خرجت ميرين غاضبة وهي تضرب الأرض بقدميها، أكملت كلايسي ارتداء ملابسها، تشعر ببعض الأسف، لكنها كانت مرتاحة.
‘حتى لو لم ترغب في سماع كلامي، أعتقد أن نصيحتي كانت واقعية.’
***
عندما عادت ميرين إلى غرفتها وبدّلت ملابسها، أخبرت كارين بكل ما قالته لها كلايسي.
شعرت ميرين براحة أكبر بعد أن ارتدت ملابس مريحة، ثم استلقت على الأريكة وسألت:
“ما رأيكِ، أيتها المربية؟، هل كلام خالتي يبدو صحيحاً؟”
أجابت كارين بعد تفكير : “أمم… أظن أن كلايسي آنسة ذكية بالتأكيد.”
علّقت ميرين بسخط : “أعتقد أن خالتي فقدت عقلها بسبب الرجال، تصبح ذكية فقط في هذه الأوقات، هل الرجل أهم عندها من ابنة أختها؟”
همت كارين لتمشيط شعر ميرين الفوضوي وهي تقول بنبرة مترددة : “مهما كان دافعها، يبدو أن نصيحة آنسة كلايسي هذه المرة كانت في محلها.”
أحضرت كارين مشطًا وبدأت تمشط شعر ميرين بلطف، أغمضت ميرين عينيها بارتياح وهمست.
“لا أعرف ما إذا كان عليّ مواصلة تعطيل علاقة خالتي، أو تركها وشأنها كما قالت، وأركز على علاقتي الخاصة، لم أحب السير ديرنيك لأنه الابن الوحيد للدوق، لكن مشكلته أن مواصفاته مثالية.”
ابتسمت كارين وقالت : “هذا لأن ذوقكِ رفيع يا آنستي، أنتِ مختلفة عن النساء الأخريات اللواتي يطمحن لمنصب الدوقة، لقد أحببتِ السير ديرنيك دون أن تكوني على دراية بمكانته، وهذا شيء ينبغي أن يعرفه هو وعائلته.”
نظرت كارين بسعادة إلى شعر ميرين المجعد الناعم الذي كان منسدلاً حولها، حتى وهي مستلقية عشوائياً، كانت ميرين تبدو كدمية لطيفة.
قالت كارين وهي تبتسم : “أفكر في المستقبل عندما تصبحين الدوقة، ويغمرني الفخر، لو كانت والدتكِ على قيد الحياة، لكانت فخورة بكِ جداً.”
تنهدت ميرين وقالت : “كانت ستفرح من أعماق قلبها، لكنها ربما كانت ستقلق أيضاً، على الأقل، لم تكن ستستغل مشاعري مثل خالتي.”
تمتمت كارين وهي تهز رأسها : “مهما فعلت، لن تصبح كلايسي مثل السيدة، لنترك هذه الأحاديث السلبية، في النهاية، ستكونين أكثر الدوقات روعة في العالم.”
تنهدت كارين، وبدأت تجمع شعر ميرين المتساقط على السجادة بيديها.
وقالت : “حتى لو تزوجت كلايسي في النهاية، فلا يهم، ثروتكِ ستظل عظيمة، لكن هل تعتقدين أنها قد تتجاوز ثروة عائلة دوق سويل؟”
عندها، عبست ميرين بغضب.
“أنا لا أفعل هذا من أجل المال يا كارين، لا تتحدثي بهذه الطريقة، إذا سمع الآخرون كلامك، سيعتقدون أنني أطمع في ثروة خالتي أو ثروة السير ديرنيك.”
اعتذرت كارين على الفور : “أعتذر يا آنستي. بالطبع، أنا أعرف أن نواياكِ صافية، لكنني أقول هذا لأنني أريد أن تعيشي حياة كريمة، أرجوكِ لا تغضبي، فأنا لا أتحدث عن هذه الأمور إلا أمامكِ.”
بمجرد أن اعتذرت كارين، هدأت ميرين، ولكن تجاعيد الغضب لم تختفِ عن جبينها بسهولة.
راقبت كارين وجه ميرين ملياً، ثم قالت بنبرة مشرقة عن عمد.
“على أي حال، إذا كنتِ ترغبين في أن تصبحي دوقة، فأنت بحاجة إلى استراتيجية، سأحاول جمع بعض الأخبار عن السير ديرنيك وعائلة الدوق سويل.”
أضافت ميرين : “تأكدي أيضاً من معرفة أي شيء عن السير كيشين، فقد نحتاج إلى ذلك.”
ردت كارين مبتسمة : “بالطبع، سأفعل.”
