اقتربت كلايسي من كيشين لدرجة أن وجهيهما كادا يلامسان بعضهما، ثم سألت متأخرة : “فقط انا وانت؟”
نظر ديرنيك إلى ردت فعل كلايسي التي كانت أسرع من كلامها، وانحرفت شفتاه بضيق، إضافة إلى ذلك، كان من الواضح أن نبرة كلايسي عند مخاطبتها كيشين تختلف تمامًا عن نبرتها عندما تتحدث إليه.
بتزايد انزعاجه، قاطع ديرنيك الحديث قائلاً : “كيشين، هل تنوي التخلي عني؟”
أجاب كيشين دون أن يحيد بنظره عن كلايسي : “يبدو أن الدوق يبحث عنك.”
“تحاول التخلص مني متذرعًا بوالدي؟”
“الأمر يتعلق بالأميرة سييج.”
“!”
لكن، ما الذي يحدث حقًا؟، ما إن سمعت كلايسي ذلك حتى تغيرت ملامح ديرنيك وتجمدت، ثم غادر المكان دون أن يلقي حتى تحية وداع.
كانت نظرة ديرنيك في تلك اللحظة شديدة البرودة والحدة، لدرجة أن حتى كلايسي، التي كانت منغمسة تمامًا في كيشين، استعادت وعيها فجأة.
ظلت كلايسي تراقب بقلق ظهر ديرنيك وهو يغادر، ثم سألت : “هل كل شيء على ما يرام؟، يبدو أن السير ديرنيك لم يكن بحالة جيدة.”
“الأمر معقد بعض الشيء.”
“بسبب الأميرة؟”
تفاجأت كلايسي بشدة.
كانت الأميرة سييج شخصية ذات وضع معقد للغاية، ولم يكن من المناسب التحدث عنها بخفة.
ومع أنها لم تكن تهتم كثيرًا بشأن ديرنيك، إلا أنها أدركت أن مواصلة التحقيق في الأمر سيضع كيشين في موقف محرج، لذا سارعت إلى تغيير الموضوع.
“لماذا أردت التحدث وحدنا في البداية؟”
لحسن الحظ، بدا أن كيشين لم يكن يرغب في التحدث عن ديرنيك أو الأميرة سييج، تجاوب على الفور مع الموضوع الذي طرحته كلايسي.
“عندما يتدخل الآخرون في حديثنا، ينشأ الكثير من سوء الفهم، لذلك، فضّلت أن نتحدث بمفردنا.”
تمتمت كلايسي، وقد بدا عليها بعض الاستياء : “معظم سوء الفهم كان بسببك، سير كيشين.”
رد كيشين بابتسامة خفيفة : “لا أستطيع إنكار ذلك.”
رغم أنه لم يكن لديه تعبير يعتذر به، إلا أن كيشين لم يكن يرفض الكلام.
استشاطت كلايسي غضبًا فجأة، وابتعدت عنه قائلة بجفاء : “لو تصرف شخص آخر مثل كيشين، لكنت غاضبة لدرجة أنني لن أريد حتى رؤية وجهه.”
رد كيشين مبتسمًا : “هل تريدين أن تستمري في رؤية وجهي؟”
فأجابت : “لأنك تتمتع بهذا الجمال أقدم لك معاملة خاصة.”
لم تتمكن كلايسي من معرفة ما الذي أعجبه في كلماتها، إلا أن كيشين انفجر ضاحكًا بصوت منخفض.
“لا أعرف إذا كان يجب أن أشكر والدي أم أشكرك، كلايسي”
عندما قال هذه المزحة، تغيرت الأجواء بشكل فوري نحو الإيجابية.
فاجأت كلايسي بابتسامتها، وعادت لتنظر إلى كيشين، اختفى تعبير ديرنيك الجاد من ذهنها تمامًا.
في تلك اللحظة، شعرت كلايسي بنظرات غريبة موجهة نحوها، كان هناك شخص ما يحدق بها.
أدارت كلايسي رأسها بسرعة في اتجاه مصدر النظرة.
***
“ديرنيك، أين هو؟، هل هرب مرة أخرى اليوم؟”
تمتمت الدوقة سويل فجأة وهي تتفحص المكان، بينما كانت محاطة بالناس وتضحك.
الأشخاص الذين كانوا حولها، بدأوا أيضًا في البحث عنه، حيث قاموا بتحريك رؤوسهم هنا وهناك، ومع ذلك، كما قالت الدوقة، لم يكن هناك أثر لديرنيك، حتى طرف عباءته.
أطلقت زوجة الماركيز غوسفيل تنهيدة وقالت : “كيشين غير موجود أيضًا، ربما ذهب الاثنان معًا.”
