شعرت كلايسي وكأن عقلها قد أصبح فارغًا تمامًا. هل يمكن أن يكون هناك عرض زواج أقل رومانسية من هذا؟ في الواقع، بدا الأمر أشبه باقتراح صفقة تجارية أكثر من كونه طلبًا للزواج.
وضعت كلايسي يدها على جبينها.
“آه…”
لم تجد كلمات أخرى لتقولها، وعندما أصدرت صوت تردد غامض، أضاف ديرنيك بنبرة تشبه حماس تاجر ماهر:
“فكّري في الأمر، إذا تزوجنا، سيتم حل جميع مشكلاتنا، سأنال نصيبي من الميراث، وستتمكنين من الحصول على ميراثكِ أيضًا.”
“هممم.”
“كما أن رؤيتنا للحياة متشابهة، لذا سيكون الزواج مريحًا لنا، فنحن لسنا من النوع الذي يتعلق بشدة بشخص واحد، تخيّلي لو اضطررنا للزواج بشخص ممل وملتزم مثل كيشين هايد!، كيف سيكون شعوركِ إذا كان عليكِ، بسبب قضية ميراث، أن تعيشي طوال حياتكِ تحت ضغط الحب الأبدي؟، يا لها من حياة كئيبة ومملة!”
“أمم…”
“أما نحن، فبإمكاننا أن نعيش كأصدقاء وكزوجين في نفس الوقت، نحافظ على العلاقة دون أن نقيّد بعضنا، وإذا أردنا خوض علاقات عاطفية خفيفة مع الآخرين من حين لآخر، فلن تكون هناك مشكلة، طالما أننا في النهاية نعود لبعضنا البعض، ما رأيكِ؟”
“آه…”
لم تكن كلايسي قادرة على الرد بسبب حالة الذعر التي اجتاحتها، في الحقيقة، كانت قد فكرت أحيانًا في فكرة الزواج التعاقدي، لكنها كانت مجرد أفكار عابرة دون أي نية لتنفيذها، فالزواج التعاقدي محفوف بالمخاطر، إذ لا يمكن التنبؤ بما قد يطرأ على مشاعر الطرف الآخر.
لكي يكون الزواج التعاقدي آمنًا، يجب أن يكون الطرف الآخر شخصًا نزيهًا إلى درجة لا تجعل الغش في مصلحته. ولكن إن كان كذلك، فمن المؤكد أنه لن يثق بكلايسي أيضًا.
لهذا السبب، تخلّت كلايسي عن فكرة الزواج التعاقدي مبكرًا، والآن، عندما طرح ديرنيك هذا الاقتراح فجأة، شعرت بصداع شديد في صدغَيها.
لم يكن ذلك بسبب الانجذاب للفكرة، بل لأن كل كلمة من ديرنيك كانت تضرب عقلها كضربة مطرقة.
وبعد أن انتهى ديرنيك من حديثه أخيرًا، لم تتمكن كلايسي من كتمان فضولها وسألته:
“بأي طريقة ترى أن رؤيتنا للحياة متشابهة؟”
أجاب ديرنيك وكأن الأمر بديهي :
“لأنكِ خفيفة.”
اشتعلت كلايسي غضبًا، وأمسكت بكوب الماء بإحكام.
“أنا لست كذلك!”
“لستِ كذلك؟”
“نعم! لا أعرف من أين أتيت بهذه الفكرة، لكني لست شخصًا خفيفًا.”
رد ديرنيك بنبرة واثقة:
“لكن ألم تقولي لكيشين شيئًا مماثلًا؟، إن كان القلب سيتغير في النهاية، فما الفرق إن تغيّر خلال سنة، أو شهر، أو حتى يوم واحد؟”
رغم أن كلايسي كانت قد قالت شيئًا مشابهًا في الماضي، إلا أنها شعرت أن سماعه من فم ديرنيك جعله يبدو أكثر سطحية، وضعت يدها على جبينها وعضت على أسنانها.
“كنت أتحدث عن ألم الفراق…”
“أفهم ذلك، على أي حال، من الواضح أنكِ تغيّرين قلبكِ بسرعة، أليس كذلك؟، أنا أيضًا كذلك، لكن معظم الناس لا يستطيعون فعل ذلك.”