نظرت كارين إلى ميرين بفخر وهي تشعر بالرضا عن حزمها، ثم حذّرتها بلطف : “على أي حال يا آنستي، لا تكوني شديدة الانفعال أمام الآنسة كلايسي في الوقت الحالي، وإذا سارت الأمور بشكل جيد بينها وبين السير كيشين، فلا تدعي الغضب يسيطر عليكِ.”
احتجت ميرين: “تطلبين مني ألا أتدخل وألا أغضب أيضاً!”
هزّت كارين رأسها: “نعم، لا تدعي لحظة غضب تفسد مستقبلكِ المشرق، إذا نجحتِ في علاقتكِ مع السير ديرنيك، تجاهلي ما يحدث مع الآنسة كلايسي.”
***
قررت ميرين في النهاية أن تأخذ بنصيحة كارين.
بالنسبة لها، كان من الغريب أن تتخلى عن مراقبة خالتها، التي كانت تعتبرها الأولوية الأولى في حياتها، لكن اهتمامها العميق بالسير ديرنيك جعلها مستعدة للتنازل.
لقد كانت مغرمة به لدرجة أنه إن كان الحصول عليه يتطلب غضّ النظر عن خالتها، فهي مستعدة لذلك.
ولكن هل يمكن للقلب أن يتوقف فجأة عن الاهتمام بشيء ما بمجرد اتخاذ القرار؟.
في تلك الليلة، لم تستطع ميرين النوم، ظلت تتقلب في سريرها طوال الليل، وفي النهاية استسلمت للأرق.
بحلول الساعة الثالثة فجراً، نهضت من السرير وخلعت قلادتها التي كانت ترتديها دائماً.
كانت تلك القلادة غريبة ومميزة، على عكس قلائد النبلاء المزينة بالجواهر الثمينة، كان في وسط قلادة ميرين زجاجة صغيرة جداً بدلاً من حجر كريم.
داخل الزجاجة، كان هناك سائل يتوهج كأنه قطرة من ضوء القمر.
تذكرت ميرين اليوم الذي حصلت فيه على تلك القلادة.
قبل تسع سنوات، بعد انتهاء جنازة والدتها، ظلت ميرين الصغيرة جالسة بجوار القبر تبكي بمرارة، لم تكن ترغب في الاستمرار بالحياة.
رحلت والدتها، وجلب والدها امرأة غريبة لتحل محلها.
كانت تلك المرأة تبتسم لميرين، لكن في عينيها لم يكن هناك سوى نظرات الاشمئزاز، وكأنها ترى فيها عبئاً مزعجاً.
ميرين لم ترغب في العودة إلى المنزل حيث يقيم والدها مع تلك المرأة، فبقيت عند القبر حتى منتصف الليل.
في تلك اللحظة، ظهر ذلك الصبي، خلع الصبي القلادة من عنقه وعلقها على عنق ميرين بنفسه.
“سأعطيكِ هذه، إذا أردتِ إعادة الزمن إلى الوراء، استخدميها.”
بينما كانت تتذكر تلك الحادثة القديمة، بدأت جفون ميرين تثقل سريعاً، أعادت القلادة إلى عنقها واندست تحت الأغطية.
***
في اليوم التالي.
كان الجو في قاعة الطعام أكثر هدوءاً من المعتاد.
ميرين، التي كانت عادة ما تتحدث بحيوية، اكتفت بتناول طعامها بصمت، ولم تحاول كلايسي بدء أي حديث معها، أما آنا، التي وجدت نفسها عالقة بين الاثنتين، تنهدت بصوت مسموع ثم تبعتها بالصمت هي الأخرى.
وسط هذا الجو المتوتر، دخل كبير الخدم.
“آنسة كلايسي، السير كيشين أرسل لكِ باقة من الزهور.”
كان يحمل بين يديه باقة زهور كبيرة يتخللها مظروف كبير.
“السير كيشين!”
قفزت كلايسي بسرعة لتحتضن الباقة، وشمّت عبيرها قبل أن تسأل : “هل أتى أحد من الحرس بها؟”
في تلك اللحظة، عضت ميرين على شفتها وأحكمت قبضتها على الشوكة.
أما آنا، التي شعرت بجفاف في حلقها، فسارعت لشرب الماء.
لكن كبير الخدم، الذي لم يكن مدركاً للتوتر السائد في القاعة، تابع حديثه بنفس الحماسة التي أظهرتها كلايسي.
“نعم، أتى أحد الحراس وأعطاني هذه الباقة، وقال إنها من السير كيشين موجهة للآنسة كلايسي.”
سألت كلايسي بفضول: “كيف كان تعبيره؟”
أجاب كبير الخدم : “تعبير الحراس دائماً متشابه، لكن بدا عليه الفضول، كانت عيناه تتحركان باستمرار خلف كتفي.”
كادت كلايسي تقبّل الباقة من شدة الفرح، لولا الصوت المفاجئ لاحتكاك الشوكة بالطبق الذي أوقفها.