ردت الدوقة سويل قائلة بتهكم : “ماذا في ذلك؟، إذا ذهب ديرنيك مع كيشين، سيكون ذلك رائعًا، وجود صديق قوي وناضج بجانبه يعني أن ديرنيك سيقلل من حوادثه.”
فكرت زوجة الماركيز غوسفيل في ذلك سرًا، لم تكن تدافع عن ابنها، ولكن كيشين كان شخصية ذات سلوك رفيع لا يمكن مقارنتها بديرنيك.
كان كيشين هايد أكبر من العمر بسنة واحدة فقط، لكنه كان يبدو في تصرفاته وكأنه يفوق المئة سنة، حتى ذلك الشقي ديرنيك كان يتصرف بهدوء ملحوظ عندما يكون كيشين بجانبه.
لكن من يجرؤ على قول ذلك بصراحة؟، أجابت دوقة غوسفيل برفعة صوت غير صادقة.
“كيشين ليس ناضجًا بل عتيقًا وصامتًا، من المفترض أن يكون الشبان في سنه نشيطين واجتماعيين مثل ديرنيك.”
كانت الدوقة سويل تعرف أن زوجة الماركيز غوسفيل كانت تتحدث بكلمات غير صادقة، لكنها ابتسمت بسعادة.
بينما كانتا تتحدثان عن ابنيهما، انضمت إليهما سيدة نبيلة أخرى بشكل رائع.
“بالمناسبة، لقد ذهب اللورد ديرنيك مع سيدة جميلة جدًا إلى مكان ما قبل قليل، بدا أنهما قريبان جدًا.”
تجمدت ابتسامة الدوقة سويل التي كانت مستمتعة بالحديث.
سألت السيدة النبيلة صديقتها الجالسة بجانبها.
“أليس كذلك؟، تلك السيدة التي تبدو راقية وأنيقة.”
“آه، أذكرها، إنها تلك السيدة التي قالت شيئًا غريبًا، كانت لطيفة جدًا، كانت وجهًا جديدًا بالنسبة لي، لا أعلم من أي عائلة هي.”
عندما انفجرت السيدتان النبيلتان بالضحك وسط حديثهما، تغير تعبير الدوقة سويل بشكل ملحوظ.
لاحظت زوجة غوسفيل تغير الحالة المزاجية لدوقة سويل وأخذت تشرب الشاي في صمت.
لكن السيدتان اللتان كانتا غافلتين أدركتا أخيرًا أن تعبير الدوقة لم يكن جيدًا وسكتتا.
في مكان غير حفلة البلاط، كانت الدوقة الكبرى سويل هي الغالب على الجميع، كان صمتها يجعل جميع النبلاء من حولها في حالة من التوتر.
ومرت فترة من الوقت على هذا الحال، أخيرًا، وضعت الدوقة فنجان القهوة، وسحبت زوجة الماركيز غوسفيل ونهضت.
“دعينا نخرج لنتمشى قليلًا.”
فهمت غوسفيل على الفور ما تفكر فيه الدوقة، ونهضت بلا تردد.
كما أرسلت إشارة إلى السيدة التي كانت تتحدث عن ديرنيك لتجنب إحراج الدوقة.
أشارت السيدة النبيلة التي تلقت الإشارة إلى اتجاه ديرنيك الذي اختفى مع السيدة النبيلة.
اقتربت غوسفيل من الدوقة سويل، ووضعت ذراعيها حولها، وقادتها بشكل طبيعي نحو الاتجاه الذي ذهب فيه ديرنيك.
“لنذهب في هذا الاتجاه، سموكِ.”
***
ظلت الدوقة الكبرى، صامتة طوال الوقت أثناء السير.
بينما كانت غوسفيل تدرك موقفها، لم تتحدث معها.
كانت تعرف تمامًا ما يعنيه وجود ابنها الفوضوي بالنسبة لها، التي كانت تعيش حياة مثالية.
كانت غوسفيل تشعر بالارتياح لأنها تعتقد أن ابنها مختلف عن ديرنيك، حيث أن كيشين لم يزعجها قط بهذه الأمور.
لكن شعور الراحة هذا انكسر عندما تمتمت الدوقة سويل.
“كيشين؟”
“نعم؟”
استعادت زوجة الماركيز غوسفيل تركيزها بعد أن كانت غارقة في أفكار أخرى وسألت.
أشارت الدوقة سويل برأسها نحو قوس المدخل الأمامي.
