أثناء انتقالهم بالعربة، حاولت فلورنسا جاهدة أن تعرف طبيعة العلاقة بين كلايسي وديرنيك،
جربت طرح الأسئلة بطرق مختلفة، مرة بأسلوب ملتف وأخرى بأسلوب مباشر، مستعينة بكل ما تملكه من مهارات في الحوار.
لكن كلايسي ظلّت محافظة على صمتها، وبين الحين والآخر، كانت تتمتم قائلة : “ليس الأمر كما تظنين.”
أما ديرنيك، فقد تصرّف على طبيعته المعتادة، إذ لم تكن استراتيجيات فلورنسا المذهلة ذات تأثير يُذكر عليه؛ فهو دائمًا يتحدث بطريقته الخاصة ولا يكترث بما يُقال.
عندما وصلوا إلى منزل فلورنسا، استقبلهم كبير الخدم، قاد كبير الخدم ديرنيك إلى غرفة الضيوف الخاصة بالرجال، بينما ذهبت كلايسي مع فلورنسا إلى غرفة الضيوف الخاصة بالنساء.
ساعدت خادمات فلورنسا كلايسي في تغيير ملابسها، وعندما جلست في حوض الاستحمام المملوء بالماء الدافئ، بدأت فلورنسا تحقيقها، وكأنها على وشك دفع كلايسي تحت الماء لإجبارها على الكلام.
“ما هي علاقتكِ بذلك الرجل؟” سألتها بإلحاح.
“قلت لكِ، لا توجد أي علاقة بيننا، فقط بسبب بعض الأمور المعقدة، التقيت به أثناء ذهابي وإيابي إلى الحرس.”
“هل هو من الحرس؟”
“لا، لا أظن ذلك، صديقه هو من يعمل في الحرس، أنا حتى لا أعرف اسم عائلته يا فلورنسا، ولا أعرف من أي أسرة ينحدر أو ماذا يفعل.”
“كان عليكِ أن تعرفي!”
سكبت فلورنسا رغوة الصابون على رأس كلايسي، فردّت الأخيرة بدفع ساق فلورنسا اعتراضًا.
“لا يهمني أمره، ما أهمية معرفة عائلته إن لم أكن مهتمة به؟”
“لكن يبدو أنه مهتم بكِ.”
“لا تقولي هذا الكلام.”
أظهرت كلايسي امتعاضها وكأنها على وشك التقيؤ، فما كان من فلورنسا إلا أن عبثت بشعرها بعشوائية.
“إنه يبدو رجلاً جيدًا، فلماذا تتصرفين هكذا؟”
ارتجفت كلايسي من الانزعاج.
“تقولين إنه جيد؟، بأي طريقة؟”
“من مظهره.”
“……”
“إنه أكثر الرجال وسامة من بين كل من ارتبطتِ بهم، وفوق ذلك، يبدو أن شخصيته لطيفة، بدليل أنه استمر في مساعدتكِ، والأهم من ذلك، الطريقة التي ينظر بها إليكِ… تبدو مليئة بالحنان.”
كلايسي طردت فلورنسا من الحمام، وبينما كانت صديقتها تهرب، رشّت عليها الماء بلا توقف، مما جعل فلورنسا تصرخ وتغلق الباب خلفها بعنف.
ظلت كلايسي تفرك ساقها التي ما زالت لا تتحرك بشكل جيد، وهي تتذمر بامتعاض.
“أي نظرات حنونة تلك؟”
***
بعد أن انتهت من الاستحمام وغيّرت ملابسها وجففت شعرها المبلل، جاءت إحدى الخادمات لتخبرها بأن الوقت قد حان للذهاب إلى قاعة الطعام. نزلت كلايسي السلم مستندة على عصاها.
في قاعة الطعام، كانت فلورنسا منهمكة في التحقيق عن هوية ديرنيك، وحين دخلت كلايسي، نظرت إليها بحدّة، لكن فلورنسا تجاهلتها تمامًا وواصلت حديثها بثقة.