عندما يتعرض الشخص للرفض لسنوات، يصبح محترفًا في التخلي عن الحب، لكن كلايسي لم ترَ ضرورة لشرح ذلك لديرنيك، لم تكن بحاجة لإخباره بأنها أمضت حياتها تتعرض للرفض من هنا وهناك!
وبدلاً من ذلك، قاطعت حديثه ورفضت اقتراحه بوضوح :
“فكّر كما تشاء، لكنني لست مهتمة بعقد زواج معك.”
“لماذا؟”
“لسببين.”
نظر إليها ديرنيك بجدية، وكان فضوله واضحًا لمعرفة السببين.
ترددت كلايسي، السبب الأول لرفضها كان ميرين، والثاني هو أنها لم تكن تثق بديرنيك.
لكن كلا السببين كانا محرجين للغاية، لذا تهرّبت وقالت:
“كلاهما سر.”
احتج ديرنيك قائلاً:
“كيف يمكنكِ التوقف عن الكلام فجأة؟، لقد أثرتِ فضولي!”
لكن كلايسي أغلقت شفتيها بإحكام وهزّت رأسها بعناد.
رغم محاولاته المتكررة لعرض الزواج عليها، بقيت كلايسي ثابتة على موقفها ولم تتزحزح.
بينما كانا يتجادلان، ظهرت فلورنسا أخيرًا
رغم أنها غادرت بحجة البحث عن مخلل الفجل، عادت وهي تحمل طبقًا من السلطة، ابتسمت فلورنسا برضا، ونظرت بين كلايسي وديرنيك، وكأنها تحاول التحقق مما إذا كان هناك أي تقدم بينهما أثناء غيابها.
حدّقت كلايسي بفلورنسا بعينين غاضبتين، بينما تابع ديرنيك تناول طعامه بهدوء تام، دون أن يتأثر، ولما لاحظت فلورنسا أن الجو بينهما يخلو تمامًا من أي أجواء رومانسية، تنهدت بخيبة أمل وجلست على كرسيها بتثاقل.
***
بعد انتهاء الطعام، غادر ديرنيك أولاً، بينما بقيت كلايسي في منزل فلورنسا حتى المساء. قضت وقتًا ممتعًا تستعيد ذكريات الطفولة وتتناول عشاءً دافئًا، ما ساعدها على الشعور بتحسن، حيث بدأت قدماها تتحركان مجددًا.
لكنها كانت تعلم أن المشي مستندة إلى عصا عبر حديقة فلورنسا الواسعة سيكون متعبًا، ولتسهيل عودتها، أرسلت فلورنسا معها عربة صغيرة لتقلها إلى منزلها.
عندما نزلت كلايسي من العربة مستندة إلى عصاها، شهقت الخادمة آنا وكادت أن تسقط من الصدمة.
“يا آنستي! ماذا كنتِ تفعلين حتى تعودين بهذا الحال؟!”
تدخلت ميرين، وهي تساعد كلايسي على الوقوف، وبدأت تتذمر :
“صديقة خالتي ليست حذرة أبدًا، تعرف أن خالتي لا تستطيع الحركة إذا أرهقت نفسها، فلماذا تصر على سحبها إلى كل مكان؟”
قاطعت كلايسي كلامهما، وهي تلوّح بعصاها على الأرض :
“كفى، لقد استمتعت بوقتي.”
ثم أشارت بعينيها إلى سائق فلورنسا ليغادر، وهو ما فعله فورًا.
ورغم امتعاضها الواضح، بقيت ميرين بجانبها، ترافقها حتى وصلت إلى غرفتها.
أثناء صعودها إلى غرفتها، كانت كلايسي تقاوم رغبتها الشديدة في سؤال ميرين: “هل أنتِ متأكدة من أنكِ على وفاق مع ديرنيك؟”
***
بعد أن هدأ الوضع وغادرت كل من ميرين وآنا، جلست كلايسي بمفردها، مستندة بذقنها إلى حافة النافذة، تحدق في الخارج، وتعيد التفكير في كلمات ديرنيك التي أثارت استياءها.
