأت ساقاها تؤلمانها مجددًا.
***
أرسلت كلايسي رسالة إلى كيشين عبر الحرس، تدعوه لتناول الطعام معها ومع والتر، على الرغم من قلقها بشأن ما قد يقوله والتر، لم يكن أمامها خيار سوى تقديمه لكيشين بما أنه جاء ليساعدها في ترتيبات الزواج.
كتبت كلايسي في الرسالة أن كيشين يمكنه اختيار الوقت والتاريخ الذي يناسبه، لكنه رد بأنه سيأتي للعشاء في نفس اليوم.
وبالفعل، عند الساعة السادسة مساءً، ظهر كيشين مرتديًا زي الحرس.
عندما خرج والتر لاستقباله ورأى كيشين بزي الحرس، توقف لوهلة ولم يستطع إلا أن يحرك شفتيه دون أن ينطق بشيء.
“إذن، أنت من ستتزوج أختي.”
استعاد والتر رباطة جأشه ومد يده للمصافحة، لكن تصرفه كان أكثر تصلبًا من المعتاد، على الأرجح بسبب الشائعات المرعبة عن الحرس.
“نعم.”
أجاب كيشين بجدية مختصرة، مما زاد من شعور والتر بعدم الارتياح.
في تلك الأثناء، كانت ميرين تنزل السلم بخطوات متمهلة، وعندما رأت هذا المشهد، لم تفوت الفرصة لتسخر من والتر بابتسامة ماكرة.
“يبدو أن الخال والتر لم يكن يعلم أن السير كيشين من الحرس!”
رغم معرفتها أنه ليس من الصواب الشعور بهذا، شعرت كلايسي ببعض الرضا، فقد شعرت بالإحباط بسبب الكلمات التي قالها والتر عند وصوله، لذا رؤية ارتباكه أمام كيشين أراحها بعض الشيء.
والأهم من ذلك، مع هذا التوتر بين والتر وكيشين، بدا من غير المحتمل أن يقول والتر شيئًا غير لائق.
كما توقعت، التزم والتر بالصمت تقريبًا طوال فترة العشاء، وبما أن كيشين بطبعه قليل الكلام، كان الحوار في الغالب يدور بين كلايسي وميرين أثناء تناول الطعام.
لحسن الحظ، لم يكن هناك ما يدعو للقلق، فميرين، على عكس والتر، لم تكن تتحدث بسوء نية، وعندما كانت في حالة مزاجية جيدة، لم يكن هناك خطر من حديثها.
لكن قرب نهاية العشاء، بدا أن طبيعة كيشين الهادئة أعطت والتر الشجاعة، مع تقديم القهوة الساخنة وأطباق الحلوى اللذيذة، تكلم والتر بصوت راضٍ.
“على أي حال، كلايسي، أنتِ حقًا محظوظة”
بدأ حديثه بنبرة لطيفة، لكن قلب كلايسي خفق بقلق.
“تناول هذه الحلوى.”
حاولت كلايسي إيقافه بإطعامه قطعة حلوى، لكن بلا جدوى، أمسك والتر الحلوى بيده واستمر في الحديث.
“أنتِ الآن مع كيشين، مما يعني أن ذريتكِ ستظل في طبقة النبلاء، أما نحن، فمع أن عائلتنا تملك لقبًا واحدًا فقط يمكن توريثه، فإن أمثالنا نحن وأطفالنا سنفقد مكانتنا تدريجيًا ونتحول إلى عامة الناس بعد وفاة والدينا، لكنكِ لن تضطري إلى القلق بشأن هذا.”
“تناول الحلوى فقط.”
تمتمت كلايسي بصوت هادئ، بينما ألقت نظرة سريعة على كيشين.
بعد وفاة اختها الكبرى، ماري، انتقل لقب الكونت إلى اختها الثانية، ريزي، أما الأخ الثالث، فيليب، فليس لديه لقب، لكن زوجته سترث لقبًا.
في المقابل، لم يكن لدى الأخ الرابع والتر ولا زوجته أي لقب، مما يعني أن أولادهما سيعيشون كعامة الناس رغم الثروة التي سيرثونها.
رغم أن وضع كلايسي، التي لم يكن متوقعًا أن ترث أي لقب أو ثروة، كان أسوأ، إلا أن والتر لم يكن محظوظًا مثل إخوته الأكبر منه.
لكن بما أن زواج كلايسي من كيشين قلب الموازين، كان كلام والتر يحمل بعض الحقيقة، غير أن الحديث عن هذا أمام كيشين لم يكن مناسبًا، حاولت كلايسي، بنظراتها، أن ترسل إشارة لوالتر ليصمت.
لكنه لم يصمت.
