كانت كلايسي شديدة الفضول طوال الوقت، لذا ركزت انتباهها فورًا على حديث كشين.
“هل كنتِ بخير بالأمس؟، كنت قلقًا من أن تشعري بالضيق.”
لكن ما أثاره كشين لم يكن حديثًا عن ديرنيك، بل كان تعبيرًا عن قلقه عليها.
شعرت كلايسي بخيبة أمل خفيفة بعد أن كانت متوترة ومتحمسة لمعرفة المزيد.
“نعم، شعرت بالضيق بالطبع، لكن لا بأس، طالما أن السير كشين لا يعاملني بهذه البرودة مرة أخرى.”
ومع ذلك، كانت ممتنة لاهتمامه، لطالما كان كشين يلقي عليها كلمات باردة، لذا أشعرتها هذه اللمسة اللطيفة ببعض السعادة.
لكن فضولها لم يخمد بعد، وما إن ابتعد النادل بعد أن وضع الطعام على الطاولة، حتى بادرت بالسؤال مجددًا.
“الأمر الذي كان ديرنيك يحاول قوله بالأمس… ألا يمكنك إخباري بما كان يقصده؟”
لم تشعر كلايسي أنها تطلب شيئًا غير منطقي، لو لم يكن الأمر متعلقًا بها، لما طرحت السؤال، ولكن بما أن اسمها كان جزءًا من الموضوع، شعرت أن لها الحق في معرفة التفاصيل.
لكن كشين أبدى ملامح من الحرج وهو ينظر إلى طبق المعكرونة الحمراء التي أمامه.
“إذن… هل يعني هذا أنك لا تستطيع إخباري؟” سألت كلايسي، مترددة بعض الشيء.
بدا كشين وكأنه يحاول العثور على الكلمات المناسبة، ثم بعد لحظة طويلة، تحدث أخيرًا:
“ما كان ديرنيك يحاول قوله يتعلق بأمر شخصي للغاية، إنه موضوع لا يحبه، بل ويؤثر عليه منذ ذلك الحين وحتى الآن، حتى هو لا يرغب في التحدث عنه، كما أنه يكره أن يتحدث عنه الآخرون.”
زاد ذلك من فضول كلايسي.
“وما علاقتي أنا بذلك الأمر؟”
“لو كان الأمر يخصني، لأخبرتكِ بالتأكيد، فنحن على وشك أن نصبح زوجين، لكن بما أن الأمر يخص ديرنيك، فمن الصعب أن أفصح عنه.”
“ولكن إذا كان هذا الأمر مرتبطًا بي، ألا يحق لي أن أعرف؟”
فكر كشين للحظة، ثم اقترح حلًا وسطًا:
“بما أنني لست الشخص المناسب لإيصال تلك المعلومات، من الأفضل أن تسألي ديرنيك بنفسكِ.”
شعرت كلايسي بخيبة أمل، وكأن كل طاقتها قد تلاشت فجأة.
‘حتى بعد رؤية كيف كان ديرنيك يتصرف بالأمس، هل يمكن لكشين أن يتحدث بهذا البرود؟’
ومع ذلك، شعرت كلايسي بنوع من الفخر بكشين، رؤيته يتوخى الحذر في حديثه من أجل صديقه جعلها تتخيل أنه سيتصرف بالمثل من أجلها بعد الزواج.
“حسنًا، لن أسأل أكثر.”
بمجرد أن خطرت لها هذه الفكرة، تحسنت حالتها النفسية وابتسمت وهي تلتقط الشوكة.
‘لكنني لن أذهب إلى ديرنيك لأسأله عن الأمر، إنه بالكاد يرغب في التحدث معي، فما الفائدة من ملاحقته للحصول على إجابة؟، حتى لو عشت حياتي كلها دون أن أتبادل معه كلمة واحدة، فلن يهمني ذلك’
***
خلال الأيام القليلة التالية، التزمت كلايسي بقرارها وتجاهلت تمامًا أي أفكار متعلقة بديرنيك.