أما ديرنيك، فقد كان يبتسم كعادته وهو يتابع المشهد بأكمله، وعندما انتهت الخادمات من إعداد الطاولة وانسحبن، قال ديرنيك بمرح:
“يقولون إن فعل الخير يعود على المرء بالبركة، يبدو أن هذا صحيح، فقد ساعدت الآنسة كلايسي، وها أنا اليوم أحظى بوجبة رائعة في هذا المنزل الجميل.”
سألته فلورنسا، وهي تحاول مرة أخرى استدراجه : “أترى أن منزلي جميل؟”
أدركت كلايسي أن الأمر تجاوز الحد، فبدأت تنقر طرف ثوب فلورنسا بعصاها في إشارة لتتوقف.
ومع بدء تناول الطعام، لحسن الحظ توقفت فلورنسا عن طرح المزيد من الأسئلة، مما جعل كلايسي تشعر بالارتياح لاعتقادها أن فضول فلورنسا قد خمد أخيرًا.
لكن فجأة، خلال الوجبة، قالت فلورنسا : “يبدو أن المخلل قد نفد، انتظروا، سأذهب لجلب المزيد.”
قالت كلايسي بحيرة : “استدعي الخادمة.”
فعدد الخادمات المنتظرات في القاعة كان خمسة، ولا داعي لأن تذهب فلورنسا بنفسها إلى المطبخ.
لكن فلورنسا استمرت في تقديم أعذار غير منطقية، ثم أخذت وعاءً صغيرًا وخرجت بنفسها.
تركت فلورنسا كلايسي بمفردها مع ديرنيك، مما جعل كلايسي تحدق بذهول في القوس المؤدي إلى الرواق.
بعد لحظات من الصمت المحرج، أدركت كلايسي أن فلورنسا تعمدت تركهما بمفردهما.
نظرت إلى ديرنيك الجالس قبالتها، متى بدأ ذلك؟، كان مسندًا ذقنه على يده، يبتسم لها بنظرة دافئة.
رنّ صوت فلورنسا في ذهنها فجأة: “إنه الأوسم من بين الجميع.”
شعرت كلايسي بالحرج، فابتسمت ابتسامة متوترة، ثم أمسكت بالشوكة ونظرت إلى الأسفل.
كانت تعرف سبب تصرف فلورنسا، لكنها لم تكن تنوي الاهتمام برجل أعجبت به ميرين، كلايسي لم ترغب في التقرّب من الرجل الذي تكنّ له ميرين مشاعر حب.
بالطبع، لم تكن تفكر في ذلك حتى قبل أن يظهر إعجاب ميرين بديرنيك.
‘إذا أخبرت فلورنسا بهذا، فستحاول لصق ديرنيك بي أكثر، لقد فعلت ميرين هذا لسنوات، لذا قد تقول إن علي ردّ الجميل بالطريقة نفسها، لكن في النهاية، كان هدف ميرين منع زواجي، ولم ترتبط أبدًا فعليًا بالرجل الذي خطفته مني’
تنهدت كلايسي وبدأت تعبث بسلطتها التي كانت لا تزال نصف ممتلئة.
“لماذا تتنهدين؟”
كان ديرنيك يراقبها طوال الوقت على ما يبدو، فسألها فجأة.
“أعتقد أن فلورنسا قد أساءت الفهم.”
ردّت كلايسي بتظاهر بسيط، وهي تضع الشوكة جانبًا، إذ كان العبث بالطعام يتنافى مع آداب المائدة.
“أي سوء فهم؟”
سألها مجددًا، لكن تعابير وجهه كانت مليئة بالمرح، وكأنه يعلم تمامًا ما يدور في ذهن فلورنسا.
أدركت كلايسي أن التظاهر لن يجدي نفعًا، فقررت الاعتراف بصراحة.
“فلورنسا تظن أننا أكثر من مجرد أصدقاء، رغم أنني أخبرتها مرارًا أن الأمر ليس كذلك، لكنها لا تصدقني، لذا، من الأفضل أن تتجاهل تصرفاتها الغريبة.”
كانت تأمل أن تكون تلك الكلمات كافية، ثم عادت لتناول الحساء الذي أصبح فاترًا.
لكن فجأة قال ديرنيك بابتسامة خفية: “زوجة الكونت المستقبلي إيمير ذكية للغاية.”
