لم تشعر كلايسي بهذه المتعة داخل عربة منذ أن كانت في السادسة عشرة من عمرها، كانت تغني بخفوت وهي تنظر من النافذة، لكن تركيزها كان منصباً على رد فعل ميرين.
ميرين كانت جالسة بلا حركة، تئن وتتنهد بصوت مسموع، تعابير وجهها كانت ممتعضة بشكل واضح، وخدودها منتفخة مثل سمكة البخاخ.
اضطرت كلايسي إلى الضغط على شفتيها بظهر يدها كي تمنع نفسها من الضحك.
“بالمناسبة، هل تركتِ تقريباً كل تذكارات أختي الكبرى في المنزل؟”
شعرت بقليل من الأسف، فقررت أن تبدأ المحادثة، لكن ميرين استدارت برأسها بسرعة وكأنها تصدر صوتاً احتجاجياً.
“لا أريد التحدث معكِ يا خالتي.”
كلايسي فكرت عدة مرات في اليوم بأنها ليست والدة ميرين، لكن ربما لأنها ربتها منذ الصغر، لم تستطع منع نفسها من التفكير كم هي لطيفة عندما تتذمر بهذا الشكل.
على أي حال، ميرين لا تظهر هذه التصرفات إلا أمامها فقط.
“حسناً، كما تشائين.”
ردت كلايسي بلامبالاة، مما دفع ميرين إلى التذمر أكثر، ثم انتقلت لتجلس بجانبها وتعلقت بذراعها.
“أنتِ تنتقمين مني الآن، أليس كذلك؟”
“انتقام؟، هل تعتقدين أنني شخص طفولي لهذه الدرجة؟”
“نعم!”
“أنتِ محقة”
ضحكت كلايسي وهي تسحب خصلات من شعر ميرين المجعد الذهبي الذي يشبه خيوط الحرير، ميرين ردت بضرب ساق كلايسي ثم غاصت في حضنها.
بينما كانتا تتشاجران برفق، مر الوقت بسرعة، وتوقفت العربة أخيراً، قفزت ميرين من مكانها كطفلة وركضت نحو الخارج.
تبعتها كلايسي ببطء، وهي تنظر إليها بريبة.
‘هل ميرين مهتمة حقاً بديرنيك؟، لم تكن هكذا من قبل.’
عندما دخلتا إلى المطعم المتفق عليه، سألهما النادل ببدلته الرسمية عن اسميهما، ثم قادهما إلى الغرفة المحجوزة.
عندما فتح الباب، رأتا ديرنيك قد وصل مسبقاً وكان يتفحص الشجرة الكبيرة بالغرفة، استدار عند سماع الصوت ورأى ميرين، فابتسم، ثم نظر إلى كلايسي وانفجر ضاحكاً.
“هذا رائع!، أردت سيدة جميلة، فجاءت اثنتان.”
تمتمت ميرين بخجل، وهي تلقي نظرة خاطفة على كلايسي.
“خالتي جاءت لأنها كانت قلقة عليّ.”
لو كان الأمر أمام أشخاص آخرين، لرفضت كلايسي أن تُعرف على أنها “خالة ميرين”، لكنها لم تمانع ذلك أمام ديرنيك.
“السير ديرنيك، من الآن فصاعداً نادني ميرين.”
تنهد ديرنيك قائلاً: “آه…” ثم تمتم وكأنه في موقف محرج.
“لكن، أنتِ ابنة السيدة ماري، أليس كذلك؟”
“لكن مناداتي بهذا الشكل أصعب، أليس كذلك؟”
“لا بأس، إذا ذكرت اسم السيدة ماري عدة مرات”
“ولكن لماذا لا تنادي خالتي بـ ‘أخت السيدة ماري’؟”
كلايسي ضحكت في نفسها.
‘لأنه يناديني بتاجرة الأسلحة!’
أما ديرنيك، فقد بدا عليه الحيرة الشديدة وقال: “حقاً؟ لماذا لا أستطيع مناداة الآنسة كلايسي هكذا؟، لكن… لا أعتقد أنه مناسب.”
‘بالطبع، لأنه يجب أن تناديني بتاجرة الأسلحة!’ ضحكت كلايسي مجدداً.
مع ذلك، لم يكن ديرنيك ينادي كلايسي “تاجرة الأسلحة” أمام ميرين، بدلاً من ذلك، التقت عيناه بعينيها وكأنه كان يبادلها سراً كبيراً، ثم غمز بعينه.
“لدينا لقب أفضل، أليس كذلك، الآنسة كلايسي؟”
‘يا لها من نكتة!’ كلايسي شعرت بالسخرية الشديدة فلم ترد.
لكن ميرين على ما يبدو فهمت الأمر بشكل خاطئ، فقد بدا عليها الامتعاض بعد سماع ديرنيك يمزح مع كلايسي، رغم أنها كانت فخورة بدور كلايسي كخالتها، إلا أن تعبير وجهها تغير قليلاً.
رغم أن التغيير كان طفيفاً، أدركت كلايسي أن ميرين قد شعرت بالإحباط بسبب تلك الكلمات.
سارعت كلايسي لتوضيح الأمور.
“عندما التقيت السير ديرنيك لأول مرة، حدثت واقعة ما، ما يقصده ديرنيك هو تلك الواقعة، وليس لقباً محبباً أو شيئاً من هذا القبيل.”
“واقعة؟”
عندما سألت ميرين، بدأ ديرنيك بسرد القصة حول كيف اضطر إلى الصعود على عربة كلايسي بسرعة، وما تلا ذلك من أحداث.
بينما كان يروي القصة، دخل الخدم إلى الغرفة حاملين الطعام، انتهت القصة في منتصف الوجبة.