ربما كان بإمكانها أن تصبح صديقة لـ”ثرثار مثل ديرنيك”، لكن طالما أنه يكرهها بوضوح، لم تكن مهتمة ببذل أي جهد للتقرب منه.
حتى لو كان ديرنيك صديقًا مقربًا لكشين ومرتبطًا بميرين بعلاقة تجعلهم أقارب، لم يكن ذلك يغير شيئًا بالنسبة لها.
ففي نهاية المطاف، لم يكن هناك أي احتمال أن يجتمعا بمفردهما يومًا ما، وإذا أساء ديرنيك معاملتها أمام كشين، كانت متأكدة أن كشين سيتدخل فورًا.
كل ما عليها فعله هو تجنب التواجد في أي موقف يجمعها مع ديرنيك وميرين معًا، لكن الأمور لم تسر كما كانت تأمل.
***
في العاشر من أبريل، ذهبت كلايسي برفقة حماتها إلى مشغل المصممة لاختيار فستان زفافها، ولسوء الحظ، صادفت هناك ميرين وديرنيك معًا.
أدركت كلايسي من هذه المحادثة مدى عمق العلاقة بين كشين وديرنيك، بدا واضحًا أن حماتها تعرف ديرنيك منذ طفولته، مما جعلها تتحدث معه بهذه الألفة والراحة.
الأجواء أصبحت بسرعة مفعمة بالمرح والود، باستثناء كلايسي، التي شعرت بازدياد الضيق والحرج.
من قبل، كانت تتعامل مع عداء ديرنيك كأنه شيء غير مهم، فهي ستكون جزءًا من عائلة كشين، بينما ديرنيك لن يكون كذلك، لذا لم تكن ترى ضرورة للقلق من استيائه غير المبرر.
لكن رؤية ديرنيك على علاقة وثيقة ببقية أفراد عائلة كشين جعلها تشعر وكأنها وحدها بعيدة عنهم، مما أثقل على قلبها.
وسط هذا الجو المرح، الذي بدا مزعجًا فقط لكلايسي، قاطع صوت مفعم بالحيوية هذه الأجواء.
“أوه، أوه، أوه!”
استدارت كلايسي بسرعة نحو مصدر الصوت، قبل أن تكمل استدارتها، وقعت عيناها على رزمة ضخمة من الريش، كانت جزءًا من فستان ترتديه امرأة متألقة.
“يا لها من شابة جميلة!، يا إلهي، من تكون هذه الفتاة الرائعة؟”
اقتربت المرأة المرتدية للفستان المزخرف بالريش من كلايسي بحماسة كبيرة، ووجهت سؤالها إلى الماركيزة.
“إنها الآنسة كلايسي، ستتزوج قريبًا من إبني كشين.”
أجابت الماركيزة وهي تفلت ذراع كلايسي بلطف، ثم التفتت لتعريفها بالمرأة الجديدة:
“كلايسي، هذه هي الآنسة إيفجيه”
مع ظهور الآنسة إيفجيه، بدأت كلايسي تشعر وكأنها لم تعد غريبة عن الأجواء.
خلال انهماك مساعدي المصممة في قياس أبعاد جسدها وتدوين التفاصيل، أشغلتها الآنسة إيفجيه بأسئلتها المتتالية، فلم تترك لها مجالًا للتفكير.
“هل عادةً ما يتغير وزنكِ كثيرًا؟، متى موعد الزفاف؟، هل ستتمكنين من الحفاظ على هذا الوزن حتى ذلك الحين؟، هل تفضلين زينة معينة أو تصميمًا أو لونًا خاصًا؟”
كانت إيفجيه تدون كل إجابة بدقة، ثم أحضرت خمسة ألبومات كبيرة، وضعتها على طاولة منخفضة، وفتحتها لتستعرض نماذج من تصاميم فساتين الزفاف التي أبدعتها.
أخذت كلايسي وميرين والماركيزة كل واحدة ألبومًا وبدأن يتفحصن التصاميم بعناية.