تجمدت كلايسي وفي فمها ملعقة الحساء، ورفعت عينيها إليه بدهشة، كان لا يزال يسند ذقنه إلى يده، مبتسمًا.
“ماذا؟”
سألته مرة أخرى، فوضع يده جانبًا وردّ بوضوح:
“زوجة الكونت المستقبلي فهمت الأمر بسرعة، لقد أدركت على الفور أنني مهتم بكِ.”
وجدت كلايسي نفسها في موقف مربك : هل تواصل تناول الحساء أم تضع الملعقة جانبًا؟، بقيت الملعقة عالقة بين شفتيها، عاجزة عن اتخاذ أي قرار.
شعرت وكأن ديرنيك أثار عاصفة داخل أفكارها، مهتم بي؟، هذا الرجل مهتم بي؟
فكرت في ميرين، ميرين كانت تعتقد أن الأمور تسير بشكل جيد بينها وبين ديرنيك، وكانت سعيدة بحديثهما عن الزواج.
أخذت كلايسي تمسح شفتيها بمنديلها برقي، بينما تنظر إلى ديرنيك بعينين ضيقتين، هل يمكن أن يكون حقًا لعوبًا؟.
قال ديرنيك بلهجة مرحة: “أوه، آنسة كلايسي.”
عندما رآها ديرنيك تحدق فيه بنظرة حادة، وضع يديه فوق صدره متظاهراً بالدهشة.
“هذه أول مرة أُقابل فيها شخصاً يحدق بي هكذا لمجرد أنني قلت إنني معجب به.”
بدا تصرفه هذا أكثر إقناعاً لكلايسي بأنه مجرد لعوب، قطبت حاجبيها وقالت بحدة:
“أنا لا أحب هذا النوع من المزاح، أعلم أنك تستمتع بالمزاح، لكن من فضلك، لا تمزح بهذه الطريقة، إنه يزعجني فحسب.”
أنزل ديرنيك يديه عن صدره، متخذاً مظهراً أكثر جدية، ثم قال:
“لا أمزح، أنا حقاً مهتم بكِ، أعتقد أننا سننسجم معاً.”
أمسكت كلايسي بكأس الماء محاولة تهدئة انفعالها، في البداية، كان كل ما يشغلها هو تصحيح سوء فهم فلورنسا، لكن عندما واجهتها اعترافات ديرنيك، شعرت بالارتباك أكثر.
لم يكن الأمر متعلقاً بميرين فقط، بل ديرنيك نفسه كان على علم بأنها قد طلبت من السير كيشين الخروج في موعد.
“كلايسي، هل فكرتِ في مواعدة شخص مثلي؟”
لم تستطع كلايسي تمالك نفسها وسألته بنبرة غير مصدقة:
“أتعرف أنني طلبت من السير كيشين الخروج معي؟”
“بالطبع أعرف.”
“ومع ذلك تتحدث هكذا؟”
“لقد رفضكِ، إذن، هذا لا يهم، أخبرني كيشين أن لديكِ عادة في تجاوز الأمور بسرعة إذا شعرتِ أن الأمر لن ينجح، وأنا كذلك، لا أحب التعلق العاطفي المفرط، أعتقد أننا سنتفق جيداً.”
بقيت كلايسي فاغرة فمها، غير قادرة على تصديق كلماته، كانت ترى بوضوح أنه جاد في كلامه، مما جعلها تشعر بالألم الداخلي، لم تكن تفهم كيشين ولا ديرنيك.
‘السير كيشين رفضني ثم انتقدني لأنني تجاوزت الأمر سريعاً، والآن هذا الرجل يحاول التودد إليّ بمجرد أن رفضني كيشين! أي نوع من الصداقة هذه؟’
لكن في النهاية، أدركت كلايسي أنها لا تهتم بديرنيك، بغض النظر عن علاقتها بكيشين أو ميرين.
بدأت تفكر : هل يجب أن أرفضه لأن ميرين تحبه؟.
لكن ميرين لم تفصح بعد عن مشاعرها، وشعرت كلايسي أن التحدث نيابة عنها سيكون تصرفًا غير لائق، بعد تفكير طويل، قررت أن تكون صادقة جزئيًا.
“يبدو أن هناك سوء فهم، أنا لا أهتم بالحب أو العلاقات العاطفية، سواء كانت سطحية أو عميقة، لا أهتم بها على الإطلاق.”