كان ديرنيك رجلاً غريب الأطوار، لكنه كان راوي قصص ممتاز، فقد كان يمزج بين المبالغة والخرافة أثناء حديثه عن الأحداث التي جمعت بينه وبين كلايسي و”الحيطان التي لها آذان”، مما جعل ميرين تضحك باستمرار.
وبدا أن كل الشعور بالإحباط الذي كانت تشعر به قد اختفى تماماً، حيث كانت تضحك بشكل متواصل لدرجة أنها لم تستطع تناول وجبتها بشكل صحيح.
أما كلايسي، التي كانت تستمع لديرنيك وهو يروي قصتها، شعرت ببعض الإحراج، لذلك ركزت على تناول طعامها بصمت.
في نهاية القصة، وبعد أن شعرت بالسعادة، أخبرت ميرين ديرنيك أخيراً عن تذكارات والدتها.
“لقد ورثتُ معظم اغراض والدتي، لكنني لم أحضر سوى القليل منها إلى هنا، أما الباقي فقد تم توزيعه بين بيت عائلة الماركيز أوميل وبيت عائلة الكونت كالاش، تم تقسيمها على ثلاث أماكن، لذا من الصعب العثور على ما تبقى، لذلك فقط أخبرني بما تبحث عنه تحديداً.”
قال ديرنيك متردداً: “يصعب عليّ أن أخبرك بذلك.”
“لكني لست غريبة، أنا الابنة الوحيدة لماري أوميل.”
“لكنني لست والدكِ.”
عندما خرجت هذه العبارة المعتادة من فم ديرنيك، والتي كانت كلايسي تكررها غالبًا، تغيرت تعابير وجه ميرين بشكل غريب، ومع أن ديرنيك لم يكن يعلم ذلك، إلا أنه تشابك ذراعيه وبدأ يفكر بعمق، ثم اقترح قائلاً:
“إذاً، ما رأيك بدعوتي إلى منزلك؟، يمكنني أن أعاين التذكارات بنفسي.”
“هذا…”
“إذا كنتِ قلقة من أنني قد آخذ شيئاً، يمكنكِ أن تبقي شخصاً بجانبي، أو أن تراقبيني بينما أعاين التذكارات، ما رأيك؟”
فكرت ميرين قليلاً، ثم أجابت: “سأفكر في الأمر.”
ابتسم ديرنيك وقام من مقعده قائلاً: “ممتاز”
كلايسي، التي كانت تقف خطوة إلى الخلف خلال حديثهما، شعرت بالاستغراب عندما رأت ديرنيك يقف ويرتدي معطفه، فسألته: “إلى أين أنت ذاهب؟”
بابتسامة ماكرة، قال ديرنيك: “سأبحث عن هدية قد تجعل ابنة السيدة ماري تغير رأيها.”
ضحكت ميرين وسألته: “ما نوع الهدية؟”
“سأعود خلال عشر دقائق، اشربي القهوة مع خالتكِ حتى أعود.” قال ديرنيك وهو ينظر إلى ساعته، ثم غادر بسرعة دون أن يوضح ما سيفعله.
“يا له من رجل عجيب.” علقت كلايسي وهي تخرج لسانها بدهشة.
لكن على عكس كلايسي، لم يبدو أن ميرين تزعجها تصرفات ديرنيك الغريبة، بل ضحكت بشدة بعد خروجه، وكأنها تجد الأمر ممتعاً.
استغربت كلايسي من رد فعل ميرين.
حتى الآن، كان جميع الرجال الذين التقتهم ميرين ينصاعون لها تماماً، كانوا يستمعون بانتباه لكل كلمة تقولها، ويحاولون إرضاءها في كل شيء، ومع ذلك، كل ما كانت تريده منهم هو الابتعاد عن جانب كلايسي.
أما ديرنيك، فقد كان يتصرف بطريقته الخاصة ولا يكترث كثيراً بميرين، ومع ذلك، كانت ترمقه بنظرات مليئة بالود أكثر من أي رجل آخر.
كان الأمر محيراً بالنسبة لكلايسي.
‘هل يمكن أن تكون ميرين معجبة بديرنيك بسبب علاقتي به؟، أم أنها فعلاً تشعر بالفضول تجاه ديرنيك نفسه؟’
لم تستطع كلايسي كبح فضولها فسألت مباشرة: “هل يمكن أن تكوني معجبة بالسير ديرنيك؟”
لكن ما إن طرحت السؤال حتى تغيرت ملامح ميرين فجأة، وكأن سؤال كلايسي قد لمس وترًا حساسًا. توقفت عن اختيار قهوتها ونظرت إليها بحدة: “ماذا عنكِ؟”
“ماذا؟، لماذا أنا فجأة؟” سألت كلايسي بدهشة، وضحكت.
ثم أغلقت ميرين قائمة المشروبات وهي تخرج شفتها السفلى قليلاً، وسألت مجدداً: “هل تخليتِ عن السير كيشين بهذه السرعة؟، ماذا عن الوقت الذي كنتِ سعيدة فيه وأنتِ تحملين باقة الزهور التي أهداكِ إياها؟، والآن أنتِ مهتمة بالسير ديرنيك؟”
كان موقفها أشبه بمن يغار ويخشى أن تهتم كلايسي بديرنيك.
ضحكت كلايسي بخفة وقالت ممازحة: “أجل، الآن أنا مهتمة بالسير ديرنيك، ألم تقولي لي بنفسكِ أن السير كيشين أساء فهمي وأهانني، ولذلك يجب ألا أقترب منه؟”
***
“يا له من موقف.”
قال ديرنيك وهو يغطي فمه بيده وينظر إلى السير كيشين بجانبه.
“لم أكن أنوي أن تسمع مثل هذا الحوار عندما أحضرتك معي.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 18"