أتمنى ألا تقترح علي تصميمًا غريبًا!’
فكرت كلايسي بقلق، لكنها سرعان ما شعرت بالراحة عندما لاحظت أن ميرين تقدم لها نصائح مفيدة.
كانت ميرين معروفة بذوقها الفني الرفيع، وقد استغلت هذه المهارة لاختيار تصاميم تليق بكلايسي.
‘يبدو انها بدأت تتقبل فكرة زواجي من كشين حقًا’
شعرت كلايسي بشيء من الإثارة وهي تناقش تفاصيل الفستان مع ميرين، لكن هذه الحماسة لم تدم طويلًا، إذ سرعان ما تبددت بعد أن جربت عشرين فستان، والأسوأ من ذلك أن هناك ثلاثين نموذجًا آخر لا يزال عليها تجربتها!
“سأخرج لأستنشق بعض الهواء.”
شعرت كلايسي بأنها بحاجة إلى استراحة، فخرجت بمفردها من غرفة تبديل الملابس.
وقفت عند الباب وأخذت نفسًا عميقًا، خلط الهواء المليء بحبوب اللقاح منحها بعض الراحة وأزال عنها الضيق.
ما إن استعادت صفاء ذهنها حتى شعرت بالحرج من نفسها.
‘بعد بضعة أشهر، سأحصل أخيرًا على نصيبي من الميراث، هذا هو الهدف الذي سعيت لتحقيقه طوال حياتي، كيف لي أن أشعر بهذا الضعف لمجرد تبديل بضع فساتين؟، لا يجوز.’
حاولت تشجيع نفسها وهي تحسب في ذهنها قيمة الثروة التي ستصبح تحت اسمها.
لكن بينما كانت تلتفت عائدة، رأت من خلال الزجاج ديرنيك يلمح في الجهة المقابلة، في تلك اللحظة، شعرت وكأن شبحًا من ماضيها يخيم عليها، لحظة عابرة لكنها أربكتها.
ما لبثت أن أدركت أن ما رأته لم يكن سوى انعكاس عابر للأشخاص الذين يمرون من خلف الزجاج، كان ديرنيك يقف قريبًا من الباب، يحدق في اتجاهها.
أدركت حينها أن ما شعرت به لم يكن سوى خداع بصري، ومع ذلك شعرت بالانزعاج.
‘متى أتى إلى هنا؟، هل تبعني؟، هل كان يراقبني من الخلف طوال هذا الوقت؟’
رغم مشاعرها المضطربة، حاولت الحفاظ على مظهرها الخارجي وفتحت الباب، غير أن ديرنيك سبقها بالخروج قبل أن تتمكن من الدخول.
تراجعت خطوة إلى الوراء لتتفادى الاصطدام به، لكنه أغلق الباب خلفه كما لو كان يمنعها من العودة إلى الداخل.
“ما الذي تفعله؟”
بدأت كلايسي تشعر بالضيق ولم تحاول هذه المرة إخفاء تعبيرات وجهها، فسألته وهي عابسة.
لكن ديرنيك أجابها بسؤال غريب :
“آنسة كلايسي، هل سبق لكِ أن التقيت برجل يحمل كلبًا؟”
“ما هذا السؤال؟، بالطبع لا.”
“حاولي أن تتذكري، قد يكون ذا شعر رمادي أو أشقر، وأحدهم ربما كان فتى صغيرًا عندما التقيتِ به.”
“ما هذا الكلام الغريب؟”
دفعت كلايسي ديرنيك محاولة الدخول إلى غرفة الملابس، لكنه لم يتحرك، بل تقدم خطوة إضافية نحوها حتى بات وجهه قريبًا جدًا من وجهها، مما جعل عينيها تتسعان بصدمة.
في تلك المسافة القريبة، بدت عيناه الرماديتان باردة وخالية من أي عاطفة، مما بث فيها شعورًا مرعبًا.
التعليقات لهذا الفصل " 52"