بعد ذلك، أنهت كلايسي تناول طعامها على عجل ثم غادرت قاعة الطعام وهي تحمل الباقة والمظروف معها.
على غير العادة، لم تحاول ميرين اللحاق بها، ربما بسبب ما نصحتها به كارين في اليوم السابق.
عادت كلايسي إلى غرفتها، وجلست على السرير، وضعت الباقة على حجرها بعناية، ثم فتحت الرسالة التي أرسلها السير كيشين.
تساءلت في نفسها : “لماذا أرسل رسالة فجأة؟”
احتوت الرسالة على تفاصيل عن يوم كيشين :
{أكثر أوقات انشغالي هي في الصباح وبعد الظهر، في الصباح أتابع التقارير التي تُقدّم لي عن الأمور التي حدثت أثناء غيابي، وفي فترة بعد الظهر أكون منهمكاً في الأعمال اليومية.
لكن من الأفضل أن أبقى مشغولاً بأشياء بسيطة، غياب المهام يجعلني أشعر وكأن هناك عاصفة تلوح في الأفق، مما يبعث على التوتر، الأمر ذاته ينطبق على مرؤوسي، إذا شعرت بالتوتر، يصبح التدريب أشد قسوة، لذلك يفضل الجميع أن نبقى منشغلين دائماً.
عندما دخلت مكتبي هذا الصباح، وقع بصري على الأريكة التي جلست عليها الآنسة كلايسي في انتظاري، إذا كان لديكِ نقش مفضل، فأخبريني، سأضع وسادة مخصصة لكِ هناك.
أفكر فيكِ مرة واحدة على الأقل يوميًا، هل تفكرين بي أيضًا؟}
رغم أن نبرة رسالة كيشين كانت جافة ومعظمها حديث عن العمل، إلا أن كلايسي لم تستطع التوقف عن الابتسام وهي تقرأ تلك العبارات البسيطة.
“يا آنسة، تبدين سخيفة، لا تفعلي هذا في الخارج.”
كانت آنا قد جاءت لإحضار القهوة الساخنة، لكنها تفاجأت بضحكات كلايسي، فصاحت باستنكار.
احتضنت كلايسي الرسالة وكأنها كنز، ثم رفعت الباقة أمام آنا بفخر : “انظري، السير كيشين أعطاني هذه، آنا!”
ردت آنا، وقد كانت غير مندهشة: “أعلم، لقد رأيت ذلك في غرفة الطعام.”
تابعت كلايسي بنبرة حالمة : “آنا، قال إنه فكر بي مرة اليوم!”
علقت آنا بسخرية : “أليس هذا قليلًا بعض الشيء؟”
استنشقت كلايسي بعمق رائحة الزهور وكأنها ترغب في استنشاق كل عبيرها، مما جعل آنا تهز رأسها بلا حول ولا قوة.
“بما أنكِ سعيدة هكذا، يبدو أن الآنسة ميرين غاضبة.”
“ميرين غاضبة؟”
أجابت آنا : “لا تزال جالسة في قاعة الطعام حتى الآن، كانت تأكل الآيس كريم وهي تبكي.”
“…”
تابعت آنا بنبرة مليئة بالشفقة : “ميرين ترى فيكِ نصف أم، وتخشى أنه إذا بدأتِ بمواعدة رجل وتزوجتِ، فستفقد مكانتها لديكِ.”
بدأت كلايسي تداعب أوراق الزهور برفق، وقد ارتسمت على وجهها ملامح متضاربة.
“أعرف شعور ميرين، شعرت بالشيء نفسه عندما تزوجت أختي الكبرى، وحين وُلدت ميرين، شعرت وكأنها أخذتها مني.”
“إذًا، عليكِ أن تعاملي ميرين بلطف أكبر، لقد أصبحت شابة الآن، ولن تبقيا معًا إلى الأبد.”
ردت كلايسي بنبرة دفاعية : “أتعامل معها بلطف ما دامت لا تقوم بتصرفات مزعجة، وحتى عندما تزوجت أختي، شعرت بالحزن لكنني لم أظهره، رغم أنني كنت طفلة، لم أتصرف مثل ميرين الآن، تعلمين ذلك يا آنا.”
هزت آنا رأسها موافقة ثم غادرت الغرفة، لكن كلايسي بقيت تشعر باضطراب في داخلها، دفعت الباقة إلى جانبها وأطلقت تنهيدة عميقة.
لم تكن آنا تدرك أن علاقتها بميرين أكثر تعقيدًا مما كانت علاقتها بأختها الكبرى.
أخذت كلايسي رسالة كيشين، وذهبت إلى غرفتها السرية، حيث وضعتها بجوار مجموعة الرسائل القديمة التي تبادلتها مع حبها الأول.
التعليقات لهذا الفصل " 33"