‘أن يفترض ديرنيك أنني مثله، حسنًا، يمكنني تجاوز ذلك، لكن كيف يفكر في ميرين؟’
كانت تعلم جيدًا أن ميرين شخص محبوب وذكي، وقادرة على التمييز بسهولة بين من يحبها ومن لا يهتم بها.
“إذن، لماذا يبدو تصرف ديرنيك مختلفًا؟”
فكرت في كلمات ميرين.
‘لو كان ديرنيك يحب ميرين فعلًا، لما كان ليجرؤ على عرض الزواج عليّ.’
“ما الذي يجري بالضبط؟”
***
في اليوم التالي، عندما شعرت كلايسي بالتعب، بقيت ميرين بجانبها دون أن تفارقها، جالسة عند رأس سريرها طوال الوقت، رغم أنها كانت تثير المتاعب في أغلب الأحيان، إلا أنها كانت دائمًا تظهر خوفًا شديدًا عندما تمرض، وتبقى بجانبها، كما لو أن العالم كله قد توقف.
في اليوم التالي، عندما استعادت كلايسي عافيتها وأصبحت قادرة على التجول في المنزل بمفردها، عادت ميرين إلى طبيعتها المرحة وبدأت في الخروج والترفيه عن نفسها.
ورغم أن كلايسي استطاعت التحرك بمفردها، إلا أنها فضلت البقاء في المنزل لبضعة أيام إضافية لاستعادة كامل طاقتها، أرسلت فلورنسا ثلاث سلال كبيرة من الفاكهة عبر خادمتها كنوع من العناية.
وفي ظهيرة 17 ديسمبر، جاءت فلورنسا بنفسها لزيارة كلايسي، كانت كلايسي قد تعافت تمامًا في ذلك الوقت، فكانت تتجول على ظهر حصانها في أرجاء الحديقة.
“كنت قلقة أن تمرضي بسببي.”
قالت فلورنسا مازحة، متظاهرة بالبكاء وهي تساعد كلايسي على النزول من الحصان.
ضحكت كلايسي وهي ترد :
“لا تبكي، لو مرضت فلن يكون بسببك، إنها فقط مشكلة في قوتي البدنية.”
“هذه دعوة لحفل نهاية العام الذي تنظمه دوقية سويل، كنت محظوظة بالحصول عليها، لكن، لم أتمكن من الحصول سوى على دعوة واحدة، لذا لا أستطيع الذهاب معك هذه المرة، كل دعوة مخصصة لشخص واحد فقط.”
نظرت كلايسي إلى فلورنسا بدهشة دون أن تأخذ الدعوة، الدوق سويل هو الابن الثاني للإمبراطورة الراحلة وشقيق الإمبراطور الحالي الأصغر مباشرة، وكان أيضًا من أكثر أفراد العائلة الملكية تأثيرًا ونفوذًا، الحصول على دعوة من هذا النوع بالتأكيد لم يكن بالأمر السهل.
دفعت كلايسي يد فلورنسا بعيدًا بلطف.
“لكن هذه… لا، لا بأس، أنتِ اذهبي. ما زلتِ جديدة هنا، ومن المهم أن تتعرفي على الناس وتكوني علاقات، أنا ممتنة جدًا للدعوة، لكن سيكون من الأفضل أن تستغليها بنفسك، لا أريد أن أشعر بالعبء بسبب هذا اللطف الكبير.”
صفعت فلورنسا برفق ظهر يد كلايسي ثم أدخلت الدعوة في قفازها.
“لا داعي للقلق، إذا كنت أعطيكِ الدعوة، فهذا لأنني أريدك أن تحظي بها.”
“تريدينني أن أحظى بها؟”
عندما تساءلت كلايسي، بدا أن فلورنسا تشعر بالحرج للحظة وأشاحت بنظرها.
“ماذا تعنين؟”
حاولت كلايسي أن تستفسر أكثر، لكن فلورنسا استعادت رباطة جأشها بسرعة وقرعت على ساق كلايسي.
“على أي حال، اذهبي واستمتعي بالحفل؟ ولا تدعي ميرين تأخذ الدعوة منك هذه المرة!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 26"