“لقد كنتِ دائمًا تحاولين التقرب من الرجال الجيدين، حقًا، اجتهدتِ كثيرًا، أنا سعيد لأن جهودكِ أثمرت أخيرًا، لا بد أنكِ وضعتِ خطة ذكية للإيقاع بكيشين، أليس كذلك؟”
“أخي…”
“علِّميني طريقتكِ لاحقًا، سأحولها إلى دروس وأعلمها لأولادي، من يعلم، قد تكون لديهم فرص أيضًا إذا تعلموا منكِ.”
ضحك والتر وكأنه يمزح، ولم تستطع ميرين منع نفسها من الضحك المكتوم.
بجديّة تامة، ركلت كلايسي قدم والتر تحت الطاولة.
“متى فعلتُ ذلك؟، لا تطلق هذه النكات السخيفة، إنها مزعجة.”
رغم أن كلايسي كانت قد بذلت جهدًا كبيرًا في البحث عن شريك، فإن ادعاء والتر بأنها كانت تسعى وراء الرجال “منذ زمن طويل” كان ظالمًا، لم تبدأ جهودها في البحث عن زوج إلا منذ ثلاث أو أربع سنوات فقط.
كانت هناك شائعات تطاردها منذ أن بلغت السادسة عشرة، لكنها لم تهتم في البداية، معتقدة أن والديها أو إخوتها الكبار سيعثرون على شريك مناسب لها من خلال زيجات مدبّرة، لذلك، لم تُلقِ بالًا للأمر حينها.
لكن الطريقة التي تحدث بها والتر الآن جعلتها تشعر بالإحباط والانزعاج.
“لماذا؟، أليس هذا صحيحًا؟، لطالما حاولتِ تجربة علاقات مع هذا وذاك.”
عندما انضمّت ميرين إلى والتر في تأييد كلامه، شعرت كلايسي بالغضب والقلق في آنٍ واحد، وألقت نظرة خاطفة على كيشين.
وكما كان متوقعًا، ظل كيشين على حاله، بملامح جامدة خالية من التعابير.
“سأخبركم بالطريقة بنفسي، فقد كنتُ أنا من وقع في حب كلايسي وركض خلفها.”
ورغم بروده المعتاد، كان كيشين دائمًا ما يقف في صف كلايسي، ومع دفاعه عنها الآن، ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهها دون أن تشعر.
“آه… حقًا؟” سأل والتر بنبرة محرجة.
أجاب كيشين بلهجة جافة : “نعم، لكن طريقتي لن تفيد أطفالك، فهي تعتمد على كيفية كسب قلب فتاة نبيلة مجروحة.”
حتى والتر، الذي لم يكن يُجيد قراءة المواقف، التزم الصمت بعد سماعه هذه الكلمات الحادة، ومع ذلك، بدا أن والتر شعر بالإحباط بدوره.
شعرت كلايسي بالسعادة، فأطعمت كيشين قطعة من الحلوى بابتسامة عريضة.
“هذا هو أفضل نوع، تناوله من يدي”
***
رغم أنه أزعج كلايسي عند وصوله، لم يكن والتر يحمل نوايا سيئة، كعادته.
كان والتر غالبًا ما يُزعج الآخرين بكلماته دون قصد، مما ينتهي بمشادة، لكن سرعان ما ينسى الأمر ويعود ليقابل الأشخاص الذين تشاجر معهم وكأن شيئًا لم يكن.
لذلك، رغم انزعاجه من كيشين ليومٍ كامل بعد رحيله، عاد في اليوم التالي ليبدي حماسًا كبيرًا تجاه الاستعدادات لزفاف كلايسي.
في 8 يوليو، وصل النجارون وبدأوا في ترميم المنزل وتعديل ديكوراته.
تم توسيع الإسطبلات ومخزن العربات ليكون هناك مكان أكبر لعربة كيشين وخيوله، كما حُوِّلَت إحدى غرف الضيوف إلى مكتب خاص به.
إلى جانب ذلك، أُضيفت غرفة خاصة لكيشين بجوار غرفة نوم كلايسي، وتم تحويل غرفة النوم الرئيسية إلى غرفة الزوجية.
“لا أستطيع البقاء في المنزل حتى لعشر دقائق!، الأرضية تهتز باستمرار، تخيّلي!، غرفتي تُحدث ضجيجًا وكأنها تطرق بقوة!”
اشتكت ميرين بضيق، بينما كان والتر يمرح بين النجارين وكأنه فقمة تتنقل بفرح بينهم، مستمتعًا بكل لحظة.
رغم الضجيج والفوضى، كانت تلك الأيام مبهجة بالنسبة لكلايسي.
بحلول أوائل أغسطس، وعندما حان الوقت لدعوة كيشين لرؤية الغرفة الجديدة التي أُعدّت لهما، كانت كلايسي متحمسة للغاية.
التعليقات لهذا الفصل " 54"