“أليس ذلك هو الرجل الذي يتحدث مع فتاة ما قرب الرواق؟”
“نعم؟”
سألت الماركيزة غوسفيل مرة أخرى، وعندما نظرت في ذلك الاتجاه، اتسعت عينيها.
كيشين هايد، كان ابنها البارد يقف حقًا أمام امرأة لا يعرفها.
كانت على وجهه ابتسامة لطيفة لم يظهرها لعائلته منذ أن كان في السابعة من عمره.
فركت عينيها دون وعي، وعندما نظرت مرة أخرى، كان ذلك الشاب الذي كان يتحدث مع الفتاة الجميلة واضحًا أنه ابنها.
كانت تعتقد أنه لن يتزوج أبدًا، وأنه سيعيش حياته بالعمل فقط، لذا كانت قد قطعت الشكوك حول الزواج والوراثة بشكل قاطع عندما تحدثت مع شقيقته جانيت.
لاحظت الدوقة نظرة الدهشة على وجه الماركيزة، وابتسمت بهدوء وسألت.
“يبدو أن كيشين لديه علاقة عاطفية.”
“……”
“لكنني لا أعرف من تكون تلك الفتاة، فهي ليست من المدعوين، لكن يجب أن تكون قد أظهرت دعوة للدخول، لذا لن يكون من الصعب معرفة من هي، هل ترغب في أن أتحقق لك؟”
***
بينما كانت كلايسي تستمتع بوقتها مع كيشين وتزيل سوء التفاهم، كانت ميرين تتنقل بقلق في المنزل، كانت قد تفقدت جميع الساعات التي في المنزل.
كانت كارين تشعر بالقلق، لذا أجلت جميع مهامها واتبعت ميرين.
عندما مضى ما يقرب من ثلاث ساعات على مغادرة كلايسي، لم تستطع كارين التحمل أكثر من ذلك، فالتقطت يد ميرين.
“يا آنسة، لن يفيدك الانتظار هكذا، لقد جاء شخص ما وأخبر أن ديرنيك لا يمكنه الحضور.”
“لكن ذلك الشخص قد لا يكون مُرسلاً من ديرنيك، عندما سألت عن هويته، لم يخبرني شيئًا، فقط قال إن ديرنيك لا يمكنه الحضور، كان شخصًا غريبًا.”
“نعم، هذا صحيح.”
وافقت كارين، لكن لم تختفِ ملامح الاستياء من صوتها، كانت ميرين قد أصبحت متعبة بعد ثلاث ساعات من الانتظار، فأزاحت يديها.
“يكفي، يجب أن أستريح الآن، قدماي تؤلماني.”
“اجل، آنستي، سأحضر لك قهوة دافئة.”
“لا أعلم متى ستعود خالتي، لقد غادرت منذ فترة طويلة.”
صعدت ميرين إلى غرفتها.
ذهبت كارين إلى المطبخ لتحضير القهوة والحلويات لميرين، وأثناء ذلك، حاولت مقابلة آنا لتعرف إلى أين ذهبت كلايسي.
لكنها لم تتمكن من معرفة وجهتها المطلوبة، بل انجرّت خلف آنا المرحة وهُدرت 15 دقيقة بلا داعٍ.
بينما كانت الخادمة تنادي آنا، استطاعت كارين أخيرًا أن تخرج حاملةً فناجين القهوة والأطباق.
عندما كانت تصعد السلم، سمعت بوضوح صوت عربة قادمة من الخارج.
“لقد وصلت كلايسي.”
فكرت كارين في نفسها بينما كانت تتجه نحو غرفة ميرين، كانت تنوي إخبار ميرين بوصول كلايسي، لكن ميرين كانت بالفعل واقفة قرب النافذة، تركز بقوة على الخارج.
وضعت كارين الأطباق على الطاولة المنخفضة ومدت القهوة لميرين، محاولةً التحدث.
“عربة كلايسي قادمة، أليس كذلك؟، لقد سمعت الصوت أيضًا.”
لم تجب ميرين، لم ترفع فنجان القهوة أيضًا، كانت عيناها مثبتتين أمامها.
لاحظت كارين أن ملامح ميرين كانت جادة بشكل غير عادي.
“ما الأمر؟”
“لقد عرفت أين ذهبت خالتي.”
توجهت كارين نحو النافذة المجاورة وسحبت الستارة.
كانت كلايسي تنزل من العربة ممسكة بيد شخص ما.
الرجل الذي ساعد كلايسي كان وسيمًا يرتدي ملابس رائعة، كان له شعر أحمر زاهي، وعلى الرغم من ذلك كان يحمل هالة من البرودة، مما أعطى له سحرًا غريبًا.
التعليقات لهذا الفصل " 31"