رفع ديرنيك حاجبيه وقال:
“لكن مع ذلك، كنتِ شديدة الإصرار على جذب انتباه السير كيشين، أليس كذلك؟”
أجابت كلايسي وهي تتجنب عينيه:
“القانون في بلدنا يشترط الحصول على موافقة الوالدين للزواج من أجل وراثة الممتلكات العائلية، لذا، كنت أبحث عن شريك مناسب للزواج.”
شعرت أن كلماتها كانت صريحة جدًا، واحمر وجهها من الإحراج، لكنها عرفت أن العديد من الشباب الأرستقراطيين يواجهون مشكلات مشابهة، وغالبًا ما يكون السبب أنهم مجبرون على الزواج بمن تختاره عائلاتهم بدلاً من من يحبون.
‘على أي حال، لم يعد هناك شيء بيني وبين السير كيشين، فلماذا أكترث؟’
بمجرد أن بدأت بالكلام، استرسلت دون تردد، وبوجه خالٍ من أي تعبير، تابعت:
“كما تعلم، كلما تأخرت في الزواج، كلما تقلص نصيبي من الميراث، لدي ثلاثة إخوة أكبر مني، وكلهم تزوجوا بالفعل، لذا، كان عليّ التصرف بسرعة.”
في النظام الأرستقراطي، كان الأبناء يتلقون نصيبهم من الميراث على شكل قسمين: ميراث يُترك لهم بعد وفاة الوالدين، وآخر يُمنح لهم عند الزواج، على سبيل المثال، إذا كان المجموع الكلي للميراث هو 100، فإن الابن الوحيد يحصل على 100 كاملة، وإذا كان هناك طفلان، يحصل كل منهما على 50.
بما أن كلايسي كانت واحدة من خمسة أبناء، كان نصيبها 20 من أصل 100 عند ولادتها، وهو المبلغ الذي يمكنها الحصول عليه عند الزواج، لكن كلما تزوج أحد إخوتها وأنجب أطفالًا، كان نصيبها يتقلص.
عندما تزوجت أختها الكبرى، أخذت نصيبها من الميراث، لكن بعد أن أنجبت طفلًا، اضطر الإخوة الباقون إلى مشاركة حصتهم معه، ومع أن نصيب الأحفاد كان أصغر، إلا أن ذلك قلّل من نصيب الإخوة بشكل ملحوظ.
ومع ولادة ميرين، والتوأمين من أختها الثانية، وابن أخيها الأكبر، وابنة أخيها الأصغر، انخفض نصيب كلايسي بشكل كبير، والأسوأ من ذلك، أن أختها الثانية كانت حاملًا، وأخواها في سن يمكنهما فيه إنجاب المزيد من الأطفال.
وعندما كانت كلايسي تعاني من هذا التناقص في نصيبها، سخرت منها أختها قائلة :
“لقد مررنا جميعًا بهذا عندما وُلدتِ فجأة.”
لم تكن كلايسي ترغب في أن يتقلص نصيبها من الميراث أكثر من ذلك.
عندما انتهت من سرد قصتها الواقعية، بدا ديرنيك مذهولًا، غير قادر على إغلاق فمه من الدهشة، وبينما كانت كلايسي تعبث بأذنيها المتورمتين من الحرارة، تمتمت :
“ربما يبدو تصرفي ماديًا، لكن لا خيار لدي، إن لم أتزوج، سيأخذ إخوتي كل ما تبقى.”
لكن ما حدث بعد ذلك كان مفاجئًا، فجأة، ابتسم ديرنيك بوجه مشرق وفتح ذراعيه بحماس :
“أنتِ بالفعل مثلي تمامًا، كلايسي! لدينا نفس النظرة للحياة، صحيح أنني ابن وحيد ولا أواجه نفس مشاكلك، لكنني أيضًا أريد نصيبي من الميراث.”
“ماذا؟”
“أنا لا أريد الزواج من شخص اختاره لي والداي، لذا، ماذا لو عقدنا زواجًا شكليًا بيننا؟، أعتقد أن والديّ سيوافقون على ذلك إذا عرفوا عنكِ.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 25"